غالبا ما تحتل جنبات أو أعالي غرف منازلنا صنادق مروعة، تبعثر نفوس الأفراد، تخفيهم عن الوجود، تطمس بصماتهم، تغير صفاتهم، تلج بهم في زمرة الغائبين عن واقعية الحياة، تجمل الظلم وتجعله ضرورة، وتبخس الحق وتشككه، وتدفع بالصبر ليصبح من الواجب أن يعمل به العاملون كي يكونوا من المبشرين بجنات الخلد والنعيم، وأحيانا تتفضل على من يشاهدها بمقاطع تستنكر لها القلوب قبل العيون، يخجل الفرد من نفسه قبل ممن هو جانبه يقص عليه جمالية صعوبة العيش والحياة في هذا الواقع المشؤوم، إنها سارقة البيوت، عاشقة البعثرة والشرود، الراغبة في تغيير المنشود، وإدخال فيروس فتاك شعاره للتحرر متجهون وللإسلام محاربون، التلفزة المغربية. ليس غريبا إن رأيت مبادئنا رحلت كأوراق هزتها رياح في خريف مضى، ولم يعد لها وجود، فما يصطحب رقابنا أعظم، يجعل الرؤية في اتجاه واحد، تظن أنه الحق فيغريك فتتعبد طريقه لتشكف إن كنت ذكيا أنها مزحة خفية كتبت لتقتل فيك نفسية الرجولة، وتغيرك فتصبح ذاك الشخص المنحل أخلاقيا والمتحرر فكريا، فلا يبقى ما يحكمك إن فات الأوان وانضممت الى الخراف، فإما أن تستعيد أو تستعيد، ما أفقدك إياه إعلامنا، بذكائه وجهلك، فهو يسير في طريق يحمل كل تائه يبحث عن اللاشيء، يضمونه بين أذرعهم، يسمونه متابع، وهو في الأصل ليس سوى مهاجر مع الرياح، وجدوه فأخدوه وعن قيم نشأ فيها ماتركوه، وهذه لحقيقة ما يوجد في منازلنا، شاشات تلفاز، قنوات وإعلام . إن ما تتداوله قنواتنا التلفزية لا يمت بصلة تعاليم ديننا الاسلامي، وما تربى عليه اباؤنا، تتخللها منكرات بالجملة وانعدام حياء، والتحرر يستدير فوق طاولاتهم كالماء، أينما وليت وجهك ترى ما تخشى ان يكتب عليك سيئاته، فهي صارت تحارب فيك قيمك وتدعوك الى الانغماس في الرذيلة عبر اشهارها بذلك اولا، لما تبثه من افلام تخدش حياء المرء وتجهر بالزنا، وتربي لدى الطفل قناعة انه لا حاجة لقيود تكبله، فهو حر ويفعل ما يريد، تجعل الفقير فكريا يتربى بين احضانهم، يتبنى افكارهم، يترعرع في افلامهم، وبين اشهارات، فمنهم من يضيع بين سراب طيور المهجر، وإن فكر في العودة يصعب عليه معرفة الطريق، والفظيع أن هناك من لا يعلم أنه تائه فيبحث عن من يرشده، أو مخطئ فيبحث عن من يقومه، أو جاهل فيبحث عن من يعلمه، فهو غاب عن الحياة وتسلق وهما ظاهره حقيقة، وباطنه مزركش بألوان ادمجت في عهد غاب فيه عقل يحكم، وقلب ينير الطريق، ومجتمع يصفق للحق ويدعو إليه. ما وصلنا إليه من أمراض في المجتمع من دعارة وهرج وانتحار سببها المباشر تعليم منحط وحقنات إعلامنا المتتابعة، فعندما دخلت إلى بيوتنا أزيل غشاء الحشمة بين البنت وأمها والأب وابنه، بين الجميع، برامج تافهة لا فكرية ولا علمية، ومسلسات لا تنقطع في رمضان و في الأيام العادية، لم يعد من حقنا أن نتساءل عن حال مجتمعنا، وعن تدهور أسرنا، فمع الأسف سمحنا للصوص أن يدخلوا منازلنا من غير أبواب، فحملوا السمين وتركوا الغث، صعدوا بنا على نعش الجهل ما كنا لنرى داخله لو لم نسمح لهم بذلك، فمتى العودة يا ترى ؟ هل سنستمر في السير نحو مصير مجهول، أم سنستدرك ما مضى ونرجع للوراء ونفهم ما يجري ؟ غريب الامر حقا، أن يصبح مجتمع بأكمله لعبة شطرنج يحركون القواد كما شاءوا ويختمونه بالحفدة.. تسقط المسؤولية بالأساس على من يملك زمام الأمور، على مسؤولي القطاع، هو من عليه أن يواجه خطورة الوضع، وألا يسمح بانحطاط الاعلام، بمنع بث البرامج المساهمة في الفساد والانحلال، فالمجتمع يحتاج من يحمل على عاتقه هم الأسر، وما يساعد في وعيها لا طمسها فكريا وثقافيا، ما يبين لها الحقائق وليس من يخفيها ويضفي عليها زينة ويختمها بموسيقى ويدعو للسعادة. أفمن هو قائم يبحث عن حقيقة الأمور ليثقف نفسه ومحيطه، كمن هو يشاهد برنامجا ترفيها يجعله يبتسم لجهله، لا يمكن ادراج كل تلك البرامج في خانة الدناءة، لكن أغلبها كذلك، نحن في مرحلة نحتاج لتوعية البشر كي نقدر على منافسة المجتمعات الأخرى، حتى نخرج للوجود ويعترف بنا، أما بهذه الحال سنعود للوراء بسنوات إن لم نقل سنغيب عن الواقعية ونعيش في الخيال.. وأبرز دليل على هذا الإدمان هي مواقع التواصل الاجتماعي، واستبدال الشاشة بالهاتف وانغماس مرة أخرى فيما هو أكثر مع الاسف.. الصواب بين والخطأ بين، على الفرد أن يحكم عقله في أمور عدة، أن يفهم ما هو في صالحه ومن معه، وما سيعود به الى زمن الجاهلية ويقف ضده، مهما كثر الكلام، وتحركت الأقلام، لا بد من أذن مصغية وعقول واعية كي تتخطى مرحلة الخطر، فالحذر الحذر من السقوط في شباك الهاوية، فنحن لا ندري ما نسير عليه، فكيف إن كنا في الهاوية أصلا. كنت أضحك مستهزءا من جدي عندما يقول عن التلفاز إنه هو "المسيح الدجال". لكنني اليوم أعتذر منك جدي، وأقول لك صدقت، إنه أخطر فتنة عرفها وسيعرفها البشر.