فعليا، صدق من قال إن مشروع قانون مالية حكومة عبد الإله ابن كيران لن يكون إلا تنقيحا لقانون المالية الذي سحبته الحكومة عند تنصبيها من طرف البرلمان. يكفي الاطلاع على الصفحات ال 221 التي تتكون منها المذكرة التقديمية لقانون المالية حتى يتضح بالملموس أن أول قانون مالي تعده الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية كان في غالبه الأعم إما تنفيذا لبرامج قائمة اعدتها حكومة عباس الفاسي ولم يتم إلى الآن تفعيلها وإما مواصلة السير على خطى الالتزام بما سبق وأن تعهدت به الحكومة السابقة. في حالات ناذرة جدا يخرج مشروع قانون المالية عن هذا الخط. في مناسبات قليلة خرج قانون المالية عن مجرد تنفيذ تعهدات والتزامات الحكومة السابقة، ومنها أن القانون المالي عاد مرة أخرى للحديث عن نسبة نمو للناتج الداخلي الخام يصل في المتوسط إلى 5،5 ٪ ومعدل نمو للناتج الداخلي للقطاع الفلاحي يصل إلى 6 ٪ خلال الفترة 2012 إلى 2016. خارج قاعة مجلس النواب حيث انهمك الوزيران نزار بركة وادريس الأزمي بتقديم مشروع قانون المالية ووجهت هذه النسبة بالكثير من التشكيك. المناسبة الثانية التي خرج فيها مشروع قانون المالية عن مجرد آلة تنفيذ ما سبق وأن تعهدت به الحكومة السابقة كان في توقعه برفع حجم الاستثمارات المخصصة للقطاع العام بجميع مكوناته، أي الميزانية العامة والحسابات الخصوصية ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والجماعات المحلية والمنشآت والمؤسسات العامة، بما قدره 188،30 مليار درهم أي بزيادة 21 مليار درهم مقارنة مع سنة 2011. ماعدا قليل من التوقعات المشابهة ظل مشروع قانون المالية معتمدا بصفة أساسية على برامج مسطرة في برامج وطنية كبرى أو في برامج حكومية سابقة. في الشق الاجتماعي مثلا حافظت الحكومة في مشروع القانون المالي على تعهدات الحكومة السابقة في الحوار الاجتماعي لسنة 2011 إضافة إلى إقرار الزيادات العامة في الأجور التي خلفتها الحكومة السابقة ستتابع الحكومة الحالية الرفع من نسبة الحصيص في الترقي من 30 ٪ إلى 33 ٪. كما حافظت الحكومة في مشروع قانون المالية على نفس الملمح فيما يخص تحديد سقف الانتظار من أجل الترقي بالاختبار في أربع سنوات ابتداء من فاتح يناير 2012. وإحداث درجات جديدة بالنسبة للهئيات ذات المسار المهني الذي لا يسمح بالترقية إلا مرة واحدة أو مرتين. نفس الملاحظة تعم على الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، فقد استعانت الحكومة الحالية بنفس ما آل إليه الحوار الاجتماعي في العام الماضي على عهد حكومة عباس الفاسي، واكتفى مشروع قانون المالية برفع الحد الأدنى للأجور في العام الحالي ب5 ٪ التي سبق وأن التزمت بها الحكومة السابقة في حوارها الاجتماعي مع النقابات. في مقابل محافظتها على تدابير إنعاش الشغل التي اعتمدتها الحكومة السابقة في برامج «إدماج» و«تأهيل» وبرنامج «مقاولتي» اقترح قانون المالية تدابير اخرى لانعاش الشغل تضاف للتدابير التي أقرتها الولاية الحكومية السابقة، وهي برامج مبادرة التي تهم التشغيل في الجمعيات العاملة في مختلف مجالات القرب والخدمات الاجتماعية والتربوية. وبرنامج «تأطير» يخص فئة حاملي الشهادات المعنيين بالبطالة الطويلة الأمد بوضع منحة شهرية لأعادة التأهيل لكل متدرب، وذلك في حدود سنة من التدريب. ثم برنامج «استيعاب» كنظام انتقالي تحفيزي لإدماج الاقتصاد غير المهيكل. في مجال جلب الاسثتمارات تقيد مشروع قانون المالية الذي أعدته حكومة عبد الإله ابن كيران بما سبق، وأن صادقت عليه لجنة الاستثمارات المشكلة في 2010، بهذا حافظت الحكومة على الغلاف الذي أقرته اللجنة ب90 مشروعا بغلاف استثماري اجمالي يصل إلى 60،17 مليار درهم، مشروع قانون المالية لم يكتف فقط بالمحافظة على المشاريع التي اقرتها لجنة الاستثمارات المكونة في عهد حكومة عباس الفاسي، بل حافظ على نفس توقعات مناصب التشغيل التي يمكن أن تحدثها المشاريع الاستثمارية، في هذا الصدد أكدت المذكرة التقديمية أن مشاريع الاسثتمار تلك من شأنها أن تخلق 22000 منصب شغل مباشر وقار. في مقابل حفاظه أيضا على المشاريع التي صادقت عليها لجنة الاستثمارات في العام الماضي، والتي بلغت 89 مشروعا بغلاف مالي استثماري إجمالي وصل إلى 92 مليار درهم، لم يأت المشروع على ذكر اية افق لملفات اسثتمارية يتوقع أن تعرضها الحكومة على اللجنة من أجل دراستها. في نفس شق الاستثمارات يبدو أن الحكومة الحالية ستحافظ على نفس البنيات التي أقامتها الحكومات السابقة في هذا ستكتفي حكومة عبد الاله ابن كيران بشبكة التجمعات الصناعية المندمجة المتوفرة لحدود الساعة (16 مجمعا صناعيا) دون إقرار تدعيمها بمجمعات أخرى. لم تحد الحكومة على سبيل المثال في مجال النقل عن ما كان مرسوما في برامج وطنية كبرى من نظير برنامج الطرق السيارة. في هذا المضمار بالذات حافظت الحكومة على نفس التوقعات السابقة باتمام العقد البرنامج المبرم بين الدولة والشركة الوطنية للطرق السيارة والذي يغطي الفترة ما بين 2008 و2015 الموقع بتاريخ 2 يونيو 2008 امام انظار جلالة الملك. الإصلاح الضريبي لم يسلم من نفس المعادة فقانون مالية حكومة عبد الإله ابن كيران استسلم فقط لمواصلة «الإصلاح» التي قررت في السابق، بالتخفيض من اسعار الضرائب المفروضة على الشركات وتقليص الاعفاءات غير المبررة وارساء نظام جبائي لانشاء القطب المالي للدار البيضاء. في نفس الاطار حافظ مشروع قانون المالية على فرض ضريبة مخفضة بسعر 15٪ لفائدة المقاولات الخاضعة للضرائب على الشركات. لم يحد قانون مالية حكومة عبد الاله بنيكران عن استنساخ ما قامت به الحكومات السابقة، في غالبه الأعم اكتفى مشروع القانون بتفعيل مقررات وتعهدات الحكومة السابقة بتنفيذ برامج وطنية كبرى أو بالمضي في تنفيذ تعهدات حكومية سابقة. كل هذا يعطي للمعارضة فرصة كبيرة لجر حكومة عبد الإله ابن كيران للمساءلة والانتقاد.