اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بسيادة المملكة المغربية على الأقاليم الجنوبية الصحراوية لم يأت بمحض الصدفة، ولم يتحقق على حين غرة أو بناء على هبة من أحد. بل كان بفضل آليات ناجعة في مجال التواصل الدبلوماسي، ضمن الفضاء السياسي الدولي الذي تؤثر فيه البلدان الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فهذا المكسب الهائل الذي حققته المملكة المغربية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، كان ثمرة مخطط تواصلي دقيق ومستمر مع المنتظم الدولي، استنادا على الحوار البناء، وعلى الواقعية في طرح القضايا أمام الهيئات الأممية، وعلى المصداقية في العلاقات الدولية، وعلى الحكمة في تدبير الخلافات، وعلى السمعة الطيبة التي يحظى بها المغرب لدى القوى العظمى، وعلى المساهمات المُشرّفة والفعالة للمملكة المغربية في المؤتمرات والمنتديات واللقاءات العالمية حول القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية والأمنية، سواء داخل المغرب أو خارجه، وكذا بناء على الدور الفاعل الذي تقوم به الأجهزة الأمنية المغربية في استتباب السلم والسلام، ومحاربة الإرهاب والتطرف في مختلف أرجاء العالم. وإذا كان التواصل الدبلوماسي عملا لا مناص منه في الممارسة السياسية الخارجية، وأداة أساسية لربح الرهانات وكسب التحديات داخل الفضاء الدولي الذي تقوم العلاقات فيه بين الدول على الدفاع عن المصالح المشتركة، وعلى تحقيق المكاسب المادية الملموسة، فإنه لا يمكن بلوغ هذا المبتغى إلا إن كانت عملية التواصل هذه خاضعة لرؤية علمية، وتُمارَس وفق القواعد والأعراف الدولية السليمة التي تتيح إمكانية تحقيق التوازن في العلاقات بين البلدان. وعلى هذا الأساس، يمكن التأكيد أن المملكة المغربية قد نجحت بشكل مطلق في تواصلها الدبلوماسي مع القوى المؤثرة في العالم، واستطاعت من خلال هذا النجاح أن تثبت أنها نموذج عقلاني ينبغي أن تحتذي به البلدان التي تسعى إلى تحقيق المكاسب على الصعيد الدولي في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والتنموية، عكس النموذج التواصلي الفاشل الذي تتبناه بعض البلدان المناوئة للوحدة الترابية للمملكة المغربية، والتي تتبنى نموذجا تواصليا دبلوماسيا باليا ومتهالكا، ينبني على العدوانية والتحريض والتزييف والأخبار الكاذبة. إن النجاح الذي حققه التواصل الدبلوماسي المغربي على مستوى قضية الوحدة الترابية، جاء نتيجة مسار طويل ابتدأ منذ أن اعتلى جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، حيث كثفت المؤسسة الملكية أنشطتها على مستوى السياسة الخارجية، واستطاعت أن تحقق تقاربا قويا مع بلدان مؤثرة في مختلف القارات، عبر عدد من الاتصالات والتشاورات التي أنضجت هذا التقارب وحولته إلى شراكات استراتيجية شاملة. وقد أصبحت هذه الشراكات تعطي نتائجها المنشودة على العلاقات الثنائية بين المغرب وبين البلدان المؤثرة سياسيا واقتصاديا في العالم، بعد التوقيع على اتفاقيات في العديد من القطاعات الحيوية المرتبطة بالتنمية وخلق فرص الشغل، من أبرزها الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها برئاسة جلالة الملك خلال زيارته لروسيا الاتحادية وللصين في شهري مارس وماي 2016 على التوالي. أما علاقات المغرب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في عهد جلالة الملك محمد السادس، فقد ازدادت متانتها انطلاقا من الزيارة الملكية الأولى في شهر يونيو 2000، بدعوة من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، والتي تم خلالها منح جلالته الدكتوراه الفخرية من جامعة جورج واشنطن، اعترافا من هذه المؤسسة الجامعية العريقة برقيّ العلاقات بين البلدين. وتواصلت الزيارات الملكية للولايات المتحدةالأمريكية، بزيارة ثانية في ماي 2002 التقى خلالها جلالته بالرئيس الأمريكي جورج وولكر بوش وأجرى معه محادثات حول التعاون الثنائي، وحول الأوضاع في المنطقة المغاربية، وحول النزاع في الشرق الأوسط، وحول مكافحة الإرهاب، وزيارة ثالثة في شتنبر 2003 شارك خلالها جلالته في المناقشات العامة للدورة 58 للجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة، وألقى خطابا أمام الجمعية بصفته رئيسا لمجموعة 77 زائد الصين، و زيارة رابعة في يوليوز 2004 تمحورت حول آفاق التعاون الثنائي بين البلدين، وزيارة خامسة في الفترة ما بين 20 شتنبر و2 أكتوبر 2004 شارك جلالته خلالها في الدورة 59 للجمعية العامة للأمم المتحدة وألقى فيها خطابا ساميا عبر فيه عن تشبث المغرب بوحدته الترابية واستعداده لإيجاد حل نهائي للخلاف المُفتعل حول الصحراء المغربية، وزيارة سادسة في شتنبر 2010 شارك خلالها جلالته بنيويورك في قمة أهداف الألفية للتنمية، وألقى فيها خطابا دعا فيه جميع الدول إلى توسيع دائرة الشراكة العالمية وفق جدول زمني مضبوط لتفعيل أهداف القمة، قبل أن يستقبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما جلالة الملك محمد السادس في إطار زيارة سابعة في نوفمبر 2013 تم خلالها إجراء محادثات حول الشراكة في المجالين الاقتصادي والأمني. أما على مستوى الأنشطة الدبلوماسية الملكية تجاه فرنسا، فقد كان جلالة الملك محمد السادس هو أول رئيس دولة استقبله الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في قصر الإيليزي بعد انتخابه في ماي 2012، قبل أن يلتقي الرئيس نفسه بجلالته في إطار زيارة ثانية لفرنسا في ماي 2017 بعد النصر الكاسح الذي حققه المغرب بعودته لأحضان الاتحاد الإفريقي. وهنا يبدو جليا، أن الدرس المغربي في التواصل الدبلوماسي، يتمثل بالأساس في الانفتاح على القوى الكبرى المؤثرة في العالم، في إطار من الدينامية والحيوية، ووفق أجندة سياسية واقتصادية تقوم على الحكمة والعقلانية، وعلى رؤية تأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا للبلاد، وهو أسلوب في التواصل الدبلوماسي الفعال، أظهر المغرب أنه يتقنه ويسخره لمصلحة قضاياه الكبرى.