أوقفت مصالح الدرك الملكي بإقليم شيشاوة في طريق عروس شابة، ومنعتها من إكمال رحلة هروب رفقة من اختاره قلبها، وبالتالي إجبارها على العودة لمعانقة أديم مسقط رأسها بدوار «أنبدو» بجماعة أسيف المال. فصول القضية تعود إلى منتصف الأسبوع ما قبل الماضي حين تقدم والد الفتاة بشكاية إلى مصالح الدرك الملكي يشير فحواها إلى هروب ابنته واختفائها عن الأنظار، في عز استعدادات الأسرة لحفل زفافها بعد عقد قرانها على أحد معارفها. كان بيت الأسرة المتواضع يموج بحركية غير معتادة والاستعدادات قائمة على قدم وساق في إطار التهييء لإقامة حفل عرس الشابة العشرينية (22 سنة) التي تقدم خطبتها أحد أقربائها وحظي طلبه بالموافقة دون أي اعتراض من الوالد والوالدة، وبعد قراءة الفاتحة تمت المسارعة بعقد القران على سنة الله ورسوله وبحضور شهود من أهل العروس والعريس. تم تحديد موعد إقامة العرس وبدأت الأسرة تستعد لهذه المناسبة السعيدة، وقد خيمت على البيت أجواء الحبور والسعادة، والجميع ينتظر حلول اليوم الموعود مع الحرص طبعا على توجيه الدعوة لكل الأقرباء والأحباب لمشاركة الأسرة فرحتها. في زحمة هذه الأجواء لم يعر أحد اهتمام للتغيرات المفاجئة التي طرأت على العروس، بعد أن بدأت عيونها تشع بنظرات ذابلة وملامح الحيرة والارتباك تجلل تفاصيل وجهها، فأصبحت كثيرة الانزواء تفضل الاختلاء بنفسها بعيدا عن الجميع، وغالبا ما تبدو غارقة في أفكارها غير عابئة بالعالم من حولها. انقلبت أحوال الشابة منذ يوم عقد القران بنسبة 180 درجة، فلم تعد تلك الفتاة المرحة المنطلقة على سيجتها تملأ أجواء البيت حركة ومرحا، فأصبحت منطوية على نفسها غارقة في هواجسها، وحتى عندما يخاطبها أحد تكتفي بالرد بعبارات مختصرة. اعتبرت الأسرة هذه التغيرات المفاجئة شيئا عاديا مرده إلى تهيب الشابة من الحياة الجديدة المقبلة عليها ببيت الزوجية بعيدا عن دفء الوالد والوالدة، وهي الاعتبارات التي تطالع أي فتاة وهي تستعد لاستقبال حياة الزوجية. لم يدر في خلد أي أحد من أفراد الأسرة والعائلة، أن الفتاة/العروس تعيش صراعا نفسيا داخليا، يتأرجح بين الانصياع والقبول بشريك حياة لم يكن لها رأي في اختياره فرضته التقاليد والاعتبارات الاجتماعية، بعيدا عن الحضن الدافئ لشريك آخر تعلق به قلبها منذ مدة، وربطت بينهما أواصل علاقة سرية دون علم من الأهل والأسرة، وهي العلاقة التي يرفضها المحيط الاجتماعي بكل ما يمكن أن يترتب على افتضاحها وخروجها للعلن من تبعات قد تدخلها دوامة «العار والفضيحة». في غمرة هذا الصراع النفسي، ستقرر الشابة العروس الخروج من منطقة التردد والانكفاء وركوب قطار المغامرة مهما كلف الأمر من عواقب، لتقدم في لحظة شعور باليأس على التسلل، خارج بيت الأسرة والتوجه لملاقاة الحبيب/ العشيق، حيث ضرب لها موعدا للقاء والتلاقي، ومن ثمة الانطلاق معا في رحلة هروب بعيدا عن أجواء العرس المنتظر الذي تحول بفعل هذه الخطوة إلى مأتم يعلوه النواح والعويل بدل الزغاريد والتهاليل. لم يكتب لهذه المغامرة غير المحسوبة أن تعمر طويلا، حين تقدم والد العروس بشكاية تضمنت كل هذه التفاصيل، لتنطلق المصالح الدركية في تعقب أثر العروس وشريكها في رحلة الهروب، وتشرع في اقتفاء مسارات تحركاتهما عبر الاستعانة بتعميم أوصافهما وهوياتهما، ما مكن من توقيفهما وإحالتهما على النيابة العامة بابتدائية إمينتانوت التي قررت متابعتهما في حالة اعتقال بتهم تصب بمجملها في خانة «الخيانة الزوجية والفساد»، حيث استقر بهما المقام خلف أسوار سجن الأوداية بمراكش. إسماعيل احريملة