يشير المؤلف في مقدمة كتابه لأهمية الأدب الحساني من حيث كونه موضوعا علميا أهم، إن لم يكن علما قائما بذاته، لأن من ينظر لهذا الجانب بالعين الفاحصة - إن على مستوى الموسيقى أو على مستوى الشعر - يجد فيه من المقومات الموضوعية والمقولات الوضعية والمنهجية والقواعد النظرية والتطبيقية والاستثناءات التي تزكي هذه القواعد ما يجعل هذا الأدب أكثر بكثير من أن يكون مجرد قطع فنية أو وحدات جمالية جاءت نتيجة صدف حميدة، أو وليدة لحظات إلهام عابرة أو لاواعية. ورغم أن عنوان الكتاب يتحدث عن الأدب الحساني فقد حصره المؤلف في الشعر الحساني والموسيقى الحسانية، حيث أبرز أن كلاهما يتوفر على مقومات وضوابط كثيرة تجعله قابلا للتحليل العلمي والتقويم الموضوعي من حيث الشكل على المستوى التركيبي، ومن حيث المضمون على المستوى الصوتي والإيقاعي. كما بين أن الشعر الحساني يتوفر على بحور وعروض ومقاطع وثيقة العلاقات فيما بينها، ولكل من هذه البحور عللها وزحافاتها التي تلحق بها ومحسناتها اللفظية والمعنوية التي تزينها، كما أن لها نواقص وشوائب قد تعتريها تماما مثل الشعر العربي. وحول طبيعة الكتاب يؤكد ذ نجاح أنه لا يهدف إلى إثبات الطبيعة العلمية الملموسة للأدب الحساني، لأن ذلك من اختصاص علماء اللسانيات ،بل هو دراسة وصفية تحليلية تهدف لشرح أسس هذا الأدب في حالته الراهنة وتثبيت مبادئه، واستعراض خصائصه الكبرى لتمكين القارئ من الاطلاع عليه واستيعاب بعض مفاهيمه ومصطلحاته بطريقة سهلة ومتدرجة. أما من الناحية المنهجية المتبعة لتوثيق وتعريف الشعر الحساني، فقد ركز الكاتب على منهجية متسقة تعتمد التحليل والمناقشة بدل الاكتفاء بالعرض الجاف وتقنية دراسة الحالة (باعتبار الحالة هنا قطعة موسيقية بكثافة معينة، أو نصا شعريا بطول معين)، وعلى التجلي الكلي لتلك الحالة عن طريق فهم وتحليل ومناقشة الأجزاء المكونة لها قبل إعادة تركيب هذه الأجزاء وتقويمها في إطار مضمونها الأصلي. ولتسهيل استيعاب الموضوع من طرف المتلقي المفترض أن يكون من مشارب ثقافية معينة،وعلى مستويات مختلفة من الاستيعاب، فقد قدم الباحث أكثر من أربعين تعريفا مختصرا بعيدا عن التعريف التاريخي أو الطبقي الاجتماعي أهمها : * الهول :مصطلح بمثابة مظلة تجمع بين العزف وموسيقاه والشعر وطريقة إلقائه وهو ينقسم إلى أزوان(وهو موسيقى مجتمع البيضان أي المجتمع الناطق بالحسانية) و لغْنَ. * أزوان: يقصد به موسيقى مجتمع البيضان أي المجتمع الناطق بالحسانية وبالضبط ما يعزف من هذه الموسيقى على واحدة أو أكثر من الآلات المعروفة في المجتمع (تيدينيت ،كتار ،طبل وما إلى ذلك)فهو إبداع ينجز باليد على مستوى الأنامل أو الكف أو هما معا . * لغْنَ:لايقابل كلمة غناء في العربية الفصحى بل يعني الكلام الشعبي المنظوم بالحسانية في أحد الأوزان الشعرية المعروفة والمضبوطة سلفا، فهو ملكة أو فن التعبير عن الأحاسيس والآراء والمشاعر بعبارات تنتمي للقاموس الحساني، وتتوفر فيها مجموعة من الخصائص الفنية واللغوية والتقنية التي تميزها عن الكلام المنثور. ويتكون لغْنَ من البت ،تافلويت، الكاف، الطلعة ،الصبة، الكرزة، التهدينة، اكلال ..... * التبراع :أو التبريعة وهو لون خاص بالنساء تعبرن به عما يخالج أنفسهن من أحاسيس وأشواق . * لكطاع : يختص بالسجالات والمبارزات الأدبية بين لمغنيين وله ضوابط أخلاقية وأدبية ومحددات وزنية يلعب المتلقي دورا مهما في تقويم نتيجة لكطاع كاحترام البيت ووحدة الموضوع ومراعاة محاسن لغْنَ وتجنب عيوبه المعروفة. وقد اعتمد الكاتب في تناول لغْنَ على المحفوظ في الذاكرة والمدون لديه ولدى الرواة من أشعار خالدة، كما حرص على أن تكون النصوص المختارة دقيقة وتمثيلية إن وجدت من حيث انتمائها لوزن شعري محدد أو تناولها لغرض شعري معين، متجنبا الخوض في الحديث عن الشعراء.كما أبرز فنون وأغراض وعناصر وأنواع وأشكال وتقنيات وعيوب لغْنَ. أما أزوان فقد تطرق الكاتب لمكوناته ولبحوره الشعرية، وأقسامه التي حددها في :لدخولات،ولشوار الكحل،لشوار لبيظ،لرخاو ...وما يتدرج تحته كالتبرميمة، والزاوكة، إضافة إلى الكاف والطلعة والصبة والكرزة والتهيدينة وآكلال والمقطع والمتحرك والساكن والكدع والسرم ولحراش ولملاس وبوسوير والتبريعة لكطاع والتفلوي والتعركيب والظيار والشكر والشمت والحكاية والنم ولعبار والزركة ولبتوتة ولبتيت والزريكة والكدع والمطرزح..... كما تعامل معه تعامل نظريا بسبب غياب العناصر البشرية واللوجيستيكية التي تسمح بمقارنته مقاربة تفاعلية أو تجريبية، وتبسيط مختلف مفاهيمه والعلاقات التراتبية التي تحكم مختلف عناصره بتمثيله على شكل خطاطات تشخيصية أو في جداول تلخيصية أملا في إبعاد هالة الغموض والصعوبة التي تقترن به خطأ. ومما يضفي قيمة علمية لهذا المؤلف الصادر سنة 2007 والممتد على 240 صفحة من الحجم المتوسط صفحة مايلي : 1. استعانة الكاتب بجداول توضيحية وخطاطات متنوعة لتأكيد النظري وربطه بالتطبيقي 2. تضمين الكتاب لتمارين تفاعلية للمتلقي.وهذه سابقة في الكتب الموثقة للشعر الحساني. 3. جرد قصائد في مختلف الأوزان مع تسجيل ملاحظة أن أغلب القصائد كثيرا ماخضع أصحابها لهاجس الوزن والقافية، مما اضطرهم للتضحية بترتيب الظهر أو البحور.كما أن الكيفان الشواهد الذي وضعها أصحابها ليست لغرض إبداعي أو جمالي (وبالتالي لا يجوز تقويمها كذلك)،وإنما الهدف منها تعليمي وتوضيحي صرف يروم تسهيل مهمة القارئ في استيعاب رنة ونغمة البت وتذكر البعض من محددات وزنه . 4. ملاحق غنية جدا تتضمن نصوصا تناقش موضوع أزوان لغْنَ ونصوص تمثل بتوتات مختلفة. 5. نصوص وكيفان مختارة تمثل نصف الكتاب وتعالج أغراض مختلفة . وعموما، فالكتاب وكما أكد على ذلك ذ لحبيب عيديد في تقديمه يعد مرجعا هاما يحدد المبادئ الأساسية لفهم ضوابط الهول معتمدا على المنهجية المتسقة وعلى التحليل والمناقشة بدل الاكتفاء بالعرض، حيث يقيم الحجة على التعاريف والآراء التي يقدمها بطريقة متدرجة ومنطقية ،كما أنه حرص على الاستشهاد قدر الإمكان بالنصوص الشعرية والوصلات الموسيقية المسموعة لتبليغ المضامين التي رأى أنها تحتاج إلى مزيد من الاستدلال.