أكد رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، عمر عزيمان، اليوم الثلاثاء بالرباط، أن الجميع أصبح مدعوا إلى التفكير في التدابير اللازم اتخاذها من أجل تأهيل المهن التربوية وتحديد السبل الكفيلة بمعالجة التعثرات والاختلالات في اتجاه تحسين الخدمات والارتقاء بأداء الفاعلين التربويين. وأوضح عزيمان في كلمة بمناسبة افتتاح أشغال ندوة ينظمها المجلس على مدى يومين في موضوع "تأهيل مهن التربية والتكوين والتدبير والبحث، أساس الإصلاح التربوي"، أن اتخاذ هذه التدابير ينبغي أن يتم ضمن مقاربة قوامها أن يتحمل، كل حسب موقعه ومهامه، المسؤولية الملقاة على عاتقه وأن تشتغل جميع المهن على نحو منسق ومتضافر، بما يجعلها في خدمة التأهيل المستمر للمدرسة المغربية. واعتبر أن المنظومة التربوية تعاني من اختلالات متعددة وعميقة كان لها بالغ الاثر على المكانة غير المشرفة للمغرب في التصنيفات الدولية، موضحا أن مظاهر النقص المرتبطة بالإنصاف وتكافؤ الفرص قائمة، فيما تظل نسب الانقطاع والهدر المدرسي مقلقة. ومن أجل تغيير هذا المسار، يضيف رئيس المجلس، كان من الضروري "القطع مع تشاؤم العقل والمراهنة على تفاؤل الإرادة"، وهو ما تم القيام به جماعيا من خال الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، التي تضم 23 رافعة للتغيير، وتضع تأهيل المهن التربوية والنهوض بها في مقدمة رافعات التغيير الحاسمة. ولفت إلى أنه إذا كان النقاش حول حجم ومدى مساهمة الفاعلين التربويين في تدهور المدرسة يعتبر غير مجدي، لأنه سيظل غير قابل للحسم، فإن الحقيقة التي لا مجال للشك فيها تتمثل في اليقين الثابت بحتمية دور الفاعلين التربويين في تأهيل المدرسة، بوصفهم القوة الحاملة للتغيير. وسجل عزيمان أن "زمن التردد والتوجس قد ولى، منذ أن أضحت لدينا رؤية واضحة، وخارطة طريق دقيقة ومحدد التوجهات والأهداف مدعمة بمقاربة توافقية"، مضيفا أن "الدولة بكل بمستوياتها، والمجتمع بشتى مكوناته قررا الانطلاق في العمل الحازم من أجل إيقاف مسلسل التدهور والانخراط في دينامية التغيير". من جانبه، أكد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بلمختار، في كلمة بذات المناسبة أن الوزارة تنكب حاليا على اتخاذ جملة من المشاريع تروم بالأساس تحسين مؤهلات الأطر التعليمية التي سيجري توظيفها مستقبلا، لاسيما من خلال تنظيم دورات للتكوين الأساس لفائدة المدرسين، وتكوين مسؤولي الإدارة البيداغوجية، علاوة على مراجعة آليات تكوين المفتشين. وبخصوص تعزيز قدرات الموارد البشرية قيد الخدمة، أشار بلمختار إلى أن الوزارة تراهن على مواكبة وتكوين المدرسين ومديري المؤسسات التعليمية، وذلك لمواجهة الإكراهات المسجلة حاليا، من قبيل غياب دورات تكوينية مهيكلة والتوظيف المباشر بدون تكوين أساس وغياب روح الفريق داخل المؤسسات التعليمية، علاوة على ضعف التتبع والتأطير المستمر لأداء مديري المؤسسات التعليمية. كما شدد الوزير على أهمية مراجعة النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر، معتبرا أن النظام الحالي قد استنفذ أغراضه ولم يعد يواكب المتغيرات وتطلعات المنظومة التربوية ولا يغطي كل الأنشطة ذات الصلة بالوسط المدرسي، علاوة على أنه أصبح غير ملائم للتطلعات التي تراهن عليها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030. وأبرز أن النظام الأساسي الجديد سيأتي بعدة مستجدات من بينها على الخصوص تجميع المهن في أربعة أقطاب (المدرس، و الشأن البيداغوجي والإداري، والتأطير والتقييم والتوجيه، والمراقبة والتدقيق البيداغوجي)، فضلا عن الارتقاء بالموارد البشرية ومهن التربية وتعبئة مختلف الفاعلين حول المدرسة. أما الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، جميلة المصلي، فقد أبرزت من جانبها أن الاهتمام بمهن التكوين وتأطير البحث العلمي بالتعليم العالي شكل انشغالا استراتيجيا بالنسبة للوزارة، مذكرة بالهدف العام المسطر في البرنامج الحكومي الذي رهن استعادة ريادة الجامعة المغربية في التكوين و الإشعاع والبحث العلمي بالاعتناء بالأستاذ الباحث. وأضافت أن الوزارة قامت باتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات الهادفة إلى تثمين عمل الأساتذة الباحثين، وتحسين ظروف مزاولتهم لمهامهم، وتنمية قدراتهم المهنية، وذلك عن طريق توفير المزيد من المناصب المالية سواء في إطار التحويل أو المناصب الجديدة، وإصدار مرسوم الترقية من أستاذ مؤهل إلى أستاذ التعليم العالي واعتماد معايير جديدة لترقية الأساتذة المؤهلين إلى إطار أستاذ التعليم العالي، علاوة على تنزيل المقاربة التشاركية في تدبير القطاع. وأكدت العديد من الدراسات، تضيف الوزيرة، بأن التعليم العالي العابر للحدود سيتطور تجسيدا لحركية الطلبة والجامعيين والتكوينات والمؤسسات، و بأن البحث العلمي سيصبح أكثر عالمية وسيستمر في التأثر من طرف العمل التعاوني والمنافسة. وأشارت إلى أن النهوض بمهن التكوين والبحث العلمي حتى تتمكن من مواجهة التحديات وضمان ريادة الجامعة المغربية، يرتبط بالعديد من المحددات التي يمكن اختزالها في الولوج لمهنة التدريس والبحث، و التنمية المهنية و التكوين المستمر للأستاذ الباحث، فضلا عن المسار المهني للأستاذ الباحث، والتوازن بين حقوق وواجبات الأساتذة الباحثين. من جانبه، أكد عالم الاجتماع والمفكر الفرنسي، إدغار موران، أن المغرب انخرط بشجاعة في إعادة التفكير بشأن منظومته التعليمية، معتبرا أن العملية التعليمية تستوجب تسليط الضوء على العديد من القضايا السوسيو-اقتصادية والسياسية والحضارية على اعتبار أن التدريس ليست فقط مهنة بل مهمة إجتماعية. واعتبر أن المهم في التعليم ليس هو حشو عقول التلاميذ ب"معلومات جامدة ومعارف"، بل ينبغي أن تنفتح المدرسة على المجتمع للتعريف بقضاياه الحقيقية، مشددا على أن العديد من المعارف قد تفضي إلى "أوهام وأخطاء" وأن كل المعرفة يجب أن تعقبها عملية "تمحيص وإعادة بناء"، على اعتبار أن ثمة معلومات قد يراها البعض صحيحة وآخرون مجانبة للصواب. وأبرز أن الحقيقة تخضع في الغالب لدينامية الثابت والمتحول، لأن المعلومات المقدمة غالبا ما تركز على جانب معين من هذه الحقيقة وليس عليها برمتها، فضلا على أن الإيديولوجية تقف هي الأخرى في كثير من الأحيان بين الشخص والواقع، معتبرا أن المعارف الناجعة هي التي يتم وضعها في سياقها الواقعي الصحيح. وخلص إلى أن الأدوار الجديدة ذات الصلة بالمهن التربوية يجب أن تركز على "فهم الآخر"، لأننا نعيش داخل مجتمع في عالم أصبح قرية صغيرة ومتفاعلة، مما يستوجب من الجميع احترام الآخر. فالإنسان، حسب رأيه، هو نتاج المجتمع وأن هدم ركائز هذا المجتمع، بأي طريقة كانت، يفضي حتما إلى هدم ذات الإنسان نفسه، داعيا إلى الاستثمار في تكريس قيم التضامن، وذلك بدءا من المدرسة. يشار إلى أن أشغال هذه الندوة، التي يؤطرها أعضاء من المجلس وثلة من الخبراء الوطنيين والدوليين، المتخصصين في هذا الموضوع، تتضمن أربع جلسات تقارب على التوالي "الوضع الراهن للمهن التربوية وآفاقها" و"الاتجاهات والتجارب الدولية" و"تحسين جودة مهن التربية والتكوين والتدبير والبحث" و "تقييم مهن التربية والتكوين والتدبير والبحث".