يظن الداخل إلى مطعم "هدف" الواقع في حي شعبي وتجاري في الرباط أنه في مطعم كسائر المطاعم إلا أن العاملين فيه هم من أصحاب الإعاقات الذهنية، في تجربة رائدة في مجال إدماج هؤلاء الأشخاص في المجتمع. عند مدخل المطعم يراقب عمرو الذي ارتدى قميصا قطنيا أبيض وسروالا أسود حركة الشارع بحثا عن زبائن في حين أن بقية الفريق العامل يضع اللمسات الأخيرة على الطاولات. ويقول الشاب البالغ 28 عاما بحماسة "بدأت التعلم في المقصف. أما في المطعم فأنا آخذ طلبيات الزبائن. أحب التواصل معهم والتعرف عليهم. عندما يكون هناك الكثير من الناس أخاف لكن عدا ذلك كل شيء ممتاز. لقد اعتدت على الأمر". هذه التجربة الرائدة أطلقتها جمعية محلية أسسها أولياء أشخاص يعانون من إعاقة ذهنية من أجل تغيير الأفكار السائدة وتشكيل منصة لهؤلاء الشباب الذين يعانون من إهمال في سوق العمل. في المغرب، تصل نسبة البطالة في صفوف ذوي الاحتياجات الخاصة إلى 47,65 بالمئة أي أربع مرات أكثر من المعدل الوطني في بلد يضم 2,3 مليون معاق، حسبما أظهرت دراسة نشرتها وزارة الأسرة المغربية. وتقول سمية عمراني العضو في المجلس الوطني لحقوق الإنسان ونائبة رئيسة تجمع يهتم بذوي الاحتياجات الخاصة "لا يمكن أن نحضر الطفل على أن يكون كائنا اجتماعيا وأن يتعلم العيش ضمن المجتمع، فيما نبقيه على هامش المجتمع. يجب أن يكون ضمن المجتمع ليتعلم مع الآخرين". "عائلتي فخورة" ويعرب معاد (28 عاما) وقد وضع طاقية الطاهي على رأسه في مطبخ المطعم عن ارتياحه لأنه تدرب على هذه المهنة هو الذي لم يلتحق بالمدرسة إلا لثلاث سنوات في المرحلة الابتدائية. ويوضح "لقد تعلمت الكثير مع زملائي. أنا سعيد جدا وعائلتي فخورة بي". وينص الدستور المغربي الذي أقر في العام 2011 على "إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية". لكن على أرض الواقع، لا تزال نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يلتحقون بالمدرسة ضئيلة. ف41,8 % من هؤلاء الذين هم بين سن 6 و17 عاما يرتادون المدرسة في حين تتراجع النسبة إلى 37,8 % في فئة 6 إلى 11 عاما. كما يعاني ثلث المشردين من إعاقة. ويؤكد معاد وهو يقطع البقدونس قبل أن يوزعه على صحون السلطة المعدة من الخضار العضوية المزروعة في بستان المركز "هذا المطعم أمر جيد لي وللزبائن". ويتبع المطعم مركز "هدف" الذي أسسته قبل 20 عاما "جمعية آباء وأصدقاء الأشخاص المعاقين ذهنيا". وبات المركز يضم 90 شابا من الرباط وضواحيها فيما لا يزال آخرين على قائمة الانتظار. وإلى جانب التدرب على العمل في مطعم، يتلقى الشبان والشابات تدريبات على البستنة وصنع المجوهرات والنجارة والخياطة.... ويدفع هؤلاء قسطا في مقابل التدريب إلا إذا كانت عائلتهم فقيرة. وتقف وراء المشروع أمينة مسفر التي تعاني ابنتها البالغة 38 عاما من إعاقة ذهنية إلى جانب أنها كفيفة. وتوضح مسفر "أدركت سريعا أنه لا يمكن للشخص أن يتحرك بمفرده. لكن من خلال تشكيل تجمع نكون أكثر قوة ويمكننا أن نجد الحلول. كانت هناك آليات تهتم بهؤلاء الأشخاص حتى سن 21 (فقط). وكان أطفالنا بعد ذلك يتركون لحال سبيلهم".