يعتبر هذا الكتاب من أوائل الكتب التي وثقت للشعر والأدب الحساني تنظيرا وتطبيقا وقد صدر سنة 1998. وقد استهله الدكتور محمد الظريف بتقديم أبرز أن هذا الكتاب فريد من نوعه،و يعزز ما أنجز من دراسات في مجال الأدب الحساني في الجامعات المغربية والموريتانية كما يعكس ما تشهده أقاليم المغرب الجنوبية من نهوض وتألق كما أنه الكتاب الأول الذي يطبع في المغرب بعد كتاب ذ باه النعمة الذي اقتصر فيه على الشعر، ولم يهتم بباقي الأنماط التعبير الحسانية، وباقة شعر من أقاليم الجنوب وديوان وفاء وولاء اللذين أصدرتهما وزارة الشؤون الثقافية واقتصرت فيهما على بعض المنتخبات الحسانية والفصيحة من أقاليم المغرب الجنوبية كما أبرز جليا قيمة الكتاب وحصرها في مايلي : * يكشف ماتميز به الأدب الحساني من خصوصيات وماعرفه خلال مسيرته من تحولات ، فهو ليس شكلا تعبيريا تراثيا سوقيا ولونا أدبيا منحطا كما يعتقد رواد البحث الاستعماري، بل هو تراث له قيمته الذاتية وأصالته الفنية لكونه يجسد البيئة الصحراوية التي نما فيها وترعرع في أجوائها ببساطة وعمق، كما أنه يعبر عن ذكاء وفطنة وشجاعة أبنائها وإحساسهم العميق بالجمال وقدرة خارقة على الخلاق والإبداع، فهو بذلك أدب له قواعده وأصوله وطقوسه الخاصة وقدرته على التجدد والتحول . * إن هذا الأدب يساهم في نفض الغبار عن هذا التراث الأصيل وصيانته مما يتهدده من أخطار بسبب عدم تدوينه وتوالي غياب المسنين من حفاظه. * إنه يقدم للباحثين من خلال مختارات شعرية متميزة وقيمة مادة أدبية هامة من غير تدخل في توجيه المتلقي لهذه الأشعار بل يترك الحرية له في قراءتها وتذوقها وتلمس أوجه الحسن والجمال فيها، بل يجمع بين القديم والجديد والغريب والمألوف، كما أنه لم يقتصر على شعراء قبيلة معينة أو شعراء دون آخرين بل جمع فيه كل ما انتهى إلى علمه ووافق ذوقه من أشعار قديمة وحديثة بل إنه لم يجرؤ على الترجمة لهؤلاء الشعراء تجنبا لكل اعتبارات غير أدبية * إنه يساهم في ضبط الكثير من الأمور المتصلة بالأدب الحساني باعتباره أدبا عربيا متفرعا عن الأدب الفصيح ولا يعتمد في ذلك على ذوقه أو هواه بل يعزز نظرته لهذا الأدب وقراءته لنصوصه من خلال بعض المراجع والبحوث التي تناولت هذا الأدب من رؤى مختلفة بما في ذلك بعض البحوث الجامعية .. كما أبرز ذ الظريف قيمة مؤلًف الكتاب باعتباره من نوابغ هذا الأدب المتميزين والفاهمين لأسراره وخباياه، حيث صدر له ديوان ضخم ومساهمات عدة منشورة في جرائد ومنشورات وبعضها أثير على أمواج اذاعة العيون . ويتوزع الكتاب إلى مقدمة أدبية وفصول أربعة وملحق . وقد تضمنت المقدمة تحليلا لأسباب نزول الكتاب ودراسة للشعر الحساني حيث أبرز الكاتب محمد نيمة في بدايتها الى الدوافع التي شجعته على إخراج الكتاب وأهمها : تصوير التطور الحي الذي عرفه الشعر الحساني من حيث الشكل والمضمون حيث أصبح حتما على المشتغلين والدارسين له تدوين الخطوط العريضة لهذا التطور والنبش في ذاكرته المنسية عن صوره المتعددة عند الشعراء من أجل تحريكه ونفض الغبار عنه لتحسيس الجيل القادم بما سبقه من موروث يتسم بالجمالية والرونق لبعث الاستمرارية والحركة الديناميكية . كما أن الشعر الحساني دخل في مجرى الحياة الانسانية وتجاوز موضوع القصيدة (الطلعة ) إلى الشكل وزنا وقافية مع العلم أن الشعراء الحاليين لم يبتروا معاني القصيدة (الطلعة )القديمة، بل حافظوا عليها مقلدين بذلك نمط الوزن وعروض الشعر، ودون تغيير المعاني وما ينطوي في ذلك من مشاعر وأحاسيس وهذا يعني أنهم واثقون كل الثقة أن للشعر ماضيا وحاضرا بصفته يمثل مافات من الزمن وبذلك أصبح الحاضر لا يخرج عن دائرة الماضي ولا يخرج عن الإشعاعات والتأملات النفسية والعقلية وهي مسألة ليست بسهلة فيها يحول الشاعر البسيط من الأمور إلى شعر جياش له قيمته ووزنه ومعناه . كما جرد ذ النيمة ثلاثة خصائص للأشعار الحالية وهي : تجانس القصائد لفظا ومعنى ،وامتياز القصائد بزخرفة الشكل ،وامتياز ألفاظ القصيدة بتداعي المعاني والألفاظ .وذكر أن الشاعر الحساني لا يزال يجتهد في صقل أشكاله البديعية لتلتقي في فنه براعة الصنعة وموهبة الابداع التي لم تحل دون بث عاطفة جامحة تزخر بالحب الصادق ،كما أشار إلى أن مايحز في نفوس المشتغلين على المتن الحساني هو الإهمال لتراجم أعلام الشعراء الحسانيين وجمع آثارهم اتكالا على سيلان الذاكرة وقوة الحافظة، وأرجع السبب في هذا الاندثار إلى كثرة التنقلات في البوادي لطلب الكلأ للمواشي والهروب من واقعهم آنذاك، والبحث عن المحبوبة والاعتماد على الذاكرة، مما أدى إلى ضياع أكثر هذه الاثار ناهيك عن قلة أدوات التدوين ....لذلك لم يكن هذا الشعر مدون في ديوان معروف بل كان متفرقا، وهنا جاء هذا الكتاب لاستدراك هذه الصبابة الباقية وهذا التراث الأدبي المهدد بالفناء، لذلك قام الكاتب بجمع البعض منه لبعثه من مرقده من أجل استخراج بقايا هذه الكنوز من مخابئها التي أوشكت على الانقراض والاندثار وعرضها في ثوب يليق بها مما يمكن الناشئة من الاطلاع على ما دبجته أقلام الأسلاف وما وصل إليه تفكيرهم واستنباطهم وبما يمكن من الاستفادة منها دون عناء ولا مشقة كما أثار محمد النمية دوافع قول الشعراء الحسانيين للشعر ، فهم لم يقبلوا على شعر التكسب بقدر ما أقبلوا على أغراض تتنافى والطمع كالنسيب والتوسل والغزل العفيف والرثاء والتذكر مما منح الشعر الحساني ذوقا رفيعا رقيقا وحسا جياشا، فاستكمل الطرافة من جميع أطرافها، فالشاعر الحساني يتغزل غزلا وجدانيا عفيفا، ويتذكر ماضيه تذكرا جياشا، ويرثي ما افتقده رثاء بالغا يتوسل إلى الله توسلا فائقا بالوجدانية والخشوع في الفصل الأول استعرض فيه الكاتب مقارنة بين اللغة العربية واللهجة الحسانية من خلال عرض مشترك قدمه كل من السباعي ماء العينين، والترسيم فاطمة، والبلاوي الركيبة ،وجواد الوالي في كلية اللغة بمراكش وتنوع إلى مبحثين : الأول موازنة بين حد اللغة وحد اللهجة والعلاقة بينهما والتي هي كالعلاقة بين الخاص والعام، فاللغة تشتمل على عدة لهجات لكل منها مايميزها،وجميع هذه اللهجات تشترك في مجموعة من الصفات اللغوية (القواعد) والعادات الكلامية التي تؤلف لغة مستقلة عن غيرها من اللغات، فاللهجة هي شكل محلي للغة المشتركة والثاني دراسة تطبيقية للهجة الحسانية من أجل الوقوف على ضوابطها من خلال مستويات مختلفة 1. المستوى الصوتي من خلال تقديم نماذج معينة ورصد بعض الاختلافات والفروق بينها وبين اللغة العربية من ناحية * استعمال الحسانية ل (ك) مكان القاف وهو غير موجود في اللغة العربية الفصيحة * استعمال الحسانية (ظ) مكان (ض) في كلمات عربية * الاختلاف في مقاييس بعض أصوات اللين خاصة نطق حركات المد أثناء وجودها في بعض المواقع * الاختلاف في قوانين التفاعل بين الأصوات المتجاوزة أي في علاقة التأثير والتأثر التي تحدث بين الأصوات حين تتجاوز كالتغليظ والترقيق 1. المستوى الصرفي حيث تم التفصيل ورصد بعض التغييرات الصرفية التي تحتوي عليها الحسانية مقارنة بالعربية من خلال جداول مختلفة. * تصريف الأفعال سواء في الماضي أو المضارع أو الأمر من نفس الفعل مع تحليل لتلك الجداول * تحويل الأسماء عبر الكلمة ومفردها ومثناها وجمعها في العربية والحسانية والتذكير والتأنيث والإدغام والتصغير والتحقير واسم الفاعل واسم المفعول وصيغة المبالغة والتعجب والتفضيل . 1. المستوى النحوي من خلال نماذج مختلفة أبرز فيها أن اللهجة الحسانية لا تختلف في نظام تركيب الجمل عن اللغة العربية من ناحية الجملة الفعلية والجملة الاسمية وأسماء الاستفهام وأسماء الاشارة والأسماء الموصولة 2. المستوى البلاغي من خلال بيان ماتزخر به اللهجة الحسانية من صور فنية توجد أيضا في اللغة العربية كعلم البيان والاستعارة وعلم البديع (الجناس والطباق ) والاقتباس في الفصل الثاني تطرق الباحث إلى طبيعة ومنهجية قراءة الشعر الحساني حيث أبرز وجود قراءتين للشعر الحساني وأبرزها هي التي يأخذ فيها الشاعر أو الحاكي النص دون مراعاة مقاطع الكلمات ونقط الوقف والفواصل حتى لو لم تكن موجودة (مكتوبة ) داخل الطلعة ويقرأها قراءة عادية دون تقسيمه لها (اتفلويتة)وهي القراءة الشائعة عند البيظان لكن تطور الأخير حتى أصبح للقصيدة فواصل ونقط وقف لا يمكن للقارئ أن يتجاهلها حتى يتمكن السامع من فهم المعاني والمقاصد من الكلام لأن في بعض الأحيان لا يتم معنى الكلمة إلا في بداية الشطر الثاني، لذا وجب الوقوف ليستوعب السامع ما يحكى له وبدون الالتزام بهذه القواعد (قواعد القراءة ) لا يمكن بأي وجه من الأوجه وضع القصيدة اللهم عند بعض المتمرسين والمتضلعين في هذا النوع من الأدب الحساني . وقد توزع هذا الفصل إلى خمسة مباحث وهي : الأول :أغراض الشعر الحساني من خلال تقديم أبيات مختلفة لأبرز الأغراض التي تطرق لها الشاعر الحساني وأبرزها النسيب، الفخر، المدح، الرثاء ،الهجاء ،الاعتذار، الوصف، الطبيعة ... الثاني: محسنات الشعر الحساني خاصة البديعية والبلاغية تدخل على الطلعة (القصيدة) أو البيت الشعري (الكاف) فتضفي عليه رونقا وجمالا قلما تجدها في باقي الأشعار الأخرى ويستعملها (لمغن) بدقة وحذر شديدين لكي لا يقع في المحظور من شوائب الشعر الحساني والمخلة بنظام وزنه وقواعده، وقد جرد الكاتب بعض هذه المحسنات معرفا بها ومقدما نماذج منها وهي :اللًفْ المُرَتًبْ وَالنًشْرْ ،اتْرَادِيفْ،اتْبَوْريدْ ،الجِنَاسْ ،اتْحَرْكِيزْ،الافلاق الثالث شوائب الشعر الحساني وجرد بعضا منها وهي اللٍيطَا ،الزًيْ ،اظْلاَعْ ،لَعْوَرْ،الْحَشْوْ، الرابع :الموسيقى والشعر الحساني فللشعر موسيقاه الخاصة به حيث قدم مختلف الأبحر والمراحل التي يمر منها الهول (الطرب) ومختلف مقامات انسجام بحور الشعر العربي وبحور الشعر الحساني . الخامس بنية الشعر الحساني انطلاقا من أنه شعر مبني على أسس وقواعد وركائز لا يمكن للشاعر الحساني أن يتجاهلها أو يغفل عنها بل لايمكن نظم (كاف)أو (طلعة) إلا بالمرور من مرحلتين وهما : المقصد وهو دافع شاعرية الشاعر ، والوزن الذي يخضع لمعايير ومتحركات حتمية إجبارية ليصوغ كلامه صياغة موزونة دقيقة ثم بعدها يخوض في محيط النظم . وانطلاقا من أن للشعر الحساني قوانينه التي تضبطه ،فقد قدم جردا وافيا لكل انواع الكيفان والمقامات والطلعات وبحور الشعر الحساني مقدما أمثلة منها وهي : * أنواع الكيفان وهي :الكافْ المُرَابَعْ ، الكافْ المُسَادسْ ، الكاف المُثَامَنْ الكاف المُعَاشَرْ الكَافْ لَحْمَرْ، كاف اَمْلَخْ * الطلعة و هي القصيدة باللغة العربية وهي مجموعة من الأشطر لها قاعدة خاصة بها كي تسمى طلعة ، وأنواعها الطلعة مُلاَتْ الكَافْ الطلعة العَاظً اسْبِيْبَها الطلعة المَجًرْدَة ،اطلع مَظًايْرَاتْ اعل كَافْ، الطلعة المَرْشُوشَ ،الطلعة المَرْفِيًة ، اتْهَيْدِينَ، الكَرْزَة، الطلعة الْكَحْلَ . * التًبْرَاعْ وهو الكلام الموزون تزنه النساء للتغزل بالرجال غزلا عفيفا ويتكون من شطرين فقط * لَبْتُوتَ ومفرده البت وهو البحر في الشعر العربي والبتوت هي التي تقيد الشاعر الحساني في إطارها ومنها : البَتْ لكْبِيرْ، البَتْ التًامْ، التًيْدُومْ، البَتْ الناقص، حَثْوا لْجَرَادْ ،اَحْوَيْوِيصْ بَتْ ثَلاَثَة بَتْ، اثنان، بَتْ واحد اسْغَيًرْ، امْرَيْميدَ بُوعَمْرَانْ لَبًيْرْ لَبْتَيْت وفي كل هذه الأوزان كان الشاعر يتوقف ليعطي أمثلة من الشعر الحساني ويشرحه الفصل الثالث من عيون الشعر الحساني وهو أضخم الفصول وامتد لأربعين صفحة ضمنها الكاتب شعرا كثيرا لمختلف الشعراء في مختلف الأغراض: المدح، الرثاء، الوصف، المساجلات، لَكْطَاعْ ..... الفصل الرابع قدم فيه بعض الأمثال الحسانية حيث شرحها بالتفصيل وباللغة العربية الفصحى وختم الكتاب ببيان أهمية وجود هذا الزخم الهائل من الأدب الشعبي والحساني وتفحصه ودراسته دراسة معمقة لفهم معانيه وأبعاده ومضامينه. واختتم الكتاب بملاحق بقاموس مصغر يحاول أن يبين ويشرح مختلف الكلمات الحسانية باللغة العربية الفصحى الواردة في الكتاب . وختاما يعتبر هذا الكتاب الذي يتوزع على 280 صفحة من الحجم المتوسط بمثابة دليل للباحث وتعريف له خاصة أنه يقر بالمعنى كلما كان الأمر ضروريا بالعربية الفصحى ،كما أنه حبذا لو تدارك ما لاحظه من أهمية تخصيص فصل لتراجم الشعراء مع إقرارنا بتغاضيه عن الأمر للحساسيات القبلية التي قد يسببها هذا الأمر من إحراج.