عادت السياسة لتمارس سلطتها على الرياضة بشكل أكثر وضوحا في الفترة الأخيرة، الشيء الذي دفع رئيس الحكومة إلى إعلان الحرب على من أسماهم ب"البلطجية" الذين يعرقلون النوادي الرياضية، وهو ما جعل رئيس الوداد الرياضي يلجأ إلى الرد العنيف على ابن كيران، خاصة بعد تضامن عدد من رؤساء الأندية الكروية معه، وتهديدهم بإيقاف الموسم الكروي الماضي. تداخل السياسة بالرياضة لم يقف عند هذا الحد، بل امتد ليشمل جامعات وأندية أصبحت بين عشية وضحاها، مزرعة خاصة بحزب الأصالة والمعاصرة حسب ما يرى متتبعون، ولازال المهتمون بالشأن الرياضي يتذكرون مشاركة إلياس العماري في جمع عام جماعة الكرة، وتمريره لتعديلات طالبت بها الفيفا، إضافة إلى دعمه للائحة فوزي لقجع لرئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، دون يمتلك إلياس الصفة القانونية. حضور الأحزاب السياسية في المشهد الرياضي يتجسد بشكل أوضح مع رؤساء بعض الأندية الوطنية ومكاتبها المسيرة، فحزب "البام" يترأس كل من فريق الوداد البيضاوي الذي يقوده النائب البرلماني سعيد الناصري، وفريق شباب الريف الحسيمي الذي يرأسه عبد الصادق البوعزاوي، بينما يرأس حسن الفيلالي (حزب الأحرار) فريق اتحاد الخميسات، وعبد الحميد أبرشان (الاتحاد الدستوري) فريق اتحاد طنجة، وأشرف أبرون رئيسا منتدبا لفريق المغرب التطواني بعدما انضم لحزب الاستقلال أشهر قليلة قبل انتخابات الرابع شتنبر الأخيرة. كما سعى حزب العدالة والتنمية بدوره في بعض المناطق أن يكون له موطئ قدم في الرياضة، خاصة في مراكش مع يونس بنسليمان نائب العمدة الحالي للمدينة والنائب البرلماني عن البيجيدي الذي كان يطمح لرئاسة فريق الكوكب المراكشي لكرة السلة. حرب سياسية على ملاعب رياضية علاقة السياسة بالرياضة لم تكن حديثة العهد، بل كانت من البداية مجال تداخل تجلى من خلال عدد من الوقائع والمعطيات، غير أن ما أعاد القضية للواجهة مؤخرا هي تلك الاتهامات التي صدرت من رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران لإدارة نادي الوداد البيضاوي. فالآمين العام لحزب العدالة والتنمية كان قد تحدث في لقاء حزبي عن الهجوم الذي تعرض له مقر نادي الوداد من طرف ملثمين بالسيوف قيل أنهم محسوبون على الفريق الأحمر، حيث تساءل "كيف يمكن ائتمان حزب الأصالة والمعاصرة على بلد بأكمله وهو لم يستطع حل مشاكل فريق يسيره إلا بالبلطجة ؟" رئيس فريق الوداد سعيد الناصري اعتبر تصريحات رئيس الحكومة "جرماً كبيرا"، مشيرا إلى أن فريق الوداد لا علاقة له بالسياسة، غير أن بنكيران ظل ينعت دوما حزب الأصالة والمعارضة ب "الأصل التجاري الفاسد الذي يفسد الحياة السياسية وكل المجالات التي يتدخل فيها". معركة ابن كيران مع الناصري انتقل صداها للجامعة الملكية لكرة القدم وباقي الأندية الكروية، حيث أعلن رؤساء عدد من الفرق والعصب الرياضية تضامنهم مع رئيس الوداد بعد تصريحات بنكيران، وهددوا بتوقيف النشاط الكروي، ليخرج رئيس الجامعة فوزي لقجع في لقاء صحفي قال فيه إن خيار توقيف البطولة الوطنية مطروح بفعل التجاذبات السياسية، غير أنه أكد تراجع الجامعة عن هذا الخيار بعد لقائه برئيس الحكومة، مشيرا إلى لجوء الجامعة إلى "إتخاذ القرارات المناسبة إن لاحظت تدخل أي طرف حكومي في الشأن الكروي" في إشارة تحذيرية منه إلى ابن كيران. البام يحلق فوق الجامعات.. من بين الوقائع التي أثارت ردود فعل متباينة في قضية تدخل السياسة بالرياضة، حضور الرئيس السابق لفريق شباب الريف الحسيمي إلياس العماري للجمع العام للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، حتى دون أن تكون له الصفة التي تخول له الحضور، وهو ما جعل الصحافة تتحدث عن وجود انطباع داخل الجمع العام يَعتبر "فوزي القجع" المنتمي بدوره لحزب الأصالة والمعارصة، مرشحا فوق العادة لرئاسة الجامعة. الأخير حضر بعد ذلك للجمع العام لفريق شباب الريف الحسيمي، دون باقي الفرق، وهو ما اعتُبر إشارة واضحة على رد الجميل. حضور العماري في الرياضة يأخذ أكثر من اتجاه، فالرجل الذي يوصف ب "النافذ" تدخل بقوة لاحتواء الخلافات بين نور الدين بوشحاتي رئيس لجنة المنتخبات الوطنية بجامعة الكرة، والمجمد عضويته فيها، وبين فوزي القجع رئيس الجامعة، إثر خلافات كبيرة بينهما، جعلت بوشحاتي (الرئيس السابق لشباب الريف الحسيمي بالنياب والمقرب من إلياس العماري) يغيب عن الأنشطة التي نظمتها الجامعة، بما فيها مباريات المنتخب الوطني وتجمعاته الإعدادية. ويرى المتتبعون للشأن الرياضي أن حزب الأصالة والمعاصرة وسع من دائرة نفوذه في القطاع الرياضي، بتغلغله أكثر في تسيير الجامعات الرياضية، خاصة جامعة الكرة التي يرأسها فوزي القجع. فهل تحول إلياس العماري، ومعه حزب الأصالة والمعاصرة، إلى متحكمين بدواليب اللعبة الرياضية بالمغرب دون أي رقابة قانونية ؟ أم أنه من حقه وحق كل الأحزاب أن يكون لهم مسيرون على رأس الفرق والجامعات الرياضية ؟ خاصة مع عدم وجود أي نص قانوني يمنع ذلك. اليازغي : الرياضة قنطرة السياسي منصف اليازغي، الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية، اعتبر في تصريح ل "العمق المغربي" أن النادي الرياضي أصبح يمثل رأسمال رمزي لرجل السياسية، يستغله البعض كقنطرة للوصول إلى مراكز القرار أو الحفاظ على بعض الامتيازات والمواقع السياسية، حسب قوله. اليازغي الحاصل على دكتوراه في "السياسة العمومية للدولة في المجال الرياضي" أضاف في ذات التصريح أن المجال الرياضي يوفر للسياسيين الشهرة عند المتتبعين والصحافة، وبالتالي يصبح ولوجهم لبعض مراكز القرار سهلا، وأشار أن هذا الأمر كان حاضرا بقوة خلال فترة السبعينيات من خلال أسماء كبرى منخرطة في الأندية وداخل الجامعة، لكنها تراجعت بعد ذلك وظهرت بقوة في السنتين الأخيرتين، خاصة مع الوداد والحسيمة. المحلل الرياضي اعتبر أن الضرر يكون عند "تسييس" الرياضة وليس "ترييض" السياسة حسب تعبيره، مشيرا أن كان دور السياسي داخل أحد النوادي هو خدمة الرياضة عبر دعمها وخلق برامج لها انطلاقا من موقعه، "لكن أن يتجاوز الأمر ذلك، ليصبح موقعه داخل النادي فرصة لاستغلال الصفة الرياضية لقضاء مآرب أخرى فهنا الإشكال". اليازغي أكد على أنه لا يوجد أي عائق قانوني يمنع من تواجد السياسي على رأس الفرق الكروية أو ضمن مكاتبها المسيرة، لكنه دعا إلى وضع حد بين الدور الذي يمكن أن يلعبه المنتخب السياسي من خلال حصر مهمته في علاقته مع الأندية بالمشاريع التي سيقدمها للفريق، "أما أن يتواجد داخل جماعة محلية وعلى رأس الفريق في نفس الوقت دون أن يقدم له شيئا، فالأكيد أن الأمر يتعلق بانتهازية وجعل الفريق قنطرة لمآرب" حسب تعبيره. السياسة والرياضة.. تاريخ متصل تغول السياسة بالقطاع الرياضي كان متجذرا في المغرب منذ الاستقلال، وحتى ما قبله، حيث أسس زعماء سياسيون أندية رياضية أثناء فترة الحماية، على رأسها الوداد والرجاء والكوكب المراكشي، وحتى بعد الاستقلال استمر الحضور السياسي على رأس عدد من الفرق أمرا اعتياديا، خاصة مع ترأس عبد اللطيف السملالي وزير الشباب والرياضة السابق لفريق الرجاء البيضاوي في سنوات السبعينات، وقيادة "الحاج المديوري" الحارس الشخصي للملك الراحل الحسن الثاني لفريق الكوكب المراكشي في بداية الثمانينات. والجميع يتذكر كيف أصبح فريق النهضة السطاتية ناديا مهما في الساحة الكروية حين ترأسه وزير الداخلية السابق إدريس البصري الذي كان يوصف بأنه الرجل الثاني في الدولة بعد الحسن الثاني، قبل أن يصبح رئيسا للجامعة الملكية للكولف. ويبقى الجنرال حسني بن سليمان من أقوى النماذج على الحضور السياسي والعسكري في الرياضة، فقائد الدرك الملكي ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم سابقا (1996 2009)، سبق أن ترأس فريق الجيش الملكي، الذي أسسه الحسن الثاني في العام 1958، وظل يلعب في القسم الوطني الأول منذ تأسيسه إلى اليوم. فإذا كان بعض أصحاب السياسة بالمغرب، اخترقوا جدار الرياضة وتسلقوا منازلها، وأصبحوا يسيرون جامعات وأندية وفرقا، ويشكلون مكاتبها على "مقاساتهم أحيانا"، وهو ما يجعل الحياد المطلوب لدى الفرق الكروية ينعدم في كثير من النماذج والوقائع، فإن العديد من المتتبعين يراهنون على أن تأخذ السياسة مسافة كافية عن الرياضة بما يجنبها من الوقوع في المآزق "السياسوية". فهل فعلا يصدُق قول بنكيران أن الرياضة كلما أشرف عليها أصحابها كانت بخير ! وهل يمكن للمشرع المغربي أن يجتهد في إبداع نصوص قانونية تنجي الرياضة من فساد السياسة؟