أزِفَتِ الانتخابات وكَثُر الهرج والمرج، واقترب اليوم الموعود؛ يومَ يُحسَبُ فيه للمواطن ألف حساب، وتزداد قيمته في سوق الانتخابات. مصباح عند قوم نور على نور، وعند قوم ظلام حالِكٌ أو نورٌ ينير طريق التماسيح والعفاريت لا غير. وجَرّار لدى أُناسٍ يصلُح لأن يكون خرَّازاً يُصلِح ما أفسده السابقون، ولدى أُناسٍ ليس إلا جزّاراً يَجُزُّ العباد ويَجُر البلاد وخيراتها إلى ضيعته.وميزان عند هؤلاء قسطاس مستقيم، وعند أولئك شيطان رَجيم. وحمامةٌ عند نَ فَرٍأمنٌو سلام،وعندنفرٍسرقةوأكلُمالٍحرام.سنبلة لَدَى رَهْطٍ سبْعُ سُنبلات في كل سنبلة مائة حبة، ولَدَى رهط سبعُ سنبلات يابساتٍ لا تُسمن ولا تغني من جوع.وحصانعند نَفَرٍ خيْلٌ معقودٌ في نواصيها الخير، وعند نفرٍ بغلٌ مكتوب على حافره: كَمْراكبِبغلٍلهعقلُبغلِه* تأمَّلْتَرىبغلاعلىظهرهبغلُ. وأحزاب يسارية لَدَى بعضٍ بِساطٌ أخضر وتقدمٌ واتحاد، وعند بعضٍ ما هي إلا مُنْخَنِقَةًأومَوْقُوذَةًأومُتَرَدِّيَةًأونطِيحَةًأومَاأَكَلَالسَّبُعُ. ساس يسوس: كلما ذُكرت السياسة إلا وانقسم الناس إلى متحفِّظ أو لاعِنٍ أو مبارِك؛ فهي خَيطٌ من نسيج الحياة اليومية للأفراد والجماعات، كل شيء مُسَيسٌ كيفما كان، وكل شخص سياسي؛ فالملِك سياسي في مملكته، والفلاّح سياسي في حقله، والمعلمة سياسية في قسمها... وإذا تتبعنا كل دلالات كلمة " السياسة " في معاجم اللغة العربية، وجدنا هذه الدلالات تتجسد فعلا في ساسة الأحزاب الانتخابية بشتى أنواعها وتلاوينها، نورِدُ بتصرف هنا أهم الدلالات كما ذكرها ابن سيده (ت458ه) في معجمه " المحكم والمحيط الأعظم في اللغة ": 1- السُّوس: [ العُثّ، وهو الدود الذي يأكل الحَب، واحدته سوسة..] ولا يختلف اثنان على وجود كثرة الدود من مترشحين ومترشحات أكلوا حَبَّ البلاد نهارا جِهارا من غير حسيب ولا رقيب، وفضيحة ملعب مولاي عبد الله بالرباط ليست منا ببعيد، وما خفي أعظم وأجَلّ. 2- الطبع والخُلُق: أين نحن من الطبع الجميل والخلق النبيل في حملاتهم الانتخابية؛ حملات تؤثتها السيوف والحجارة، صراعات وشجارات، نباح وصياح وتنابز بالألقاب وكأننا في غابة من الكلاب والتماسيح والعفاريت. 3- الريادة والقيادة: وهي الدلالة القريبة للكلمة في عصرنا الراهن، وتعني سياسة الرجل لقومه ورعاية مصالحم، وتدبير أمورهم إذا رَأَّسوه عليهم. 4- الترويض والتأديب والتدبير: وهي دلالة قديمة، والسائس من يقوم على الدواب ويروضها؛ فدلالة الترويض مخصوصة بالدواب والحيوانات أو بأي شيء آخر غير عاقل، ودلالة التدبير والرعاية والإصلاح مخصوصة ببني آدم.. لكن قل لي بربك متى كان غير المؤدب يؤدِّب؛ فحال المترشح والناخب اليوم كحال السيد وعبده، لا يساوي المواطن عند المترشح إلا ورقة سرعان ما تنتهي صلاحيتها بمجرد سقوطها في الصندوق الملعون. 5- داء يصيب الخيل والدواب في أعناقها أو قوائمها: ولعل جُل المترشحين والمترشحات مجرد داء ومرض عضال يُطَوِّق أعناق العباد، وجفاف وقَحطٌ يحُلّ بالبلاد.
خرق للقانون كثيرة هي التجاوزات والخروقات التي تعرفها العملية الانتخابية والاستعداد لها؛ رشاوى مسكوت عنها، بيع وشراء للذمم والأصوات وكأننا في سوق نِخاسة، مترشحون مسجلون في لائحتين مختلفتين، مترشحون متابَعون قضائيا بالنصب والاحتيال وغير ذلك، لوائح انتخابية هي نسخة طِبق الأصل للحالة المدنية الواحدة، مترشحون مزدادون في نفس اليوم والشهر والسنة والمهنة والشهادة العلمية؛ أمر يصيبك بالذهول ويخيَّلُ لك أنك أمام عجيبة من عجائب الدنيا السبع..
مترشحون.. بطون منتفخة وعقول فارغة وأنا أتصفح في اللوائح الانتخابية خُيِّل لي أنني في سوق أسبوعي يدخله مَن هَبَّ ودَبّ؛ مستويات دراسية متدنية خاصة في القرى، مترشحون لا يعلمون عن أحزابهم إلا الإسم والرمز، مترشحون لا مبادئ لهم ولا توجهات، انتماءات حِرْبائية تتلون حسب المصالح والمنافع، مترشحون بطونهم منتفخة وعقولهم لا تعقِلُ شيئا؛ إذا رأيتهمتعجبكأجسامهموإنيقولواتسمعلقولهمكأنهمخشبمسندة.
شعارات ظاهرها رحمة وباطنها من قِبَلِه العذاب "صوتنا فرصة لمواصلة الإصلاح"، "الإصلاح في مواجهة الفساد"، "صوتنا فرصة للتغيير"، "لنعمل جميعا من أجل التغيير"، روح المواطنة في خدمة المواطن"، "المعقول"، "معا لبناء جماعات وجهات الغد"... شعارات ببغاوية متكررة ومتشابهة، يستعملها المترشحون طُعما لصيد الناخبين واستمالتهم وإقناعهم ببرامجهم الانتخابية التي لا يتعدى حِبرُها تلك الوُرَيقات. شعارات معظمها كاذبة، ووعود أكثرها زائفة، ناهيك عن خطابات متباينة ومتناقضة مع إديولوجيات هذه الأحزاب وتوجهاتها؛ حيث نجد اليساري يتبنى شعار الليبرالي والعكس. وبما أن كل الأحزاب شعارها التغيير ومحاربة الفساد، وتسعى للإصلاح وخدمة المواطن؛ فإننا نتساءل : هل هذا الفساد ليس من مخلفات السياسيين المشاركين في الانتخابات؟ هل هذه الأزمات المختلفة التي أصابت الأخضر واليابس ليست من بَعَرات هؤلاء الساسة الكهول؟ أسئلة سبقنا إلى الإجابة عليها الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية بالميزانية السيد إدريس الأزمي في إحدى ندواته المتأزمة حين حَمَّل الشعب مسؤولية أزمات البلاد، وكأن الشعب المسكين هو من يتربع على كراسي الحكم واتخاذ القرارات، عموما أدعوكم إلى البحث في اسم السيد " الأزمي " لتعرفوا مَنشَأَ الأزمة وسببها.
نفاق أن تلتقي مع وزير أو برلماني وتراه بأم عينك قبل الانتخابات أضغاث أحلام، اللهم إلا إذا شاهدته نابحا أو نائما في شاشة التلفاز، بينما في حملاته الانتخابية أينما وَلَّيْتَ فَثَمَّ وجهه؛ تجده بجانبك على متن دراجته الهوائية، أو مزاحما إياك عند صاحب الهندية، أو راكعا عن يمينك في صلاة الجنازة، أو قارعا بيتك وفي قبضة يده بعض الدجاج والزيت والقوالب.
استغلال للأطفال لا نكاد نجد حملة انتخابية لا يتواجد فيها أطفال قاصرون يوزعون منشورات الأحزاب السياسية، أطفال في عمر الزهور مكانهم الحقيقي مخيمات يتكونون فيها نفسيا وفكريا ورياضيا استعدادا للموسم الدراسي الجديد، وليس حملات انتخابية يتم استدراجهم إليها لتكثير سواد الحزب، مستغلين حناجرهم الرنانة وأصواتهم البريئة مقابل طربوش أو قميص يحملان إسم الحزب ورمزه، أو بعض الدريهمات لقضاء بعض السويعات في عالم الانترنيت.
رِفقا بموظف النظافة فاز المترشح فلان، واستفاد صاحب المطبعة عِلاّن، وأكل هذا وشرب ذاك، وتركوا الأرض بما رحبت مليئة بأزبالهم ومهملاتهم لموظف النظافة المسكين، ذو الظهر المقوس والجسم النحيل، صاحب الأجر الهزيل، والمكنسة القصيرة العجوز، وصندوق الأزبال الأعرج.. تركوه ولم يَرْقُبوا فيه إلّاً ولا ذِمَّة. لهذا أيها المترشح عندما تجلس في منصبك تذكر موظف النظافة الذي أثقلت كاهله يوما بمخلفاتك وأزبالك.
وأخيرا.. أيها المترشحون والمترشحات كفى من الشعارات والوعود الكاذبة، فقد صارت مجرد أغاني يرددها الصبيان، ستستبدلون الدراجات بالسيارات الفارهة، وستنسيكم باريس في دوار المواطن، وسترمون الهندية وتأكلون البيتزا.. نعم ستنجحون، وسيصير المغرب الأقصى مغربا أقسى، أيها المترشحون.. إذا فزتم خذوا المناصب، خذوا المكاسب، واتركوا لنا الوطن.