بدون شك سيعودن من جديد، سيقتنون الكلام والعبارات الجمال من محل الوهم والخيال، سيطربوننا بأصواتهم الخشنة، سيترجوننا كي نسمع لهم، نفهم ونصدقهم، نضع ثقتنا فيهم، سيطبطبون على كتفك أيها المسكين، سيصاحبونك إلى الدكان، إلى السوق إلى المسجد، سيعلنون التوبة ومحاربة الفساد، سيعدونك بواقع جميل، وبمستقبل مشرق، وبطريق معبد، ستشك في نفسك، ستتحدث معها، لن تفهم ما يجري، أهؤلاء من جردوني من حقوقي وحاربوا أبنائي، وعندما احتجتهم لم أجدهم، تركوني أعاني من بطش غلاء المعيشة والحرمان والبطالة وحيد، وذهبت الوعود وبقي الواقع مريرا... عذرا لن أصدقكم من جديد، خذوا الكراسي ولا تذهبوا علي نعيمَ راحة حياتي. اتركوا الفقير يبحث عن قوت يومه، دعوه يخرج إلى الحياة، وكفوا عن إدماجه في لعبتكم، فهو لا يقوى على جمالية كلامكم الملفوف بالكذب والبهتان، فكل همه توفير كيس دقيق وخبز وشاي، ومستقبل جميل لأبنائه، يصارع لجلب ما وجدتموه أنتم جاهزا، يكد ويعمل كي لا يسأل أحدا ويستنجد به، تمر عليه الليالي الطوال ينسج قميصا من الأمل ليفك أزاره في الصباح ويلبسه، يصطحبه دائما الحب وما فقدتموه أنتم في أيامكم، رغم استغلالكم له يدعو لكم بالهداية دبر كل صلاة. ليس غريبا هو، فهو ما تجرد من إنسانيته، ما رأى الدنيا دراهم وأموال رغم الحاجة، ففي حملاتكم ترفعون له الشارة عاليا، تأكلون من نفس مأكله، وتجالسونه في الطرقات، وتضموه إلى أحضانكم، وتشاركونه في نقاشاتكم، رغم أنه يعلم حقيقتكم، يوهمكم أنه يصدقكم، فيسير معكم، ويوم الاقتراع يكشف المستور... من صدقكم بجد يحزن لأنه لُعب به، ومن أوهمكم بذلك يضحك لأنه فهم المسرحية، وسبق له أن تابع أحداثها مرات عديدة، وبذلك حفظ الحوار وأدمج فيها وشارككم إياها، فهذا واقعه وحقيقته، سهل الفهم، وصعب التصديق. لا تفصلنا سوى أشهر قليلة وتعود القيمة للوطن والمواطنين، سيظهر الغائبون وسيتزين المألوفون، سيملئون الأوراق بالوعود والكلام، منه الصادق والمزيف، لا بد من ذلك، سينتشرون بين المدن والقرى، سيتقربون منك أيها الفقير المسكين، سيطربونك كلاما يلج القلوب ويدمع العيون، سيستعملون قاموسك الشعبي الوطني، سيخبرونك لأنه لمصلحة الوطن نحن موجودون، فلا تبخل علينا بصوتك، سيفسرون أنه كي تكون وطنيا عليك يوم الوقت المعلوم أن تدلي بورقتك، وتناسوا أنهم نهبوا المواطن والوطن وتركوا الأمور لمشيئة الله، لا يغرنك تقلب وجوهم ومشيهم في طريقك، فهم يريدونك كي يستغلوك، أتمنى بصدق أن تصدقوا القليل وترموا الكثير في مزبلة التاريخ، حكّموا العقل، وتناسوا العاطفة، استفيدوا من الدروس الفائتة، وعليكم بفهم مجريات اللعبة، كي لا تسقطوا ضحية، لأن في الأخير لن ينقذكم أحد من خطأ ارتكبتموه بأنفسكم، بسبب تهوركم، لا تستعجلوا ولا تصدقوا الكلام العابر لأنه زائل، والمستقبل سيسجل، لا تتناسوا أنه ليس من السهل تحقيق الوعود جلها، فبعضها كاف للحصول على مستقبل جميل، بعيد عن وهم الواقع. إن نظرة المواطن للسياسة وأصحابها صارت عتمة، وجسر الثقة اخترق فكان الضحية الأكبر هو الوطن، وكل هذا راجع بالأساس إلى الرغبة الجامحة لدى من يظنون أنفسهم يسارعون إلى خدمة الصالح العام، في احتلال المناصب وترؤس الوزارات، وتلك الأنانية المجحفة المنبثقة من كبت سياسي دفين في البرلمانات، يجعل من استطاع السباحة في مستنقع أوسع ينسى من ساعده على النزول ومن علمه إياها، فالبعد سيطول بين راغب في عيش هنيء ومستقبل زهيد وواقع جميل، وبين محب للمال والمناصب، فتحليل الواقع بكلام عابر أكاديمي جاف لا يهتم له الإنسان العاقل، لأن جله مكتوب في الكتب، ومحاولة تحميل المسؤولية على عاتق المواطنين لن تزيد الطين سوى بلة، فبدلا من ذلك صار من المفروض البحث عن امكانية ارجاع الثقة التي غابت منذ سنوات في الساحة السوسيوسياسية، كي نقر يوما بأنه حقا لدينا منتخبين يسهرون على راحتنا، يبقى ذلك سوى أمل وقد يتحقق يوما إن تربع على عرشها الشباب وتركوها لهم هنيئة مريئة، سيسمعون للمضطر إن احتجاهم، ويعطون للسائل إن طلبهم، لا يحاربونهم ويثقلون كاهلهم كما فعل ويفعل الكثير ممن سبق وسيأتي. ختاما، لا بد أن يجف القلم يوما، أو أن يتعثر في كتابة الكلمات والنصائح، فمن الفروض أن يتمتع كل فرد في المجتمع بعقل يفكر به ويحكمه، فالإنسان كائن سياسي بطبعه بالمنطق الفلسفي، فإذن من الواجب عليه أن يقترب من الملعب ويشاركهم اللعب، كي لا تبقى حكرا على أحد، فذاك البعد عنها هو من جعلها تتميع ببعض أفراد لا يستحقون دخولها، ومحاربتهم لن تكون بمقاطعة الانتخابات كما يدعي البعض، وإنما يجب أن تكون بالإدماج الكلي فيها، مثقفين وطلبة وأساتذة، بجانب من يرى أنه على حق ويحتاج المؤازرة، والرابح في الأخير هو نحن والوطن، فمرحبا.