إن المتفحص للشأن الحزبي وخاصة في مرجعياته الفكرية التي تبلور خطه الأيديولوجي وتسوس مواقفه واستراتيجية عمله السياسي في النسيج المجتمعي. وكذلك في انعكاس تناقضاته الداخلية في فرز وتفيئ نخب اختلفت توجهاتها وأطرها المعرفية النفعية ومدى درجة ارتباطها بقضايا الوطن والسياق الذي تتحرك فيه تنظيميا. وبالتالي إذا استحضرنا منظومة القيم التي تعودت عليها قواه الشعبية عند كل اختبار تاريخي مصيري على تأثيث خطاباتها وعروضها السياسية. وما يتبع ذلك من سجال يطبع أرصفتها الحزبية والجمعوية الأخرى. بمنظور آخر فالتغلل في مفهمة فعل أدلجة الأحزاب للقيم الوطنية قصد استثارة الوعي السياسي. هذه المهمة أضحت في الوقت الراهن متروكة للتجاهل في بعدها الإستراتجي فصار الفعل السياسي الحزبي آني لحظي تكتيكي يروم فقط التشهير بكينونته في جوقة السوقة قصد تخفيض تسعرة الثقافة السياسية المهيكلة لمشهد التجاذبات والتنافرات على أسس تجلي حقيقة تسييس الذوات. فهذه الرداءة لاتعكس جوهر الظاهرة/الوعي السياسي التي اتسمت بها حركية المجتمع المغربي في مجابهة سياسات الإستعمارلكن السؤال المطروح هل انتفت فعاليتها؟ وغدت حديث الشجون والترف الفكري. فما كان من رواسب التاريخ السياسي الحديث[مخلفات انتفاضة25يناير1959في حزب الإستقلال] إلا أن تنتج سلبية أضحى فيها المشهد السياسي برمته منذ ذلك الحين ينتفض على ايقاعات اللغط الكلامي المبستر للإستهلاك السمعي البصري محليا ودوليا. ما يسترعي الإنتباه حقيقة هوالحديث عن دور الأحزاب ورهن درجة تأطيرها للشعب بنتائج الأصوات المعبرة عنها انتخابيا والتي تتغير حسب إيقاعات الزمن السياسي. وغض الطرف عن ماهية توجهاته الكبرى ومدى تجاوب الشرائح المجتمعية لها واستعدادها لتأدية فاتورة الإختيار كيفما كانت الأحوال. بمعنى لايستقيم الحديث عن فعلية أدلجة القيم الوطنية من جهة الأحزاب مالم تتمكن من فك شفرة النسيج المجتمعي وتطويع إرادته السياسية بغية الإنغمار والنهوض بالمجتمع للإلتحاق بالركب والتخلص من ربقة التخلف والتبعية. طبعا فالمتعن في أدبيات الأحزاب المغربية يحار في تفيئ توجهاتها الإيديولوجية. فلانكاد نستشعر في برامجها الإنتخابية ما يميزها عن بعضها البعض.فبأي معنى يمكن أن نقول أن هذا الحزب نجح في مغربة فكره السياسي سواء أكان اشتراكيا، ليبيراليا، أو إسلاما سياسيا...ربما لانجد ما يسند ممارسة الأحزاب السياسية غير مسميات فارغة المحتوى والمضمون إلا من عبارات مطاطة معدودة الكلمات تذكر بمرجعياتها تفاديا للسقوط في السهو.فمنطق سلطة السياسة يفرض منطق الإتلاف والتزاور والمحاباة . أما السعي لسياسة السلطة فهي مسألة تنظيرية طوباوية تغذي المخيال الجمعي لنخب سياسية تتعالى عن منطق "المخزنة". رجالات "الأحزاب" يعودون برجالات "الدولة" في أي اتجاه؟ بدا واضحا فيما سبق التنذر والإستياء الذي فجر الأوضاع السياسية بالمغرب فترة ما بعد الإستقلال وأول دستور للمملكة.لكن الذي يبعث على التأمل في هذه الفترة القصيرة كثافة الأحداث السياسية أبرزها الوفاة المفاجئة للعاهل محمد الخامس وتأسيس منظمة " الإتحاد الوطني للقوات الشعبية" وحرب الرمال.مما لاشك فيه أن هذه المرحلة وماتلاها أفرزت إطارا مؤسساتيا للعمل السياسي الوطني على أرضية الملكية الدستورية. طبيعيا أن يشهد المجال السياسي مد وجزر بين فاعليه وخلخلة لأطره ونظمه المعرفية في أفق التراضي والتوافق على الشكل الديمقراطي للتناوب والتداول على السلطة بيد أن ثمة عوائق موضوعية ترتبط باشكاليات ذاتية تتخبط فيها الأحزاب السياسية وبالتالي فالعمل الحكومي وتدبيره للسياسة العامة يتطلب مدارس وطنية حزبية مقننة الأداء والإنجاز يتخرج منها خيرة الأطر التي تبني المجتمع والدولة. مااستثار فكر الحركة الوطنية التحررية منذ انبثاقها من رحم الحزب/ الزاوية ضرورة بناء مشروعها الوطني لمجابهة الإستعمار وآثره بعد الإستقلال واقتفاء تجلياته الجديدة في مفاصل المجتمع المغربي وما اعتراه من تطور في بنياته، انعكس ذلك على سيكوسوسيولوجية أفراده وسمح بنخبه السياسية أن تدرك حجم قوتهاإذ ذاك لتعطي الأولوية للعمل السياسي باعتباره عملا وطنيا ورثت قيمه من تدعيات الصراع من أجل الإستقلال وبنائه. أما مصوغات البناء الثقافي للفكر الديمقراطي الحداثي وقتذاك ارتهن لفرادنية زعماء الحركة التي لم تستطع أن تذيب جلاميد المجتمع القديم(حسب تعبير الشهيد المهدي بن بركة) الذي افتضت وغصبت القوى الغازية مدخراته وثرواته الطبيعية وأذكت النعرات العصبية زرعا للشقاق والتفرقة. إذن أبقت القوى الإستعمارية على الستار الكثيف الذي أحاط به المجتمع القديم نفسه منذ أزيد من ثلاثة قرون ( منذ نكسة البعثات العلمية خلال حكم المولى الحسن الأول) بل عززته بتعميق روافده الفكرية برواسب الروح الطبقية التي على أساسها انبنت عليه التعددية الحزبية التي حيكت لأجل مسرحة المشهد السياسي لكن الذي يدعو شباب أحزاب اليوم للتأمل في هذه المرحلة . وضع ببليوغرافيات جيلها تحت المجهر بطبيعة الحال نقد اللغة السياسية التي اعتاد على أن يخاطب بها فمن بين سمات الجيل الحالي تحلله وتجرده من أوزار وأخطاء الماضي، ومن زاوية أخرى فمن العبث أن يتقمص نفس سرديات اللونين الأبيض والأسود في زمنه المتلألئ وثرياه غذت محملا لأثير أصوات اتصالاته.