بدعم من وزارة الثقافة، نظمت جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة في إطار انفتاحها على الثقافة المغربية محاضرة ألقتها الدكتورة العالية ماء العينين محافظة المكتبة الوطنية بالدارالبيضاء ، والباحثة في الأدب الحساني .تحت عنوان " إبداع المرأة في الأدب الحساني " وذلك يوم السبت 12 يناير 2013 بقاعة العروض بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع خنيفرة . وقد قد افتتح الأستاذ جواد صابر الناشط الجمعوي ، هذا النشاط بكلمة أشار في بدايتها إلى أهمية الموضوع والسياق العام الذي جاء فيه ، كانفتاح لجمعية الأنصار على الثقافة الوطنية ، كما رحب بالأستاذة المحاضرة ، وعرف بمسارها العلمي والأدبي . مقدما أرضية عن الثقافة الحسانية باعتبارها واسطة العقد في العلاقة ما بين المغرب وجذوره الإفريقية ولأنها في حاجة إلى الجمع والتصنيف والبحث والتحقيق والدراسة .كما عرف بالأدب الحساني وطبيعته وأصنافه وضروبه المختلفة. وتساءل حول مساهمة المرأة الصحراوية وبصمتها الثقافية المحلية باعتبارها رافدا مهما للثقافة المغربية . بعد ذلك تناول الكلمة الأستاذ عبد العزيز ملوكي رئيس جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة ، وطلب من الحضور قراءة الفاتحة على أرواح شهداء الوطن من أجل الحرية والإستقلال، كما شكر الدكتورة العالية ماء العينين على تلبيتها للدعوة مشيرا إلى أهمية الموضوع ودلالاته العميقة في ربط جسور التواصل بين مختلف مكونات الثقافة المغربية الشفهية والمكتوبة . ولم تفته الإشارة إلى كون الجمعية منذ نشأتها لا تتوانى في السعي نحو الرقي بالثقافة والإبداع المغربي من خلال ما نظمته من أنشطة مختلفة ، كما أنها تفتح باستمرار أبوابها لكل المهووسين بالثقافة المغربية في لقاءاتها ومهرجاناتها الوطنية وأماسيها الشعرية والفنية والإبداعية وهي دوما منفتحة على محيطها الجغرافي المحلي والوطني . كما تقدم بالشكر لوزارة الثقافة المغربية وللمديرية الجهوية للثقافة، لجهة مكناس تافيلالت، على دعمهما المادي والمعنوي لأنشطة الجمعية ، وكذلك باقي شركاء الجمعية بالجهة والإقليم . وفي نهاية كلمته شكر رؤساء الجمعيات المحلية والوطنية وأعضائها الذين لبوا دعوة الحضور وتجشموا عناء السفر إلى خنيفرة : كالجمعية المغربية للغويين من الدارالبيضاء ، وجمعية الأفق التربوي من مكناس ، وجمعية تواصل بالفقيه بنصالح ، وجمعية جسور من الناظور ، كما شكر نادي الصحافة بمؤسسة محمد الخامس بخنيفرة ، والصحافة الاليكترونية والمكتوبة ،ومدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع خنيفرة الذي احتضن هذا النشاط الإشعاعي. وتمنى الشفاء العاجل للمبدعة ثريا جبران وزيرة الثقافة السابقة . بعد ذلك تناولت الأستاذة العالية ماء العينين الكلمة وهنأت الأمازيغيين وكل المغاربة بحلول السنة الجديدة ، وكذالك الأستاذ جواد صابر على تقديمه الرصين لأرضية المحاضرة وعلى اطلاعه بالثقافة الحسانية ومكوناتها ..كما شكرت جمعية الأنصار للثقافة على احتفائها وتكريمها لها ، مؤكدة أن مناطق الأطلس المتوسط أعطت أول درس للتاريخ باعتبار أن "خنيفرة " كانت مدينة النضال ولاتزال تناضل من أجل الثقافة والجمال والبنية التحتية مشيرة إلى صمودها الكبير . وفي سياق تقديمها لأرضية الموضوع " إبداع المرأة في الأدب الحساني " أشارت أنه لا يمكن الحديث في عجالة عنه من كل جوانبه وأنها ستركز على جانب واحد منه فقط ." شعر المرأة "التبراع " باعتباره شعر لا يقوله الرجال بل تقوله المرأة . كما ساقت مثالا عن شبيه له في الشعر المغربي " شعر نساء فاس "العروبيات " وهو الكتاب الذي جمع أشعاره الأستاذ محمد الفاسي ، وشعر " الليندي " عند البشتون . لقد أكدت المحاضرة أن شعر المرأة هو الشعر الذي يمتح منها لأنها شكلت رافده الأول عبر مختلف العصور مستشهدة بأمثلة عديدة من الشعر العربي في مختلف عصوره ، كما أشارت إلى العديد من الدراسات في هذا المجال منها دراسة للأستاذة رشيدة بنمسعود في إحالتها على وجود المرأة الشاعرة وارتباطها في البداية بشعر الرثاء " الخنساء ." وأسباب أخرى .معتبرة أن شعر المرأة عبر مختلف العصور اعتبر ظاهرة وله خصوصيته التي حفته بالصمت والكتمان في أوساط النساء المتحررات كالجواري اللائي كانت لهن حرية عاطفية لم يحض بها غيرهن قبل من النساء حسب ما ورد في الأغاني عند الأصفهاني منتقلة بسلاسة إلى الربط بين الشعر العربي ومقارنته بالشعر الحساني خصوصا شعر المرأة في الصحراء المغربية باعتبارها امرأة حرة تعبر عن نفسها . وقد تساءلت المحاضرة " كيف عبرت النساء قديما أو لاحقا عن موضوع " التبراع " في حياتهن ، خصوصا أن للمرأة طابعها المحلي ؟ لقد أبرزت المحاضرة أن موضوع "التبراع" في الشعر الحساني بانتمائه الجغرافي والإثني للقبائل الصنهاجية ، يمثل الجانب الشفوي كما هو الأمر في الشعر الأمازيغي بخلاف الشعر الفصيح لارتباطه بخصوصية الإنسان والمرأة بشكل خاص ، وقد قدمت العديد من المفاهيم والمصطلحات الخاصة به : كالغنا ، المغني ، مشيرة إلى أصغر وحدة فيه " الكاف " التي يقابلها القاف ،وتفلوين ( الشطر ) .ونظام البيت الخاص به ، والطلعة ، والتهيدينة ( الكرزة) وخصوصيات كل منها .... وفي الجزء الثاني من محاضرتها أكدت الأستاذة العالية ماء العينين أن لكل منطقة في الصحراء خصوصيتها ومميزاتها و"غناها"شعرها حسب الانتماء القبائلي أو المجالي ، ..حسان : اعتمدت الشعر الفصيح ، الزوايا : الشعر العالم ، والمناطق الأخرى " التبراع" ..فالمرأة ارتبطت ببيئتها وطبقتها وطابعها المحلي ، ويسري عليها ما يسري على الرجال في مجتمعها. وقد قدمت شهادات كثيرة وأمثلة بخصوص هذا الموضوع منها "النساء عمائم الأجواد،ونعال الأنذال " كما قدمت شهادة " لكتاب ورحالة أجانب "كإميل كوز وغيرهم ، تحدثوا فيها عن خصوصيات التربية ، والزواج وأسلوب العيش "يقول إميل كوز " أن الرحل رغم بربريتهم وقسوتهم ينقلبون داخل خيامهم إلى الرحمة ..لأنهم يعيشون مع نساء يتقاسمون معهن الحياة ومتاعبها وأعمالها .لذلك فالنساء مساويات لهم " . كما ركزت على إشارات للمختار السوسي في كتابة المعسول . وفي تناولها للجذر اللغوي لكلمة " التبراع " باعتبارها مكونا لغويا متقاسما مع موريتانيا وإحالاتها المعجمية بالإشارة إلى أحمد بابا مسكة الذي يعتبر أول من أخرج "التبراع" من الشفوي إلى التدوين " الكتابة " وعرفه كقصيدة من شطرين ، وهي قصائد كانت الفتيات تعبر بها عن أحاسيسهن بعيدا عن " الغرد " . وتساءلت المحاضرة عن المواضيع التي تمت إثارتها من طرف النساء والتي شكلت صلب مضامين البوح في " التبراع " منها الحالات االعاطفية الأقرب إلى العذرية ، كنوع من حوار مع الذات ( الوصال ، الاعتراف ...)تقول شاذرة : "وانا فؤاده صاليل شيء ما هو عادي والبانو دعام تعلمو معنى الغرام " كما أشارت إلى تكرار بعض المعاني في شعر التبراع : ك" السقم المحيل على الحب " " السقم الماكني عايني وازدف واقتلني " ""السقم الماكني ما مشاني ولا سكني لقد أكدت المحاضرة على هذه العاطفة وشدة الحب الذي يأخذ فيه الحبيب مكان خطاب مستثير وليس صريح أو واضح باعتباره خطاب تسكنه الدهشة في علاقة المبدعة مع ذاتها ،مضيفة مفاهيم أخرى : كالليعة ، البال ، الطيف ، والتبريعة عندما تتجاوز فيها الشاعرة الحدود .كذلك تقول: " ومنين نصلي يحجل لي ونعلم مولي " بمعنى : عندما أصلي أتذكره فأعيد الصلاة " فقائلة التبراع هي امرأة مجهولة، ما يجعل هذا الشعر تراثا إنسانيا تم تناقله شفويا عبر أجيال من طرف أشخاص مجهولين .وهو نوع من الثورة على التقاليد والعادات في إشارة إلى معاناة مبدعاته من خلال إدخال لهجات ولغات أخرى أبرزت جرأة المرأة الحسانية التي تجاوزت في شعرها ما هو حسي وجسدي .كما أشارت إلى أهم لحظات "التبراع" كالبكاء على الرحيل تقول " ليلة وداعو قلبي ولساني ماداعو " كما ركزت على بعض مفاهيمه ودلالاته في اللغة الحسانية في شعر التبراع باعتبارها لغة طاغية في الحب مشيرة إلى مفهوم " الشيطان " في وصفها للجمال كما جاء على لسان إحدى المتبرعات "عندو وشيمة باني فيها إبليس خويمة " فإبليس إشارة إلى الجمال وتقصد به الجمال الروحي . وقد ساقت المحاضرة في هذا الصدد العديد من النماذج والإشارات الدالة اجتماعيا ونفسيا التي تمكن المرأة من الإقناع وإبراز مكانتها القوية في مجتمعها . فقصيدة "التبراع" عموما هي قصيدة تبدأ بلاإله إلا الله ، وتنتهي بالاستغفار . كما ربطت الباحثة بينها وبين أجناس أدبية أخرى ك "الق الق جدا " في ومضها وخصائصها البنائية والمعمارية ك ( الكثافة، الإضمار، الحذف ...) وتضمينها لحقول معجمية ومعرفية وأمثال شعبية وقرآن وحديث وأمازيغية وفرنسية مع ذكر أسماء بعض الأماكن والأعلام ..ما يبرز أن الصورة الشعرية في التبراع هي صورة استعارية بالدرجة الأولى ومجازية كذلك كما أنها تامة التخييل والتصريح . مثال :" إذا مات حبيبي لا كون كفنه هكذا نكون الرماد معا " كما تمت الإشارة إلى أشكال أخرى من التبراع حيت يندمج في أبيات قصائده العديد من المصطلحات المعاصرة بلهجات ولغات أخرى : كتشلحيت والفرنسية .... بعد ذلك فتح باب المناقشة والتدخلات التي أبرزت فهما عميقا ومعرفة لفن التبراع في الشعر الحساني . وفي اختتام الأمسية قدمت جمعية الأنصار للثقافة شهادة تذكارية بالمناسبة وهديا رمزية امتنانا وتقديرا للمحاضرة كما تم تقديم شهادة تقديرية لنادي الصحافة بثانوية محمد الخامس امتنانا وشكرا على ما يقدمه النادي في شخص رئيسه الأستاذ محمد أباحسين من خدمات جليلة للثقافة بالمدينة، ليسدل الستار على هذا النشاط الاستثنائي بأخذ صور جماعية تذكارية للحضور الكريم مع الدكتورة العالية ماء العينين . حميد ركاطة