معلوم ومسلم به، أن الإحتجاج أبسط ما يلجأ إليه المواطن أثناء إحساسه بتقصير من طرف الدولة، أو استشعاره بفقدان كرامته داخل وطنه الأم، ويكون ذلك عبر رفع شعارات والقيام بمسيرات سلمية تجوب أطراف المدن التي تختار بذكاء ودقة عالية، لإيصال الصوت إلى من يهمه الأمر ليعرف مدى عدم صواب ما يقوم به، وفي الدول المتقدمة التي حقا تعترف بمفهوم الديمقراطية وتكرسها في الحياة الواقعية أي تبعدها عن الأوراق فتصبح شيء يعاش، تكون الإجابة إما في الحين أو بعد فتح حوار جاد مع المحتج لمعرفة أين بدا له الخلل وإن كان مخطئا يقومونه، من أجل استدراك الوضع و أن تسير الأمور بشكل طبيعي وجيد، لتبقى لتلك الدولة صورة جميلة بين جيرانها وتحقق الأهداف التي تسموا إليها، وتطمح فيها كي تحلق فوق سحاب التقدم والازدهار ويحس آنذاك المواطن أن حقوقه مكفولة، ويعيش في راحة وهناء، عكس ما تعرفه الدول التي تفكر في التقدم، أي تلك التي هي في طريق النمو، فتواجهه بالقمع والتصدي له أين حل وارتحل دون معرفة العوائق والسلبيات لذلك، وهنا يكمن الخلل. إن محاولة إخماد الحريق ومراوغتها بقليل من التبن لن يزيد سوى في توهجها واشتعالها، فيذهب على الخضر واليابس لكن مواجتها ومعرفتها من أين بدأت سيسهل إطفاءها وبحكمة وإن فكرت مرة أخرى في البزوغ ستذهب مباشرة إلى مكان البداية، وبهذا ستبقى في راحة تامة، لكن مع الأسف الحكومة المغربية الحالية لا تتمثل لهذا المثال، تجيد فن الإختباء وراء آليات القمع الذي نكن لهم كامل الإحترام والتقدير، وتواجه كل من سولت له نفسه أن يعارض مخططاتها أو يطالب بحاجياته إما بالتنكيل والتصدي له أو التجاهل التام وأحيانا بالإعتقال، وبهذا تكون في مأزق يجعلها تحضا بانتقادات عديدة وتفقد ثقة الشعب وتدفع بالمغرب إلى ما وراء دستور 2011، الذي هذا الأخير يتضمن فصولا ومواد تجوز الاحتجاج السلمي وتمنع المساس بسلامة الأشخاص حيث يكفل لهم الحرية في التعبير عن ما يرونه غير صائب ويفقدهم حقوقهم، ولا يمكن أن ننكر أنه أتى لكفل حقوق الإنسان ويعترف بحريات الفرد، لكن نجد أن القائمين على السهر لترسيخ ما أتى به على أرض الواقع يحرفون الكلم عن مواضعه ويساهمون في تدهور الأوضاع بدل استحسانها، ويفهم بذلك المواطن أن شعارات الإنتخابات فقط حبرا على ورق من أجل احتلال الكراسي إلا في الحالات النادرة التي يتحقق شيء من البرنامج الإنتخابي، ومثل هذه الأشياء هي التي تدفع بالشباب إلى تقديم دواتهم وجبة للحيتان، ونحن مع الأسف مشغولين بأشياء أخرى ليس لها قيمة. من الحركات الإحتجاجية التي عايشتها حكومة العدالة والتنمية ونجت من بطشها باعجوبة، احتجاجات الأساتذة المتدربين الذي لازال الحديث عنها متواصلا إلى يومنا هذا، ولا يمكن لأحد أن إنكار أنها تخصلت من المشاكل التي كانت قدد تترب عنها بذكاء، رغم القمع الذي واجهتهم به والتجاهل وأحيانا السخرية، لم يكن سببا لإضعاف الحركة لأنها كانت تعرف مطالبها منذ البداية ومتشبثة بها ومقتنعة بأنها ستحصل على ما تريد، واستجابة الحكومة للمطالب حتى وإن لم يكن بشكل كلي، آت بالأساس لأسباب سياسية كي يفوز بالحل أحد، وهذا يدل على أنها لا تقدر على مواجهة القضايا الاجتماعية وتفضل الانعزال عنها وتركها للقدر يفعل بها ما شاء، ولعل نفس السيناريوا تكرره مع وليد مشروعها الذي امتثل للفشل، طلبة خريجي عشرة آلاف إطار الذين يخوضون معركة نضالية من أجل إدماجهم في الوظيفة العمومية ويسيرون على نهج رفاقهم من خلال قيامهم بمسيرات سواء داخل المدارس العليا الأساتذة أو في الساحات العامة، ولحد الساعة التجاهل لازال يحتل الصدارة، والقمع يلعب دوره بشكل جيد ولا يبالي أن من أمامه أستاذ سيعلم جيل المستقبل آجلا أم عاجلا والوطن في حاجة له ليتقدم، فحتى وإن اختلفنا معهم في المطالب لن يكون الأسلوب الناجع للحوار معهم هو ملاحقتهم والضرب على أيديهم سيكون الحل هو المقاربة التشاركية بين جميع الأطراف وتقويهم أخطاءهم واستحضار بدائل في صالح الجميع والوطن هو الفائز. من الممكن أن نختلف مع مطالب أي فئة مجتمعية لمجموعة من الأسباب كغياب الموارد المالية للإستجابة لهم أو أن ذلك سيدخل الدولة في أزمة من الصعب الإنسلال منها بسهولة أو شيئا آخرا، لكن تبقى ثقافة الحوار والتواصل وعدم التعالي من الأشياء الذي يمكن أن نتجاوز بها أي مأزق وفي حالة عدم الإمتثال لذلك ستكون الأوضاع بخير، فالمواطن هو من يختار من يسهر على راحته، فكيف سيرتاح ومن وضع فيه ثقته يوما ورأى فيه قليلا من النور آذانه صارت صماء وأتقل كاهله بالزيادات وحارب أبناءه، ويأتي في الأخير المثقفين والسياسيين ويتساءلون باستغراب شديد وبصوت خشن عن سبب تراجع نسبة التصويت، ويتمم له المحلل السياسي ليبدع في الكلمات ويخلق أعذار واهية بننفسه لا يثق بها، فمادام الحال على حاله فانتظر الأسوء ويمكن أن تصل نسبة تصويت أصحاب الضمائر الحية إلى 0% ليبقى بذلك من باع نفسه بدراهم معدودات لمدة أسبوع، إذن أما أن نفهم أو ننسحب.