سقراط : " النصر الوحيد الذي يدوم و لا يترك وراءه ما يوجب الندم ،هو انتصار المرء على نفسه ."
je puis bien concevoir un politique moral, c'est-à-dire un homme d'Etat admettant comme principes de la prudence politique ceux qui peuvent se concilier avec la morale; mais je ne conçois pas un moraliste politique qui se forge une morale à la convenance de l'homme d'Etat. KANT Ce qui important dans la révolution, ce n'est pas la révolution elle –même, c'est ce qui se passe dans la tête de ce qui ne la font pas ;c'est le rapport qui ‘ils ont eux-mêmes à cette révolution dont ils ne sont pas les agents actifs M.FOUCAULT
كان ذاك بإيجاز مجمل الواقعة ،و التي إن هي لم تستغرق إلا دقائق في حدوثها ،فإنها تحوي و تكتنز في حقيقة الأمر الأضعاف المضاعفة من الدلالات ،التي ترشح بها حياتنا السياسية و الأخلاقية ،و بالإجمال نسقنا القيمي الذي غدا من دون ملامح ، بعد أن اعترته الأمراض و الأدواء .فإن أراد أحد ما تشخيص ما يعتمل في أي مجتمع كان من أسقام ،ما عليه إلا أن يولي نظره شطر الرأس و القمة منه ،أي ما ننعته عندنا تجاوزا و تجوزا ب"النخبة " ،التي يبقى الأجدر و الأصلح لها و لمجتمعها احتلال المؤخرة لا التصدي مكابرة للمقدمة ،لأن ما لا حصر له من المؤشرات ، كلها تأكيد ليقين واحد ووحيد هو أن قيادتها لنا لن تكون إلا في اتجاه الهاوية.
و ما تختزله هذه الواقعة و تؤشر عليه ،و التي ما هي سوى غيض من فيض الوقائع المضحكة المبكية ،و التي ربما كانت نظيرتها في ما مضى من زمننا المغربي تتجاوزها في الحدة .و الفارق فقط ينحصر في الوسائل التي جعلتنا على بينة منها ؛أي الوسائط الجديدة للاتصال تلك التي تحملها أيادي سئمت الغلو المسرحي ،لتظل متأهبة في كل حين لالتقاط غسيلنا و نشره على أوسع نطاق، فلولاها لما كانت لنا فرصة معرفة الحقيقة الزيانية واضحة فاضحة في درك السقوط الذي بلغته ،و لاستمر الزعيم في أداء مسرحية البطولة الزائفة،مثله في ذلك مثل الناصري في خرجته أمام البرلمان لتخليص ابنه ، و مثل ابنة الزعيم الراحل المحجوب بن الصديق التي كانت تريد دهس عمالها المحتجين كما تدهس الحشرات أو أنكى ،لمجرد أنهم و أشباههم رمموا لوالدها عرش زعامة من عرقهم و أمنوه له ،بحيث لم يخلصه منه إلا ملاك الموت ...، فبهذه الوسائل أصبحت الجماهير قادرة على ممارسة الرقابة و على تفعيل ثقافة الكشف و الشفافية ،التي لا يرفعها زعماؤنا السياسيون إلا كشعار لتنويمنا و تخديرنا عند كل موسم انتخابي ،ليتفرغوا بعدها لرسم مخططاتهم لدفن ذات الشعارات و ممارسة ما يتناقض معها نكاية فينا ، إلى أن يحين موسم انتخابي آخر لتنطلق دقات العصا على نفس الركح و هكذا دواليك ،و لما لا يمعنون في ذلك و قد أنعم عليهم الله بحبل ذاكرتنا القصير ،و غلبة الحلم علينا في غد شفاف نهار تسييره و سياسته و نزهاء ساسته ، لما لا يمعنون في ذلك و قد سلونا تحت وقع سكرة الحلم الألق عن كون الخفافيش لا يحلوا لها التحليق و الصيد إلا تحت جنح الظلام الدامس. شأنها شأن السلاحف التي لا تؤثر الاصطياد و الاقتيات إلا في الماء العكر . و إن كان الخطاب الذي ألقاه السيد زيان و الذي في غمرته حصلت الواقعة المضحكة المبكية ،قد اتخذ كفرشاة قاعدية له اعتماد القدر و الإرادة الماورائية في تفسير و تعليل ما يشهده الوطن العربي من ربيع ديمقراطي ، فما الذي يميز إذن خطابه و يمنحه قيمة مضافة كزعيم سياسي ،أليس ذات التعليل يمكن أن يصدر على أي كان ،من بائع النعناع إلى سائق الطاكسي وصولا إلى آخر حلاق ثرثار ؟ فلا شيء يميز خطابه عن هؤلاء اللهم ما كان من خصلات ايجابية تحسب في ميزان حسناتهم ،إن هم قورنوا بالسيد زيان ،أولها أن لا أحد منهم يمكن أن يسارع إلى سب و شتم شخص غريب لمجرد اختلافه معهم ،و ثانيها أنهم لن يكونوا إلا أوفياء للقيم الأصلية للمغاربة و متمسكين بها ،و هي القيم التي يمكن أن تدركها في أعين أي إنسان عاد و أنت تتحدث إليه ،إذ يفصح سنا عينيه عن الرغبة في استيعاب ما يقول الآخر عبر إرهاف السمع له ،و هو ما لم يفعله السيد زيان . و إن كان الزعيم الليبرالي المفدى في مغرب النكات السياسية ، يعتمد هذا المنطق ،فماذا ترك لمن يدعي الاختلاف عنهم ؛ماذا ترك للإسلامويين ، ألا يكون زيان بذلك قاب قوسين أو أدنى من منطق الشيخ عبد السلام ياسين الحالم – مع مراعاة الفارق على الأقل لحفظ الشيخ للسانه عن إلحاق الأذى بالآخرين و مس أعراضهم – فغدا أو بعد غد قد يطلع علينا زيان من جرابه الموصوف بالليبرالي تجاوزا ، بفتاوى يمليها عليه شيخ من شيوخ الليبرالية لم يسمع به أحد من الأنام ،و لا يغرف من وصاياه إلا زيان عند المنام ، أو في جلسة خمرية تصفو فيها نفس زعيمنا السياسي الهمام . و بعد هذا و ذاك ما موقع تعليل كهذا من منطق الليبرالية التي تشكل حرية الإنسان و إرادته الفاعلة حجره الأساس ،حتى أن اسم الليبرالية مشتق إيتيمولوجيا من لفظة الحرية ،فهل باستدعاء القدرية و الجبرية يريد السيد زيان الترويج لليبراليته الممسوخة الشوهاء . إن كل من له إطلاع و لو بسيط على الأبجديات الليبرالية ، ستتملكه الصدمة ؛من الفارق بينها و بين ما يقدم عليه الزعيم الوهمي لليبرالية المجني عليها في المغرب المعاصر من سلوكات و ما يقرع به الأسماع من خطب. و للتدليل على ذلك ، تكفي المقارنة بين ما جسدته الواقعة السيئة الذكر – موضوع حديثنا – و بين التسامح الذي بشر به أب الليبرالية جون لوك ،الذي ظلت رسالته في التسامح تتحدى انصرام السنون و تلاحق القرون ،أليس هو القائل:" الأخلاق الفاضلة التي لا تشكل جزءا من الدين و لا من التقوى الحقيقية ،ترجع للحياة المدنية" فأي منزلة للسيد زيان ،و قد أقدم على ما أقدم عليه ،من هذه الحياة المدنية و من أخلاقها التي من المفترض أن يكون حزبه من المساهمين في التأسيس لها ، و أن يكون قوله و فعله كزعيم حزبي مرآة لها مثلما يقتضي المنطق السليم ؟؟ و أين يمكن موقعة سلوك زيان تجاه من خالفه الرأي ،إن هو قيس بقول رائد آخر من رواد الليبرالية ، التي يدعي زيان زورا تمثيلها في المغرب المعاصر،ذاك هو جون ستيوارت ميل الذي اشتهر بتنصيصه على الحرية الفردية ،إذ يقول :"لو كانت الإنسانية مجمعة على رأي عدا فرد واحد فلا يحق لها أن تسكت الفرد المخالف لرأيها ،كما لا يحق لذاك الفرد ،لو استطاع ،أن يسكت الإنسانية المعارضة لرأيه"،لذلك فإن التنوع و الاختلاف كمنطلق ينتج عنه عندنا كما يقول العروي :"نوع من الصمم .هناك خطاب و هناك تواصل ،لكن في مدار ضيق . نسمع من المحاور ما نود أو نستطيع أن نسمع .و قد نختزل ما نسمع إلى ما هو تافه و نافل .مكونات السياسة عندنا هي في نفس الوقت موانع سياسية " ،و من يسهم في تعميق هذا المصير و تجذيره و تكليس الموانع و العوائق هم زعماء من طينة زيان . هذه الطينة التي إن كان من شيء تؤشر عليه ،فهو بكل تأكيد أزمة الزعامة ،وندرة المثال ، بل قل انعدام الأسوة في مشهدنا الحزبي و فضائنا السياسي ،كتعبير عن ذات الندرة في الفضاء الاجتماعي ،و هو ما يمكن أن يفسر ظهور وجوه جديدة في الفضاء الخائلي و الافتراضي ،و استسهالها الكلام في كل شيء حد الإسهال ،حتى عندما يرتبط الأمر بقضايا غاية في الحساسية ،و لمقارن أن يقارن بين الخطبة المستهجنة لزيان و بين ما قاله "مول الشاقور" أو "مول الدلاحة "،ليكشف ألا فرق على مستوى المعنى و المضمون ،اللهم ما كان من جهة الزعامة المنسوبة زورا لزيان ،و من جهة صدق الأولين – ظاهريا على الأقل – و عدم انحدارهما إلى استعمال ألطخ ما في معجم السباب و الذي كان بالمقابل أوثق ترسانة للسيد زيان . و إن كانت الواقعة المضحكة المبكية ، تغري بمناقشة علاقة الأخلاق بالسياسة ،و التي ظلت على الدوام من الإشكالات المستعصية التي حارت فيها أعظم العقول ،اعتبارا لكون السياسة كفن للممكن ،تقول :"كونوا فطنين مثل الأفاعي"،لكن الأخلاق تضيف شرطا مقيدا :"و بغير مخادعة مثل الحمائم"،إن نحن شئنا استعارة العبارات الخالدة ل"إيمانويل كانط" الذي أرقه هذا الإشكال ، و لم يجد من إمكانية للتوفيق بين حديه إلا تلك التي تدل عليها قولته التي اتخذناها عتبة من بين عتبات مقالنا و التي يقول فيها كانط :"في وسعي أن أتصور سياسيا أخلاقيا ، أي رجل دولة يقر كمبادئ الفطنة السياسية بمبادئ يمكن أن تتفق مع الأخلاق ،لكنني لا أتصور أخلاقيا سياسيا ،أي أخلاقيا يصنع أخلاقا مناسبة لرجل الدولة ." إن كان ذلك كذلك ،فإن ما قام به زيان يبقى دون مرقاة هذا الإشكال و سموه، كما أنه يظل بضحالته في مستوى يجعل المرء ،يجل من مناقشته ضمن أفق الفكر الأخلاقي الطهراني لكانط . وحتى من باب البراغماتية السياسية الفجة ،كان الأجدر بزيان أن يحرس على احترام مشاعر الناس ،الذين لم يأتوا بغرض الإنصات إليه ،بل جمعهم معه على مضض نفس الفضاء العمومي ، و خدش كلامه مشاعرهم قبل أن يخدش أسماعهم ، كما كان عليه ،و لو في الحد الأدنى، أن يضع ، على عادة كل الممثلين ، ولو القليل من المساحيق الأخلاقية لأداء مشهده الخطابي ،و ليتخلص منه بعد ذلك ،فذاك أنفع له و لغيره ، على الأقل ليتناسب مظهره وأداؤه مع الدور الذي أوكله لنفسه،أما حقيقته فلا أحد يجهلها .و كان حريا به أن يحكم عقله ،بدل أن يغيبه بعب الأقداح ،ف" لما يفسد العقل يتحول الإنسان إلى حيوان و المجتمع إلى خليط من العجماوات تفترس بعضها البعض ،إلى قردة تحاكم ذئاب و ثعالب "كما قال فولتير ، لكننا قد نلتمس العذر للسيد زيان في أن ما قام به عن سابق إصرار ، لم يكن إلا بغرض التوافق مع الدلالة الحيوانية لشعار حزبه.
و ما يصدم أكثر هو أن ينصب شخص كهذا نفسه محاميا في قضايا أدين فيها صحفيون بتهمة السب و القذف و التشهير ، بينما هو يمارس ،دون أن يرف له جفن، السباب في حق الموتى كأخس ما يمكن يقوم به أوضع جبان . كل هذا يفضي بنا إلى القول بأن إرادة التغيير ،مثلما يفصح عنها الدستور الجديد، و التطلع إلى القطع مع العزوف السياسي للشباب المغربي ، لن يتأتى إلا بالتخلص من زمرة الزعماء الحاليين ؛لأن قول "نعم "للفجر السياسي الجديد ، تحمل في جوفها ضرورة قول "لا"و "كفى "للنجوم الزائفة للجيل أو بالأحرى الليل القديم ، و بأنه قد دنا أجل أفولها ، ما دام تفعيل أي تغيير ،لا يكون بشعاراته و كلماته و حبره ،بقد رما يكون بإرادة فاعلين يعتنقونه و يؤمنون به و على مزاياه يشهد سلوكهم ،فكم من قواعد لعبة ظلت خرساء ،و كم من تعاليم لبثت بكماء إما لجهل اللاعبين ،أو لتقاعسهم عن تمثلها و الإبداع في ظل الممكن الذي تتيحه. لذلك نقول لأشباه الزعماء بدل علك كلمات وشعارات الدعوة إلى التغيير ،ابدؤوا بأنفسكم ،و كونوا التغيير الذي تنادون به ،كما قال الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي . بيد أن ما يخفف من وقع هذه الواقعة المؤسفة ،هو أن الساحة التي انتقيت لتحتضن مهرجانات الزعماء السياسيين في ظل دعايتهم لأجل التصويت ب"نعم "على الدستور الجديد بمدينة تازة،تحمل اسم "ساحة كوليزي "- على الأقل على مستوى التداول الشعبي – و معلوم لدى الساكنة التازية أن هذا الاسم كان في الأصل اسما لقاعة سينمائية ،كان مبناها في مقابل الساحة المذكورة [لآ أعلم إن كان هذا من مكر الصدف و إنصافها أم هو من ذكاء التازيين ]، و هي القاعة التي غالبا ما كان يلجها المراهقون للالتذاذ بالدغدغات التي تحدثها في وجدانهم اليانع جرعات الوهم العاطفي التي كانت ترويهم بها الأشرطة السينمائية الهندية ، و حينما تكون هذه الجرعات زائدة و فوق اللزوم ،فإن كراسي السينما غالبا ما كانت تتحول إلى متكئ لممارسة الاستمناء بشكل شبه جماعي ، لتبقى الدلالة في النهاية هي ذاتها ،بعد أن حلت عمارة سكنية محل قاعة السنيما ،و تجردت الساحة لحمل اسمها، ليحل بها زعماء حزبيون يتفننون في إنتاج الأوهام ،و يتنافسون في تشخيص المشاهد السينمائية ،و يتبارزون في الاستمناء الخطابي . و تتويج هذا الاستمناء، و بلوغه درجة الخيبة في القذف كان بما قام به زيان ، إذ تحولت الليبرالية على يديه إلى "روبلة "، و ليس المقصود بها ها هنا مؤنت العملة الروسية "الروبل "،بل المقصود دلالتها باللهجة الشرقية ،و الجزائرية تحديد ا ، أي اللعب المفرط و المزاح و انعدام الجدية ،و ما يرافق كل ذلك من رقص و عربدة ،و فعلا ذاك هو المقصود ،مادام صاحبنا ،قد توسل بتسخين رأسه،قبل يؤم مهرجانه الخطابي ،و قد تكون دلالتها كذلك مطابقة لما يفيده في اللغة العربية حتى فعل "ربل "،خاصة مع زيادة التضعيف و التاء: "تربل " والذي يعني ،مما يعنيه: كثر لحمه ،و ذاك الحاصل للزعيم زيان اللهم لا حسد ، لكن لحمه كثر و أخلاقه للأسف قلت ، و لذلك فهو قد ضمر أخلاقيا ،بعد ربالة لحمية .و ما يفيده فعل "رابل "لغة "أغار على الناس و فعل فعل الأسد " ، و ها هو المعجم أخيرا قد أنصفنا و أنصف الزعيم الليبرالي زورا، فما قام به في تازة هو أنه أغار على الناس سبابا و قذفا ،و هو في ذلك لم يخرج عن المساحة الدلالية التي يحيل عليها رمز حزبه ،بل تمسك بها عاضا عليها بالنواجذ . و لتأكيد أن السيد زيان في ذلك اليوم البئيس بحضوره ،كان سفيرا ل"الروبلة" و قائما بإعمالها ،لا زعيما لحزب يدعي تمثيل الليبرالية البريئة منه ،نشير إلى أن الربيل تعني لغة :"اللص يغزو القوم وحده" و السيد زيان معروف بشرائه لمن يجود عليه من وقته للجلوس أمامه في المهرجانات ، و يصبر على سماع هديانته .و لذلك فهو لا يغير على المدن إلا وحيدا في المساء، لكن سلطان الحاجة يجعل يخطب في الصباح أمام العشرات . و الريبال و جمعه "ربابيل " هو :الأسد ، و قد يعني الذئب كذلك . و نحن هنا نلتزم بالدلالة اللغوية مثلما هي في المعاجم و القواميس ، و لسنا نضيف و نختلق من عدنياتنا ، مثلما فعل هو في شرحه لكلمة الرهط ،قائلا بأنها تعني الشياطين التي توجد في الدرك الأسفل من جهنم ،ولا أعلم ما الذي جاد عليه بهذه الدلالة ،هل هي السعرات الخمرية المستعرة في دماغه ؟أم تراها دلالة مستقاة من كتب الإسرائليات التي قد يكون هذا المتنور زورا من المدمنين عليها ؟ فالدلالة التي نجدها في عمدة المعاجم العربية ؛أي لسان العرب لابن منظور هي كالتالي :"رهط الرجل قومه و قبيلته ،يقال :هم رهطه دنية،و الرهط عدد يجمع من ثلاثة إلى عشرة ،و بعض يقول من سبعة إلى عشرة ، و ما دون السبعة إلى الثلاثة نفر ، قيل الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة " وبهذا تكون الدلالة غير مجاوزة لمعنى العدد و الكم ، وهي نفس الدلالة التي نجدها في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة النمل: " ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون (48) قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون( 49 ) ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ( 50 ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ( 51 ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون ( 52 ) وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ( 53 ) " صدق الله العظيم مخبرا سبحانه و تعالى عن طغاة ثمود ورءوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة والكفر وتكذيب صالح ، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة . فإن كان من رهط بهذا المعنى فلن يكون إلا الرهط المضل المكون من زيان و أشباهه. و هناك معنى آخر أورده ابن منظور قائلا :"الرهط جلد يقد سيورا ...تلبسه الجارية الصغيرة قبل أن تدرك ، و تلبسه أيضا و هي حائض "،و الرهط بهذا المعنى ،كان الأجدر بالسيد زيان أن يلبسه ،لأنه فعلا لم يدرك بعد لا أخلاقيا و لا سياسيا ،كما أنه في ذاك اليوم كان حائضا خطابيا ،فرائحة كلماته و نتانتها أزكمت الأنوف ،و لطخت الأسماع ، و لو فعل ذلك ،لجنبنا إضاعة الوقت في تحبير هذه الكلمات ،على الأقل ،لأننا سنكون على بينة مبدئية بحاله ،ما دام لابسا لما يدل على أنه قد رفع عنه القلم ،و أنه لم يبلغ مبلغ التكليف بعد ، و بالتالي لن نأخذ كلامه على محمل الجد. هاهي ذي الدلالة الحقيقة قد اكتملت ، و العملة الزائفة التي يراد ترويجها على أنها الليبرالية الحقة قد افتضحت. و لا يسعنا في الأخير ،نحن الذين نقيم في سجن قضبانه رممت من خطب شوهاء لأشباه الزعماء ،و من نفاقهم الذي لا يكف عن التعاظم صبح مساء، و ترديهم الذي بلغ الدرك الأسفل و أصاب ذاتنا الجماعية بأفتك الأدواء ، إلا أن نردد ما قاله رهين المحبسين صادقا: يسوسون الأمور بغير عقل*** فينفذ أمرهم ويقال ساسة فأف من الحياة و أف منى*** ومن زمن رآسته خساسة.