الحملة فيها وفيها... لكن ما اجتمعت عليه الأحزاب برمتها هو عدم اكتراثها في حملاتها بالجانب البيئي وخاصة في الساعات الأخيرة من الحملة. فقد تحولت أزقة شوارع المدن المغربية إلى مطارح نفايات عملاقة بحيث رمى كل المرشحين كل ما في جعبتهم من أوراق وشعارات انتخابية في كل الاتجاهات. وليست هاته المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك. ففي كل مرة يكون عمال النظافة هم الضحايا الأولين لهذه الحملة المسعورة، ثم المواطنين كذلك الذين يعانون من هذا التلوث البيئي لعدة أيام في بعض الحالات وقد ينتظرون تحلل تلك الأوراق في مدن وقرى وجماعات لا تتوفر على وسائل النظافة! الطامة أن بعض الأحزاب التي تدعي الدفاع عن البيئة، بل إن بعضها يحمل اسمها، كانت من بين الأحزاب الملوثة ربما تيمنا بالمثل القائل «ولاد عبد الواحد كلهم واحد». غياب المواطنة لدى بعض الأحزاب امتد إلى إزعاج المواطنين في ساعة متأخرة من الليل وذلك ب«هرج» وصراخ أطفال ونساء و«مجندي» الحملات مع استعمال مكبر الصوت أحيانا وقرع أجراس البيوت ليلا وحتى التفوه بكلام ناب كما وقع لأحد الأًصدقاء الذي قادته الصدفة ليشق بسيارته حشدا انتخابيا كان مارا بأحد الشوارع وكانت برفقته زوجته التي فتحت زجاج النافذة لتتسلم برنامج الحزب فما كان من أحدهم سوى إدخال رأسه من النافذة قائلا لصديقي: «دَوَّر مع خوك واخَّا غِيرْ على وجه هاذْ القُوقة!»... تم المشهد أمام من هو مفروض فيه أن يكون منسق المسيرة، لكنه لم يحرك ساكنا. الأحزاب غير المواطنة هي كذلك تلك النماذج من «الدكاكين السياسية» التي تعتمد على الفيدورات ومفتولي العضلات لتكسير ضلوع منافسيهم، والأخطر من ذلك التهجم على بيوت عائلات الخصوم وتهديد وترويع ساكنيها.. لقد كنا أحيانا نشعر بأننا وسط حملة مؤطرة بقانون الغاب وهنا يجب التفريق بين الحملات والمهرجانات الخطابية التي يحضرها «الزعماء» و«يبثها» التلفزيون، بل الحديث عن حملات داخل دروب وأزقة المدن الكبرى، وبين مداشر وقرى المغرب العميق. الأحزاب غير المواطنة كذلك تلك التي أجرت مليشيات مختصة في تمزيف شعارات المنافسين واختراق حملاتهم واختلاق مناوشات وفض الجمع بالتهديد بالسلاح الأبيض... بل حتى الأطفال لم يسلموا من غياب حس المواطنة لدى الأحزاب عندما عمد العديد من المرشحين إلى «خدمات» أطفال في مسح شعارات الخصوم في الخانات المخصصة لهم على جدران القرى والمدن، فأية رسالة تبعث تلك الأحزاب لهؤلاء الأطفال المفروض فيهم أنهم مرشحو وناخبو وساسة الغد؟ أحزاب غير مواطنة لأنها بنت حملاتها على تحطيم المنافسين والضرب تحت الحزام وتسريب الإشاعات والأخبار المخدومة التي ذهبت مع الأسف ضحيتها كذلك الصحافة الوطنية... عوض شرح برامجها ومخاطبة المواطن بصوت الضمير.. إلا من رحم ربك. «الحملة» كشفت لنا الوجه الآخر للأحزاب ومستوى الفعل السياسي لدينا.. مشهد مقرف.. يُرثى له.