الدُّوَل شأنها شأن الأفرادِ والمجتمعات الاعتذارُ حالَ الخطأ واجبٌ على المُخطِئ، وحقٌّ معنويٌّ مكفولٌ لصاحبه، فضلاً عن حقوقه المادية التي لا تتساقطُ بالتقادم. في هذا المنحى وبعد قرونٍ على طرْدهم من الأندلسِ ،في اطارِ ما يسمى تاريخياً بحروب الاسترداد (الريكونكيستا بالاسبانية)، تحرَّك البرلمانُ الإسباني مؤخرًا لكي يُعِيد فتْح أبرز صفحات تاريخ إسبانيا قتامةً؛ ليُخفِّف من وطأته التي تُطارِد الذاكرة الإسبانيَّة إلي يومنا هذا. وللقولِ فقد أعلنتِ الحُكومة الاسبانية الخميس المُنصرم عزمها تصحيح خطأ تاريخي بإقرارِ مشروع قانون يرومُ الى تجنيس أحفاد اليهود الشرقيين (سفارديم) الذين طردوا من اسبانيا في العام 1492، مُعربة عن ثقتها أن البرلمان سيُقر القانون بالغالبية. وقال وزير العدل "ألبرتو رويز" خلال لقاء في مدريد مع ممثلين عن جمعيات يهودية أمريكية "علينا أن نعترف، لأنفسنا وأمام العالم، أن ذلك لم يكن فقط خطأ، بل إن اللأخطاء التاريخية يُمكن تصحيحها". وأضاف قائلاً "بوسعي أن أجزمَ لكم أن الغالبية الساحقة من الإسبان، أياً تكن آراؤهم السياسية، سواء أكانوا مؤيدين للحكومة أم للمعارضة، يوافقون على القول أننا ارتكبنا خطأ تاريخيا قبل خمسة قرون". وللإشارة فقد اعتذرت الحكومة الاسبانية ،في وقت سابق ،لليهود عن كل ما لحقهم جراء الطرد من الأندلس سنة 1492 ،ناهيك عن مُحاولتها اليوم تمرير مشروعِ قرارٍ يقضي بتمكينهم من الحصول على الجنسية الإسبانية. وإذا كان الأمر كذاك مع اليهود الشرقيين،فماذا عن حقوق الموريسكيين المُسلمين ؟ وهل سيأتي الدورُ عليهم ويتم انصافُهم أسوةً باليهود ؟ مما تجدرُ الإشارة اليه أن مشروع القانون الذُي سبق وأن قدّمته الحكومة ،في مرحلة سابقة ،يوصي بتقوِيَة العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مع الموريسكيين المغاربة ،لكنَّه لا يذهَب إلى حدِّ مطالَبة الدولة بالاعتذار الرسمي عن تلك الجريمة، أو تعويض أحفاد المطرودين اليومَ مقابل ممتلكات أجدادهم التي سُلِبت منهم ،أو تمكينهم من الحصول على الجنسيَّة الإسبانيَّة. يُشار أخيراً الى أنه بعد سقوط مملكة غرناطة آخر مملكة إسلامية بالأندلس سنة 1492 ،بدأت محاكم التفتيش في تعذيب وقتل وطرد كل من يرفضُ اعتناق الكاثوليكية من اليهود والمسلمين،وذلك بأمر من الملكان الكاثوليكيان ايزابيلا ملكة كاستيا وفرديناند ملك اراغون.