فإذا كان الزفاف في المغرب يعكس إلى جانب مظاهر الفرح والسعادة التي ترافقه، مختلف المعالم الراسخة للعادات المغربية وتقاليده العريقة والقيم والقناعات التي تغني تراثه المؤسس لهويته الثقافية والحضارية، فإن بعض جوانب طقوس الاحتفال طالتها تغييرات اقتصرت فقط على سبل اختيار الشاب الراغب في الزواج للفتاة المرشحة لتصبح عروسه ومدة الاحتفال بالعرس وكلفته المادية. اختلاف آخر يظهر في تمثل الزواج عند المغاربة في المدينة والمراكز القروية الكبرى، فبينما يغلب على المناطق الحضرية الاختصار في الوقت والجهد والكلفة، يأخذ أبعادا أخرى في البوادي، حيث يفرض هذا الحدث السعيد تعبئة تلقائية لكل سكان البلدة المعنية على مدى عدة أيام في جو من التضامن يؤكد الروح الجماعية التي هي أقوى في البوادي منها في المدن، بالنظر إلى طبيعة الحياة في هذا الوسط. ولا يختلف الاحتفال بالزفاف عموما من منطقة لأخرى عبر مجموع تراب المملكة باستثناء الطقوس المرافقة للاحتفال به، والتي تختلف باختلاف الجهات تبعا للتقاليد المحلية من خلال التركيز على هذا الجانب أو ذاك من مراسيم الاحتفال. ليبقى المشهد العام للاحتفال هو نفسه من شمال المملكة إلى أقصى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وتبقى التفاصيل الدقيقة هي التي تسمح بالوقوف على السمة المميزة لكل منطقة من مناطق المملكة. ويبدو الأمر وكأن كل جهة من جهات المغرب تتبارى لإظهار بصمتها الخاصة واستعراض مواهب ومهارة رجالها ونسائها وإبداء ما تحيط به هذا الحفل من عناية واحترام كامل لطقوسه. فقد كانت العادة تقضي في الماضي بأن تقوم أم العريس باختيار زوجة ابنها، إما بمناسبة الاحتفالات الأسرية أو عن طريق صديقات أو "خاطبات"، إذ لم يكن العريس يعرف الفتاة المرشحة إلا من خلال الأوصاف المقدمة له من طرف أمه أو أخواته ويحظر عليه الالتقاء بها إلا في ليلة الزفاف. فالأم هي التي تقوم بالمسعى الأول، حيث تذهب لزيارة أم الفتاة لتطلعها على مشروع الزواج فإذا تم الاتفاق المبدئي تطلب هذه الأخيرة مهلة لإطلاع زوجها وللقيام بالاستخبار عن عائلة العريس (حالته المادية ونسبه وسلوكه). وإذا ما تم الاتفاق بين الجانبين، يلتقي الرجال من الأسرتين يوم جمعة رفقة مجموعة من الأقرباء والأصدقاء لتبدأ عملية التفاوض حول الأمور المرتبطة بالزفاف، خاصة المهر، فإذا تم الاتفاق يتحدد يوم الخطوبة الرسمية. بعد ذلك تقوم أم العريس بزيارة لأم الفتاة "كمالة العطية" مصحوبة ببعض الهدايا لزوجة الابن المستقبلية تتألف في الغالب من قطع القماش والتمر والشموع والحناء. أما اليوم فقد أصبح بمقدور الشاب اختيار زوجة المستقبل دون حاجة إلى الأم أو الأقارب نتيجة تطور المجتمع المغربي وتغير نظرته للزواج بفعل العولمة وثقافة الإنترنت، على الخصوص، ليشرع في إعلان الخطبة التي هي تعبير عن رغبة في الاقتران والمصاهرة وتأكيد مسبق من قبل أولي أمر الأسرتين الراغبتين في المصاهرة من خلال قراءة الفاتحة. ويتبع ذلك عقد القران، الذي يعطي انطلاقة احتفالات الزفاف ليلي ذلك طقس ذهاب العروس إلى "الحمام البلدي" بما يرمز إليه من "تطهير" للعروس. وهو طقس تتطوع له بكل فرحة قريبات وصديقات العروس، التي تصبح بذلك محط اهتمام وعناية خاصة. ويصاحب طقس الاستحمام هذا بالغناء والتصفيق بالأيادي وبالصلاة والتسليم على خير الورى، وإشعال شموع تحملها الصبية عند دخول العروس الحمام وعند مغادرتها له باتجاه بيت أهلها. ويقام حفل الحناء وتستدعى له فقط الصبية والفتيات اللواتي لم تتزوجن بعد، حيث تهيئ النقاشات لهذا الحفل مائدة أو موائد ترصف فوقها المناديل المطرزة تتوسطها آنية الحناء المخلوطة بماء الورد والمصفوفة بحبات البيض، وحفت بقوالب السكر والقطن والقوارير الفضية أو المصنوعة من الزجاج الفاخر لتعطير المكان ورش الحاضرات بماء الزهر والورد. وتبدأ النقاشات في وضع أجمل الزخارف على يدي وقدمي العروس لتضفي عليها جمالا وسط أهازيج تقليدية وبعض الأغاني ترددها فرقة موسيقية تتكون من النساء فقط. ولا تثني العناية التي توليها أسرة العريس للتحضيرات الخاصة بها، سواء في ما يتعلق بالملبس والمأكولات والحلويات، فإنها تتابع مع ذلك مراحل استعدادات أسرة العروس قبل أن تقدم في موكب تتخلله أهازيج وإيقاعات موسيقية متميزة هدايا العريس إلى عروسه وهو ما يعرف ب"الهدية"، التي تشكل حلقة رئيسية في مسلسل حفل الزفاف المغربي. وفي اليوم الموالي يقام بمنزل العروس حفل تتفنن فيه "النكافات" في تزيين العروس بأزياء تقليدية فاخرة تم اختيارها وإعدادها سلفا للاحتفال بهذه المناسبة، وتتجمل بأروع الحلي التي تم سبكها بشكل رائع وزادتها روعة الأحجار الكريمة التي ترصعها، لتبدأ مراسيم "التعشيق"، الذي يتم خلاله التغني بمحاسن ومزايا العروس، قبل أن يتم تقديم هدايا العريس إلى عروسه وهدايا من قبل المدعوات والتي تتولاها معلمة النكافات التي تعلن عن نوع الهدية وصاحبتها. وتتواصل الاحتفالات حتى بزوغ الفجر وقتها تهيء أسرة العروس للزوجين الجديدين فطورا يضم أشهى المأكولات، ليطووا بذلك آخر فصول العزوبية ويشرعون في أول حلقة في مسلسل حياتهم الزوجية. الرباط: سهام توفيقي (و م ع) طقوس الزواج في شمال المغرب.. تشبث بالعادات الأصيلة وتقاليد مجتمعية عريقة تختزل قيم حضارية متوارثة تعتبر طقوس الزواج في شمال المغرب مناسبة اجتماعية احتفالية تعكس تشبث أهل المنطقة بالعادات الأصيلة وتقاليد مجتمعية تختزل قيم حضارية متوارثة. ورغم بروز أشكال احتفالية جديدة، تطورت مع تطور الوسائل والإمكانات والعادات في المجتمع، التي مست مختلف نواحي الحياة، فإن تقاليد الزفاف مازالت تختزن الموروث الاجتماعي والثقافي والحضاري والديني، ونمط وأسلوب عيش سكان المنطقة، رغم تباين إمكانات أهل العريس والعروس وبروز متطلبات جديدة تساير العصر. وتدوم حفلة الزفاف، التي ينطلق الاستعداد لها لشهور طويلة، أربعة أيام، رغم الاختلافات الطفيفة بين العادات المتبعة في حواضر شمال المغرب وبواديها، حيث يخصص اليوم الأول من طقوس الزواج لنقش الحناء للعروس (حفل النبيتة)، واليوم الثاني استثناء لحفل خاص بالنساء المدعوات (الظهور)، واليوم الثالث يحضره الرجال كما النساء في قاعات متفرقة (حفل البوجة)، واليوم الرابع لحفل نسائي بمنزل أهل العريس، خاص بالنساء، أيضا. وينطلق اليوم الأول من مراسيم العرس والاحتفال بدعوة العروس لصديقاتها غير المتزوجات للذهاب في موكب خاص إلى حمام يستأجر خصيصا لهذا التقليد، قصد تحضير المحتفى بها، قبل أن يتم في بيت أسرة العروس مساء تنظيم حفل الحناء (النبيتة) لتوديع عالم العزوبية بحضور صديقاتها والمقربات منها من الفتيات غير المتزوجات والنساء لنقش يدي ورجلي العروس بالحناء، وتلبس العروس بالمناسبة لباسا أبيض وينسدل من رأسها غطاء شفاف دون أن تزين بأشياء أخرى إضافية، فيما يردد الحضور أغاني قديمة للتخفيف من صعوبة فراق العروس لأسرتها، كما توجه إليها رسالات شفوية تذكرها بمسؤوليتها بعد الزواج وضرورة العناية بزوجها وأطفالها. ويلي يوم "النبيتة" حفل "الظهور"، الذي تبرز فيه العروس بكل تألق ونضارة تحت إشراف امرأة متخصصة (المشطة أو الزيانة) في حفل تدعى لحضوره النساء بأعداد كبيرة وتنشطه أجواق نسائية خاصة، ويتوالى ظهور العروس خلال الحفل وهي ترتدي ألبسة وقفاطين تقليدية، خاصة من الحرير الرفيع، تحتفظ بها مدى الحياة، مرفقة بتزيينات "الشدة" و"الحنطوز" وإكسسوارات من الأحجار الكريمة، على أن تقوم العروس صحبة العريس، الذي يرتدي، أيضا، لباسا تقليديا هدية من زوجة المستقبل عبارة عن جلباب أبيض من "السوسدي" أو"الفرجية" و قميصا مطرزا ب"الرندة" وفوقه "البدعية" و"الجبادور" و"السروال العربي" المعطرين برائحة "المسك"، بالجلوس في موقع بارز في نهاية الحفل ترافقهما أصوات المدعوات بالتكبير والصلاة على النبي الخاتم والزغاريد ووصلات من الموسيقى الأندلسية. وتقدم أسرة العريس بالمناسبة هدايا متنوعة عبارة عن حلي ومقتنيات ثمينة، إضافة الى الورود، وحسب إمكانياتها وقدراتها المادية، مع الحرص على أن يختتم حفل اليوم الثاني في وقت غير متأخر من أجل التحضير لليوم الموالي من الاحتفال. وفي اليوم الثالث، وهو يوم "البوجة"، ينظم عادة احتفالان في مكانين مختلفين، الأول خاص بأسرة العروس والثاني بأسرة العريس، يحضرهما الأقارب والأصدقاء والمعارف بدعوة خاصة، فيما يحضر سكان القرى المجاورة في أعراس البادية دون دعوة مسبقة محملين بمواد غذائية وأطعمة جاهزة تضامنا مع أسرتي العريسين، على أن تنشط الحفلين أجواق مختلفة، منها المختص في الموسيقى العصرية أو الأندلسية والجبلية وفرق فلكلورية، كما تقدم للحضور حلويات تقليدية متنوعة تجود بها قريحة نساء الشمال، إضافة إلى تنظيم مأدبة عشاء يتنوع فيها المعروض. وتلي الاحتفالين لحظة رمزية تختلط فيها مشاعر الفرحة وحزن الفراق بعد أن يبعث العريس أهله وعائلته ومقربيه لإحضار العروس محملة على "البوجة"، وهي عبارة عن هودج خشبي مغطى بأقمشة وأثواب تقليدية بديعة، يحمله شباب العائلة عادة، في موكب ينطلق بقراءة والد العروس آية الكرسي على ناصية ابنته ويمر حتما قرب مساجد الحي، حيث يتم قراءة الفاتحة وآيات من الذكر الحكيم، وتتعالى خلاله أصوات التكبير وتصاحبه أجواق تقليدية وفلكلورية محلية إلى غاية بيت العريس، إذ تقدم للعريس الحليب والتمر تعبيرا عن الترحيب، كما يمنح للعروس عادة مفتاح قديم يرمز إلى الخير والبركة. ويخصص اليوم الرابع صباحا لحفل فطور تستدعى له الأقارب وتقدم لهم وجبة خاصة من الحريرة والحلويات المحلية على نغمات أجواق "الطبالة" و"الغياطة"، على أن يقدم أهل العريس هدية استثنائية عبارة عن حلي ذهبية ترمز إلى عذرية المحتفى بها. فيما ينظم مساء حفل خاص يدعى "الصباح" تنظمه أم العريس تكريما للزوجة، وتوجه الدعوة لحضوره الى أقرباء العريس وأهل العروس، كما يحضره "النظارين"، وهم من غير المدعوين الذين يكتفون بلباس الجلباب دون غيرها من الألبسة التقليدية ولا يختلطون مع الحاضرين لأسباب ترتبط بتقاليد خاصة، وتنشط هذا الحفل، أيضا، أجواق نسائية ومداحات يرددن أنشودة "الهنا والسرور"، على أن تتزين العروس بألبسة تقليدية "مخففة" دون أن تغطي وجهها عكس ما يتم، خلال الحفلات السابقة. ورغم التكلفة المادية لهذه الاحتفالات المتتالية، إلا أن تخليدها يبقى أمرا "ضروريا"، خاصة أنها تخلد لذكرى مشهودة يقول فيها المثل الشعبي المغربي "عرس يوم وتدبيره عام"، ستبقى محفورة في ذاكرة العروسين مدى الحياة. تطوان: عبد العزيز حيون (و م ع) طقوس الزواج بالأقاليم الجنوبية.. عراقة وأصالة وتفرد على شاكلة التنوع الطبيعي والامتداد الجغرافي الواسع للمناطق الجنوبية للمملكة، انطبعت طقوس الزواج وتقاليده، باعتباره وثاقا مقدسا، بحمولات ثقافية واجتماعية ودينية ما انفكت تعطي لهذه المناسبة سمة مميزة تعبر عن قيم أصيلة وعريقة ومتفردة في الجنوب المغربي. وباختلاف المناطق والقبائل بين السهل والجبل والشاطئ والصحراء، ظلت ظروف البيئة الطبيعية والاجتماعية تطبع المشاهد الاحتفالية وأنماط السلوك والعادات المتبعة بميسم خاص من الطقوس الاجتماعية، التي تختزل قيم المجتمع ومكونات شخصية أبنائه وطريقتهم المتفردة في التعبير عن الذات وتمثلاتها للكون والوجود. ولاغرابة أن ترتبط طقوس الزواج في هذه المناطق بالنظام القيمي المرتكز على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وموقعه المحوري كنسق يرسم مراجع الهوية التي تقوم على العفة والكرامة والحشمة والوقار ومكارم الأخلاق. وتأسيسا على هذه المنظومة من القيم، تبدأ الخطوة الأولى من الزواج بالاتفاق الذي يحصل بين الآباء أو كبار السن من القبيلة أو القبيلتين بعد اختيار العريس لشريكة حياته المستقبلية، وهو اختيار تلعب فيه النساء المتزوجات عادة دورا مركزيا، سيما في منطقة تغلب عليها ثقافة محافظة وتقليدية في غياب فضاءات أو مناسبات يلتقي فيها الراغبون بالزواج. وتقليديا، كان التعارف بين "الخطيبين" يتم خلال حفلات الزواج عن طريق ما يعرف بعملية "الحوصة" و"الطليسة"، إذ تقوم إحدى النساء ممن ينتمين لسلم بسيط في الوسط الاجتماعي، بنزع قطعة حلي من فتاة ما من الفتيات غير المتزوجات وتطلب من الحاضرين العمل على فك القطعة المحجوزة من خلال التعويض عنها ماديا. وبترديد عبارة "شايلة راس النعامة"، وهو تعبير مجازي على أن صاحبة قطعة الحلي المحجوزة ذات مكانة رفيعة وقيمة عالية، يكون قد تم الإعلان ضمنيا عن خلق مسابقة بين الحضور من المعجبين لاستعادة المحجوز "الطليسة" عبر تقديم تعويض مالي قد يصل إلى آلاف الدراهم. وغالبا ما تكون كلمة الفصل "للعريس المستقبلي"، الذي يكون بعمله وبسخائه وتلبيته للنداء قد أعلن أمام الملأ، من خلال عملية "الطليسة"، موقفه الواضح والصريح من مشروع الزواج. بعد هاتين العمليتين، تأتي مرحلة "الواجب" أو الإعلان عن الخطوبة بما تحمله من متطلبات كبيرة ليس أقلها غلاء المهور وكثرة مستلزمات "الدفوع"، التي تأتي بعد تحديد موعد الزواج والإعداد له بما يلزم من هدايا ضمن طقوس كثيرة التعقيد، وإن بدأت تتلاشى بعض الشيء في سياق التغيرات العميقة للبنيات الاجتماعية والثقافية. وإذا صح أن قيمة المهر لا تحدد، وإن تراوحت ما بين خمسة ملايين وعشرة ملايين سنتيم، فإن واجبات "الدفوع" تتمثل في نحيرة أو أكثر من الإبل وأكياس من السكر لا تقل عن 10 وصناديق من الشاي وزرابي حديثة وتقليدية وما بين 30 إلى 100 من الملاحف، ومثلها من الأحذية النسائية وكميات من العطور والحناء والقرنفل. كما يخصص للعروس ملاحف ثمينة يتراوح عددها ما بين 10 إلى 30 من أنواع مختلفة، بالإضافة إلى أحذية وحقائب جلدية ومجموعة من الحلي والساعات اليدوية وأدوات للزينة وعطور ثمينة، فضلا عن كمية من البخور المكون مما يعرف محليا ب"تديكت". ولإتمام عقد الزواج، كانت بعض القبائل تضع شروطا منها ألا يكون العريس متزوجا وأن يتعهد بعدم الزواج لاحقا وأن يحترم مبدأ "أجمج الخالفة"، وهو ما يعني ضرورة بقاء العروس مجاورة لبيت أهلها لتسهر على خدمة كبار السن منهم ورعاية الصغار. بل مما ساد ردحا من الزمن أن المرأة لا ترحل من خيمة أبيها إلا بعد أن تلد المولود الأول لتتمكن من أخذ التجربة في تربية الأبناء وبناء بيت الزوجية على الوجه الأكمل، فيما يحق للزوج زيارتها داخل خيمة تنسب إليه وتسهر عائلة العروس على تجهيزها بما يلزم من فراش وأغطية وطيب وأواني. وتكون هذه الفترة مناسبة لأب العروس لتحضير "الرحيل" لابنته، وهو عبارة عن جمل أو جملين وهودج وزربية وفرو وحصائر وألبسة، تبقى كلها في ملكية المرأة حتى إذا ما طلقت، وهو أمر نادر، تحملها معها لتعود إلى بيت أهلها. ومن طقوس الزواج بهذه المناطق أن يستقبل أهل العروس أهل العريس بالحليب والتمر، رافعين ثوبا أبيض كناية على المحبة والصفاء يسمى "البند"، يقوم الجانبان بجذبه للظفر به في عملية يقال عنها باللهجة المحلية إنهم "يتكالعوا البند"، وهو ما يزيد من تقوية أواصر العائلتين والتعارف أكثر في ما بين أفرادهما. ويستمر حفل الزفاف ببيت العروس ثلاثة أيام وسط أجواء احتفالية تعطيها نكهة خاصة الأجواق المحلية والرقصات التي تعتمد على حركات أصابع اليدين ودقات الطبول والنغمات المنبعثة من"اردين" و"تدنيت" والقيثارة، في جو تزيد من ألقه الزغاريد والعطور والبخور والنقائض الشعرية " لكطاع" التي يتبارى في ارتجالها الشباب. وفي الليل يتم تهيئ العروسين، بحيث يلبس العريس، الذي سيحمل طوال حفل الزفاف (سبعة أيام) لقب "مولاي" ويرافقه أقرب الأصدقاء إليه ويلقبون ب"الوزراء" داخل خيمة "الرك"، دراعة بيضاء ولثاما أسود وبلغة وسكينا من الفضة. أما العروس، فتتكفل "المعلمة"، أي ما يقابل النكافة، بتهييئها إذ تقوم بظفر شعرها بالقرنفل وتيدكت وتضع الحناء على يديها ورجليها وتلبسها ملحفة سوداء وتلفها من خصرها إلى قدميها بملحفة بيضاء، علما أن دخول الزوج بالعروس لا يتم إلا في الليلة السابعة، مدة حفل الزفاف. مما لاشك فيه أن حفلات الزواج بالأقاليم الجنوبية شهدت تغيرات عميقة، إسوة بباقي المناطق المغربية، إلا أنها ظلت محافظة على مكانتها في منظومة القيم التي تختزل متانة العلاقات الإنسانية الراسخة المستندة إلى التنوع الحضاري للأمة المغربية، في عراقة تقاليدها وأصالة تعبيراتها وتفرد عناصرها، مهما اختلفت في خصوصياتها ومميزات طقوسها من منطقة لأخرى. العيون: فتيحة أبو الحرمة (و م ع) حفلات الزفاف بالجهة الشرقية .. عادات وتقاليد راسخة لم تنل منها التحولات الاجتماعية والاقتصادية في وجدة، كما في فكيك، حاضرتي الجهة الشرقية، ظلت تقاليد الزواج حتى ماض قريب مرتبطة بعادات محلية محافظة تجعل من مسألة الارتباط، أو البحث عن شريك الحياة، أو النصف الثاني، من خارج القبيلة أو المدينة أو العائلة أمرا مستبعدا إن لم يكن غير وارد. غير أنه، وعلى غرار ما حدث في مناطق أخرى، لم تسلم طقوس الزفاف وتقاليده بحاضرتي الجهة الشرقية، من اندثار جزء منها وتمازجها مع تقاليد مناطق أخرى، بالنظر للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع المغربي، بحيث لم يعد الزواج مسألة عائلية، بل أصبح كل طرف، الشاب أو الشابة، يفرض أكثر فأكثر رأيه في اختيار شريكه والطريقة التي سيتم بها الاحتفال، بخلاف ما كان عليه الأمر في السابق، حيث كان البحث عن عروس من اختصاص الوالدين، تبدأه الأم من بين الأقارب أو باستعانة من نساء أخريات، ثم تقترح العروس على الأب الذي يقوم بالاتصال الأول مع أب العروس لطلب يدها، قبل أن يتبعه لقاء بين النساء بعد موافقة عائلة العروس. ولم يكن أمام العروس، شأنها شأن العريس، إلا الامتثال لأوامر الوالدين وتنفيذ قرارهما. ومع ذلك، ماتزال تقاليد الزواج الشرقي تفرض نفسها بالنسبة للعديد من الأسر، التي ترى في مثل هذه المناسبات فرصة لإحياء الموروث الثقافي والحضاري للمنطقة، التي تقتضي فيها التقاليد أن تزف العروس إلى بيت الزوجية وهي مغطاة ب "الحايك"، وهو الغطاء الذي كانت تضعه المرأة على جسدها بحيث لا تظهر منه سوى العيون، ليتم بعد ذلك نقلها من طرف أقرباء العريس إلى بيت الزوج، الذي يؤتى به من جهته ممتطيا حصانا أو راجلا وسط غناء وتصفيقات أصدقائه، ليجلس في مكان الحفل الذي عادة ما كان يحييه شيوخ الطرب البدوي أو الطرب الغرناطي. ويقتصر حضور سهرات الزواج على الرجال، ولم يكن يسمح للنساء بالمشاهدة إلا من الأسطح، على أن يقمن في اليوم الموالي حفلا خاصا بهن، تحييه إحدى الفرق النسوية، وتسمى هذه السهرة ب"التقييل". وغير بعيد عن وجدة، ماتزال مدينة فكيك تحتفظ للجيل الحاضر بآثار ثقافة تقاليد وعادات قديمة، حيث غالبا ما تقام الأعراس إلى يومنا هذا بهذه المدينة داخل "الكصور" أي القصور، وعادة ما يكون الزواج بين عائلات مرتبطة بصلة القرابة، وفي حالات أخرى يكون الزواج ما بين أسر من "كصور" مختلفة، وفي الماضي كانت حفلات الزواج بالمنطقة تستمر 15 يوما، كدليل على مدى ثراء الأسرة واعتزازها بأصولها، بحيث تتخلل تلك الأيام جملة من التقاليد والعادات المترسخة التي تجتمع مدلولاتها على تأكيد الإرادة القوية في ابرام رباط دائم. وتتجلى حفلات الزفاف في فكيك ببهاء مختلف، من خلال أوجه ثقافة المنطقة التي تمتزج فيها التقاليد والبساطة، علاوة على أن الزفاف غالبا ما يكون عربون ترابط بين أسر القصر نفسه أو بين أسر من القصور المجاورة. وبعد الخطوبة التي لا تدوم لوقت طويل يأتي حفل الزفاف الذي لا يكون الإعداد له مرتجلا أو متسرعا، إذ شاع القول المأثور بأن "زواج ليلة تدبيره عام" وبالتالي يكون الاحتفال المخلد للزواج ثمرة فترة طويلة من التحضير، حتى تتمكن الأسرة من توفير جميع ما يلزم لهذه المناسبة. وعشية إبرام عقد الزواج يتم بدء حفل الحناء من قبل فتيات يحطن بالعروس التي غالبا ما ترتدي وشاحا أحمر يغطي الرأس، وأثناء ذلك يتوافد على سكن أبويها أقارب العريس جماعات وأفرادا، وهم يحملون الهدايا التي غالبا ما يكون في مقدمتها كبش يذبح بالمناسبة لتهييء الوليمة التي يحتضنها بيت والد العروس. وتخصص أسرة العروس استقبالا حارا للمدعوين، إذ تقدم لهم كؤوسا من الشاي والحلويات المغربية ثم يتم الانتقال إلى بيت العريس حيث تكمل العروس حفل الحناء. وفي اليوم الموالي تأتي أسرة العريس قبل صلاة الظهر لتحضر إلى جانب أقارب العروس مأدبة غداء، ليتم بعد صلاة العصر كتابة العقد من طرف عدلين. وبصفة عامة فإن أسر فكيك نادرا ما تفرض مهرا مرتفعا، فتتم الإشارة في الغالب إلى مبلغ رمزي أو آيات من القرآن الكريم. وبعد إبرام العقد، تعود أسرة العريس لاستكمال الإعداد لحفل ليلة الزفاف الذي يسميه أهل المنطقة ب"التقصيرة"، والذي يدعى إليه الرجال فقط، فيما تكتفي النساء بمتابعته خلسة، يتم بعد ذلك تنقل العروس إلى بيت العريس وهي محاطة بعدد من أفراد أسرتها. وفي الغد يبدأ الحفل الخاص بالنساء الذي تبقى العروس خلاله وسط قريباتها، وهي ترتدي ملابس وحليا تقليدية، وخلال هذا الحفل الذي يسمى ب"التقييل" ترتدي العروس أنواعا مختلفة من اللباس التقليدي. وبقدر تعدد تلك التشكيلات تظهر المكانة التي تحظى بها العروس بين أهلها. وأخذ هذا التقليد يتوارى مع مرور الأيام، إذ أصبحت الأسر تفضل البساطة، حرصا على تقليص التكاليف فيما بدأ السكان المتحدرون من فكيك والمقيمون في مناطق أخرى ينظمون حفلات زفاف لا تمت كثيرا بصلة إلى عادات المنطقة. وجدة: جليلة أعجاجة (و م ع)