العرب والمحرقة النازية» هذا هو عنوان الدارسة التي ألفها جلبير الأشقر بالفرنسية، ويتناول فيها موقف العرب من المحرقة منذ حدوثها حتى اليوم. الكتاب صدرت ترجمته العربية حديثاً، ويعتبر أول دراسة عربية شاملة تتناول هذا الموضوع. يرى الأشقر أن العرب «نتيجة للمشروع الصهيوني» والهجرات اليهودية إلى فلسطين، منذ كانت تحت الاحتلال البريطاني، كانوا ومازالوا أكثر تأثرا بما ترتب على المحرقة «المزعومة» التي تعرض لها اليهود على يد الزعيم الألماني أدولف هتلر. ويروي جانبا مهما في كتابه «العرب والمحرقة النازية» مما يراه مؤرخون تواطؤا نازيا يهوديا، قائلا إن الحكومة النازية اتفقت في عام 1933 مع الوكالة اليهودية على تسهيل هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين والسماح «لهم وحدهم» بتحويل جزء من أرصدتهم على شكل سلع مستوردة من ألمانيا. كما يسجل أن الشرطة السرية الألمانية (الجستابو) ومصلحة الأمن تعاونتا مع منظمات صهيونية سرية لتنظيم الهجرة «غير الشرعية للاجئين اليهود على الرغم من الحصار البريطاني المفروض على الهجرة إلى فلسطين» عامي 1938 و1939، إذ كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني منذ 1920. وكانت بريطانيا قد اضطرت، أمام الثورة الفلسطينية في عام 1936، إلى إعادة تقييم سياستها في فلسطين، فنظمت مؤتمرا في لندن وأصدرت عام 1939 «الكتاب الأبيض» الذي قيد بيع الأراضي لليهود في فلسطين، كما قيد هجرتهم خلال خمس سنوات تبدأ من أول أبريل 1939. ويقول المؤلف إن «إسرائيل هي الدولة الاستيطانية الاستعمارية الأوروبية الوحيدة التي لايزال يتعين فيها استعادة الحقوق السياسية للسكان الأصليين»، وإنه بعد اختفاء نظام التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا عام 1994، تصبح «المسألة الفلسطينية هي آخر المسائل المهمة والساخنة الناتجة عن الاستعمار الأوروبي. إسرائيل الآن هي الدولة الوحيدة في العالم التي تجمع بين ثلاثة أشكال للاضطهاد الاستعماري، فالمنتمون إلى الأقلية الفلسطينية، الذين ظلوا على أرض الدولة بعد 1948، العرب الإسرائيليون.. لهم وضعية مواطنين من الدرجة الثانية، ومنذ 1967 فإن سكان الضفة الغربية وقطاع غزة لهم وضعية سكان تحت الاحتلال الأجنبي أو السيطرة المباشرة من جانب المحتلين السابقين. أما الغالبية العظمى من الفلسطينيين، فلها وضعية شعب اقتلع من أرضه وحرم من العودة إليها». ويرى المؤلف أن «استمرار هذه الأشكال الاستعمارية للاضطهاد يجعل من إسرائيل ظاهرة انقضى زمانها» كدولة استعمارية ولدت في زمن تصفية الاستعمار وانحساره، وأن الاعتراف بذلك تأخر كثيرا. ويسجل قول بني موريس، أشهر المؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذي لم يتردد في أن يكتب في عام 1999: «لقد كانت الصهيونية إيديولوجيا وحركة استعمارية وتوسعية». كما يسجل المؤلف أن إسرائيل خاضت سبع حروب في 60 سنة في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 و1982 و2006 و2008-2009، «وكانت الحربان الأخيرتان (ضد حزب الله اللبناني وضد حركة المقاومة الإسلامية.. حماس) الأشد وحشية... الاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين بلغ الآن أعلى مستوى تاريخي له». وفي المقابل، يلاحظ المؤلف أن الموقف الرسمي للعالم العربي استبعد بشكل «صريح أي تفكير في طرد اليهود الذين كانوا قد استقروا بالفعل في فلسطين» بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ويستشهد على ذلك بكلمة ألقاها الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام في الرابع من يناير 1946 في الجامعة الأمريكية في القاهرة، إذ وصف اليهود بأنهم «شعب ضعيف ومشتت، هو الأحوج من بين جميع الشعوب إلى تعاطفنا لأنهم أبناء عمومتنا المضطهدين، وقد ألمت بهم مصيبة الصهيونية... ونحن لانزال نمد إلى اليهود يد الصداقة ولا نود أن نكون شركاء في جريمة اضطهادهم.» ومن جهة أخرى، يوضح المؤلف عدم تجاوب العرب مع النازية بالإشارة إلى أن هناك فلسطينيين ومغاربة حاربوا في صفوف الحلفاء ضد القوات النازية، وكمثال على ذلك يذكر الأشقر أن عدد العرب الذين حاربوا في صفوف المحور النازي الفاشستي لم يكن يتعدى ستة آلاف وبضع مئات، بينما كان عدد الفلسطينيين وحدهم الذين حاربوا في صفوف الجيش البريطاني ضد النازيين -وليس عدد العرب جميعاً- يصل إلى تسعة آلاف. فإذا أخذنا عدد العرب من كافة الأقطار العربية في الحسبان، فسنصل إلى رقم كبير؛ مثلاً كان هناك ربع مليون من المغاربة العرب والبربر الذين شاركوا مع القوات الفرنسية الديغولية.