تعقيبا على ما عرف بقضية القبلة الفيسبوكية وما صاحبتها من ردود أفعال، هناك من لا يظهر ولا يتشدق بمعارضته الحزبية الغير دالة على أدنى محتوى أو مضمون إيجابي، إلا لدواعي الدفاع عن بعض السلوكيات اللاأخلاقية والمنفلتة..أو للترويج لأفكار وإسقاطات مغلوطة عن مفاهيم كالحرية والمساواة وما إلى ذلك. تابعنا خلال الأيام القليلة المنصرمة قضية القاصرين الثلاثة بمدينة الناظور الذين تم اعتقالهم على إثر شكاية مقدمة ضدهم على خلفية نشر صورة بالموقع الاجتماعي الفيسبوك وهم تلميذ وتلميذة في وضعية تبادل للقبل وثالثهم ملتقط الصورة. تحولت هذه القضية بفعل الزخم الإعلامي الذي سُلط عليها إلى حدث يتصدر كل العناوين. لا تحتمل هذه القضية كل ذلك التضخيم والحشو الإعلامي الذي شهدناه أكثر مما أن للقاصرين الثلاثة أسر وآباء ومؤسسة تعليمية كفيلون بتربيتهم ومحاسبتهم، أما ما يسترعي التوقف عنده حقا هو بعض الخرجات البئيسة لبعض الأفراد أعلنوا من خلالها تضامنهم مع هؤلاء القاصرين، ليس تنديدا باعتقالهم والمطالبة بترك أسرهم والمؤسسات التربوية التي ينتمون إليها للتكفل بمحاسبتهم ومعاقبتهم حفاظا على الحياء العام وأخلاق الناشئة، وإنما تمحورت هذه الخرجات الفردية البائسة في التضامن من أجل حق هؤلاء القاصرين عن ما وصفه أحدهم بالتعبير بالقبلات عن مشاعر نبيلة، وكأن التعبير عن المشاعر النبيلة هو أن يلتقط المراهقون الصور في أوضاع مخلة ويقومون بنشرها وعرضها على العموم دون الحاجة والاكتراث إلى غضب الآباء وغضب المجتمع على هذا التصرف وبالأخص إن صدر من قاصرين لا يزالون في طور التقويم والتلقين وبناء شخصياتهم وتكوين أفكارهم وقناعاتهم. ما استرعى الانتباه إليه، أن إحدى تلك الخرجات أو الفلتات البئيسة التي جاءت كردود أفعال على القضية، سجلت باسم أحد النواب البرلمانيين الذين من المفترض أنهم يمثلون فئة الشباب داخل البرلمان بانتمائهم إلى حظيرة نوابي الأمة، طالب بدوره عن شرعنة تبادل القبل الإباحية سرا وجهرا وبإلغاء القوانين التي تجرم وتعاقب على الإخلال بالحياء العام في كافة صوره، بل وداعيا وزير العدل لاعتقاله لأنه قام بنفس الفعل وهو قاصر. لا يهمنا هنا من هو هذا النائب البرلماني أو كيف يكون اسمه، ولكن الذي يهمنا وما يسترعينا للتأمل أكثر هو الإشكال الآتي: أي صورة تلك التي يتم تقديمها وتسويقها لنموذج الشباب المغربي من زاوية وظيفة النيابة في البرلمان؟ هل هذا هو نموذج الشباب البرلماني الذي نحتاجه في مغرب اليوم؟ لا اختلاف في أن ظهور بعض نوابي الأمة في أدوار مخيبة وفي غير محلها يعكس الحضور الباهت للشباب داخل البرلمان، حيث يتحمل القسط الأوفر من المسؤولية في ذلك هم الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها، فهذا الشاب لا يمثل وجهة نظره فقط بل يمثل وجهة نظر حزبه السياسي وما يحمله ويتبناه هذا الحزب من خلفيات ومرجعيات ينطلق من خلالها لمجابهة المجتمع. أتصور لو أن هذا الحزب السياسي الذي ينتمي إليه هذا النائب البرلماني كان يملك أغلبية داخل البرلمان تخول له التحكم في عملية التشريع..فمن دون شك سيشرع هذا الحزب باقتراح وتمرير قوانين ستجهز على ما تبقى من مقدرات ومعالم القيم والآداب والأخلاق داخل المجتمع عبر تغليفها ببعض المبادئ والمفاهيم المجني عليها في هذا العصر من قبيل الحرية والمساواة..وتلكم هي الطامة الكبرى.
هؤلاء لا يدافعون عن الحرية بالمفهوم الذي يُقصد منه أن يكون الإنسان صاحب كرامة وصاحب قيم ومبادئ واستقلالية فكر ورجاحة عقل..وما شابه، وإنما يطمح هؤلاء أن يحولوا المجتمع إلى مجتمع جنسي، حيواني، غرائزي وبهائمي..لا يشغل باله إلا الشهوات، وممارستها بداعي الحرية خارج كل الضوابط الدينية والشرعية والأخلاقية والقيمية. لا تبرز طامة كبرى في هذه الواقعة أكثر من معضلة خفافيش الحرية الجنسية الذين ألفنا ظهورهم في مثل هذه المناسبات، وها هم هذه التارة يخرجون مجددا مدافعين عن حق المراهقات والمراهقين في فعل ما يحلو لهم تأسيسا على هذه الواقعة ومبشرين بها.
هناك من سيقفز قائلا ومستشهدا أن مثل هذه الممارسات والعلاقات الفاحشة هي منتشرة داخل المؤسسات التعليمية ببلادنا بين الشباب وفي مختلف الأعمار، بل لا تقتصر على المؤسسات التعليمية فحسب وإنما بمختلف الأماكن العامة "في الشواطئ والنوادي وما شابه" حيث لا ينبغي أن نغطي الشمس بالغربال، حسنا، بدوي أتساءل قائلا: هل لكي لا نغطي الشمس بالغربال كما يقال فهل الحل هو أن ندعو الشباب والمراهقين واليافعين إلى ممارسة حريتهم المطلقة دون حسيب ولا رقيب ودون تقويم أو ترشيد، طبعا من يعتقد في مخيلته أن الجواب هو نعم فليراجع قناعاته لأنه بذلك يقر على نفسه الهوان والدناءة وتبخيس الذات وتشييئها، حيث لا بقبل أحد على نفسه ومحيطه ومجتمعه ذلك إلا مختل أو منحل. صحيح أنه ليس بالضرورة أن نهرول نحو معاقبة قاصرين على مجرد تصرف أو سلوك منفلت صدر منهم باعتقالهم أو تخويفهم، ولكن الضرورة هنا تحتم علينا أن نهرول نحو دق ناقوس الخطر بتنبيه المؤسسات التربوية والتعليمية، وتنبيه الأسر والآباء وأولياء أمور التلاميذ والمراهقين لإعادة النظر في أساليب وأسس التربية في زمن العولمة والتكنولوجيات الحديثة. المؤسف أننا نحيى في مجتمع يتمزق يوما بعد يوم بتفاقم ظواهر اجتماعية خطيرة، لعل أخطرها ما يطلق عليه اليوم بظاهرة الأمهات العازبات، فيحين نجد أحزابا سياسة وجمعيات مدنية تساهم في استفحال هذه المصائب المجتمعية بترويجها وتشجيعها لأفكار تدعو إلى ولوج عالم التحرر الجنسي والانعتاق من قيود القيم والأخلاق..لا ندري كيف سينصلح حال هذا البلد وكيف سيتمكن آباء وأمهات الحاضر والمستقبل القريب من تربية أولادهم تربية حسنة وسليمة في ظل أجواء متسيبة كهاته، وبل وفي ظل تكاثر وتناسل من يروجون لانتشار هذا الانفلات القيمي، وزرعهم لألغام فكرية فاسدة داخل تربة المجتمع. نشير إلى بعض الكائنات السياسية والجمعوية المحسوبة على ما يصطلح عليه "بالتيار الحداثي" الذين يدافعون وينادون للحرية بالمفهوم السافر الذي يغلف عقولهم المنحرفة..عندما تم العفو عن مجرم ومغتصب أطفال، خرست ألسنتهم وكبلت أفواههم وظلوا مختبئين حيث لم نرى أحدا منهم يدافع عن كرامة وحرية وحقوق الأطفال، وعندما تم اعتقال صحفي صاحب رأي سياسي واتهم جزافا بالإرهاب علاوة على أعداد أخرى من معتقلي الرأي القابعين بالسجون، لم نشاهدهم يدافعون عن حرية الرأي والفكر والتعبير..أما عندما يقوم أحدهم أو إحداهن بسلوك لاأخلاقي ويجهرون به، نجدهم هم الأوائل يصطفون ويتكاثرون وينتشرون هنا وهناك كالفطر السام بين الصالح والطالح يدافعون بكل تفاني وتربص وبكل استماتة وخسة عن الخبائث والرذائل من الأقوال والأفعال، معبرين عن عشقهم ومناهم في اعتياد المفاسد والمنكرات وإشاعة الفواحش بين الناس. نستحضر بالمناسبة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: {كل أمتي معافى إلا المجاهرين..} لا أرمي هنا إلى نعت القاصرين بالمجاهرين، فهؤلاء لا يزالوا ناقصي الأهلية والتمييز، بل نقصد بالمجاهرين هنا إلى من تحدثنا عنهم، أولئك المطالبين بتغيير القوانين المجرمة لأفعال الإخلال بالحياء والنظام العام ومنهم المطالبين بتنظيم وقفات تضامنية لاستباحة ذلك، وهؤلاء يفترض أنهم مكتملي الأهلية والتمييز يا حسرتاه، إلا إذا كان هؤلاء يعتبرون أنفسهم ليسوا من أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. إن الخطر القادم الذي يهدد المجتمع ويضرب منظومته القيمية في مقتل، لا ولن يكون مصدره مجرد سلوك منفلت من تلميذ أو تلميذة قاصر كالذي وقع ويقع دائما، هذا حادث عارض مقدور عليه، يمكن علاجه بالعناية والمواكبة والتأهيل التربوي والتعليمي من طرف الآباء والمدرسة والمجتمع، الخطر الحقيقي هو من أولئك الذين يتحركون بيننا بالخطابات والدعوات والشعارات المزيفة والأنشطة المبيتة تحت مظلات حزبية وجمعوية خدمة لمشاريع ومخططات تهدف لتطويع المجتمع للتشبع بمنظومة قيم مستحدثة ومستوردة لإنتاج ثقافة دخيلة وجديدة تطبع مع الفساد والقبح الأخلاقي وكأنها أمور عادية لا ضير فيها.