اعتبر غالبية الشعب المغربي حكومة بنكيران في طبعتها الثانية ، نذير شؤم ، تشكيلة وزارية سطرت وسط احتقان شعبي جراء الارتفاع الصاروخي للأسعار و استفحال البطالة و انتشار أحزمة الفقر ، ما فجر أحداث في عدة مدن ، انتفضت بالوكالة عن باقي المناطق المغربية الأخرى ، كما وصف ذلك مراقبون.. شرائح واسعة من الطبقة المسحوقة كتمت غضبها و حتى ذات الدخل المتوسط حيال موجة الغلاء المعيشي المسترسلة .. و قد فسر أحد الخبراء الاقتصاديين المغاربة لقناة الجزيرة في وقت سابق بأن الشعب المغربي يصبح أكثر ميلا للعنف كلما تعلق الأمر بغلاء رغيف الخبز و المواد الغذائية الأساسية الأخرى ، مبررا أسباب الأزمة و تداعياتها إلى غياب سياسة اقتصادية واضحة المعالم ، بإمكانها إخراج الوضع المعيشي المتردي من عنق الزجاجة .. في حين التزمت الأحزاب السياسية المغربية الصمت المطبق كعادتها و أدارت ظهرها للشعب لتنشغل في التسابق نحو حقائب وزارية باستثناء تنظيم الميزان الذي هرع للخروج من الحكومة السابقة ليس دفاعا عن مكتسبات الشعب المغربي ، بل استكمالا لفصول مسرحية الموالاة و المعارضة من جهة و لتصفية حسابات أيديولوجية ضيقة بينه و بين حزب المصباح من جهة أخرى .. و يبدو من خلال ما يعرفه المشهد السياسي بالمغرب أن المواطن أضحى أكثر وعيا من ذي قبل من أن التنظيمات السياسية الوطنية لا حول لها و لا قوة في تدبير الشأن العام ، و أنها مجرد قطع شطرنجية ليس إلا ، تنتقل وفق تفكير و خطة أصحاب اللعبة.. لم تكن التشكيلة الحكومية في الطبعة البنكيرانية الثانية مفاجئة للسواد الأعظم من الشعب المغربي ، بل كانت الأسوأ في نظره من الحكومات السابقة ، فجميع هؤلاء لهثوا و هرولوا فغردوا و رفرفوا بأجنحة الحمام خلف الحقيبة ، منهم لم يتجشم عناء السباق ، بل استفاق و الحقيبة مع وجبة الفطور ، فيما اشتد الجدال بين المتتبعين في هذا المضمار حول مستوى ديبلومات و شهادات المتسابقين على الحقائب الوزارية ، و حتى إن وجدت ، فهي ليست صمام أمان عيش المغاربة إذا كان حاملوها لا يعايشون هموم و معاناة الفئات المحرومة بأحزمة البؤس .. فشرط المستوى الثقافي و التكوين السياسي لصاحب الحقيبة ليس المعيار الوحيد لإنقاذ الأمة المغربية من السكتة القلبية إذا انعدمت الغيرة الوطنية و أسمى مثل المواطنة و الإيمان بروح المسؤولية كما يجمع على ذلك المغاربة .. و لا يمكننا القول بأن الأحزاب السياسية كانت قوية بالأمس حتى نجزم أنها اليوم أصبحت ضعيفة ، و ما يؤكد هذا الطرح أن الأحزاب السياسية لا تنشط سوى في الكرنفالات الانتخابية لاستجداء أصوات الناخبين خدمة لمصالحها الذاتية ، ضاربة عرض الحائط مصالح الشعب طيلة أعوام العسل بالبرلمان و الحكومة .. و أجمع محللون أنه منذ استقلال المغرب إلى يومنا هذا ، لم تؤد الأحزاب السياسية دور الممثل الحقيقي للشعب المغربي ، بل هي لا تمثل إلا نفسها و الحكومات التي تعاقبت عليها تارة و تتفنن في التناوب على تقمص أدوار مسرحية المعارضة و الموالاة تارة أخرى.. إن الشعب المغربي ليس قطيعا كي يكون موضع استهجان و سخرية بهكذا طريقة ، و لا يظن أحد أن المغاربة بمعزل عن معرفة ما يروج بالكواليس من تمثيليات تبدعها الحكومات المتتالية للضحك على ذقون هذا الشعب ، تسطر خلالها برامج ذات الآفاق البعيدة (غرفة الانتظار) و تباع فيها الأوهام و الأحلام الوردية بغرض امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد.. هؤلاء يتحكمون في مصير الشعب المغربي طيلة الخمس سنوات 39 وزيرا بينهم سيدتان يشرفون على وزارات أغلبها استهلاكية لا إنتاجية .. أين وزراءنا في مجال التصنيع الحربي و الصناعات الثقيلة و البحث العلمي ، في وقت أن بلادنا تزخر بثروات معدنية و حيوانية هائلة ..؟! يتساءل البعض ، و ما جدوى يا ترى هذا الكم الكبير من الوزراء الذي سيستنزف خزينة الدولة مليارات الدراهم .. في وقت أننا نستورد القمح و المشروبات الغازية و الأجهزة الإلكترونية و الألبسة و ليست لدينا القدرة على ثقب إبرة الخياطة..فالصين مثلا بلد المليار و مائتي مليون نسمة يدبر شؤونها بضعة عشر وزيرا ، صعدوا إلى القمر ، صنعوا قنابل و أسلحة نووية ، أغرقوا اسواقنا بمنتوجاتهم المتنوعة .. فالشعب المغربي لا ينتظر أي جديد من هذه الحكومة المطبوخة .و الطاجين الحكومي المعد سلفا على نار هادئة لا يأكل منه إلا طباخوه ، أما المرجل الشعبي المليء (بالما و الزغارت) يغلي على صفيح ساخن .. و يأتي العزوف الشعبي عن التصويت خلال الاستخقاقات الأخيرة كتعبير احتجاجي صامت و ردة فعل عما آلت إليه أوضاع المواطنين .. نخبة سياسية نقضت العهود و أخلفت الوعود التي قطعتها على نفسها ، هذه الأخيرة فقدت الثقة في استشراف غد مشرق.. في أعقاب سقوط آخر ورقة توت عن حزب لطالما تقمص لبوس الإسلام و غرد أمينه صادحا في خلال كرنفالاته الانتخابوية أنه يملك عصا موسى و أن بيده جميع مفاتيح حلحلة كل المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و أنه سيفضح الفاسدين و المفسدين و الأفضع في الأمر أن رئيس هذه الحكومة الهجين هدد في خلال الانتخابات البرلمانية السابقة بأنه سيقدم استقالته في حال تعرضه للمضايقات و الإكراهات و الضغوطات ، لكنه حينما تنفس الصعداء و انتشى نخوة الكرسي الوثير أضحى يتذرع بالحجج الواهية و يصف من هم أقوى منه بالتماسيح و العفاريب للتبرير عن فشله و فشل حزبه و إيديولوجيته الإسلاموية .. مما لا يدع مجالا للشك ، أن البون و الشرخ قائمين بين الحكومة و الشعب إلى حين إيجاد رجال أكفاء تتوفر فيهم صفات الدين ، الوطنية و العلم و لا يمكن بأي حال من الأحوال ردم هذه الهوة و بناء جسور الثقة إلا بتشكيل جبهة إنقاذ ملكية تكون بمثابة مجلس أعلى للأمن القومي تحت إشراف صاحب الجلالة ، يتكون من خيرة الساسة ، العسكر و علماء الدين و خبراء من هذا الشعب الوفي الأبي الذي أنجب أمثال يوسف بن تاشفين ، عبد الكريم الخطابي ، محمد الخامس ، بن بركة و آخرون .. لقد كان الراحل الحسن الثاني محقا حينما حذر من الخطر المحدق ببلادنا الذي نعته بالسكتة القلبية ، فالخطاب كان موجها للجميع ، لكن بالأساس لأولئك المحصنين بدهاليز وزاراتهم خلف الزجاج الواقي و قد أثقل جفونهم دفء المكيفات.. أما خطابنا نحن، ليس تيئيسيا ، فاقدا للآمال ، بقدر ما هو تحليلا تقييميا لواقع لطالما جرى إخفاؤه و التعتيم عليه بأنشودة "كولوا العام زين" التي تتغنى بها شيخاتنا الرائدات على فضائيتي الأولى و الثانية ، لكن الشعب المغربي لم تعد تطربه هكذا أنشودات و ترنحات ، ما دامت بطون جانب منه فارغة و حقوقه مهضومة ، فالجوعى لا يرقصون و لو كانوا قردة مروضين ، ما يعني أن صيانة حقوق الشعوب هي في حد ذاتها صيانة و حماية لأي حكومات و أنظمة .. و بعبارة أخرى إن اندثار و سقوط أغلب الحضارات السابقة و حتى و إن طال أمدها كان من وراءه تردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية لتلك الأمم من غلاء معيشي و ارتفاع ضريبي و فساد إداري و سياسي .. عوامل مادية و موضوعية بحثة أثقلت كاهل شعوب تلك الحضارات ، فكانت النقمة على حكامها و ما نظام تشاوسيسكو منا ببعيد.. و من أراد أخذ العبر و الدروس فعليه قراءة تاريخ الأمم السابقة لينهل من صفحاته الشيء الكثير.. كما أن الحكومات التي تفرط في حقوق شعوبها ، سهل و هين عليها التفريط و اللامبالاة في القضايا المصيرية لبلدانها حتى و إن تظاهرت هذه الحكومات بحبها لأوطانها .. و لا يختلف اثنان في كون تنمية الإنسان المغربي هي السبيل الأنجع لاستقرار و ازدهار بلادنا ، و ما إرساء دولة الحق و القانون و إقلاع قاطرة التنمية البشرية بمجهودات جلالة الملك محمد السادس ، إلا استيراتيجية ملكية حكيمة لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية التي حذر منها والده الراحل الحسن الثاني ، لأن لغة المنطق تفرض على أن يكون الملك أحرص أشد ما يكون الحرص على استقرار الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية من خلال تشكيل جبهة إنقاذ من خيرة الرجالات المغاربة الأمناء و الأكفاء تسري في عروقهم دماء الوطنية الحقة متشبعين بأسمى معاني التفاني في التضحية لصيانة الاستثناء المغربي بوضع قطيعة مع من سماهم بنكيران بالتماسيح و العفاريت مهما بلغ نفوذهم و مهما ارتفعت رواتبهم و مواقعهم ما دام أنهم يشكلون خطرا على الأمن القومي للبلاد.. و إلا فستكون الكارثة و يسحب البساط من تحت أقدام من يمسكون بزمام الأمور..