نسمع كثيرا من الناس يذكرون في كلامهم "وجود الله"؛ وقد يكون ذلك في معرض الإثبات، كما هو الشأن مع المؤمنين؛ أو في معرض النفي، كما هو حال الملحدين. والحقيقة هي أنه لا يصح وصف الله بالوجود، لأن كل ما يتصف بالوجود بحيث نقول عنه إنه موجود، قد يتصف بالعدم، إما عند تغير الحال، وإما عقلا من جهة التصور والفرض؛ وكل هذا لا يصح في حق الله تعالى. وذلك لأن الله هو الوجود عينه، وليس شيئا غيره. والوجود لا يقال عنه إنه موجود، لأنه به توجد الموجودات التي هي الممكنات في الحقيقة. ومن يحقق النظر، فإنه لن يجد صفة الوجود بين الصفات الإلهية، وإن كانت العقول الضعيفة تتوهمها. وهذا راجع إلى أن كل صفة هي متضمنة لمعنى الوجود دالة عليه دلالة ذاتية. فالوجود قد يكون صفة للصفات، لكونها قائمة به؛ لكن الذات لا توصف به، كما لا توصف بالعدم. والغوص في هذا العمق حيث تكاد الظلمة تكون تامة صعب ومرهق. والذي نبرزه هنا، هو أن الله يتعالى عن إثبات المثبتين وعن نفي النافين. فهم عندما يثبتون، يجهلون أن إثباتهم منهم وإليهم؛ وعندما ينفون، فنفيهم عليهم. ولو تنبه الفريقان إلى حقيقة الأمر، لتوقفا عن الخوض في هذه المسألة، بالطريقة المعتاد تناولها بها. وهذا يميط اللثام عن مدى الجهل لدى الإنسان، سواء أكان من المؤمنين أم من الكافرين. والفرق بين المؤمن والكافر ليس في مدى موافقة الحق وإصابته، وإنما في الإيمان وحده؛ لأن الإيمان هو تبرؤ من العلم بالنفس، عند اللياذ بالله فيما أخبر به في وحيه. أما العلماء بالله، فيعلمون به سبحانه حقائق الأمور، فيكون علمهم لدنيا ربانيا، يُلحق بعلم الله. ولو علم الناس حقيقة الربانيين، لنسبوا أمورهم كلها إلى الله لا إليهم؛ ولكن جرت العادة أن يُعامل الشبيه بشبيهه في الظاهر. وهذا بحر لا يُخاض، ومرام لا يُراد، والعلم فيه سريع التقلب، يكاد لا يثبت إلا مع الصمت