كتاب روجيس دوبري الذي اثار حوله غضب انصار اسرائيل بفرنسا من الكتاب وغير الكتاب هو عبارة عن رسالة الى المؤرخ والسفير السابق لإسرائيل بباريس ايلي برنافي والذي سماه « الى صديق اسرائيلي» والكتاب يتضمن جوابا لسفير السابق.وقد دافع الفيلسوف الفرنسي والمستشار السابق لفرنسوا ميتيران عن الاسباب التي دفعته الى كتابة هذا النص بقوله «ان اسرائيل تقدم نفسها على انها بطلة للغرب بالشرق الاوسط. بالاضافة الى ان دوبري يعامل اسرائيل كصديق.وينصح اصدقاءه الاسرائليين من باب الخوف عليهم وضمان مستقبلهم. لكن كل هذه الاحتياطات والاعتبارات من صديق لم تشفع لدوبري ولم تقه من هجومات الطابور الثالث لإسرائيل بفرنسا والذي يتضمن كتابا وصحفيين وممثلين وهم اكثر عنفا وتطرفا في الدفاع عن اسرائيل من الاسرائليين انفسهم والصحف الاسرائيلية تناقش مختلف الممارسات والتوجهات بعنف .وحتى السفيرالسابق لأسرائيل قبل بصدر رحب هذه الانتقادات حول توجه اسرائيل الذي يقودها حتما الى الهاوية . اهتمام روجيس دوبري بالمنطقة جاء بعد أن كلفه الرئيس السابق جاك شيراك بانجاز تقرير حول تعايش الأديان بالمنطقة ،هذا التقرير الذي تحول الى كتاب جميل صدر سنة 2008 تحت عنوان « بريء بالأرض المقدسة» الذي يحكي سفر رجل لائكي في ارض ديانات الكتاب. لكن التقرير الذي انجزه روجيس دوبري ظل حبيس رفوف قصر الاليزي لأن الخلاصات التي وصل اليها حول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لا يمكن نشرها لحساسيتها لأن أي شيء يقال عن اسرائيل بفرنسا هو حساس ويخضع لتأويلات لا نهاية لها . لكن روجيس دوبري قرر كتابة « رسالة الى صديق اسرائيلي « لفضح كل ما رآه من معاناة لشعب الفلسطيني وكل الممارسات اللانسانية والتي تقوم بها دولة اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الاعزل في تجاوز لكل المواثيق الدولية والانسانية من طرف اشخاص يدعون انهم ابناء من تعرضوا لكل اشكال المعاناة.خاصة ان هذا الفيلسوف وصل سن التقاعد ولم يعد في حاجة الى الخوف على مستقبله المهني او السياسي بفرنسا. هذا الكتاب الشجاع الذي انجزه مثقف معروف بجرأته تناول عدة مواضيع منها ذاكرة الهولوكوست «التي تعمي قدسيتها الغربيين حول الممارسة الاستعمارية والكولونيالية الذي تمارسها اسرائيل اليوم في حق الشعب الفلسطيني». هذا الكتاب الذي لا يخلو من وصف دقيق لمعاناة الفلسطينيين من كل اشكال القمع الاسرائيلي» أمام نقط التفتيش تتزاحم منذ الفجر طوابير من الاشخاص بشكل غير انساني . صبورون وخاضعون رغم سخطهم لقد احسست بالعار تجاه هذه المشاهد « هكذا يصف دوبري مئات نقط التفتيش التي ينجزها الاسرائيليون يوميا لإهانة الفلسطينيين.دوبري يقول ان هذه الصراحة في الحديث عن ما يقع في الاراضي الفلسطينية المحتلة ستجلب عليه غضب وسخط هذه اللوبيات لكن يقول» لدي امتياز هو السن لهذا لا أكثرة بهذه الهجومات» « ان الدولة الاستعمارية لم تتوقف عن ممارسة الاستعمار كل يوم بنزع الملكية،واجتثاث الفلسطينيين من أرضهم وتهديم 18 الف مسكن فلسطيني واعتقال 750 الف فسطيني منذ 1967 في لحظة من اللحظات ويوجد اليوم اكثر من 11 الف معتقل وما بين 500 الى 600 حاجز امني وهي أماكن للإغاظة والعنف المجاني. والتي أقرت قانونا للعودة تمكن أي اجنبي له نفس الدين ( اليهودية ) جاء من كوكب مارس او نيويورك ان يتعامل مع المواطن الاصلي( الفلسطيني ) كأجنبي والذي عليه ان يطلب منه رخصة لدخول الى حقله و الى اشجار زيتونه.... ليس هناك ما يقول ان مرور البعض من العيش في ظروف صعبة الى الحياة الى الحكم على مئات الالاف اخرين من مسلمين ومسيحيين الى اخذ الطريق المعاكس ( 43 في المائة من الفلسطنيين يعيشون تحق عتبة الفقر).» كما يصف دوبري في كتابه الهمجية الاسرائيلية في البطش وقتل الفلسطنيين « 1450 فلسطيني تم قتلهم،منهم 410 طفل و104 من النساء حسب ارقام اليونسيف.اذا كانت الهمجية مست العالم، باية معجزة سيتخلص منها ضحايا اكبر الاعمال الهمجية وابناؤهم ؟» هذا الكتاب يتضمن كذلك حديثا عن العلاقة بين يهود الشتات واسرائيل ويعتبر انه ليس امرا عاديا ان يؤدي اليهود ثمن السياسة الاستعمارية والقمعية التي تقوم بها اسرائيل ويعتبر هذا الفريق امر جد طبيعي لكنه في نفس الوقت يتوجه الى الجالية اليهودية بالقول « وحدة الشعور بين روما لا تدفع الكنيسة الفرنسية الى مناصرة بيرلوسكوني . وعميد مسجد باريس لا ينزل الى الاحتفال في شارع الشون زيليزي عندما تنتصر الجزائر في مباراة لكرة القدم.عندما ترى كبير رهبان اليهود بفرنسا يتظاهر بالشارع يحمل الراية الاسرائيلية اما سفارة اسرائيل لدعم دخول الناقلات العسكرية الى غزة هو امر يضرب قواعد اللائيكية الفرنسية،واقتياد الاله الى معركة مشكوك فيها هو أمر لا ينصح به في الجمهورية...اذا كانت الكنائس اليهودية بفرنسا تحمل الرايات الاسرائلية وتطبل للحرب كيف تريد من المغاربيين بحي باربيس ان يصدقوا النداءات التي تدعوهم الى عدم الخلط بين يهود فرنسا ودولة اسرائيل؟» في كتابه او رسالته الى صديق اسرائيلي يتناول روجيس دوبري ايضا قضية الذاكرة وعلاقة اليهود بالمحرقة والتي اصبحت اليوم شيئا جد مقدس لا يمكن حتى الحديث عنه بالبلدان الغربية وكيف يتم اليوم استغلال هذه الذاكرة المأساوية يصف هذا الوضع اليوم بالشرق اوسط بالقول» ان تراجيديا الشرق الاوسط ان الشارع العربي هو أعمى لا يرى المحرقة اليهودية في حين ان الشارع اليهودي - يهود فرنسا ايضا- لا تتركهم المحرقة رؤية أي شيء اخر.» ويضيف «خلق دولة لأسرائيل لا علاقة لها بالمحرقة اليهودية التي تعود الى عقد الاربعينيات في حين ان وعد بلفور بخلق دولة يهودية يعود الى سنة1917.بمعنى ان المحرقة لم تكن وراء تأسيس الدولة اليهودية بل اسست الخوف، هذا الخوف الذي يتزايد لدى جيرانكم وكل واحدة تغذي الاخرى.» « رفع التقديس عن المحرقة اليهودية لا يعني تدنيس هذه الذاكرة « ويضيف الفليلسوف الفرنسي « ان التقليد اليهودي، أي كل ما بناه اليهود وكل فكرهم وكتاباتهم خلال 25 قرن الماضية في مختلف اللغات يتجاوز بكثير الثقافة الاسرائيلية التي نشأت فقط في الربع الاخير من القرن العشرين وحول الوضع الذي تعرفه اليوم اسرائيل يقول روجيس دوبري ان «اليوم هناك على الاقل اسرائيلين .. هناك اسرائيل تل أبيب واسرائيل القدس واحدة لائيكية والاخرى دينية، المستوطنون والمناهضون للاستيطان.رابين وقتلة رابين. هناك حب وعراك بين الاثنين « طبعا رد المؤرخ والسفير الاسرائيلي كما ستلاحظون في اخر الكتاب كان موضوعيا ولكن المصيبة هي نقد و رد بعض يهود فرنسا حتى الذين يدعون انهم لائكيون. كان ردهم اكثر تطرفا من الاسرائليين انفسهم يقول ايلي بيرنافي « من المحق ان المحرقة اليهودية اصبحت في مرتبة المقدس والدين في الغرب ...للاسف فانه حتى حرب 1967 كانت المحرقة -كايديولوجية ضد الامبريالية- تخدم مصالح اسرائيل لكن اليوم وبشكل تدريجي اصبحت تقوم بالعكس وتضر بمصالح اسرائيل» وفي نفس الاتجاه يتساءل «الا نمارس على الفلسطنيين ما مارسه النازيون ضدنا؟» كما يتفق السفير السابق مع دوبرى حول وجود اسرائلين « هناك اسرائيل التي اومن بها والتي تتجه نحو العالم عقلانية واخرى سجينة المعتقدات عتيقة وتنتج ايديولوجية حديثة بشكل غريب عن الصهيونية الكلاسيكية وبينهما ليس هناك أي توافق ممكن» لكن رد الكاتب والمخرج الفرنسي كلود لايزمان والمرتبط وجدانيا باسرائيل كما يقدم نفسه كان عنيفا « روجيس دوبري هو مندمج بشكل تام في الموضة التي يعرفها العصر وفي حقل المعادين لاسرائيل والتي ترددها وسائل الاعلام وهذا ليس امر جديدا، فهو في عدم حبه لاسرائيل استمرارية تمنعه من التوفر على نظرة موضوعية. وهذا امر يحزنني لأنني اعرفه منذ مدة طويلة « ويضيف لا يزمان «دوبري لا يتحدث الى الاسرائليين بل يتحدث الى اليهود وليس كل اليهود بل الى اليهود مثله الذين ينتمون الى المرحوم - مجموعة السلام- أي الى الذين يفكرون مثله.» ويضيف هذا الكاتب الفرنسي « ان دوبري لا يحب بشكل خاص اسرائيل ، وهو امر من حقه لكنه لا يفهم شيئا في الموضوع لكن ما يقلقني كثيرا انه يسمح لنفسه بالكتابة حول الموضع.» ما قاله لا يزمن حول «صديقه « مقلق لأنه يعتبره جاهلا للموضوع وليس من حقه الكتابة حول اسرائيل. ان الرجل قدم تقريرا لقصر الاليزي حول الموضوع وله كتابات حول الديانات وهو فيلسوف ورغم ذلك يفترض فيه انه لا يفهم الموضوع ولا يحب اسرائيل. وما كتب هو جزء من حقيقة التعامل مع أي كاتب او مفكر فرنسي تسمح له نفسه بانتقاد اسرائيل ولو بشكل جد مؤدب بمعنى كصديق وليس كمناوئ او عربي.فقدسية المحرقة بفرنسا تحول الى قدسية دولة اسرائيل ومن يمس المقدس يهاجم بشكل عنيف .احدى المجلات الفرنسية وصفت في افتتاحيتها للاسبوع الماضي بقلم موريس زعفران ما يقع لهذا الكتاب بفرنسا وما يمارسه ممثل اليهود بفرنسا ريشار براسكي -والذي اعلن نفسه ممثل يهود فرنسا - حسب نفس الصحفي- من ارهاب فكري ويضيف ان الاتهام بمعاداة السامية اصبح جاهزا لكل من ينتقد سياسة الاحتلال الاسرائيلي طبعا كاتب هذا النقد يهودي الديانية او الثقافة ورغم ذلك منزعج بما يحدث بفرنسا اليوم ،لقد أصبحت اسرائيل اليوم بفرنسا من مقدسات الجمهورية وكل الكتاب والصحفيين الذين يغامرون بالكتابة في الموضوع يعرضون انفسهم لمشاكل مهنية والى تلقي هجومات عنيفة واتهامهم بمعاداة السامية.