في الساعة الرابعة والنصف من يوم الإثنين الماضي، اقتطع أحمد رضا الشامي، وزير التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة، حيزا من وقته المليء بترتيبات المناظرة الوطنية للصناعة، ليحل ضيفا على «الأحداث المغربية»، كان عليه أن يضعنا في صورة حدث وطني كبير يسم الساحة الاقتصادية، وفي نفس الوقت، أردنا من جانبنا أن نختبر فيه التصور السياسي لوزير ذي مستوى تقني عال، خفيف الحركة مبشور الملامح وهو بالكاد يقتطع بضع سويعات من وقته للخلود للراحة، رفقة مساعده قام بجولة سريعة بقاعة التحرير، والقسم التقني. بعفوية وتلقائية، لا يقطعها إلا عودته من حين لآخر لشرب كأس شاي، كان الشامي يجيب عن أسئلة الزملاء، بخبرة رجل الاقتصاد والسياسة، أجاب على كل الأسئلة، لنتابع.. أنت إطار تقني اشتغلت في مؤسسة دولية مريحة، ثم اخترت أن تغير الوضع وتنخرط في العملية السياسية والتدبير الحكومي في بيئة سياسية هشة ومليئة بالتوتر. هل تشعر بالندم بعد مرور أكثر من سنتين على تجربتك في الاشتغال داخل الحكومة ؟. لا، أبدا، جئت اليوم، لأعلن الحصيلة كشخص في هذه التجربة، وأقول إنها الحصيلة إيجابية جدا. لماذا ؟ لأنه منذ زمن وأنا أشتغل كتقنوقراطي في مجالات مختلفة، وكانت لدي دائما تلك الحساسية اليسارية، وكذلك الحساسية الاجتماعية في داخل منظمات المجتمع المدني، وهذا مرده، بالأساس، أن والدي كان يمارس العمل السياسي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، إذن، فطبيعي أني وجدت نفسي متعاطفا مع هذا الحزب، وبالتالي، كنت دائما أنتظر الفرصة لكي أنخرط بدوري في هذا المجال، خلاصة القول، هذه الفرصة أتيحت لي، وأحاول قدر المستطاع، من خلالها، أن أساهم في التنمية التي تشهدها بلادنا وتنمية المجتمع ويمكن أن أقول، إن عملي داخل الحكومة أحاول عبره المساهمة، وذلك حسب إمكانياتي وقدراتي، والتي تبقى في مجمل الأحوال تجربة ايجابية، وبالتالي، فأنا لست نادما على هذه التجربة، بل بالعكس فبعد مرور أكثر من سنتين من عمر الحكومة الحالية، أعتبر التجربة مهمة، وأظن أنه إذا ما استمر وجودنا حتى نهاية مهمتنا الوزارية، فسأبحث كيف يمكنني أن أساهم أكثر. خرجت، مؤخرا، جريدة الاتحاد الاشتراكي في افتتاحيتها بتحليل وموقف يفيد بأن ما يهدد الديموقراطية في المغرب هو التدبير التقنوقراطي. بحكم تكوينكم التقني وانتمائكم الحزبي، بمعنى أنكم تمارسون التدبير العمومي برؤية سياسية. أين يجد أحمد رضا الشامي نفسه، هل في السياسة أم في التقنوقراطية؟ أولا، يجب أن نشير إلى مسألة هامة، وهي أن التقنوقراطية بدون سياسة هي تجربة كانت سائدة من قبل، لكن أبانت عن محدوديتها، وبالمقابل التقنوقراطية بلا سياسة يمكن أن تحصرنا في إطار الكتب والنظريات والحسابات، فأظن أن التقنوقراطي عندما يتولى تدبير الشأن العام من خلال توليه منصبا وزاريا، لابد أن يكون لديه تصور ورؤية سياسية، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان لديه انتماء حزبي معين ، لأن التقنوقراطي عندما يتقلد منصبا يدبر من خلاله الشأن العمومي، يصبح شخصا يمثل المجتمع، ومطلوب منه أن يدافع عن مصالحه، وهذه هي الديموقراطية الحقيقية، لأن الشخص الذي يمثل المجتمع يجب أن يعكس همومه ويترجم تطلعاته إلى واقع ملموس من خلال العمل، فإذا أخذنا الأمور من هذه الزاوية، فالمشكل الكبير يتمثل في تلك العملية الصعبة التي تتجسد في المرور من التمثيلية إلى التدبير، فإذا لم يتوفر ممثل الشعب على كفاءات وقدرات عالية للتدبير إلى جانب تصور سياسي يؤطر الأهداف المراد تحقيقها، فحينئذ سيقع انفصال بين الإرادة الشعبية وطموحات الناس وترجمتها على أرض الواقع، وذلك لغياب شروط التدبير الملائم والمناسب، ومن هنا لابد أن يتم أخذ التقنوقراطية بعين الاعتبار في إطار ما يعرف بالحكامة الجيدة، أي أن يتم تدبير كل قطاع من القطاعات الحكومية بالشكل الذي تدبر به المقاولة، مع الأخذ بعين الاعتبار بخاصيتين تميزا المقاولة عن القطاع الوزاري، الخاصية الأولى تتجسد في أن الهاجس الأول والأخير بالنسبة للمقاولة، هو البحث عن الربح والمصلحة الخاصة ، في حين أن المصلحة العامة تعتبر هي الغاية النهائية بالنسبة للقطاع العام مع اعتماد نفس أسلوب التدبير لا بالنسبة للمقاولة ولا بالنسبة للقطاع العام.أما الخاصية الثانية، فتتمثل في كون مسألة تدبير أي قطاع على المستوى العمومي تكون في إطار الحكومة، بمعنى أن تدبيره يحتاج إلى التنسيق مع باقي القطاعات الأخرى المكونة للحكومة، وهذا عكس التدبير داخل المقاولة . في ما يتعلق بالأطر التقنية، نعرف، اليوم، أن هناك قناصين للأطر، غدا أو بعد غد، لو طلب من أحمد رضا الشامي أن يكون وزيرا باسم حزب آخر غير الاتحاد الاشتراكي؟ مقاطعا لا،لا... نعم نعود إلى كلامك، هل ترون أن التدبير الحكومي يتطلب بالضرورة، أن يكون هناك نوع من التكامل بين التقنوقراطي والسياسي؟. أولا، قضية التقنوقراطية يجب التدقيق فيها، فنحن نعرف أن الوزراء في الحكومة هم يمثلون أحزاب سياسية مختلفة تنشط في الساحة الوطنية. فأي فريق حكومي هو يتألف من وزراء لهم انتماءاتهم الحزبية وأفكارهم ومواقفهم وميولاتهم السياسية، ولكن بالمقابل فمطلوب منهم أن يتوفروا على قدرات ومؤهلات علمية تساعدهم على القيام بتدبير أمثل للشأن العام، اسمحوا لي أن أعود إلى السؤال السابق، فحسب ما فهمت، أي غدا أو بعد غد جاءت انتخابات تشريعية وأفرزت تشكيلة حكومية غاب عنها لسبب أو آخر الاتحاد الاشتراكي، ولم يشارك في هذه التركيبة الوزارية، وبالتالي جاءني عرض أن ألتحق بها، ولكن باسم حزب آخر، فمن طبيعة الحال لن أقبل العرض وسأقول لا. قبل افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان، أعلن حزب الأصالة والمعاصرة أنه سيطور معارضته خلال هذه الدورة. هل الحكومة مستعدة، في نظركم، لهذه المعارضة ؟ ما لاحظته من خلال تجربتي إلى حد الآن، هو أن أي حزب أينما كان موقعه سواء في الحكومة أو في المعارضة فهو يمارس السياسة في إطار مصلحة البلاد، فإذا أعلن حزب الأصالة والمعاصرة أنه سيرفع من إيقاع معارضته للأغلبية الحكومية، فيجب أن يكون ذلك في صلب المصلحة العامة للوطن والمواطنين، فشخصيا لا أظن أنه إذا تقدمنا بمشاريع أو خطط للعمل، هي في خدمة المصلحة العامة، أنه سيعمل على معارضتها فقط من أجل المعارضة، فإذا أقبل على هذا العمل فسيكون على خطأ ولا يمارس المعارضة بمعناها الديموقراطي الحقيقي. هذا من جهة، من جهة أخرى، إذا كان الأصالة والمعاصرة يرغب في ممارسة قوية للمعارضة يجب أن نتعرف على مواقف الأحزاب الأخرى الموجودة في المعارضة، لأنه ليس الحزب المعارض الوحيد في الساحة السياسية. وهناك ملاحظة أخرى، أريد أن أسوقها في هذا السياق، فإذا كان الأصالة والمعاصرة يريد أن يرفع من معارضته فمرحبا، فنحن كأغلبية لنا وزننا، الأمر الذي يجب أن تقوم به الأغلبية هو المزيد من التعبئة لجميع نوابها ومستشاريها، والملاحظ، اليوم، أن حزب العدالة والتنمية له حضور قوي وكبير مقارنة مع تمثيليته في البرلمان. على حسب الشق الأخير من جوابك، فالخصم الحقيقي للأغلبية هو الأصالة والمعاصرة وليس العدالة والتنمية؟ نعم هو الأصالة والمعاصرة، وما يتردد في خطابه أنه سيغير من تكتيك معارضته للأغلبية. فالحكومة ليست ضعيفة، فأنا لا أظن أن الأغلبية الحكومية ضعيفة، وإذا كنا، بالفعل، حكومة ضعيفة هناك طريقة دستورية واضحة، يقدمون ملتمس رقابة ويسقطونها وانتهى الأمر، فما ألمسه اليوم، أن هناك تمييعا كبيرا للعمل السياسي، بحيث هناك عدم وضوح كبير، فأحزاب المعارضة يمكن أن تناقش أي موضوع، ولكن ليس من المعقول أن يكون لهذا تأثير على النسق الحكومي وعمله. الاتحاد الاشتراكي دائما يستحضر مساره التاريخي في ما يتعلق بالتحالفات، فهو يميل إلىإملاء شروطه في بناء تحالفاته مع الأحزاب اليسارية الأخرى، أليس ذلك أحد أسباب تشتت قوى اليسار ؟ في نظري الشخصي، يجب أن نتجاوز المواقف الشخصية، أظن أن الوقت قد حان لجميع مكونات اليسار أن تعمل من أجل الوحدة في إطار يساري تنظيمي قوي ، وعندما يتم التوافق على تشكيل قطب يساري، فآنذاك، لامانع يمنع من أن نذهب عندهم أو يأتوا عندنا، فالمهم أن نتوصل إلى الحلول في النهاية. المطلوب منا اليوم إذا أردنا كيساريين أن يكون لنا دور ووزن أمام المنافسين، يجب أن نبحث عن صيغة وحدوية ومشتركة للعمل. يردد الاتحاد الاشتراكي على أن الكتلة الديموقراطية هي خيار استراتيجي، لكن الملاحظ، أن مفهوم الكتلة سقط من بلاغات وخطابات الحزب، الأمر الذي فهمه باقي الحلفاء على أن الاتحاد غير متحمس للعمل من داخل الكتلة. هل يمكن القول إن الاتحاد الاشتراكي مسؤول على الوضع الذي تعيشه الكتلة ؟ يمكن القول أنه من أحسن الخطوات التي أقدمت عليها القوى الديموقراطية، هي إنشاؤها للكتلة الديموقراطية لأنها جاءت في زمن معين، بحيث لا يمكن، آنذاك، لحزب واحد أن يشكل قوة وازنة أمام قوى أخرى كانت تسيطر علي المشهد السياسي، إذن فالكثيرمن المكتسبات التي تحققت اليوم، الفضل فيها يعود إلى الكتلة الديموقراطية، فالقوى الديموقراطية على الرغم من الصراعات التي كانت تعيشها، حصل لها الوعي بأن تشكل إطار الكتلة الديموقراطية. اليوم لاشيء يمنعنا من القيام بتقييم لتجربة الكتلة منذ تأسيسها في بداية التسعينيات إلى اليوم، إذن يجب أن نتوقف عند مسألة معينة، وهي أن كل مؤسسة معينة يتم تأسيسها بناء على غرض معين وهدف محدد، ومع مرورالزمن تتغيرالظروف والهدف قد يتحقق كله، أو قد يتحقق جزء منه فقط، وفي هذه الحالة لابد من التوقف للقيام بدراسة نقدية لعمل الكتلة وتقييم الحصيلة والتحقق من أنها مازالت تصلح للعمل أو أنه يجب تجديدها وتحيين ميثاقها، وهذا بالضبط ما ننادي به داخل الاتحاد الاشتراكي، فنحن اليوم لا نقول إن الكتلة انتهت صلاحيتها، أو أن الكتلة ماتت، أو أننا لانريد العمل من داخلها، واليوم، أريد أن أؤكد فقط على فكرة مهمة، وهي أن جميع مكونات الكتلة الديموقراطية لا يمكن أن تواصل الاشتغال داخل إطار الكتلة في شكلها الحالي، لأن الكتلة أصبحت اسما أكثر مما هي ميكانيزمات للعمل أو أفكار إلى غير ذلك. إذن لابد من اعادة النظر في الميثاق المؤسس للكتلة وتحيينه وفقا للتطورات والتحولات التي عرفتها الساحة على عدة مستويات. هناك انتقادات من داخل حزب الاتحاد الاشتراكي تقول بعدم تحديد الحزب لخط واضح في الخطاب السياسي. في نظركم، هل الحزب قادر على أن يرتب بيته الداخلي في الوقت الذي دخلت فيه الأحزاب الأخرى مرحلة وضع الترتيبات الأخيرة للانتخابات المقبلة؟ من الصعب اليوم القول بأن الاتحاد الاشتراكي استعاد القوة التي كان يتمتع بها من قبل، أي قبل دخوله أو انخراطه في حكومة التناوب. الاتحاد اليوم لايزال، للأسف، لم يستعد كل عافيته وقوته، وهذا الوضع يحز في قلوبنا كمناضلين ، مايعيشه الحزب راجع بالأساس إلى مجموعة من الأسباب: السبب الأول يتمثل في أن حزب الاتحاد الاشتراكي أدى وما يزال يؤدي ثمن المشاركة في حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمن اليوسفي، إيمانا منه في إسهامه في عملية الانتقال الديموقراطي في بلادنا، لكن هذه النقطة نحن نفتخر بها، فتأديتنا هذا الثمن كانت تستدعيه طبيعة المرحلة، فمصلحة الوطن كانت تقتضي وتفرض على الاتحاد الاشتراكي أن يساهم وينخرط في حكومة التناوب باعتباره قوة سياسية لها وزنها في المشهد السياسي. المسألة الثانية التي يجب الإشارة إليها في هذا المقام وهي أن قوة أي حزب تكمن في المشروع المجتمعي الذي يحمله، والفعاليات السياسية المكونه له، بالإضافة إلى النضال، فهذه العناصر الثلاثة تشكل دائما قوة أي مؤسسة، وأنا أقصد بهذه الأمور أن المسألة التنظيمية تكتسي أهمية بالغة بالنسبة لأي حزب، فالتنظيم داخل الحزب لم يعد قويا كما كان في السابق. إذن، ماهي الأسباب التي دفعت بالحزب من الناحية التنظيمية إلى التراجع؟ أولا، نحن ندافع عن الديموقراطية الداخلية، فهذه الديموقراطية لم تكن موجودة قبل مؤتمر2007، فهذا المؤتمر هو الذي تم بموجبه إدخال الديموقراطية إلى داخل الحزب، وهذا من الأشياء الإيجابية التي تحسب إلى هذه المحطة، ثانيا، هناك مسألة مهمة لايزال لم يتم الحسم فيها بشكل نهائي، وهي إعطاء الفرصة للتيارات من أجل الانفتاح في قلب الحزب، وهناك نقطة ثالثة يمكن أن نضيفها إلى المعيقات التنظيمية، وهي أنه لازلنا في بعض المدن لم نتجاوز مسألة الولاءات عوض الشعور والإحساس بالانتماء إلى مؤسسة الحزب، إذن فالمطلوب منا أن نتجاوز قضية الشخصانية ونعمل على توطيد وتقوية المسألة المؤسساتية، والمشاكل التنظيمية التي يعيشها الحزب، لا تدفعني إلى التشاؤم على مستقبله، بل بالعكس من ذلك، فأنا متفائل ، وأظن أن هذه المعيقات سيتم الحسم فيها خلال الندوة الوطنية للتنظيم التي سيتم عقدها في الأيام المقبلة. وفي الأخير، يجب الإشارة إلى أننا أضعنا سنتين، لأننا كنا نتساءل، هل سنكون في الحكومة أم لا؟ بمعنى لو حسمنا في هذه القضية منذ البداية لقمنا بالاشتغال على المسألة التنظيمية.