هو عسر في الفهم، هو فعلا كذلك لأن أحزابنا الهرمة تتعمد ألا تفهم ما يريده الشعب.. الشعب، وليسمح لي أن أتحدث باسمه، يريد تغييرا في الوجوه والأسماء والعقليات، يريد انتخابات جديدة بروح الدستور المعدل، يريد أن يجدد الثقة في السياسة والسياسيين، في البرلمان والبرلمانيين، في الوعود والأقاويل.. يريد أن يرى أحلامه ورغباته المشروعة تتحقق على أرض الواقع وألا تظل الكلمات مجرد لغو لا فائدة منه. نداءات وإعلانات ودعايات كي نسجل أنفسنا في اللوائح الانتخابية «الجديدة»، لكن أين هم المرشحون الجدد الذين سنصوت لهم، أهم نفس المومياءات المحنطة التي ترفض الرحيل وتتزعم أحزابها رغما عنها ولازالت تطمح إلى «النيل» مما تبقى من كرامة الوطن.. أم هؤلاء الذين تقلدوا حقائب وزارية وكراسيَ برلمانية ويطمعون في البقاء ملتصقين بتلابيب السلطة مستفيدين من نعمها؟ الكل يتساءل أين هم رجال ونساء يمكن أن نثق بهم، أن نضع أيدينا في أيديهم.. أن نمنحهم أصواتنا ولا نبيعهم إياها، مرشحون بسحنات أخرى ووطنية أخرى ومستقبل آخر، سياسيون يفكرون في المواطن والوطن.. وليس في أرصدتهم وأنانيتهم وغرورهم.. إنه استفزاز علني أن تطل على الشعب مرة أخرى، بكل وقاحة ولؤم، وجوه سجل التاريخ جبنها ولصوصيتها ونهبها واستغلالها لثقة العباد، كي تسطو على مكاسب المرحلة، وتتبنى التغيير وتهتف بالعهد الجديد، المغاربة ليسوا أغبياء، فلا تبخسوهم ذكاءهم ولا فطنتهم ولا تستخفوا بهم وارحلوا.. واتركوا البلد يجدد روحه بأسماء أخرى وذمم نظيفة وأفكار جديدة وأحلام وطموحات وإنجازات ورؤى حقيقية. لن أنسى خطاب زين العابدين حينما قال للشعب التونسي «فهمتكم».. فأجابه مواطن بسيط «توّا فْهَمْت.. عسلامة»، بمعنى: «دبا عاد فهمتي، إيوا على سلامتك». بمعنى أنه على من احتكروا السياسة وعطايا السلطة واقتسموا الوطن ككعكة عيد أن يفهموا ويدركوا ويتقبلوا أنه عليهم أن يكفوا عن التهريج، وأن سلوكات الماضي انتهت وأن للحاضر لونا آخر وشعارات أخرى ووجوها أخرى.. عليهم أن يطووا صفحة الماضي والتي ستظل مفتوحة لأن التاريخ لا ينسى، كما أن ذاكرتنا لم تنس وجوههم وأفعالهم وخساراتهم.. لن ننسى أنهم «المسؤولون» عن حزننا وذلنا وانكسارنا وفقرنا وتخلفنا؛ ولكي نمضي إلى الأمام يجب ألا يمسكوا بعضهم يدا في يد كي يقفلوا على الوطن الطريق نحو الحرية والمجد والصلاح.. ارحلوا، افهموا واتركوا غيركم يقدم للوطن ما نهبتموه.. يصلح ما دمرتموه ويضمد جراح شعب تمنى وتمنى ولا يرغب سوى في أن تتركوه ينعم برؤية سياسيين غيركم.. نريد تغييرا حقيقيا، وليس شكليا يضمن لنفس الوجوه الفرصة كي تراكم الثروات وتكمل مشوارها الجاد في سحب الوطن نحو الحضيض.. نريد أن نمنح أصواتنا لغير هؤلاء، أن نصافح من سيمثل هذا البلد وشعبه بصدق وبحب وبإحسان.. إنه تحد حقيقي للشعب والبلد، دستور جديد وأمل جديد، لكن من فضلكم ليس بهؤلاء ولا معهم.. الوطن معطاء وله أبناء كثر يمكن أن يعتمد عليهم للخروج من أزماته وهفواته ومراتبه المتأخرة في التنمية والمتقدمة في الكبائر. إن كان الأمرُ عسرا في الفهم فلا بد أن يعالج، وإن كان عنادا فالمرحلة لا تتحمله وإن كان مرضَ السلطةِ وتبعاته ف«الله يجيب الشفا».. المهم، نريد تغييرا، صوتا وصورة، كي يكون المستقبل جميلا.. والخالق سبحانه يقول: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، لذلك فمع هؤلاء لن يكون أي تغيير مطلقا.