يهمل الكثير من المصابين بداء السكري الاهتمام بصحة أعينهم، مما يؤدي بالبعض منهم إلى فقدان البصر. فيما يلي يقوم الدكتور عبد الحق بوشتة، اختصاصي في أمراض وجراحة العيون، وعضو الجمعية الفرنسية لأمراض العيون بشرح الطريقة التي يؤثر بها مرض السكري على صحة العين، كما يسلط الضوء على بعض الأخطاء التي يقع فيها مرضى السكري في التعاطي مع حالاتهم. ويبرز الدكتور أيضا دور الوقاية في احتواء المشكل قبل بدايته، كما يشرح طرق العلاج حسب تطور مراحل المرض. يعاني مريض السكري من مجموعة من الأعراض التي تفرض عليه نمط عيش مختلف، غير أن العديد من مرضى السكري يعتقدون أن مشكلتهم تختزل في الإحساس المتكرر بالعطش والجوع، إضافة إلى التبول المتكرر. غير أن تداعيات هذا المرض تمتد في صمت نحو الأوعية الدموية بمختلف أنحاء الجسم، وفي مقدمتها أوعية العينين لكونهم أكثر العروق دقة وحساسية داخل الجسم. تأثير السكري على العين « يجب على كل مريض بالسكري أن يحرص على مراقبة صحة عينيه حتى لو كانت قوة نظره عشرة على عشرة» يقول الدكتور عبد الحق بوشتة أثناء حديثه عن الطريقة الخاطئة التي يتعاطى معها مريض السكري مع حالته الصحية، خاصة أن جميع المرضى يركزون اهتمامهم على مراقبة نسبة السكري التي تتأرجح بين الإرتفاع و الإنخفاض المتكرر، مهملين بذلك تأثير المرض على مختلف أعضاء الجسم وفي مقدمتها العينين والكليتين. ويرى الدكتور أن العينين يصبحان مؤشرا على ما يقع داخل جسد المريض، لذا من الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون هو عدم الانتباه للأمر إلى حين الشعور بتدهور كبير في البصر، وتعد هذه النتيجة تطورا كبيرا للمرض. ينمو المشكل ببطء ودون أن ينتبه له المريض، ويتزامن الأمر مع طول سنوات الإصابة التي قد تفوق العشر سنوات، خلالها تصاب الأوعية الدموية للشبكية بالشلل نتيجة عدم تزودها بالأوكسيجين اللازم. يؤدي هذا المشكل إلى تعرض الأوعية للانفجار والنزيف داخل الشبكة، وتصبح المشكلة أكثر تعقيدا عندما يفقد المريض التحكم في مستوى السكري داخل جسمه، وكذا في ضغطه الدموي. بعد تعرض الأوعية الدموية للتلف، تلجأ العين إلى إنتاج شعيرات دموية جديدة تتسم بالضعف، لذا تكون عرضة للانفجار مما يسمح بوصول الدم داخل الشبكية، والجسم الزجاجي الذي يحتوي على سائل العين وهو ما يعرض المريض للعمى، كما أن استمرار النزيف قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط العين مما يتسبب في صداع شديد للمريض. يؤدي ضعف الشبكية الناتج عن السكري إلى العديد من أمراض العين، في مقدمتها الجلالة التي يكون المريض أكثر عرضة لها من غيره. علاجات دوائية وأخرى بالليزر يرى الدكتور بوشتة أن العلاج الأول هو اختيار نظام غذائي يناسب الوضعية الصحية لمريض السكري، بالإضافة إلى مراقبة الضغط الدموي و مستوى السكر في الدم. إذا لم تؤتي هذه الخطوات بالنتائج المرجوة، يلجأ الطبيب إلى إجراء بعض التحليلات ومن بينها حقن المريض بمادة في ذراعه تصل إلى الشعيرات الدموية للعين، مما يساعد الطبيب المختص في التعرف على العروق الأوعية التي أصابها التلف. بعد تحديد الأوعية التالفة يتم كيها بواسطة الليزر من أجل توقيف النزيف الذي يتسبب في موت الشبكية بالتدريج لحد الإصابة بالعمى. في حالة إهمال المريض لتتبع حالته، سينتشر المرض داخل العين، مما يتسبب في نشوء شعيرات دموية ضعيفة تشرع في الانفجار، لتصل الدماء نحو شبكة العين وتختلط بالماء المحيط بالعين، في هذه الحالة يعمل الطبيب على إعادة مستوى السكر لحالته الطبيعية، مع ضبط الضغط الدموي، ثم يستعين بالجراحة من أجل إزالة الماء لذي اختلط بالدم، ويتم تعويضه بماء آخر، إضافة إلى استخذام الليزر من أجل كي الأماكن المتضرر داخل الشبكية حتى لا يعود المشكل من جديد. يتم في بعض الحالات الاستعانة بعلاجات على شكل أقراص يقال أنها مقوية للعروق، لكن الدكتور عبد الحق بوشتة يرى أنه لم يتم الوقوف على نتائج مضبوطة لهذه العلاجات. الحمية والرياضة أفضل وقاية تعد الوقاية من أهم الخطوات التي ينصح بها مريض السكري، حتى لا يجد نفسه أمام نتائج سلبية بسبب الإهمال، ويشير الدكتور بوشتة أن هناك أشخاصا يتعايشون مع إصابتهم منذ سنوات دون أن يتعرضوا لمشاكل في البصر، وذلك بسبب مراقبة برنامجهم الغذائي من خلال اتباع حمية خاصة، إضافة إلى ضبط مستويات السكر و الضغط الدموي، مع ممارسة الرياضة. اتباع هذه الخطوات يمكن مريض السكري من ضبط حالته الصحية، ويقيه مختلف مشاكل العين. يعد الكشف المستمر من أهم طرق الوقاية بالنسبة لمريض السكري، ولا يقصد بالكشف مراقبة مستوى السكر فقط، بل يقصد به زيارة الطبيب المختص في أمراض العين بطريقة دورية على رأس كل ستة أشهر، أو خلال كل سنة على أبعد تقدير، ذلك أن هذه المواظبة تمكن من اكتشاف المشكل في بدايته، حتى إذا لم تكن هناك أي أعراض، وحتى إن كان المريض لا يعاني من أي مشكل في العين، لأن مشاكل العين لا تظهر مع مريض السكري منذ البداية، بل تتدرج دون أن يشعر بها، لذا كان من اللازم زيارة الطبيب الذي يراقب شبكة العين ويعمل على علاج المشكل في بدايته، مما يقي المريض العلاج المطول، أو الخضوع للجراحة. ويؤدي إهمال طرق الوقاية إلى وقوع المريض في مشاكل قد تنتهي بفقدانه للبصر، كما أن الحلول التي سيقدمها له الطبيب في حالة تدهور حالته الصحية، لن تعيد له بصره كما في السابق، بل ستكون مجرد حلول ترقيعية حتى لا يسوء الأمر أكثر. لذا يرى الدكتور بوشتة أن أهمية اختصاصي أمراض العيون لا تقل أهمية عن أخصائي علاج السكري بالنسبة للمريض، خاصة أن اللامبالاة تؤدي لفقدان البصر، أو ارتفاع ضغط العين مما يتسبب في صداع شديد ومستمر للمريض، لذا تكون جل المجهودات التي يقوم بها الطبيب في هذه المرحلة، هي تخليص المريض من ألمه وليس إعادة النظر إليه. سكينة بنزين