يرى بيير بورديو بأن ما ندعوه بالثقافة الرفيعة هو ببساطة شكل الثقافة التي تفضلها البورجوازية الثقافية, وذلك بفعل نمط التنشئة الذي زودها بمجموعة من الميول والسمات.وتتكون هذه البورجوازية الثقافية حسب وجهة نظره من الطبقات المتوسطة العليا,والتي تمتلك ما يسمى بالرأسمال الثقافي.أي نصيب الشخص من المعرفة بالثقافة الرفيعة. ويرى في هذا الصدد بأن السلطة الثقافية للطبقة المتوسطة العليا والمتكونة من أناس ينتمون للمستويات المهنية العليا كالطب والقانون هي التي يعاد إنتاجها, فتتجدد بشكل مستمر. إذا كانت البورجوازية الثقافية هي من تحتكر الرأسمال الثقافي في المجتمعات الغربية المعاصرة.فمن الذي يحتكر هذا الرأسمال في المجتمعات ذات الأنظمة السياسية الاستبدادية.تلك التي تسعى بكل الطرق لكي تضمن استمراريتها ولو على حساب تدمير الرأسمال البشري ؟ وما الذي يحدث عندما تكون هذه الأنظمة خاضعة للرأسمالية العالمية النيوليبرالية؟ وكيف يتم تسخير الإعلام العمومي من أجل صناعة القطيع؟ احتكار الرأسمال الثقافي: التلفزيون المغربي و باتساع سلطة وسائط الاتصال الحديثة , وفقدان الإنسان المغربي لعلاقته بالقراءة, يظل التلفزيون مركز الرأسمال الثقافي.فمن خلاله يكون المغربي وجهة نظره,ووفق معاييره يبني حكمه الخاص عن الذات, والآخر,والعالم,ويتبنى قيما على أساس ما يشاهده في التلفزيون. ويخصص الإنسان المغربي للتلفزيون أربع ساعات يوميا حسب إحصائيات مؤسسة ماروك ميتري المتخصصة في قياس نسب المشاهدة, بمقابل معدل المقروء السنوي بالمغرب الذي لا يتعدى نصف صفحة ،مما يؤشر على أن نسبة القراءة بالمغرب لا تتجاوز 2 في المائة حسب إحصائيات أخيرة لمكتب الدراسات الديموغرافية والاقتصادية والقانونية والإحصائية (ايدسا) تمت بإيعاز من وزارة الثقافة.ولقد شملت هذه الدراسة الميدانية 1365 قارئا محتملا في 13 مدينة مغربية,وكشفت بأن القراءة في المغرب قد تراجعت بنسبة 2% بدليل أن واحداً من عشرة قراء محتملين لم يقرأ أي كتاب خلال العام الماضي. فيما لم يقرأ 41% من القراء أي كتاب منذ ستة أشهر أو أكثر، و26.5% لم يتمكنوا من قراءة سوى كتاب واحد خلال سنة بكاملها، و19.3% قرؤوا كتابا خلال سنتين، و3.6% خلال خمس سنوات، و9.6% من المستجوبين لم يقرؤوا إلا كتابا واحدا خلال خمس سنوات. وأن حوالي ثلثي القراء يقرؤون قراءة متوسطة و23% يواظبون على القراءة و11% لا يقرؤون إلا نادرا. وقد حددت الأسباب الرئيسية للعزوف عن القراءة في ضعف القدرة الشرائية، وعدم التوفر على الرغبة في القراءة.فقد قال ثلث القارئين العازفين عن القراءة أنهم لم يعودوا يمتلكون الرغبة في القراءة. بالعودة إلى نتائج هذه الدراسة وتحليل خلاصاتها نجد بأن السبب الرئيسي الأول الذي خلصت إليه هذه الدراسة يحمل بين طياته الكثير من التناقضات.فضعف القدرة الشرائية يمكن أن يكون حجة مقنعة لمن يمتلك نهما معرفيا,ويقرأ على الأقل كتابين في الشهر.أما من يقرأ كتابا في السنة فلا يمكنه أن يتحجج بضعف القدرة الشرائية,فالمكتبات العمومية كفيلة بأن تروي نهم كل متعطش للإطلاع والقراءة. نرى بأن السبب الرئيسي للعزوف عن القرءاة في المغرب يتمثل في هيمنة وسائط الاتصال الحديثة وتغييرها لنمط التلقي لدى القارئين المغاربة.فالكتاب يتطلب مجهودا ذهنيا وفكريا لقراءته مقارنة مع مشاهدة سلسلة تلفزيونية أو برنامج ترفيهي,أو متابعة أطوار مباراة في كرة القدم. لذلك ظهر نمط جديد من المتلقين الكسولين الذين يفضلون التعامل مع وسائط الاتصال الحديثة من أجل الترفيه والتثقيف وتلقي المعلومة بدون بذل أي مجهود فكري.ففقد الكتاب سلطته لصالح وسائط الاتصال الحديثة. وفقد المثقف سلطته كقوة تنويرية داخل المجتمع المغربي. ولقد ساهم في هذا الأمر تشجيع التلفزيون المغربي العمومي للتجارب الفنية التي تتماهى مع المتلقي, فلا يبذل مجهودا فكريا لقراءتها وتأويلها.بمقابل تغييبه للتجارب الفنية التي تتميز بمحتوى جمالي ومضمون فكري رفيعين. فتخالف السائد وتسعى إلى خلخلة المتلقي ومساءلة بديهياته, والتأثير في نمط تلقيه ودفعه إلى بذل مجهود ذهني وفكري لقراءة العمل الفني وتحصيل لذته الجمالية. ويبرز هذا الأمر جليا مع الفن المسرحي,حيث اقترن المسرح لدى الجمهور بعبارة ثلاث ساعات من الفكاهة والضحك,وذلك عبر الوصلة الإشهارية الشهيرة التي يبثها التلفزيون العمومي للأعمال المسرحية التي يعرضها,والتي تتميز بسطحيتها وشعوبيتها. طبيعة وسائط الاتصال: في دراسته عن وسائط الاتصال يقسم مارشال ماكلوهان هذه الوسائط إلى وسائط ساخنة ووسائط باردة. ويعرف وسائط الإتصال الساخنة بكونها وسائط تفترض التلقي السلبي تماما,حيث لاتسمح للمتلقي بالمشاركة في إنتاح معنى الرسالة ودلالاتها." تسمح الوسائط الساخنة بمشاركة ضعيفة للمتلقي على عكس الوسائط الباردة.كما الشأن بالنسبة للمحاضرة مقارنة بالندوة,والكتاب مقارنة بالنقاش" . وهو يصنف الشرائط الفيلمية بكونها وسائط اتصال ساخنة على عكس المسرح فيصنفه كوسيط اتصال بارد,إذ يعتمد اعتمادا كبيرا على مشاركة المتفرجين.ويصنف التلفزيون أيضا ضمن وسائط الاتصال الباردة. ونحن نختلف في هذا الصدد مع مارشال ماكلوهان بخصوص تصنيفه لوسائط الاتصال حسب طبيعتها لا انطلاقا من المحتوى الذي تقدمه. فسخونة وبرودة الوسيط الفيلمي تتعلق بقيمته الجمالية أكثر مما تتعلق بطبيعة هذا الوسيط.إذ كلما تجاوز المحتوى الجمالي للفيلم أفق توقع المتلقي ودفعه إلى مساءلة بديهياته كلما ساهم ذلك في إبراز برودة الوسيط,ويصبح الوسيط ساخنا كلما ساير محتواه الجمالي الأفكار السائدة والأشكال المستهلكة.فنوعية العلاقة التي يربطها الوسيط بمتلقيه هي التي تحكم على طبيعته.فالوسيط الذي يخلق علاقة تفاعلية بين المتلقي والأثر الفني,يساهم في جعل المتلقي منتجا للدلالة,لامجرد مستهلك فقط.بهذا الشكل تتحدد طبيعة الوسيط الإعلامي ودوره. والتلفزيون بدوره يمكن أن يتحول إلى وسيط اتصال ساخن إذا ما تماهى مع الذوق الشعبوي للمتلقي,فشجع الأعمال الدرامية وبرامج الترفيه والمنوعات التي تدغدغ النزعة الشعبوية للمتلقي.Kitsh السوقية كما يمكنه في نفس الوقت أن يصبح وسيطا اتصاليا باردا إذا ما عرض البرامج الحوارية التي تقدم الرأي والرأي الآخر,وجعل المتلقي يبني وجهة نظره الخاصة,فيساءل واقعه ويسعى لتغييره نحو الأفضل. إن سياسة تشجيع البرامج الثقافية والحوارية والأعمال الدرامية النوعية تجعل عملية التلقي تتسم بنوع من التفاعل الواعي والإنتقائي,وهذا ما لايخدم مصالح الرأسمالية العالمية,حيث تفضل اللوبيات الإقتصادية المتلقي الكسول المستهلك للخطاب الأحادي,لكي تستطيع التأثيرعليه بكل بسهولة من أجل اقتناء المنتوجات الإستهلاكية التي تعرضها.لهذا فهي تشجع البرامج الترفيهية والأعمال الدرامية الاستهلاكية, لكي تجعل من التلفزيون وسيط اتصال ساخن يتلاعب بلا وعي متلقي كسول, يستهلك المنتوج التلفزيوني بدون أن يساءله أو يفكر فيه.فالأعمال والبرامج الإسنهلاكية التي تقدم إليه يجب أن تساهم في تكريس قيم الإستهلاك داخل وعيه: برامج الموضة,مسلسلات تيلينوفيلا(فيلات فارهة,سيارات...),برامج حول الشوبينغ,فيديو كليبات,برامج صناعة النجوم...كل هذه الأعمال تروج لقيم الاستهلاك,لهذا تمرر خلالها العديد من الإشهارات لمختلف البضائع الاستهلاكية.هكذا,يقتني المتلقي منتوجات تكرست داخل لاوعيه بطريقة لاواعية, ويقبل عليها بطريقة بطريقة واعية انطلاقا مما تكرس داخل لاوعيه عبر الوسيط التلفزيوني. يرى بيير بورديو بأن التلفزيون يعرض أشياءا يتم إخفاؤها عن طريق عرضها,وذلك بواسطة عرض شيئ آخرغير ذلك الذي يجب عرضه.وأيضا عندما ما يتم عرضه بطريقة لا تسمح بعرضه,فيصبح بلا مغزى.أو عندما يقوم بإعادة تشكيله بحيث يأخذ معنى لا يقابل الحقيقة على الإطلاق. وهذا يدخل في صميم آليات التلاعب بالعقول التي يمارسها التلفزيون على الأفراد الذين وهبوا أنفسهم جسدا وروحا للتلفزيون كمصدر وحيد للمعلومات . فحتى البرامج الثقافية التي تدعو إلى التأمل والتفكير, تبرمج خارج أوقات الذروة, بحجة تدني نسب المتابعة.رغم أن العملية هي موجهة أصلا لكي تنال البرامج الترفيهية أكبر حصة من نسبة المتابعة,بحكم برمجة يومية يمارسها الإعلام لتكريس ثقافة استهلاك الأعمال السوقية والبرامج الترفيهية داخل لاوعي Intériorzationإن الإدراك المتكرر للأعمال من أسلوب معين يشجع التذويب اللاواعي " المتلقي. التي تتحكم في إنتاج هذه الأعمال" .هكذا يتعود المتلقي على طبيعتها,ويتمرس على Rules للقواعد قواعدها.فيقبل فقط على الأعمال التي تتوفر فيها تلك القواعد. إن هذا التذويب الذي يقوم به التلفزيون يشجع فقط على تذوق الأعمال ذات الطبيعة الاستهلاكية , والبرامج التي لا تتطلب مجهودا فكريا أثناء متابعتها.خصوصا عندما تتم برمجتها أثناء ذروة المتابعة التلفزيونية. تركيبة المجتمع المغربي: يصنف بول باسكون المجتمع المغربي ضمن خانة المجتمعات المركبة,حيث تساهم مجموعة من الأنماط الإنتاجية في تكوينه الاجتماعي.ففي المجتمع المغربي، مثلا، هناك تعايش بين الشراكة والعمل المأجور والتعاون. كما أن هناك تعايشا بين الطاقات البشرية والمائية والميكانيكية والكهربائية. ويوجد الحق الأبوي في تعايش مع التقاليد القبلية والنظام الفيودالي والتشريع القرآني والقانون العصري. وتتواجد المؤسسة العائلية مع الجماعة القروية وشبكة الأعيان والدستور. ونجد عبادة الأموات جنبا لجنب مع الممارسات السحرية-الدينية والإسلام والعلم الحديث... كما يعمل الناس الذين يعيشون في المجتمع المركب باستمرارعلى تكييف سلوكهم مع الواقع المعقد,لكي يتمكنوا من لعب أدوارهم بداخله. فمن خلالهم نجد جل التناقضات التي يعج بها مجتمعهم.وهم لا ينقطعون عن تركيز إرادتهم ورغباتهم حول الخاصيات التي تبدو لهم سائدة، ويبدو هذا على مستويين مختلفين: المستوى الفردي والجماعي. إن الإنسان الذي غادر بيته في الصباح ،متقلدا خنجره الفضي، كرمز للرجل الحر وللنبل والشرف التقليديين، يمتطي دراجته النارية كوسيلة للتنقل السريع،وذلك قصد ملاقاة موظف قادرعلى أن يحصل له على قرض هو في حاجة إليه بمناسبة بداية الموسم الفلاحي.وذلك بفائدة محددة مسبقا ومقرونة بضمانة تأخير الأداء في حالة الكوارث.ولقد وقع حساب احتمال وقوعها وفق قوانين الاحتمالات، ولكنها أيضا تلك الكوارث التي سيحاول إتقاء شرها بالتضرع إلى العلي القديرعبر التضحية بكبش يقدمه قربانا له.ويرى باسكون بإن هذا الإنسان العادي على العموم، والذي نجده في كل أنحاء العالم -مع اختلافات يسيرة- ليس متناقضا, بل هو منطقي إلى أبعد الحدود،وذلك لانسجامه مع التعددية التي تطبع المجتمع. حيث يسعى إلى تجاوز تناقضاته عن طريق تكيفه المستمر مع جميع متطلبات الحياة الاجتماعية. حيث لا يمكن;COMPOSITE ويستنتج “باسكون" من هذا التحليل أن المجتمع المغربي مجتمع مركب اختزال بنيته في نمط انتاج واحد وموحد مهما كانت درجة انتشاره, لأنه لا ينتمي إلى صنف المجتمعات تلك التي قامت بتصفية حساباتها مع الماضي, وتطورت في إطار مشروع ;Homogènes المتجانسة سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل وواضح المعالم. فهو"مجتمع قائدي مخزني، يمارس هيمنته على القبيلة الآخذة في الاندثار، وعلى الأبوية التي وجدت ملجأ لها في العائلة ووضعية المرأة. إلا أن هذه القائدية نفسها تعاني من سيطرة الرأسمالية العالمية في مجالي الإنتاج والمبادلة". للا لعروسة: صناعة القطيع. تعود بداية برنامج للا لعروسة إلى صيف 2006.وهو ينتمي إلى صنف «تلفزيون الواقع»،حيث يقوم على مبدأ اختيار سبعة أزواج لم يتمكنوا بعد من إقامة عرس أو من الانتقال إلى بيت الزوجية نظرا لعدم توفرهم على الإمكانيات الكافية. فيتبارى الأزواج في عدد من المسابقات الترفيهية للظفر بإقامة حفل زفاف أسطوري ورحلة شهر العسل وبيت الزوجية. ولم ينس برنامج للا العروسة الحموات،إذ يشاركن في المسابقة و يبدين رأيهن خلال مختلف مراحل البرنامج. وتمكن الاستفتاءات العديدة التي يقوم بها الجمهور عن طريق الرسائل الهاتفية والاختبارات المتكررة سواء داخل الأستوديو أو خارجه من اختيار الزوجين الفائزين.و يبث على القناة الأولى المغربية كل جمعة على الساعة التاسعة و النصف ليلا في ذروة المتابعة التلفزيونية. يكرس البرنامج النمط الوحيد للارتباط ما بين الرجل والمرأة:المؤسسة الزوجية بشكلها التقليدي.ويستمد قوة هذا الاستبداد من الإيديولوجيم المرجعي:الزواج نصف الدين.وبما أن الدين شأن النظام الضامن للأمن الروحي للمغاربة,يصبح التلفزيون العمومي الوسيلة الأنسب لتكريس النزعة الشعبوية,داخل قالب برنامج ترفيهي يستمد قوته من الدين. بالمقابل يكرس البرنامج الإيديولوجيا المهيمنة التي تساهم في الحفاظ على مصالح الطبقة السياسية المهيمنة, حيث تندمج هذه الإيديولوجيا في مختلف سياقات البرنامج,لتعيد إنتاج نفس العلاقات الإنتاجية التي تخدم مصالح الرأسمالية. وحدة إيديولوجية تخترق مختلف باعتبارهاL'idéologèmeالإيديولوجيم JULIA KRESTEVA تعرف سياقات النص السردي.ويمكننا قراءتها بشكل مادي في مختلف مستويات البنية النصية,حيث تشمل داخل مسارها كل عناصر التحديد التاريخية الخاصة بها . للإيديولوجيم باعتباره مفهوم معنوي J.Kresteva بإعادة قراءة تعريف F.Jameson وفي هذا الصدد يقوم ووحدة سردية في نفس الآن."للإيديولوجيم خاصية مزدوجة,فطبيعته البنيوية تسمح له بأن يكون فكرة مستعارة(نظام من المفاهيم والمعتقدات,قيمة مجردة,وجهة نظر أو حكم مسبق) أو نص قبلي تستحضر فيه طبقات اجتماعية استيهاماتها بخصوص الجماعات التي تتعارض معها . يكشف البرنامج بين ثناياه عن إيديولوجيم بنيوي: مقايضة الحرية بالاستقرار.حرية العازب مقابل استقرار المتزوج.وفي المقابل,مقايضة المواطن لحريته(حرية التفكير,حرية اختيار نمط الحياة,حرية الاعتقاد) مقابل الاستقرار الأمني الذي يقدمه له النظام السياسي القائم. إن هذا التدليس الذي تمارسه الإيديولوجيا سرعان ما نتغافل عن التنديد به,فنقبل باعتباره نوعا من التفكير الذي تفرضه الطبقة المهيمنة . كلمة "لالة" في عنوان البرنامج تحيل على تقدير للمرأة فقط عندما تصبح عروسا.فلا النجاح العلمي ولا المسار المهني يؤهلانها لحمل هذا اللقب التشريفي الذي يحمل الكثير من الدلالات في الذاكرة الجمعية للمغاربة.بالمقابل,لا يشير عنوان البرنامج إلى الرجل أو مولاي السلطان.مكرسا بذلك تلك النظرة الاجتماعية التي تختزل كل نجاح المرأة في الزواج. تمر المسابقة بين الأزواج للظفر بجائزة البرنامج المتمثلة في المنزل,شهر عسل بدولة سياحية,وحفل زواج تقليدي باذخ ينشطه أشهر المطربين الشعبيين المغاربة والمشارقة. أما جائزة المشاهدين فتتمثل في سيارة يحصل عليها المشاهد بعد أن يجيب على سؤال بسيط متعلق بأحداث البرنامج,وذلك عبررسالة هاتفية تسعيرتها جد مرتفعة.هكذا تحصد شركات الاتصالات أرباحا كبيرة عبر استغلال المشاهد الخاضع للتنويم داخل فضاء التلفزيون العمومي. هكذا,يحدد البرنامج معايير النجاح الاجتماعي:منزل,.سيارة,حفل زواج باذخ,وعطلة سفر.إنها نفس معايير الحياة السعيدة وفق نمط العيش الرأسمالي. إن من شأن تكريس هذه المعايير إنتاج أجيال رأسمالها الثقافي الوحيد:ثقافة الاستهلاك.فالمواطن يبيع للآلة الرأسمالية وقته وجهده,لكي ينتج لها ما تقوم ببيعه له.ولكي تحكم الحلقة,فهي تقدم له كافة التسهيلات لكي يشتري بواسطة القروض البنكية.هكذا,يصبح المواطن حطبا للآلة الرأسمالية في شكل من أشكال الاستعباد الحديث.فلا يبقى له وقت للتأمل والتفكير الواعي.الشيئ الذي ينتج أجيالا تفكر بطريقة آلية ونمطية. هكذا يصبح المواطن مقصوص الجناحين,فلا وقت لديه لأنشطة المجتمع المدني,مما يفسر العزوف الكبير عن العمل السياسي,والنقابي والجمعوي الذي يعرفه المجتمع المغربي. فالمواطن المكبل بالقروض لا يجد وقتا لممارسة واجبات المواطنة,فكيف له أن يحتج على غياب العدالة الاجتماعية وهو مهدد في كل لحظة بالطرد من العمل. وحين يكون المواطن رهينا لشركات القروض,ومتزوجا ورب أسرة,يسكت عن الظلم.الشيئ الذي يخلق تواطئا جماعيا على رعاية الفساد والاستبداد. طقوس الزواج في برنامج "للا لعروسة" مغرقة في الطابع التقليدي.تكرس طبيعة المجتمع البطريركي. فالحماة تحضر إلى الأستوديو مع الأزواج,ويلزم للزوجة الناجحة أن تتفاهم مع حماتها.هكذا يتم تكريس فكرة أن المؤسسة الزوجية هي شأن مجتمعي,يجب أن يخضع لسلطة الآباء,مما يعيد إنتاج نفس العلاقات الاجتماعية التقليدية القائمة على وصاية الآباء على الأبناء.فيصبح للاستبداد جذور داخل الأسرة المغربية,وتصبح المؤسسة الزوجية راعيا لهذا الاستبداد,حارسا لأصنامه. إن أسئلة البرنامج مغرقة في شعبويتها: أسئلة بخصوص الأغاني الخفيفة,والأمثال الشعبية التي تحمل بين طياتها الإيديولوجيا التي تحمي مصالح الطبقة المهيمنة.ويمكن بكل سهولة الكشف عن هذه الوحدات الإيديولوجية التي تخترق هذا النوع من الخطاب, وتبرزعلى مستواه السردي.ونكتفي هنا بذكر مثالين وردا ضمن الحلقة الأولى من الموسم السابع للبرنامج."طلع تاكل الكرموس.نزل شكون كالها ليك"."دخول الحمام ماشي بحال خروجو".يكشف المثال الأول عن ازدواجية في المعايير,فما يكون مسموحا به في ظروف معينة,قد يصبح غير مسموح به في ظروف أخرى.فاختلاس المال العام مثلا شيئ مسموح به,لكنه قد يؤدي بصاحبه إلى السجن إذا تغيرت الظروف.هكذا,يتم تكييف المعايير لخدمة مصالح الطبقة السياسية المهيمنة. أما المثال الثاني وإن تشابه مع المثال الأول في تكريسه لازدواجية المعايير,فهو يحمل في طياته إيديولوجيما يكرس لثقافة الخوف.فالحمام الذي يعتبر فضاءا متاحا للكل,وحقا للجميع.فكر ألف مرة قبل أن تدخله.فقد لاتخرج منه بسلام.هكذا,تصبح المطالبة بحق مشروع بمثابة مغامرة غير مأمونة العواقب. يتم جزء كبير من التباري داخل برنامج لالة لعروسة بخصوص الأعباء المنزلية.هكذا,يتم اختزال المؤسسة الزوجية في الطهي,والكنس,والتنظيف,والإنجاب.فلا يكتفي البرنامج بتحديد نمط العلاقة ما بين الرجل والمرأة,بل يحدد أدوار كل منهما,ونمط حياتهما. تحصل هذه الأنواع من البرامج عادة على نسبة كبيرة من المشاهدة بفعل عملية,التذويب التي يمارسها التلفزيون بشكل يومي على المشاهد,وتتم برمجتها في ذروة المشاهدة.الشيئ الذي يضمن للآلة الرأسمالية شريحة كبيرة من المتلقين الكسولين الذين تكتسحهم الاشهارات المقدمة, فيتم تنويمهم لتمرير العديد من الإشهارات داخل لاوعيهم,مما يخلق لديهم حاجة ملحة للاستهلاك.بهذا الشكل يتواطأ النظام السياسي المغربي مع الآلة الرأسمالية في سبيل صناعة القطيع الاستهلاكي.هذا القطيع الذي يسهل توجيهه من خلال دغدغة النزعة الشعبوية بداخله,والتي يساهم المرفق الإعلامي العمومي في تزكيتها. إن الطبيعة التقليدية للنظام السياسي المغربي تجعله يفضل التضحية بالرأسمال البشري من أجل ضمان الأمن العام القائم على نوع من التخدير الجماعي, معتقدا بأن هذه السياسة تضمن له الحفاظ على مصالحه. بهذا الشكل يمكننا أن نفهم كيف تلتقي مصالح النظام السياسي المغربي ومصالح الرأسمالية العالمية في صيغتها النيوليبرالية التي تسميها "العولمة",والتي تسعى للحافظ على نفس العلاقات الإنتاجية التي تحكم المنتج بالمستهلك وفق منظور الليبرالية الجديدة. فتروج لقيم السوق, وتوظف في سبيل ذلك وسائط الاتصال الحديثة.هكذا يتحول التلفزيون إلى وسيط اتصال ساخن يقتصر دوره على خلق مجتمعات مستهلكة. تتحمل مجموعة من الأطراف المسئولية في إنتاج وبرمجة برنامج"لالة لعروسة",بدءا من الجهة المنتجة الممثلة في القناة الأولى,باعتبارها الجهة التي تمول هذا العمل.كما تتحمل الشركة المنفذة للإنتاج والتي أنجزت تصور برنامج بهذا الشكل قسطا من المسئولية.أما القسط الأكبر من المسئولية فتتحمله الهيئة العليا للسمعي البصري(الهاكا),والتي يجب أن تراقب مدى توافق البرنامج مع وظيفة التلفزيون العمومي. إن المرفق الإعلامي العمومي في الدول الديمقراطية يعتبر الثقافة خدمة عمومية, ويخصص أوقات الذروة للبرامج التي تدفع المتلقي إلى التأمل الواعي, وللتربية على قيم المواطنة والتفكير في الصالح العام,وإلى مساءلة ما يعرض عليه,باعتبار أنه يمول من المال العام.كما يقدم أعمالا درامية تجعل المتلقي يدخل معها في علاقة تفاعلية,فيساءل هذه الأعمال,ويجد إجابات بخصوص أسئلته المرتبطة بلحظته التاريخية الراهنة. أعمال تساهم في تكريس الهوية,لأن العولمة تمضي قدما في سبيل طمس الهويات الثقافية. يجب خلق نوع من التوازن ما بين الأدوار الثلاث للمرفق الإعلامي العمومي:الإخبار, التثقيف والترفيه. لأن تشجيع قيم الاستهلاك بإفراط من شأنه أن يخلق نوعا من التهافت على الاستهلاك بأية وسيلة,وفي سبيل توفير هذه الإمكانية تصبح النزعة الفردانية هي النزعة الطاغية على المواطن,فيطغى التفكير في المصلحة الشخصية على حساب التفكير في الصالح العام,وكلما طغت هذه النزعة داخل مجتمع من المجتمعات إلا وساهم ذلك في تخلفها. كما أن سياسة صناعة القطيع سرعان ما تنقلب على صاحبها, ففن حجب المعلومات والتعتيم على الخبر وتقديمه بصورة محرفة من شأنه أن يدفع المتلقي للبحث عن الخبر في القنوات الأجنبية,أو على شبكة الإنترنيت.وكما يمكن توجيه القطيع لخدمة الاستقرار, يمكن توجيهه أيضا لخدمة الحركات المتطرفة سياسيا أو عقديا.كما يمكن توجيهه لخدمة المصالح الخارجية.وهذا ما يشكل أكبر تهديد للاستقرار. أستاذ باحث في الفنون البصرية.فنان مسرحي من المغرب. هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.