كثيرا ما يبلغ إلى مسامعنا صدى ما يوجد خلف الأسوار الجامعية، من احتجاجات طلابية ومطالبة بالحقوق، وصراعات سياسية ضيقة تؤدي بأهلها في كثير من الأحيان إلى الهلاك، فنستشعر أنه حتما يوجد مثقفين همهم الوحيد نيل مكاسبهم ولو بدمائهم كما فعل من سبقوهم، يحاولون قدر المستطاع تصحيح مسار مجتمعهم، والرغبة في توعيته انطلاقا من أسرهم، ليختاروا طريق النضال في الشارع بين الجماهير الشعبية، كي يشاركوهم همهم وينضموا لقافلتهم لمواجهة شبح وهمي, وقد يبقى كل هذا شكليا ومجردا من الموضوعية، لكنه كائن ولا يزال، واستمراره ضروري، ليكون الحديث عن الجامعة قائما. تعلو الأصوات حتى ما تفتأ تسمع ما حولك, منددين بسياسة ضرب الطالب، مدعين أنهم يحاولون تهجيره من مكانه الأصلي للتحصيل العلمي، فيزعزعون استقرار عاطفة من ألقى إليهم السمع بكلام مبعثر أحيانا ومفهوم، ليتحول إلى دعوة ضم الأيادي والائتلاف، لتكون الصرخة واحدة، والكم هائلا لمواجهة إن ادعى الأمر، من أطلقوا عليهم اسم القمع, ليصبح من وهب نفسه للعلم جنديا في حالة استراحة، ينتظر الوقت المعلوم ليكون سلاحه الحجارة. وحين تبدأ المعركة، تصبح تجوب الشوارع محلقة في السماء لتسقط على من كتب له أن ينال قسوتها، فتراهم يركضون مختبئين كاللصوص في المقاهي و الأركان، يسبحون الله ويدعونه و إن كانوا ملحدين، كي يمروا من جانبهم ولا يعتبرونهم، ومنهم من يسقط في أيديهم لينال حظا من قسوة أحاديثهم وعصيهم الخشنة، دون الحديث عن الصفعات التي تترك عالم الوطن في خدودهم، ليجر بهم إلى المعتقل كما يسمونه، حيث تبدأ المحاكمات والإضرابات عن الطعام، ومنهم من ينتهي به الأمر الى الاستشهاد أي الانتحار، وتوجد فئة أخرى لا تعلم ما يجري،فضولها جرها لتجربة حلاوة اللعب مع الكبار، فكان مصيرها الاعتقال، دون أن يعلمها أو يدافع عنها أحد، رغم أنها متحررة من أية إيديولوجية متطرفة إسلامية أو ماركسية فات أوانها، لكن وجدت فأخذت... وكهؤلاء، التعاطف معهم يعتبر واجبا لأنهم ضحايا اللعب. ترهيب للنفوس، يقترن معه خوف المواجهة و الحديث، هذا ما يجري في تلك البقعة العلمية و الادبية، ليكون السبيل إما الخضوع أو الخنوع، فتسير الجامعة على هوى المراهقين، فتصبح مكانا آمنا لمن استعصت عليه الدراسة والتحصيل، فينضم مع تيار سياسي، إما يسير به إلى اليمين فيتغير، أو يعود به إلى اليسار فيلحد، ليصبح همه بذلك فرض أفكاره، وقليلا مناقشتها. ويا لمرارة من سولت له نفسه توقيف عجلة فكره أمام معارضيه، ستتحول بذلك إلى حلبة صراع، لتبتدئ الاشتباكات بالأيادي، لتمر إلى السيوف، ولتنتهي بالموت والضياع، والطالب الجديد يبحث بين ثناياهم ليحيره أمرهم، فيشتاق لأحضان أمه وخبزها وقهوتها فيعود من حيث أتى، لتطبطب على كتفيه، ويغير وجهته إن بقي الوقت لمكان علم آخر، فيصفون الجميع بالهمجيين، وما أكثرهم، وقليل منهم الحياديون يرغبون حقا في الدراسة بجد مبتعدين عن كل ما يجلب لهم المآسي وما يحزن عائلتهم، فالوالدة تبقى تدعوا مع ابنها حتى يغادر أسوارها، فكأنما قدمت فلذة كبدتها لأرض الحرب والنضال. تمر الأيام مسرعة ولا يعلم الطالب فيما قضاها، فأغلب حديثه فارغ ولعب ولهو... وتلك الحرية الزائدة تدفع بالمعني بالأمر الى أن يصبح جل وقته عبثيا لينسى المهمة التي أتى من أجلها، ليقضي في المقصف ما لا يقضيه في المدرج، وعندما يتدهور حاله يفكر في تسطير برنامج يسمونه برنامجا نضاليا يضم مكاسب ومطالب ينشغلون بها، ليبدؤوا في تحديد خطوات تحقيق ما يرغبون فيه لتنتهي بذلك بمقاطعة شاملة للدروس وأحيانا الأشغال التطبيقية ليذهب ضحيتها جموع الطلاب الذي لا يهمهم أي صراع مع جهة معينة، رغبتهم جامحة في التحصيل الجيد والحصول على مستقبل عادي بمهنة تغنيهم عن السؤال ليحسنوا أوضاع آبائهم وأنفسهم، وكثير منهم رغم ذلك ينجح في تحقيق أحلامه ولا ينشغل بترهات هؤلاء، من يعتبرون أنفسهم على الصواب، وإن تمعنا في الأمر سنجد أغلبهم يقضون جزءا كبيرا من حياتهم خلف القضبان، يطالبون بالحرية خارجها وداخلها، والممول الأساسي لهم من الصعب معرفته، لأنهم يخدمون أجندة معينة، همها أن تبقى الجامعة المغربية على حالها وفي وضع مزر ومتدهور. تعتبر الجامعة المغربية الملاذ الوحيد لمن لم يكتب لهم أن يلجوا مدارس عليا نظرا لضعف نقطهم أو لعدم وجود آفاق لتخصصهم، مثل تخصصات الأدبيين, فهي أنجبت أساتذة ودكاترة وسياسيين لهم وزن داخل المجتمع ومعترف بهم مغاربيا وعالميا، وفي الوقت الراهن نجد تراجعا ملحوظا شهدته نتيجة تلك الصراعات التي هم من يزودها الوقود "فرق تسد "، ويبدوا السبب واضحا، والمتمثل في أنها لزمن قريب كانت المؤسسة الفكرية الوحيدة التي يتخرج منها الانسان بشهادتين: الأولى أكاديميا، والثانية شهادة حياتية تخول له القدرة على فرض وجوده داخل المجتمع وتوعية محيطه، وطبيعي أن يهاجموها بهذه الطريقة كي تفقد قيمتها وتتشوه سمعتها، ليغير الوجهة من فكر في الولوج اليها الى التكوين المهني، كي يشتغل بأقل ثمن، دون الاعتراف به في المجال العملي، أي كي يتم استغلاله بطريقة أو بأخرى، دون أن ننكر أن الطالب الحقيقي اختفى، فعندما تجده لا يقوى على المناقشة أو التعبير عن أفكاره تطرح عدة أسئلة دون التوصل إلى إجابة، أهكذا ستبقى الجامعة المغربية تعاني من شتى الجوانب ؟