استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا            تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    هجوم ماغديبورغ.. الشرطة الألمانية تُعلن توجيه تهم ثقيلة للمشتبه به    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    الشيلي ترغب في تعزيز علاقاتها مع المغرب في ميدان البحث العلمي    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصيدة خارج الورقة
التواصل الشعري بين المعنى والوسيط (*)
نشر في العلم يوم 21 - 02 - 2013


1. توطئة
مثل الخطاب الشعري، على مدار فترات تاريخية متعاقبة، محورا خصبا للتحليل والمقاربة في مجال الدراسات الإنسانية والمعرفية مما أتاح نوعا من الثراء والتعدد المنهجي الرافض لهيمنة التخصص الواحد المنغلق والمنفتح على تخصصات علمية وفكرية متنوعة: الفلسفة وعلم النفس واللسانيات والسيميائيات وتحليل الخطاب والعلم المعرفي وغيرها. ويمكن القول إن هذا المحور الخصب احتل موقعا أساسيا في البحث الأدبي والإبداعي، كما في البحث المعرفي والعلمي حيث شكل المدخل الواسع لمعالجة قضايا كثيرة تهم طبيعة الذات الإنسانية وكيفية اشتغال أنساق التفكير وطرق تشييد التمثلات الذهنية عن الأزمنة والمجتمعات. ومن بين القضايا التي استأثرت باهتمام بالغ، في هذا الصدد، قضية الحداثة الشعرية وما تطرحه من أسئلة جوهرية تلامس العلاقة الكائنة والممكنة بين الخطاب الشعري والحداثة بوصفها طريقة تفكير ونمط تحليل وأسلوب حياة (كيرني.1999.Kearney). وقد اعتنت الدراسات المقاربة للحداثة في المنجزات الشعرية، على وجه الخصوص، باستكشاف الملامح الحداثية في الخطاب الشعري من خلال تتبع مسار الممارسة الشعرية وتشكل التجارب و التراكمات الإبداعية. ولذلك، لم يتوقف الكشف عن البعد الحداثي للشعر عند النصوص الشعرية وتحققاتها التعبيرية (المعجم الشعري، بنيات التركيب، أشكال التأليف، مستويات الإيقاع، ...)، بل هم الأبعاد المعرفية للإبداع الشعري بما يجعل من الطرق الكتابية والصيغ الفنية والأنماط التجريبية عناصر قادرة على ترجمة البنيات العميقة للتوليد والتصوير الشعريين (رمزية الوحدات الشعرية، طبيعة البناء الاستعاري، مؤشرات السياق المعرفي، مستويات التخييل الشعري، ...).
بناء على ذلك، تندرج مقاربة إشكال الحداثة الشعرية ضمن المجال المعرفي الذي ينظر إلى الشعر في نسقيته العامة التي تتجاوز النص إلى مستوى الخطاب حيث لا ينحصر الفعل الحداثي الشعري في المحددات اللسانية وإن كانت الحداثة تختص بعنايتها المتميزة باللغة وبإمكاناتها وحدودها التعبيرية والإبداعية (ماتار.2006.Matar). ومن ثمة، يمتد الفعل الشعري ليمنح للإبداع الإنساني بعدا سيميائيا تداوليا يعزز النص بالخطاب ويدعم اللغة بالمعرفة ويقوي التمثيل بالتخييل مع إسناد دور حيوي للسياق الشعري الذي يؤطر البنيات الشعرية ضمن الأنساق التواصلية المولدة بالشعر وعبر الشعر. ها هنا، يتعين النظر إلى الخطاب الشعري بوصفه منجزا إبداعيا متصلا بمسار تواصلي خاص يتفاعل الشاعر مع مؤثراته المختلفة وأشكاله المتباينة. وقد ارتأينا أن نتوقف في هذه الدراسة المتواضعة عند شكل متميز من أشكال التواصل المعاصرة متمثلا في التواصل الافتراضي بفعل مساهمته الفعلية في تعزيز ملامح الحداثة الشعرية في الخطاب الإبداعي العربي من خلال الانفتاح على إمكانات الفضاء الرقمي لضمان التفاعلية اللازمة للتعبير الشعري.
2. الخطاب الشعري ووسائط التواصل
في العقود الأخيرة، خضعت الممارسة الأدبية الشعرية في العالم العربي لتحولات هامة تجلت أساسا في رفع معيقات التداول أمام الإنتاجات الإبداعية، حيث ساهم الوسيط الافتراضي في وتوسيع مساحات تلقي القصيدة العربية. وهكذا، دفعت الوسائط التواصلية الجديدة بالنص الشعري العربي نحو أفق قرائي أكثر رحابة إذ استطاع، في الزمن الرقمي، القفز على الحدود الجغرافية العقيمة التي تحكمت في تضييق الخناق على التوزيع الحر للكتاب الأدبي والديوان الشعري. وقد شكل هذا الانتقال من الزمن الورقي إلى الزمن الرقمي فرصة متميزة للقارئ العربي من أجل التعرف على الممارسات الشعرية المحلية المتباينة وتتبع الإنجازات والتجارب الإبداعية العربية المختلفة (1). إن الانتقال من الزمن الورقي إلى الزمن الرقمي، وإن لم يأخذ طابع القطيعة، أعاد سؤال العلاقة بين التواصل والشعر إلى الواجهة إذ برهن بشكل ملموس الأثر الكبير للوسيط التواصلي الجديد في التفاعل المباشر مع الإبداع الشعري والإحساس العميق بالقضايا الشعرية في أبعادها التعبيرية والتخييلية. إنه التفاعل المباشر القائم، في حالات نصية كثيرة، على ثلاثية «الخطي السمعي البصري» حيث الإدراك الجمالي للشكل الشعري (حالة القصيدة الخطية) والإنصات الحي للشاعر (حالة القصيدة الصوتية) والمعاينة الآنية للإنشاد الشعري (حالة القصيدة السمعية البصرية) (2).
لقد استفاد الديوان الشعري الجزائري بدوره من الإمكانات المهمة التي أتاحتها التحولات الرقمية إذ تعرض العديد من الصفحات والمواقع الإلكترونية على القراء المبحرين نصوصا متنوعة من الشعر الجزائري باتجاهاته المتعددة وحساسياته المختلفة. وعلاوة على ذلك، أدت الوسائط الجديدة للتواصل إلى إعادة النظر في الإبداع العربي الذي ظل لفترات طويلة حبيس رؤية مركزية تجعل من تجربة معينة نقطة المركز لا يستقيم الإبداع إلا بها، وتجعل من تجارب أخرى هوامش ومناطق ربضية لا صلة لها بالإبداع إطلاقا. وهكذا، أبرزت المنجزات الشعرية المبثوثة عبر الوسيط الرقمي أن الإبداع الشعري الرفيع ينبعث أيضا من فضاء الجزائر ومن ثقافته كما ينبعث من ثقافات إنسانية عربية أخرى لها خصوصيتها وتميزها التعبيري والتخييلي. وسنسعى، في هذا المقام، إلى بسط الحديث عن تجليات الحداثة في الشعر الجزائري المعاصر من خلال وصف العلاقات الظاهرة والمضمرة بين الشعري والتواصلي. على أن الأهم، في هذا الإطار، يتجلى في اتخاذ القصيدة الجزائرية المعاصرة منطلقا نصيا لاستعراض قضايا جوهرية تتصل اتصالا وثيقا بنسق التواصل الشعريPoetic communication system ، سواء في ما يتعلق بطرق انبثاق الإبداع الشعري والآليات المعرفية للتوليد الشعري، أو في ما يتعلق بكيفية تشييد الشاعر لمنجزه الرمزي ومدى إسهام المجال التواصلي عامة والفضاء الرقمي خاصة في تحقيق أسمى درجات التلقي التفاعلي.
3. عن نسق التواصل الشعري
إن المنجز الشعري ليس فحسب بنيات إيقاعية ولسانية مضمنة في تركيب شعري متماسك البنية وفي نسيج نصي محكم الصنعة، ولكنه في واقع الأمر تمثيل ذهني إبداعي عن مدركات الذات الشاعرة في تفاعلها مع وجودها الخاص ومع وحدات اللغة ووقائع العالم. وعليه، يخضع النسق الشعري في اشتغاله اللغوي والتخييلي على مبدأ التفاعل بمستوياته المتعددة التي تضمن للنص الشعري بعده التواصلي الخاص وتجعل من القصيدة صوتا تداوليا للشاعر في سياق تخاطبي وثقافي محدد. ويمكن القول، من هذا المنطلق، بأن مركبات الخطاب الشعري تعد بحق فضاءات استعارية حركية ومتجددة تنتج عن نمطين من التفاعل الشعري Poetic interaction: تفاعل كلي وتفاعل محلي. فالتفاعل الكلي يتحدد في مجمل العلاقات العميقة الواصلة بين الشاعر واللغة والعالم (التفاعل الموسع) وفي مختلف أشكال التناظر بين الشاعر والمتلقي (التفاعل وجها لوجه) وفي سريان العلاقة بين الشاعر والعالم في علاقة العالم بالمتلقي (التفاعل الممتد) (3). أما التفاعل المحلي، فيتمثل في أشكال التركيب المتعلقة بمكونات البناء الشعري نفسها (التفاعل اللغوي) وفي صيغ التأليف بين البنيات الشعرية في بعدها الاستعاري (التفاعل الرمزي) وفي طرق تشكيل الوحدات النصية للفضاءات التصويرية داخل القصيدة الشعرية (التفاعل الذهني).
وعلاوة على ذلك، سبق أن أبرزنا (العاقد. 2006) أن اشتغال نسق التواصل الشعري يتولد عن صعيدين متكاملتين: صعيد دلالي داخلي يرتبط بكيفية إعمال المهارات والكفاءات الذهنية في توليد المعنى الشعري وانبثاق البنيات التصويرية للنص الشعري (آلية الاندماج التصوري Conceptual blending)، وصعيد تداولي خارجي يتعلق بالسياق المعمم للنص الشعري وبعده التواصلي الذي يتيح للقصيدة الامتداد خارج النص وبالتالي التأشير على معان إبداعية جديدة تتصل بالخطاب. وعليه، سنقارب الصعيدين معا في قراءة نموذج متميز من الشعر الجزائري المعاصر يتمثل في قصيدة «وديع» للشاعر المبدع بوزيد حرز الله. وتجدر الإشارة إلى أن القصيدة المنتقاة منشورة ضمن فقرة «عربة النار» في الموقع الإلكتروني «جهة الشعر» الذي يشرف عليه الشاعر البحريني قاسم حداد.
وتتميز الصفحة الرقمية الخاصة بالنص الشعري «وديع» بوجود مكونات بصرية موازية للبنية النصية الخطية تعتبر بمثابة وحدات سيميائية ذات بعد دلالي يساعد المبحر (القارئ / المشاهد) في إدراك المعنى الكلي للقصيدة. وتتجلى هذه المكونات البصرية الموازية في تثبيت صورة الشاعر «بوزيد حرزالله» محركا يديه بما يؤشر على بعد سيمائي حركي يقرن حضور الشاعر بفعل الكلام (التقاط صورة للشاعر لحظة التحدث) ويقيد المبحر (القارئ / المشاهد) في الربط الإحالي بين الاسم والمسمى، أي بين الشاعر وصورته الفوتوغرافية. كما تتجلى في العتبة الدلالية المتمثلة في إهداء الشاعر القصيدة إلى ابنه الذي يحمل اسم «وديع» والذي يشكل في نفس الآن عنوان القصيدة مما يؤشر على أن هذه الوحدة الشعرية تتصل اتصالا حميميا خاصا بالشاعر يترجم علاقة الأب بابنه: الابن الطبيعي (وديع) والابن الرمزي (النص الشعري).
ولعل أهم ما نستخلصه من هذه الملاحظات الأولية أن الوحدة الشعرية «وديع» تتجاوز كونها مدخلا معجميا ولغويا صرفا لتحتل موقعا حاسما في تصدير النص الشعري سواء من حيث تكثيف الدلالات الرمزية التي تحفل بها مختلف المقاطع الشعرية أو من حيث المساهمة في توجيه وتأطير التأويلات التي يمكن للمتلقي تشييدها أثناء عملية قراءة القصيدة. ومن ثمة، يتبين أن المكون المعجمي في النص الشعري يقتضي التوسل بالجهاز التصوري المعرفي الكفيل وصفيا بالكشف عن الاشتغال المعقد والمتعدد المستويات بدء من الوحدة المصغرة (الكلمة الشعري) ووصولا إلى الوحدة المكبرة (النص الشعري).
4. النحو المعرفي
في الخطاب الشعري
تستلزم المقاربة المعرفية للنسق التواصلي المتعلق بالخطاب الشعري استيعاب أهمية الأبعاد المعرفية انطلاقا من المستوى المصغر للنص الشعري، أي مستوى المعجم الذي ينهض الشاعر بإعماله واستثماره في عمليات التأليف الشعري. والمعجم الشعري في هذا السياق معجم معرفي ذهني يفيد بأن البنيات اللغوية النحوية في القصيدة توازيها بالضرورة بنيات تخييلية على الصعيد التصوري مما يعني أن العناصر اللسانية اللفظية تشكل مداخل معرفية تصورية منبثقة عن التفاعل العميق بين الذهن والذاكرة والتخييل. يقول المبدع بوزيد حرز الله في «وديع»:
«لوديع سرُّ اللفحة الأولى لألسنة اللهيب
أراه يفرغ ليله في رشفة من كأسه
ويدق ناقوس الغواية ضاربا في المستحيلْ
فيعيد لي الزمن الجميلْ.
بوديع تبتدئ الحكاية
والنهاية
والتفاصيل الصغيرة
والمثيرة في احتمالات الوصولْ.
وله التشكّل والغياب
له المثولْ.»
إن الفضاء الشعري Poetic space الذي تشيده الوحدة الشعرية «وديع» على المستوى المعرفي تتأسس على فعل التذكر في استرجاع الماضي واستعادة الزمن الجميل من خلال استثمار قوة الذاكرة الشعرية، لا الواقعية، في إعادة رسم مسارات الحكاية الاستعارية للشاعر مع ابنه (على سبيل التمثيل: رؤيته وهو يفرغ ليله في رشفة من كأسه، يمتلك الغياب كما يمتلك المثول). يتعلق الأمر، إذن، بلغة المعرفيين(راكوفا.2006.Rakova) بالذاكرة الذاتية القائمة على الوعي الذاتي والمتعلقة باللغة المنفتحة على الإيحاءات البليغة ضمن تصورات ذهنية مولدة لفضاءات شعرية معبرة.
وتأكيدا لذلك، تمتاز البنيات الشعرية في قصيدة «وديع» بنوع من التأليف الشعري الخاص الذي يتجاوز حدود المعجم ليمتد إلى المعرفة مما يتطلب تحريك نوع من «النحو المعرفي» للقبض على الآليات المتحكمة في الاشتقاق الشعري (المتحقق عبر مزج اللغوي والتصوري) الذي تعززه المسارات المتعددة للتواصل الشعري (4). ويقوم التأليف الشعري في القصيدة على تنظيم خاص للصيغ المترادفة والبنيات المتصلة من خلال ما توحي به الوحدة الشعرية «وديع» في لغة وتصور الشاعر، ذلكم ما يبرزه مطلع القصيدة:
«لوديع
ما في رجفة الجفن المشرّد بالسؤالات السخية
بالذهول
وبالهطولِ.
له المسافة والضباب
النور
والفيء الرحيم
له الصبايا الحور
والأنهار تجري خلفها الجنّات والآيات والآتي
له سرّ النّدى للفجر
صمت غمامة عبرت سواحله المشيرة للبعيدْ.
لوديع ينهمر النّشيدْ.»
بهذا الشكل الإبداعي ينبثق الفضاء الذهني المؤسس على البؤرة الشعرية «وديع» حيث التحول من المعطى الإسمي الدال من حيث المعنى والمرجع ومن حيث الدلالة الرمزية والإحالة السياقية التواصلية إلى المعطى المعرفي العام المؤشر على الأزمنة والأمكنة والأحاسيس والتمثلات الشعرية المختلفة (شابرمان وروتلدج.2009.Chapman & Routledge). هكذا، يترسخ البعد التداولي في الخطاب الشعري ليمنح للمكون التعبيري اللفظي في القصيدة امتدادا تصويريا وإبداعيا خاصا يتمخض عن العلاقات التفاعلية العميقة الوثيقة بين الثلاثية المحفزة للشاعر: الذات واللغة والعالم.
بالإضافة إلى ما سبق، يتجلى البعد المعرفي لقصيدة «وديع» في طبيعة البناء الاستعاري للنص الشعري والذي ينزل البؤرة الشعرية منزلة النقطة المركزية في كون الشاعر والمحدد الجوهري لوجوده المعنوي (الابن الرمزي: القصيدة) بعد وجوده المادي (الابن الطبيعي: وديع). ويتمثل التشييد الاستعاري في العديد من التراكيب الشعرية وأقواها تعبيرا وتمثيلا: «الأنهار التي تجري خلفها الجنّات والآيات والآتي» مع التركيز على الوحدة الشعرية «الآتي» متصلة بصيغة الفعل المضارع «تجري». وبالمماثلة، يتوسل التوليد الشعري بالصياغة الاستعارية حيث الماء الذي يعزف لحنه كما ورد في البنية التالية:
«له ارتعاشات الحصى
والماء يعزف لحنه
وله الشّموس تلفّه
وله الشروق
له المغيبُ.»
فالإبداع الشعري، في تجلياته المكتملة، ينبثق عن الآليات الذهنية للتشكيل الاستعاري بما يمكن من إنجاز عمليات معرفية نوعية تتمثل أساسا في إخراج معان شعرية جديدة لم يسبق إنجازها، أو لنقل باللغة البلاغية للجرجاني (في إعجازه): إيجاد ما لم يوجد من قبل في اللغة كما في التمثل، وباللغة الفلسفية للكندي (في رسالته حول الرسوم والحدود): إبداع وإظهار شيء عن ليس لا عن أيس، أي عن العدم لا عن الوجود. والمنبثق الجديد في النص الشعري ? لا سبيل الحصر، إنما على سبيل المثال ? الحالات الشعرية ذات التمثيل الذهني Mental representation المتميز: الجلوس في كتاب العاشقات والقصيدة التي تمشي فوق أطراف الشاعر:
«ووديع مثل الله
يجلس في كتاب العاشقات
ومثل طفل حين تلصق فوق خديه الصبية قبلة خجلى
ومثل قصيدة تمشي على أطراف شاعرها
وتطلق شعرها للريح
تطفئه على أحزان نردِ.»
وعلى الجملة، يمكن التصريح بأن التشييد الاستعاري للنص الشعري المؤسس على النظم اللساني والمعرفة التصويرية يخضع لتنظيم ذهني ذي حمولة تخييلية قوية مفادها أن «وديع» مركز كون الشاعر والمحور المعرفي الذي لا يتحقق ولا يستقيم الفضاء الشعري إلا به: له الشموس تلفه وله الشروق وله المغيب وله سر اللفحة الأولى لألسنة اللهيب وبه تبتدئ الحكاية والنهاية والتفاصيل الصغيرة، بل الأكثر من ذلك كله: له القصيدة.
5. الخطاب الشعري: من التفاعل
النصي إلى التفاعل الافتراضي
إن تشييد الخطاب الشعري على أساس معرفي ذي صبغة استعارية تصويرية تنتج عن طبيعة التفاعلات التي ينسجها الشاعر في علاقته بالكلمات والأشياء ويترجمها ترجمة إبداعية تروم تبليغ نفس الإحساس التفاعلي إلى المتلقى. ومن ضمن ما يهدف الشاعر إلى إيصاله ما أشرنا إليه سابقا من أنه يعمد إلى تجسيد نوع من التفاعل الرمزي بين الوحدة المعرفية «وديع» وبين ذاته المبدعة بشكل يخلق بالإضافة إلى الارتباط المادي الطبيعي ارتباطا رمزيا يقوم على علاقات تواصلية قوية:
«لوديع أجنحة الذهول
له القصيدة من رذاذ العمر.. من حُمّى صهيلي
لوديع أسراب الغوايات الشهية في حلولي.
لوديع ما يكفي من الأنواء
كي تُروى حقولي.»
غير أن التعامل مع النص الشعري بوصفه خطابا وسائطيا، أي الإنتاج النصي الخاضع من جديد للإنجاز الرقمي لكونه يكون موضوع بث تقني عبر وسيط افتراضي، يضاعف من درجة التفاعلية الممكنة بين الشاعر ومتلقيه ويدفع بها إلى أقصى مستويات التحقق الفعلي. وفي هذا الصدد، يمكن أن نشير إلى أن التطابق بين ما توحي به اللغة الشعرية وما يتمثله المتلقي عبر الحاسوب قد يحصل تحصيلا تاما وكليا إذ تتجسد الدلالة الاستعارية من خلال ضمير المتكلم في لحظة القراءة ذاتها كما في التعبير الشعري بضمير المتكلم (أقول، أخفيه):
«يا أنت يا طفلي المعاندَ والمكابدَ
لم تزل في صمتك المجروح منّي
لو تريد أقول ما أخفيه لن تدع الحياة تمرّ
سوف تريقها مثلي
وتغفر للواتي والذين تآمروا ضدّ السلام.ْ
فإليك منّي ما يجلّ عن الكلامْ.
هل يا وديع ستجمع الأشلاء مني حين تعبر فوق قبري
أم ستعبر
في كلام العاشقات
وفي تفاصيل الحكايا دون قصد.»
والأهم في هذا التطابق بين رؤية الشاعر ووجهة نظر المتلقي المبحر هو القدرة على تحويل كثافة التواصل الداخلي بين الشاعر وعوالمه كما يتحقق نصيا في التعابير الشعرية اللسانية إلى محفز على تقوية التواصل الخارجي بين الشاعر والمتلقي من جهة وبين المتلقي وعوالم الشاعر من جهة ثانية. ويبدو من المقطع الشعري السابق أن نمط التواصل الداخلي المجسد في بنية التخاطب يتجلى من خلال المؤشرات اللغوية المتمثلة في صيغة النداء وضمير المخاطب (يا أنت يا طفلي، صمتك، إليك مني، يا وديع، مني). وعلى هذه الجديلة، كلما كان النص الشعري مؤثثا ببنيات تواصلية داخلية تبلور بشكل فني التخاطب بين الشاعر وما يحيط به لحظة توليد التعابير الشعرية، كلما استطاع التأثير في نفس المتلقي المبحر الذي بتلفظه للوحدات التخاطبية الشعرية يتقمص ذات الشاعر وبالتالي يجرد من ذاته ذاتا شاعرة. إنها الحالة الذهنية التي تتجسد، على سبيل المثال، في البناء التواصلي الداخلي المتواصل داخل الخطاب الشعري والمتمثل في الوحدة الشعرية «لي» حيث يروم الشاعر خلق مجالات للتوازي بين فضاء وديع (لك) وفضاء الشاعر (لي):
«يا وديعُ لك الربيعُ
لك الشموعُ
لك السطوعُ
لك البريقُ
لك الطريقُ
لك الأمامُ
لك السلامُ.
ولي التسهّدُ
لي التشرّدُ
لي التعدّدُ
لي التبدّدُ.»
إجمالا، يستطيع النص الشعري في بعده الخطابي أن يوفر إمكانات هائلة للتفاعل مع المتلقي خاصة على مستوى التواصل الوسائطي حيث تتحول القصيدة من كائن ورقي إلى كائن رقمي يتيح نوعا من التفاعلية التداولية (التفاعل وجها لوجه face to face interaction) بين الشاعر الافتراضي (الشاعر بوصفه صوتا شعريا متاحا في الواجهة الرقمية) والقارئ الافتراضي (المبحر الذي يلج الصفحات الشعرية الإلكترونية). على هذا النحو، وبمجرد ولوج الإنجازات الشعرية للمجال المتعلق بالأنساق الحركية التفاعلية المباشرة، يستفيد التواصل الشعري من خصائص الفضاء الوسائطي الرقمي ليجعل من القصيدة ? ضمن الشعرية الموسعة (مفتاح.2010) ? نسقا متعددا قائما على التفاعل، ليس فقط مع المكونات النصية، بل أيضا مع مختلف المؤثرات البصرية والسمعية الموازية.
6. على سبيل الختم
إن الحداثة الشعرية لا تتجسد على صعيد القضايا الذاتية والوجودية والرؤية الفنية والجمالية المترتبة عنها فحسب، بل تتمثل أيضا في تماسك الأشكال التعبيرية والتحفيز القوي للقنوات التواصلية الكفيلة بتحقيق البعد التداولي للخطاب الشعري الجزائري المعاصر. فالملامح الحداثية للقصيدة الجزائرية المعاصرة، كما يظهر من مقاربة الخطاب الإبداعي ممثلا في نص «وديع» للشاعر بوزيد حرز الله، تتجلى في طريقة سبك البنيات النصية (تركيبيا ودلاليا) وكيفية توليد التصورات التخييلية (ذهنيا ومعرفيا) وآليات استثمار المنجز الشعري في الفضاء الافتراضي لتحقيق أعلى درجات التفاعلية الممكنة. وكما أشرنا إلى ذلك سابقا، تعد هذه المقاربة مدخلا مهما من الناحية المنهجية والإجرائية لبلورة نظرة نسقية عن حداثة الخطاب الشعري في الإبداع الجزائري المعاصر من خلال تفحص المسار الهام للممارسة الشعرية والتجارب التخييلية والتراكمات الإبداعية. على أن البعد الحداثي لا يكمن فقط في ما يوفره النص الشعري من مهارات تأليفية وتوليفات دلالية وطاقات تصويرية، بل يتمثل كذلك في الأصعدة المعرفية للقصيدة ذات الصلة بفعالية التمثيل الذهني وعمق التخييل الشعري وقوة التأثير التفاعلي.
واستنادا إلى ما أنجزناه على مستوى وصف وتحليل كيفية اشتغال البناء الشعري في الخطاب الإبداعي «وديع» من الوجهة التواصلية، نستطيع الإقرار بأن القصيدة بأشكالها الظاهرة وبنياتها العميقة نسق شعري موسع ينهض بإنجاز ثلاث خاصيات مترابطة: أولاها تتعلق بالكتابة الشعرية المغايرة التي تقوم على إعمال آليات نوعية في التركيب الشعري والتشكيل النصي، وثانيتها تتصل بالتخييل الشعري وتتمثل في توليد الجديد الذي لم يسبق تحققه على مستوى اللغة كما على مستوى التصور، وثالثتها ترتبط بالتفاعلية الشعرية التي تتجلى في القدرة على إنتاج صيغ فنية قادرة على تحفيز المكونات النصية في خلق تواصل إبداعي مستمر خاصة ضمن السياق الافتراضي بوصفه وسيطا تقنيا ذي سلطة ثقافية لا يستهان بها.
الهوامش:
(*) ? نص الورقة المقدمة في ندوة «معالم الحداثة في الأدب الجزائري المعاصر» الموازية لدورة المكتب الدائم للأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب التي انعقدت من 3 إلى 5 دجنبر 2011 بالجزائر العاصمة.
(1) ? تجدر الإشارة إلى أننا نفضل استعمال مفهوم الشعر الوسائطي media poetry لدقته وشموليته في التعبير عن النمط الجديد للتجربة الشعرية الإنسانية مقارنة مع مفاهيم كثيرة من بينها: شعر الوسائط الجديدة new media poetry والشعر الرقمي digital poetry والشعر الإلكتروني e-poetry والشعر الافتراضي virtual poetry وشعر الإنترنيت net poetry. ولا بد من التنبيه إلى الفرق الشاسع الموجود بين نوعين من الخطابات: أولا، الخطابات الشعرية المبثوثة عبر الحاسوب كوسيط في تداول النصوص الشعرية وتلقيها على أوسع نطاق ؛ وثانيا، الخطابات الشعرية المولدة بالحاسوب كأداة أساسية يعتمدها الشاعر في إنتاجاته النصية باستعمال البرمجيات الملائمة للتركيب الخطي والتشكيل الصوتي والصياغة البصرية. والمقاربة التي نحن بصددها لا تهم إلى النوع الأول لكون الشعر العربي ما يصل بعد إلى ما يؤهله لخوض غمار النوع الثاني من التجربة الشعرية.
يمكن الرجوع في ما يتعلق بهذا الجانب إلى العاقد (2010).
(2) ? توفر الإنجازات الشعرية الوسائطية إمكانات فنية هائلة لإدماج المؤثرات الخطية والسمعية البصرية في النسق الشعري بغية تعزيز المكونات النصية للقصيدة مما يسمح لنا بالحديث عن شعرية نسقية متعدد المستويات والأبعاد.
للمزيد من التفاصيل حول مفهوم الأنساق المتعددة، يمكن الاطلاع على العاقد (2008).
(3) ? أدت نظرية جمالية التلقي والقراءة التفاعلية دورا مهما في الكشف عن آليات واستراتيجات التأويل المتعلقة بالنص الشعري، ومن بين التطبيقات العربية الرائدة في هذا المجال نشير إلى بلمليح (1995).
(4) ? للمزيد من التفاصيل عن التصور الخاص بالنحو المعرفي، يمكن الرجوع إلى لانغكير (2009) Langacker. وللاطلاع على بعض تطبيقاته في ما يتعلق بالشعرية المعرفية، نشير إلى العمل الهام الذي أنجزه ستوكويل (2002) Stockwell.
المراجع:
- بلمليح، إ. 1995: «المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب» منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط.
- الجرجاني، ع. : «دلائل الإعجاز في علم المعاني» تحقيق: الأيوبي، ي.، المكتبة العصرية، بيروت.
- الكندي، أ. 1993: «رسالة في الحدود والرسوم» في: «رسائل منطقية في الحدود والرسوم للفلاسفة العرب: ابن حيان ? الكندي ? الخوارزمي ? ابن سينا ? الغزالي» تحقيق: الأعسم، ع.، دار المناهل، بيروت.
- العاقد، أ. 2006 : «المعرفة والتواصل: عن آليات النسق الاستعاري» دار أبي رقراق، الرباط.
- العاقد، أ. 2008: «عالم الأنساق المتعددة: أبعاد تحليل الخطاب والمعرفة» في «التأسيس المعرفي والتأصيل المنهجي» مكتبة المدارس، الدار البيضاء.
- العاقد، أ. 2010 : « المعنى الشعري المضاعف: السياق الافتراضي والقصيدة التفاعلية» في «الأدب الإماراتي الحديث بأقلام مغربية» سلسلة منتدى أصيلة، أصيلة.
- مفتاح، م. 2010: «مفاهيم موسعة لنظرية شعرية: اللغة ? الموسيقى ? الحركة» (3 أجزاء)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء.
- Chapman, S. & Routledge, C. (eds) 2009: ?Key Ideas in Linguistics and the Philosophy of Language? Edinburgh University Press, Edinburgh.
- Kearney, R. 1999: ?Poetics of Modernity: Toward a Hermeneutic Imagination? Humanity Books, New York.
- Langacker, R. W. (ed). 2009: ?Investigations in Cognitive Grammar? Walter de Gruyter, Berlin.
- Matar, A. 2006: ?Modernism and the Language of Philosophy? Routledge, London.
- Rakova, M. 2006: ?Philosophy of Mind A?Z? Edinburgh University Press, Edinburgh.
- Stockwell, P. 2002: ?Cognitive Poetics: An Introduction? Routledge, London.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.