انطلاقا من تأملات قيادي وازن بالتيار الرسالي الشيعي بالمغرب(ع.ح)، والذي عايش مختلف مراحل ومنعرجات تأسيس هذا الفصيل المثير للجدل ،وأسهب (القيادي) بشكل فعال في تأسيس النواة الأولى للتيار أو الخط الرسالي باعتباره امتدادا للمعتقد الشيعي المتنور والمنفتح على باقي المكونات العقدية والثقافية والإيديولوجية بالمغرب... وفي ظل النقاش الحامي الوطيس الدائر حاليا بدوائر صنع القرار حول السماح للشيعة المغاربة بالإشتغال في إطارات معينة وبشكل علني، خصوصا بعد الإنفتاح الحقوقي الكبير الذي انخرطت فيه الدولة المغربية في الآونة الأخيرة، من جهة، ومن جهة أخرى على هامش قطع المغرب لعلاقته الديبلوماسية مع إيران راعية التشيع في العالم كله...
يأبى موقع "أخبارنا" إلا أن يواكب هذه الأحداث كما هي عادته دائما، ويقدم للقارئ المغربي عموما ومتتبعي الموقع خصوصا، مسار تأسيس التيار الرسالي(الشيعي) بالمغرب، باعتباره "التنظيم" المغربي الوحيد الذي يعلن صراحة انتماءه للمذهب والفكر الشيعي ويسعى جاهدا في الفترة الأخيرة إلى الخروج للعلن، في محاولة ذكية منه لكسر طابو "المعتقد الشيعي" لدى المتخيل الشعبي المغربي المتأثر بشكل كبير بالفكر السني، من خلال تبنيه للعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي...
فكيف تحول جزء من المغاربة كانوا مؤمنين بالفكر الإخواني إلى الفكر الشيعي؟ وما هي المراحل التنظيمية التي قطعها التيار الرسالي بالمغرب ليصبح تنظيما شيعيا قائم الذات؟
غياب فعل تاريخي مدقق للحركة الإسلامية بالمغرب يسمح للمتتبع بالإطلاع على المشارب الفكرية لتنظيماتها
إن الحركة الإسلامية المغربية وعلى خلاف الحركة الإسلامية في بلدان مشرقية عديدة، افتقدت ولا تزال لتأريخ دقيق، وهو ما لم يسمح بقراءة تجربتها قراءة موضوعية تسمح بتدشين مرحلة المراجعات الفكرية في سياق النقد الذاتي، والذي يعول عليه في رسم مسار متطور لحركة الفعل الإسلامي في الواقع الاجتماعي والسياسي المغربيين، حيث وقف الجميع على حجم التخبط الذي عرفته الساحة الوطنية، انطلاقا من الحدث الأليم في 16 ماي بالدارالبيضاء وانتهاء بآخر حلقة من حلقات مسلسل التخبط في ملف العنف بالمغرب، وهي ما تمثلت في الحدث الزلزال الذي عبر عنه الموقف الرسمي إبان إعلان الحكومة المغربية سنة 2008 عن اكتشاف خلية إرهابية بالمغرب، اعتقل بسببها قيادات من العمل الإسلامي السياسي، في كل من حزبي (البديل الحضاري) و (الأمة) اللذين تم حضرهما لاحقا...وأيضا اعتقال بعض الرموز في أحزاب أخرى كحزب (العدالة والتنمية) و( الاشتراكي الموحد)...لتنطلق التساؤلات حول طبيعة البديل الحضاري والأمة وانتماءهما العقدي والإيديولوجي.
تنظيم "جند الإسلام" وتأثره بالثورة الإيرانية والفكر الماركسي التنظيمي باعتباره النواة الأولى لبناء المرجعية الرسالية الشيعية بالمغرب
إذا كانت حركة (جند الإسلام) المغربية، قد تأسست في سياق عاطفي مميز، وضمن لحظة تاريخية ذات سمة خاصة، أي بعيد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتحديدا سنة 1981...فإن تلك اللحظة التاريخية ألقت بظلالها على البنية الفكرية والسياسية لذلك التنظيم السري السني، الذي تبنى شعارات ثورية قريبة من المناخ السياسي الإيراني تم تسطيرها في (الأرضية التوجيهية ) للحركة سنة 1984 مثل (الحركة الإسلامية : أداة الثورة الإسلامية / نواة الدولة الإسلامية ) ..غير أنه بالرجوع إلى أدبيات تلك المرحلة وخصوصا إلى (الأرضية التوجيهية) للحركة، يتم معاينة تأثيرات ماركسية واضحة في الصياغة السياسية والتنظيمية لتلك الحركة، وخصوصا أدبيات الكاتب الفلسطيني "منير شفيق" في مرحلة التنظير الماركسي ( قبل تحوله إلى مفكر إسلامي)، إذ تستعير أدبيات حركة (جند الإسلام) مفاهيم ديالكتيكية في تحليل طبيعة الصراع، وتوزيع الأولويات ضمن خارطة الأعداء، بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي، وحديث عن نظرية التغيير ونظرية الممارسة، وحديث آخر عن تناقض رئيسي مع النظام السياسي وتناقض ثانوي مع تيارات إسلامية عميلة للنظام وصفتها الأرضية التوجيهية ب( الخط السامري) وأخرى يسارية منخرطة في صراع إيديولوجي ضد الحركة الإسلامية.
أيضا تم تعديل الشعار الماركسي اللينيني ( لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية ) بشعار ( لا ممارسة راشدة بدون نظرية راشدة ) ..وما إلى ذلك من الإشارات التي تكشف بما لا شك فيه عن حجم التأثر بالفكر السياسي والتنظيمي الماركسي والمنطبع في وعي مناضلي حركة ( جند الإسلام ) سابقا، والتي كانت تنسج لنفسها مسارا فكريا مختلفا عما هو سائد في الأوساط الحركية الإسلامية بالمغرب...حيث أن (الفكر الإخواني) المتصل بالتجربة التاريخية للشبيبة الإسلامية لم يكن كافيا لبناء تجربة نموذجية تتمايز مع صيغة مجموعة (بن كيران) في (الجماعة الإسلامية) آنذاك، ولا عن خط مجلة (الجماعة) أي الجمعية الخيرية الإسلامية سابقا بتوجيه وإرشاد الشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله، حيث يمكن اختصار القول بأن أصول التفكير الحركي لتجربة (جند الإسلام) المغربية، كانت ثلاثة :
1. الفكر.السياسي.الشيعي . 2- الفكر العقائدي والتربوي الإخواني وتحديدا المدرسة "القطبية" نسبة لسيد قطب بمصر . 3- الفكر التنظيمي الماركسي تعدد الروافد الفكرية والعقدية ل"جند الإسلام" حرر مناضليه من مجموعة من القيود وعبد الطريق أمامهم لتأسيس تنظيم "الإختيار الإسلامي" . إن الخليط غير المتجانس في الروافد الفكرية لتجربة ( جند الإسلام) ، قادها بالضرورة إلى التميز في السياق الإسلامي الوطني ، وهو ما شكل التوجه الإيديولوجي لأعضاء الحركة ، لكنه مع ذلك ساهم في تحرير الأعضاء من تبعية فكرية لمحور من المحاور الدينية أو المذهبية ، وهو ما لم تستوعبه الساحة الإسلامية آنذاك وربما إلى يومنا هذا ، فتحركت بشكل دعائي ضد هذه التجربة متهمة إياها تارة ب (التشيع) ، وتارة ب (القطبية) وتارة أخرى ب ( النزعة اليسارية الثورية) ... هذا من الناحية النظرية ، أما من الناحية التنظيمية ، فقد أدخل الأسلوب التنظيمي الماركسي حركة (جند الإسلام) في متاهات تنظيمية وأمنية ، حيث أن عمليات الاختراق التنظيمي وظهور أجنحة غير متحكم فيها ، لا يمكن إعلان البراءة منها بسبب طابع (السرية) المتحكم في البنية التنظيمية ، جعل قيادة الحركة تفكر في التحول التدريجي من السرية المطلقة ( جند الإسلام) إلى السرية المنفتحة ( حركة الاختيار الإسلامي) ، في محاولة للتملص من إرث علاقة تاريخية بأجنحة بعضها ارتبط اسمها بعمليات لصالح السياسة الأمنية القديمة لوزير الداخلية آنذاك إدريس البصري ، وبعضها لم يستوعب تغيرات المرحلة وضرورة عقلنة الوعي الثوري وتصحيح مساراته النضالية.. .انطلاقا من ذلك كله ، تحولت قيادة تلك التجربة إلى صيغة ( الاختيار الإسلامي) في محاولة منها للهروب بمستقبل الحركة من متاهات اللعبة الأمنية والحسابات "المشبوهة "لبعض رموز تجربة جند الإسلام في أوروبا وخاصة ببلجيكا ( يوسف بلقاسم الملقب بالأبيض تحديدا). بعد تعثر التواصل الفكري مع مرجعية فضل الله شيعة المغرب يطالبون بالعودة إلى الذات تماشيا مع فكر الدكتور علي شريعتي إن حركة جند الإسلام خلال سنتين بعد تأسيس تصورها النظري(بين 1984 و 1986 ) ظلت متطلعة للمتغيرات الإقليمية الجديدة ( رياح الثورة والتغيير الآتية من الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني وأيضا انطلاقة حركة المقاومة في جنوبلبنان وبروز نجم المفكر الإسلامي العلامة المرجع السيد فضل الله في مجال التنظير الفكري الحركي ) ..غير أن تعثرات عرفها البيت المشرقي ( إلغاء المكتب العالمي لدعم حركات التحرر الذي كان يديره السيد مهدي الهاشمي صهر الشيخ منتظري بعد خلافات داخل القيادة الإيرانية ، الوضع الأمني المعقد في لبنان وصعوبة التواصل والتنسيق مع السيد فضل الله وعدم قدرة من يمثله في فرنسا أن يعبر عن رحابة أفقه الفكري ) ، دفعت قيادة الحركة إلى الدعوة إلى الانقطاع عن المشرق والتركيز على السياق الوطني فتمت الدعوة لعقد المؤتمر الوطني الأول تحت شعار ( العودة إلى الذات) وهو شعار لم يبتعد بدوره عن عنوان كتاب طرحه المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي المؤتمر الوطني الأول والمطالبة بتأسيس الجبهة الإسلامية بالمغرب،تماشيا مع شعار العودة إلى الذات والحسم مع الأحداث بالخارج . إن المؤتمر الوطني مثل بداية ارتسام ملامح جديدة لحركة تريد أن تنقطع عن الخارج وسجالاته ، لتحدد الأرض التي تقف عليها ، فأيقنت التجربة أنه لابد لها من فك عزلتها عن الساحة الوطنية ، وتقوية حضورها الوطني ، على الأقل مع التجارب الإسلامية التي تضاهيها في الصغر الكمي ، وتقترب من هويتها الفكرية ، فكانت الدعوة إلى تشكيل ( الجبهة الإسلامية بالمغرب) تضم كل من : "جند الإسلام" أو "الاختيار الإسلامي لاحقا" و "التبين" بقيادة عبد الرزاق المروري رحمه الله ومصطفى الرميد و "الجمعية الإسلامية" بالقصر الكبير بقيادة الدكتور أحمد الريسوني و"جمعية الدعوة الإسلامية" بفاس والتي من رموزها الدكتور الشاهد البوشيخي والدكتور عبد السلام الهراس فشل الجبهة الإسلامية بالمغرب في توحيد التنظيمات الإسلامية المغربية والدفع بها نحو تأسيس حزب سياسي تحت مسمى الوحدة والتنمية . كان تصور قيادة "الاختيار الإسلامي" أنها بتشكيل هذه "الجبهة الإسلامية" ، فإنها ستخلق رفقة باقي التيارات الإسلامية الصغيرة كما قوة ثالثة في حالة ندية مع ( جماعة العدل والإحسان) للشيخ ياسين و ( الجماعة الإسلامية) بزعامة بن كيران ، غير أن عدم وجود انسجام فكري تام بين هذه المجموعات ، وخاصة بين ( الدعوة الإسلامية) و ( الاختيار الإسلامي) سبب في فشل مشروع الجبهة الإسلامية بالمغرب ، بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من النجاح ، خاصة في ظل التوافق على حزب سياسي يعبر عن الجبهة يحمل اسم ( الوحدة والتنمية) كان من المفترض أن يكون أمينه العام الأستاذ محمد الأمين الركالة ونائبه الأستاذ لحسن الداودي ، وأيضا فصيل طلابي يعبر عن الجبهة وصحيفة وطنية انسحاب جمعية الدعوة الإسلامية من الجبهة بعد خلاف حول الموقف من النظام الحاكم مع "الإختيار الإسلامي" دفع بالأخير إلى عقد المؤتمر الثاني والعمل الطلابي عبر "طلبة الميثاق". إن فشل مشروع ( الجبهة الإسلامية بالمغرب) بسبب انسحاب جمعية الدعوة الإسلامية بعد خلاف بينها وبين "الاختيار الإسلامي" حول الموقف من النظام السياسي القائم ، عجل بدفع قيادة حركة "الاختيار الإسلامي" إلى الدعوة الداخلية لعقد المؤتمر الوطني الثاني بفاس ، والذي بادر إلى إعلان قرار الخروج نحو الواجهة الطلابية بفصيل ( طلبة الميثاق) وتأسيس جريدة وطنية تحمل اسم (الجسر) ، لكن الواجهة السياسية بقيت محل جدل كبير بين مجموعة فاس بقيادة المصطفى المعتصم ومحمد الأمين الركالة ومجموعة الرباط بقيادة محمد المرواني ( رئيس الحركة)،الأخير كان يعتقد بأن صيغة ( الجمعية الوطنية) هي الصيغة السياسية الأنسب ، تأسيا بتجربة حركة ( الإصلاح والتجديد ) ، وذلك بسبب موقف السلطة آنذاك الرافض إعطاء الترخيص لحزب سياسي للإسلاميين سواء تعلق الأمر بحزب ( الوحدة والتنمية) التابع للجبهة الإسلامية بالمغرب أو حزب ( التجديد الوطني) الذي تقدم به بن كيران ورفاقه في حركة الإصلاح والتجديد وتم رفضه ،أما المصطفى المعتصم ومن معه ، فقد كانوا أميل إلى فكرة تأسيس حزب سياسي وطني ، مع علمهم بكون ذلك سيصطدم بعقبة المنع الإداري وعدم إعطاء الوصل القانوني ، غير أن رؤية مجموعة فاس كانت تتجه للتآسي بتجربة حزب ( الطليعة الاشتراكي الديموقراطي) ، حيث أن الحزب لعب دورا سياسيا فعالا في المعارضة السياسية من خارج قواعد المشاركة السياسية ، وإن رفضت السلطات الإدارية منح الوصل القانوني ، إيمانا منهم بضرورة تدشين المعركة السياسية وانتزاع الاعتراف القانوني للحزب السياسي الإختلاف كان إيديولوجيا عقديا ولم يكن سياسيا حول الصيغة التنظيمية الأنسب للإشتغال في ظل النظام السياسي الحاكم لم تكن المسألة مجرد اختلاف في صيغة سياسية ، لكن الاختلاف كان في طبيعته وجوهره إيديولوجي حيث أن من طرح صيغة ( الجمعية) كان أقرب إلى الساحة الإسلامية والفكر الحركي الإسلامي ، بينما من طرح صيغة ( الحزب السياسي) كان أقرب إلى الأطروحات اليسارية منها إلى الإسلامية . إن عدم التوافق من داخل المؤتمر الوطني الثاني الذي رفع شعار : دولة الإنسان طريقنا إلى دولة الإسلام (مقولة مأخوذة من كلمات العلامة المرجع السيد فضل الله ) على صيغة سياسية موحدة ومحددة ، والدفع لاحقا بفصيل طلابي إلى الجامعات المغربية يحمل اسم ( طلبة الميثاق) ، وبجريدة وطنية تحمل اسم ( الجسر ) ، وبجمعيات ثقافة محلية في مختلف المدن المغربية سيفرز في نهاية المطاف وإن بشكل عملي نوعين من القيادة : قيادة الظل ( مجموعتي فاسوالرباط ) لا تعرفها الساحة الوطنية آنذاك ، وقيادة أخرى ميدانية لها حضورها النضالي والإعلامي في الجامعات وجريدة الجسر و الجمعيات الثقافية المحلية والنقابات العمالية. ازدواجية التنظيم تحيل مباشرة على التأثر بالفعل التنظيمي الماركسي حيث العمق سري والإمتدادات علنية . إن الحالة تأثرت بشكل أو بآخر بالصيغ التنظيمية الماركسية وخاصة ما يعرف ب ( نظرية العمق والواجهات ) ، حيث يكون العمق سريا وله امتدادات علنية ، بما يشبه النموذج الذي اعتمدته (منظمة إلى الأمام ) اليسارية في المغرب ، غير أن الازدواجية في البناء التنظيمي وإن كان لها ما يبررها من جهة عدم الثقة التامة في نية النظام السياسي الانفتاح رغم الهامش الذي بدأ يلوح في بداية التسعينيات ( منذ 1992 م على إثر لقاء الملك الحسن الثاني بقصره في إيفران زعماء المعارضة ) ، فالخوف من تراجع الدولة عن الهامش الديموقراطي الذي أتاحته في تلك الفترة كان وراء إبقاء عمق سري ، وكأن الحركة تفتح بذلك هامشا علنيا بمقدار ما فتح النظام السياسي من هامش للحريات. فصيل طلبة الميثاق في مواجهة عديد الإشكالات والأسئلة المطروحة المنبثقة من عمق التواجد النضالي بالجامعات المغربية . إن النتيجة التنظيمية وغياب الغطاء السياسي للمبادرة الطلابية ( طلبة الميثاق ) ، والتي جاءت لتعبر عن إرادة وحدوية لوقف الاقتتال الإسلامي/اليساري في الجامعات المغربية ، وصياغة ميثاق سياسي حد أدنى مشترك بين كافة الفصائل الطلابية مع نبذ العنف والإقصاء والتأكيد على ضرورة احترام الهوية الحضارية للشعب المغربي ..دفعت إلى الواجهة بالكثير من الأسئلة الوجودية المتصلة بجوهر النضال الطلابي لطلبة الميثاق وهي : علاقة النقابي بالسياسي / علاقة النقابي بالتربوي / علاقة النقابي بالتنظيمي . لقد وجدت اللجنة التنفيذية الطلابية المسؤولة ميدانيا عن فصيل طلبة ( الميثاق ) نفسها في مواجهة هذه الأسئلة ومثقلة بأعباء تنظيمية سرية ذات خط عقائدي وتربوي محدد ، فكان حجم المسؤولية السياسية ضخما جدا في ظل عدم التوافق على شكل من أشكال الغطاء السياسي ، مما جعل البعض يعتبر أن قيادة الحركة دفعت بقطاعها الطلابي إلى الانتحار السياسي ، معبرة بذلك عن عجزها في حسم سؤال المبادرة السياسية وعدم القدرة على ترك الازدواجية التنظيمية. أسئلة قيادة القطاع الطلابي(طلبة الميثاق) تحرج قيادة التنظيم ككل وتفرز حركة تصحيحية تحلل الأوضاع من منظور مختلف. لم يكن يخطر ببال قيادة طلبة الميثاق أن أسئلتهم ستقلق قيادة التنظيم ، وأن ما عبروا عنه من تساؤلات بسيطة ستتحول مع مرور الوقت إلى انتقادات للأساس النظري والأداء القيادي في تدبير شؤون الحركة ، ليلتقي الهم الطلابي بالهم التنظيمي والتربوي ، فتقرر على إثره التوسع في صياغة التصور النقدي ليشمل مختلف القطاعات ، والإعلان عن ميلاد تيار نقدي داخل الاختيار الإسلامي حمل اسم ( المبادرة الوطنية للتصحيح ) .كان ذلك قبيل صيف 1994 ، ولعل الإعلان عن حادثة إلقاء القبض على مجموعة قيل أنها مسلحة بزعامة شخص من مكناس اسمه ( حسن إيغيري ) كان مقيما في أوروبا ، وذكرت محاضر التحقيق وجود صلة للأسلحة المحجوزة بشخص في بلجيكا كانت له صلات قديمة مع قيادة حركة ( جند الإسلام) ثم طرد منها ، وهو المدعو ( يوسف بلقاسم الملقب بالأبيض ) ، ساهم في تعجيل طرح تلك الرؤى النقدية للجسم الحركي ل "الاختيار الإسلامي " ، خاصة وأن الأخبار التي كانت تفد إلى المغرب حينها كانت تفيد أن ذلك الشخص المقيم ببلجيكا يستغل الاسم التاريخي للحركة ( جند الإسلام ) في نشاط سياسي مشبوه ، كان من بين أهدافه توريط حسن إيغيري ومن معه لغاية لا تزال غامضة إلى يومنا هذا، حيث كان الهاجس الأمني حاضرا بقوة في وعي قيادة الحركة وربما في وعي رموز ( المبادرة الوطنية للتصحيح ) أيضا ، وهو ما جعل القيادة تتصلب في مواجهة مطلب التصحيح الداخلي خاصة المصطفى المعتصم ومصطفى المسعودي ، وذلك في ظل حيادية المرواني ضمن هذا الصراع الداخلي ، الذي أفضى إلى انسحاب قسم كبير من أنصار التصحيح من حركة ( الاختيار الإسلامي) الحركة التصحيحية بقيادة رموز طلابية وتنظيمية في مواجهات الإشكالات المذهبية والتنظيمية بعد انسحابها من الإختيار الإسلامي. كان البعض من رموز (المبادرة) يتطلع إلى أفق تأسيس تجربة حركية جديدة ، وفق خلاصات التجربة القديمة ووحي القراءة النقدية المعبر عنها في وثيقة المبادرة الوطنية للتصحيح والتي حملت اسم ( من أجل اختيار إسلامي راشد ) ، غير أن الإخوة من أعضاء لجنة التنسيق الوطني للمبادرة الوطنية للتصحيح وخاصة من موقع الدارالبيضاء كانوا يميلون إلى حل تلك اللجنة ، واعتبار المرحلة تقتضي عدم التسرع وضرورة التفكير في قضايا جوهرية تتصل بالهوية ومستقبل النظرية التغييرية للعمل الإسلامي بالمغرب ..وهو ما استقر عليه رموز المبادرة الوطنية للتصحيح الذي أعلنوا عن حل ( اللجنة الوطنية للتصحيح ) في لقاء بالدارالبيضاء على هامش حضورهم المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء ، وبرروا ذلك بأن موضوع الحركة التصحيحة أصبح منتفيا ألا وهو ( الاختيار الإسلامي) خاصة بعد انسحابهم منه،.هكذا ، لم يبق من ( المبادرة الوطنية للتصحيح) سوى أفراد متناثرون في مختلف المدن المغربية ، يثيرون علامات استفهام بشكل فردي حول الهوية ومستقبل التغيير ، فكانت الإجابة المذهبية تثار تارة ، مع غموض كبير في القدرة على صنع خطاب وطني ذو مضمون ثقافي واجتماعي يتسامى عن المنطق الطائفي ، وكانت الانشغالات اليومية بالمطالب المعيشية تارة أخرى ، وكان انعزال قسم آخر عن كل ما له صلة بالماضي والحاضر الحسم مع أخطاء الماضي وإعادة الإرتباط عقديا بأهل البيت من خلال أفكار ورؤى فضل الله ومحمد باقر الصدر وشريعتي من طرف من تبقى من المبادرة التصحيحية. إن كان قسما من المبادرة الوطنية للتصحيح قد ارتأى الانزواء والابتعاد عن المشهد الحركي بالمغرب ، والانشغال بقضاياه وهمومه الشخصية ، غير أن قسما آخر ظل يثير الأسئلة الكبرى لأجل إعادة قراءة تاريخ المغرب وهويته ، وأنساقه الثقافية والاجتماعية ، وموقع المغرب في المعادلات الدولية والإقليمية ، فكان هذا الاتجاه أكثر انجذابا لأدبيات العلامة المرجع السيد فضل الله رض والسيد الشهيد محمد باقر الصدر رض والدكتور علي شريعتي والشهيد مرتضى مطهري ..بما يذكرنا بالمرحلة التأسيسية لحركة جند الإسلام وانطلاقتها الأولى ، فأصبح القاسم المشترك بين هؤلاء يتمثل في قراءتهم النقدية لمسار حركة آمنوا بمبادئها وناضلوا من أجلها ، فتنكرت لتلك الشعارات والأدبيات إرضاء للساحة ولأجل بلوغ المواقع السياسية ومنافسة التيارات الإسلامية الأخرى ، وهو ما أسماه الكثير من مناضلي ( المبادرة الوطنية للتصحيح) ب ( الردة الإيديولوجية ) لحركة الاختيار الإسلامي والتنكر لتاريخ نضالي مشرق ، والسقوط في فخ الاختراق الفكري السلفي أو للنزعة السياسية البراغماتية البعيدة كل البعد عن الخلفيات العقائدية الرسالية للحركة الإسلامية . الهجمة على فكر فضل الله أرخت بظلالها على المستوى الوطني وأفرزت تيارين واحد مرتبط بولاية الفقيه بإيران وآخر سمي رسالي تشبت بفكر ومنهج فضل الله لقد كانت المرجعية الفكرية والحركية للسيد فضل الله هي الأساس الذي اتخذه القسم العامل(في مقابل القسم المنزوي والقاعد ) المنبثق من ( المبادرة الوطنية للتصحيح) ، غير أن الصراع الذي شهده المشرق والحملة المعادية للسيد فضل الله رض بعد تصديه للمرجعية ألقت بظلالها على مجريات الأمور لدى الحركيين المنبثقين من المبادرة الوطنية للتصحيح ، فبدأ يبرز نوع من الخلاف على أساس الوجهة والتصور ، بين(خط الولاية) الذي يرجع بالتقليد والولاية للسيد الخامنئي حفظه الله ، وبين مجموعة أصرت على البقاء على تصورها والرجوع للسيد فضل الله رحمه الله فكرا وفقها ومنهجا ( الخط الرسالي) ، فكانت وجهة رموز كلا الخطين مختلفة حتى في الرحلة للحوزة العلمية والاغتراف من علوم مدرسة أهل البيت ع..ولا يزال هذين الخطين موجودين تجمعهما قواسم مشتركة ويختلفان في قضايا متعددة الأصول التنظيمية والمذهبية للتيار الرسالي بالمغرب وانفتاح الأخير على عديد التيارات بجميع تلاوينها بما فيها اليساري . إن فكرة ( الخط الرسالي) ولدت من خلال مناضلين سابقين في المبادرة الوطنية للتصحيح والاختيار الإسلامي ، غير أن الخط الرسالي كحالة ثقافية واجتماعية انفتح على أفراد من مختلف التيارات الفكرية والسياسية ، فاستفاد من ثراء روافدهم الفكرية والحركية ( العدل والإحسان ، التبين ، اليسار ، مستقلون ..) ، كما أن إرهاصات كثيرة سبقت ميلاد ( الخط الرسالي) يوم 19 يناير 2012 مثل : محاولة تأسيس جمعيتي ( أنوار المودة بطنجة ) و ( اللقاء الإنساني بالجهة الشرقية) وأيضا إصدار عددين من جريدة ( رؤى معاصرة ) التي حاورت العلامة المرجع السيد فضل الله رض في عددها الأول وتضمنت مقالات رسالية حول الأدارسة والنهضة الحسينية وملفا حول العنف ..أيضا لا ينبغي التقليل من شأن الحضور الافتراضي على شبكة الانترنت مابين 2010 و 2012 سواء من خلال مجموعة ( ربيع الديموقراطية) إبان انطلاقة حركة 20 فبراير أو من خلال مجموعة ( الائتلاف الإسلامي الأمازيغي) بسبب وعي خطورة توظيف الثورات في تفكيك الوحدة الوطنية وإعادة تقسيم المنطقة عموما والمغرب خصوصا بما يخدم مصلحة القوى المستكبرة وفقا لمخطط هنري لويس ( سايكس بيكو الجديد) . أمام رفض الجهات الوصية وعدم ترخيصها للتيار الرسالي الأخير يلتجأ إلى الصيغة الربحية ويؤسس مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر بعيدا عن رقابة وزارة الداخلية بعد انطلاقة موقع ( الخط الرسالي) يوم 19 يناير 2012 بسنتين تقدم الخط بطلب تأسيس جمعية ( رساليون تقدميون) فتم رفض الترخيص بعقد جمع عام لها ، فتم اللجوء إلى صيغة المؤسسة الثقافية ذات الأهداف الربحية والتي لا تمارس فيها وزارة الداخلية وصايتها ، مما أفرز في نهاية المطاف وقبل أشهر قليلة ( مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر ) ، والتي لن تكون إطارا بديلا عن مطلب الجمعية الثقافية ولن تمنع الخط الرسالي من التوقف عن المطالبة باعتماد سياسة عادلة لا تمييز فيها بين المواطنين على أساس المعتقد الشخصي ، ليكون المواطنون كلهم سواء أمام الدستور والقانون كانت هذه أهم المراحل واللحظات المفصلية في مسار تأسيس التيار الرسالي الشيعي بالمغرب، وكذا مختلف التنظيمات التي أسست لتيار مثير يختلف بشأنه العديد من المتتبعين والمهتمين بالشأن الديني المغربي، بل إن حتى الأجهزة الأمنية والإستخباراتية المغربية تختلف حول هذا التيار التنظيم، الذي استطاع فرض ذاته وبقوة على الساحة الدينية المغربية متجاوزا بذلك كل المعيقات المذهبية والقانونية، حيث أصبح القائمون على هذا الفصيل يطالبون وبقوة بأحقيتهم في تنظيمات وإطارات خاصة بهم في ظل حرية المعتقد والإيمان بالإختلاف والعيش المشترك...فهل ستستوعب الدولة المغربية هذه المطالب وتسمح بتكوين إطارات ذات مرجعية عقدية مختلفة عن ما هو منصوص عليه دستوريا؟ أم أنها (الدولة) ستستمر في رفض هذه المطالب متجاوزة بذلك المعاهدات والبرتوكولات الدولية التي سبق وصادقت عليها أمام أنظار المجتمع الدولي، خصوصا في ظل قطع المملكة المغربية لعلاقتها الديبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على خلفية اتهام "حزب الله" التابع لها (إيران) بتسليح وتدريب عناصر من جبهة "البوليساريو" الإنفصالية، والمعادية لمصالح المغرب ووحدته الترابية.