بالرغم من التقدم الحاصل، الذي يعكس ارادة تطبيق توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لاتزال هناك عدة ثغرات واختلالات مستعصية، في مقدمتها اشكالية التعليم الالزامي، ونسب الهدر المدرسي المرتفعة، وضعف التحصيل الدراسي لدى التلاميذ، ومحدودية تكوين المدرسين، والولوج المحدود للتعلم بواسطة التقنيات الجديدة، والعجز في الحكامة. إاضافة الى التردد الذي طبع تطبيق توصيات الميثاق، وكلها عوامل اسهمت في عدم استكمال الاصلاح التربوي. فكيف يمكن ترسيخ المكتسبات وترصيدها، ورسم افاق جديدة لتحدسين مردودية المدرسة؟ مكن تقييم تطبيق الميثاق من جديد البؤر التي يجب التركيز عليها من أجل تجاوز التأخر الحاصل في انجاز الاصلاحات، وتدارك الاختلالات، وتأهيل منظومة التربية والتكوين، وتحديد معالم إنعاش دينامية الاصلاح المستمر. إن ما سيحدد روح وشكل إحياء هذه الدينامية المستمرة والملازمة لكل نظام تربوي، يتعلق بجملة من الاعتبارات المرتبطة بطريقة مباشرة الاصلاح التربوي وقيادة التغيير، وهو على العموم ما يصطلح عليه بهندسة التدبير والادارة التي تلعب في الواقع دور التأطير والدعم، اللذين يمكنان من ارساء الهندسة البيداغوجية. هكذا، يتعين الانكباب بواقعية على مساءلة بؤر الاختلال التي تعيق مباشرة التغيير، وتقف في وجه تحقيق الاصلاح الشمولي المنشود على المدى البعيد. الحكامة وتصور الإصلاح لقد شكل إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بدون أدنى شك، لحظة تاريخية بالنسبة لمنظومة التربية والتكوين على اعتبار التوافق الذي رافقه، والتوجهات التي رسمها للعشرية المذكورة. غير ان هذا النص المؤسس، وفي ضوء التقييمات المرتبطة بتفعيله، يطرح تساؤلات بخصوص بلورته واستيعابه من طرف الفاعلين المكلفين بتفعيله. ليس الميثاق مجرد مجموعة من التوجهات الاستراتيجية فقط، بل يتضمن كذلك مقتضيات عملية هذا الجمع بين ماهو استراتيجي وماهو عملي، جعل الميثاق يحل محل المخططات العملية. ومن ثم اعتبار ما تبلور من خلال الميثاق كافيا على مستوى التطبيق دون الحاجة الى جدولة للانجاز، او مقاربة لقيادة التغيير، أو طرق للتتبع والتقييم. هكذا، لوحظ من خلال تطبيق مقتضيات الميثاق، إطلاق أوراش، ولكن بطريقة مجزأة ومنقطعة ولم يتم وضع مخطط عملي إلا مع البرنامج الاستعجالي (2009) الذي انكب على مختلف توجهات هذا الميثاق وعلى جميع مستويات منظومة التربية والتكوين، وذلك من أجل اعطاء نفس جديد لتطبيقه. إن الميثاق، بادراجه لتوصيات مفصلة، يبرز بوصفه برنامج عمل اكثر منه ميثاقا يرسم المبادئ والتوجهات الكبرى للمدى المتوسط والبعيد. وبالتالي، فان تطبيقه، بالنسبة للمسؤولين يخضع لمنطق تقني صرف، بحيث أن اعتماد إصلاح المناهج مثلا، سيؤدي بالضرورة الى تطبيقها الفوري من طرف المدرسين، مما سيعجل بالرفع من مستوى تحصيل التلاميذ.. إلا أنه في الواقع، فأي إصلاح تربوي شامل يقترن بمسار معقد ومتشعب، يتطلب اولا ان يحظى بقبول الفاعلين واستيعابه له، ثم التحكم فيه وتملكه قبل تطبيقه من طرفهم. وفي مجال تفعيل الاصلاحات، تعتبر السيرورة سالفة الذكر ضرورية، لبلوغ نتائج ايجابية على مكتسبات المتعلمين، كما انه مسألة اساسية في قيادة التغيير وانجاح الاصلاح التربوي، والذي لا يمكن ان يتحقق الا مع مرور الوقت. وإذا أضفنا الى مسألة البطء الذي تتطلبه الاصلاحات لكي تعطي ثمارها، وما قد تعرفه من مقاومات من طرف الفاعلين، واختلالات في الحكامة، وعطل في قيادة التغيير، فان ذلك قد يزيد في تأخير الاصلاحات او يؤدي الى توقفها. من جهة أخرى، يهدف الميثاق الى إصلاح شامل يهم القطاعات الثلاثة للتربية والتكوين (التربية الوطنية، التعليم العالي، و التكوين المهني)، بمختلف مكوناتها، خلال عشر سنوات مع اعطائها توجهات تتجاوز العشرية، فهل يمكن اعتبار ما جاء به الميثاق مفرطا في الطموح بالنظر لوفرة ما يتطلبه ذلك من تغييرات هيكلية، ومباشرتها في آن واحد؟ إن عدم الاخذ بعين الاعتبار للزمن الذي يتطلبه الاصلاح التربوي الوازن الذي جاء به الميثاق، جعل تطبيقه معرضا للتجزيء و يتم في مدى قصير. جعل المدرسة في قلب الاهتمامات الوطنية والمحلية لقد كان الاهتمام منصبا في الفترة مابين 2000 و 2008 لدى المصالح المركزية، على إرساء الهياكل المؤسساتية، والإعداد لاصلاح المناهج والبرامج البيداغوجية. و هذا ما تطلب قيادة واتخاذ القرارات وإقرار الإجراءات والتدابير من أعلى. و من ثم، فان اثر الإصلاحات لم يصل دائما الى القسم. من المؤكد ان الوزارات المعنية تبقى هي المسؤولة عن تطبيق الاصلاحات ونجاحها، وعن مردودية منظومة التربية والتكوين. كما تعمل على تعبئة باقي القطاعات الوزارية وإحداث الالتقائية بين مختلف المجهودات لجعل المدرسة في صلب الاهتمامات الوطنية. وتتطلب تنمية التربية، خاصة في المجال القروي، تضافر الجهود والتقاء تدابير مختلف الوزارات والهيئات لتوفير الوسائل والبنيات الضرورية للمدرسة، كالكهرباء، والماء الصالح للشرب، والطرق، والصحة المدرسية، وسياسات محاربة الفقر والهشاشة، والرفع من مستوى عيش الفئات المعوزة. فنجاح المدرسة، وبالرغم من كونه مسؤولية القطاع الوصي، يبقى مسؤولية مشتركة يتحملها الجميع، وهو ما يفرض ضرورة تعبئة القطاعات الحكومية من أ جل دعم المدرسة وتطويرها. ومن ثم، فإن تغيير المدرسة من الاسفل في كل مؤسسة وداخل القسم يستلزم جعلها في قلب الاهتمامات الوطنية وترسيخها في الجماعة الترابية. كما يتعين أيضا جعل هذه الجماعة مسؤولة عن المدرسة وتلاميذها، فالحكمة الافريقية، تقول في هذا الشأن:" يجب تعبئة قرية بأكلمها لتربية طفل"؟ مشاركة واسعة للفاعلين تبين الابحاث المنجزة مع الاساتذة والمسؤولين حول الحكامة، أنهم لم يطلبوا إعادة النظر في مزايا الاصلاح التربوي، ولا في جودة توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وفي المقابل، فهم ينتقدمون الشروط التي تم فيها تطبيقه، وكذا الطريقة التي تم بها تنظيم الانشطة من طرف الفاعلين، الى جانب كيفية هيكلة المنظومة لعملها، والتواصل حول أهداف الاصلاح التربوي. يعبر عدم رضا الاساتذة والمسؤولين اثناء إجراء البحث معهم حول تصورهم لتطبيق الميثاق، وكذا الحكامة، عن غياب كل أشكال الحفز والتعبئة لدى العينات المدروسة. ولا يقتصر الامر هنا على الاساتذة فقط، بل يشمل ايضا باقي المسؤولين. ويكمن السبب في التعامل مع الاصلاحات التربوية باعتبارها تعليمات عليا بدل النظر إليها بوصفها مشاريع يسهم فيها المعنيون بالامر، إذ من الواضح ان الفاعلين غير متملكين للاصلاحات. في حين ان التغييرات الفعلية يتم القيام بها على مستوى الاقسام، ونمط تدبير المؤسسات، ونظام الحكامة، وبالتالي، فان نجاح الاصلاحات التربوية ر هين بانخراط الفاعلين في كافة مستويات منظومة التربية والتكوين، مما يستدعي اعتماد ونهج مبدأ المشاركة الذي تقوم عليه قيادة التغيير. عند بلورة الاصلاحات، يتضح غياب اعطاء اهمية خاصة للفاعلين المكلفين بقيادة التغيير اذ يرتكز الاصلاح التربوي على ضرورة تملكه من طرف فاعلين في الميدان، حاملين لمنظور متقاسم، وفهم لاهدافه المتضمنة لتشخيص مشترك لحالة منظومة التربية والتكوين، وانخراط فعلي في تغيير المدرسة، وقدرة على الدفاع عن الاصلاح بعزم واصرار. الامر الذي يقتضي اشراكهم في جميع مستويات المسؤولية في المنظومة واعتبارهم شركاء فعليين في التغيير على مستوى تصور المشاريع المبتكرة وانجازها. آليات اليقظة والتقييم يعتبر نقص مواكبة الاصلاحات بآليات اليقظة والضبط المحددة لنمط التتبع والتقييم، من بين نقط ضعف الميثاق الوطني للتربية والتكوين التي تبرز من خلال تقييم تطبيقه. إن تتبع تنفيذ الاصلاحات التي أوصى بها الميثاق، لم يتم بالاعتماد على نظام معلوماتي إجرائي يضمن تجميع المعلومات والمعطيات. و من ثم، فمن الصعب الحديث عن حكامة جيدة دون توافر معلومات ذات جدوى ومصداقية. و يجد التعليم العالي صعوبات كبيرة في تطوير نظام مندمج للمعلومات مبني على اطار مرجعي وترسانة من المؤشرات، تمكن من قياس وتقييم مختلف جوانب تدبيره. وتتوفر بعض الجامعات على نظام لتدبير الدراسة (APOGEE) ، إلا انه غير معمم، أما وزارة التربية الوطنية فقد بلورت نظاما معلوماتيا مندمجا، يتعين تحسين جوانبه الوظيفية والعملية لكي يوفر المعطيات اللازمة لتتبع المشاريع. أما قطاع التكوين المهني فيتوفر على عدة تطبيقات معلوماتية، الا انها ليست مندمجة في اطار نظام موحد. ويتم حاليا اعداد تطبيق سيشكل أرضية تمكن من إدماج معطيات تدبير مختلف القطاعات المتدخلة في التكوين المهني. هكذا، فا ن على منظومة التربية والتكوين ان تعمل على ترصيد مكتسباتها في هذا المجال، وتشجيع ارساء شبكات معلوماتية، تمكن من تبادل المعطيات في مختلف المجالات بين قطاعات التربية والتكوين، خاصة ما يتعلق بمجال التمدرس، والممرات، والتوجيه المدرسي. وقد سبق ان أوصى الميثاق الوطني للتربية والتكوين بإرساء »ثقافة حقيقية للتقييم« فمنظومة التربية والتكوين وكذا مكوناتها، لم تعرف انجاز اي تقييم، باستثناء بعض عميلات الافتحاص المفروضة على مؤسسات التكوين المهني الخاص في اطار المخطط. تحديات المستقبل: الإعداد لمدرسة الغد ماهو النهج الكفيل بالمساعدة على وضع منظومة التربية والتكوين على سكة التطور والجودة؟ يتجاوز الجواب عن هذا السؤال إطار هذا التقرير التقييمي. ومع ذلك، واستحضار للملاحظات التي سبق تسجيلها بمناسبة هذا التقرير، واعتمادا على الافاق الديمغرافية المستقبلية، تبرز التحديات الكبرى التي تواجه المدرسة المغربية مستقبلا، والتي يتعين على منظومتنا في التربية والتكوين رفعها في مستهل هذا القرن. ضغط ديمغرافي متزايد كان للتحول الديمغرافي بالمغرب، منذ بداية عشرية الاصلاح التربوي، اثر واضح في نمو اعداد المتعلمين من الفئتين العمريتين 15-17سنة و 18 - 24 سنة. ينتج عن ذلك أن الضغط في اعداد المتمدرسين، الذي تحملته المدرسة لحظة انطلاق الاصلاح، يميل الى التزايد في المستقبل، مع انتقاله الى مستويات التعليم التأهيلي والتعليم العالي والتكوين المهني. وهو توجه يستحق ان يؤخذ بعين الاعتبار مستقبلا في السياسات ذات الصلة بالعرض التربوي. تمويل التربية والتكوين إن أثر الموارد التي تم ضخها في منظومة التربية والتكوين بمختلف قطاعاتها، ظاهر للعيان، سواء على مستوى البناءات أو تجهيز الفضاءات الادارية والبيداغوجية مما مكن المنظومة التربوية من التزود بوسائل للتدبير سمحت لها بتحسين الخدمات التي توفرها. ومع ذلك، فإن ما أوصى به ا لميثاق الوطني للتربية والتكوين في ما يتعلق بتعبئة الموارد لم يتحقق كلية. فالدولة تظل، تقريبا هي المصدر الوحيد للتمويل، فيما تخلفت مؤسسات أخرى عن القيام بالدور المنتظر منها في الإسهام في تمويل المنظومة التربوية وفي مقدمتها الجماعات الترابية، ومؤسسات التضامن الإجتماعي من خلال رسوم التسجيل بالتعليم العالي، إلى جانب مساهمة "»الشرائح الإجتماعية ذات الدخل المرتفع". لقد أكد الميثاق على دور الدولة ومسؤوليتها في تحمل أعباء تعميم التعليم الإلزامي. غير أن التطور الديمغرافي والرهان على تحقيق نقلة نوعية في مجال التربية والتكوينة الجامعية، إلى جانب الدعم الذي يتوجب تقديمه للبحث العلمي، كل ذلك يفرض ضرورة تنويع مصادر تمويل منظومة التربية والتكوين. الفصل الدراسي كبؤرة للإصلاح كشفت نتائج تقويم التحصيل الدراسي للتلاميذ، محدودية أثر الإصلاحات المتعاقبة في تحسين المكتسبات. وإذا كانت جهود تعميم التعليم وتوسيع العرض التربوي قد حققت تقدما ملحوظا، فإنها تظل، مع ذلك، غير مكتملة. ورغم تنوع عوامل الإنقطاع عن الدراسة، فإن عامل المدرسة التي تفشل في الإبقاء على المتعلمين والاحتفاظ بهم طيلة مسارهم الدراسي داخلها، يظل قائما ومؤثرا. ينبغي أن تكون المدرسة فرصة حقيقية وليس إكراها. كما يتعين عليه توفير كافة إمكانيات نجاح جميع المتعلمين (ات) في مرحلة التعليم الإلزامي، مع تمكينهم من أس مشترك للمعارف والكفيات، وقواعد السلوك، والتمكن من لغات التدريس، واكتساب أس التجريد الرياضي والثقافة الرقمية المؤطرة. هكذا، فالمسألة في عمقها، تتعلق بتمكين المتعلمين (ات) من الأس الضروري من المعارف الخاصة بالقراءة والكتابة والتعبير والتفكير واستعمال الأدوات الرقمية والتكيف مع المحيط المتغير، وليس فقط بالحتفاظ بهم داخل المدرسة. لقد أسهم الميثاق الوطني للتربية والتكوين في إرساء بعض المكتسبات وبعض الممارسات البيداغوجية الجيدة، غير أن تفعيل وتعميم الإصلاح التربوي، بتبني مقاربة نازلة، لم يسمح للتجارب الناجحة من أن تفضي إلى تنافسية إيجابية وما تحدثه من آثار مفيدة في تحسين التعليمات. وعلى الرغم من وجود مبادرات واجتهادات ناجحة، فإنها تظل نادرة بالقياس إلى غلبة الممارسات السائدة التي لم تتمكن بعد من الارتقاء بالمدرسة وتطويرها. والحال، أننا في أمس الحاجة إلى تبني نهج يرتقي بالممارسات الجيدة داخل الفصول الدراسية إلى مستوى النموذج الذي ينبغي احتذاؤه والسير على منواله. يتطلب تغيير النموذج التربوي المرجعي، العمل على إعادة بلورة الأس المشترك للمعارف المراد إكسابه للمتعلمين (ات)، وإعادة صياغة مشاريع التجديد البيداغوي داخل الفصول الدراسية، بإجراء تجارب رائدة. مع التوجه نحو تفريد التعلمات استنادا إلى طرق بيداغوجية ملائمة تراعي الاختفاات بين المتعلمين (ات). في هذا الإطار، ينبغي انطلاق العملية الإصلاحية من الفصل الدراسي باعتباره بؤرة كل تغيير. لن تكون مدرسة الغد سوى مدرسة التعليم الإلزامي، التي تؤمن للمتعلمين (ات) اكتساب أس مشترك من المعارف والكفايات الضرورية، التي يمكن التأكد من حصولها عبر تقييم مكتسباتهم وتحصيلهم الدراسي، الأمر الذي سيسهم لا محالة في تحقيق هدف دمقرطة التربية والتعليم، وترسيخ تكافؤ الفرص. المسألة اللغوية داخل منظومة التربية والتكوين تكمن أهمية تقييم المكتسبات اللغوية للمتعلمين (ات)، في كونه يكشف ما يعانونه من نقص لغوي يعتبر أحد العوامل المعيقة لتحقيق سيرورة التعلمات المختلفة الأخرى. وانطلاقا من معطيات الدراسات المشار إليها في التقرير، يبين التقييم أن مكتسبات التحصيل الدراسي للمتعلمين ضعيفة جدا في القراءة والكتابة، علما بأنهما يكشلان الأس الذي تنبني عليه العملية التربوية بكاملها، والذي يمكن ن تحقيق باقي التعليمات المدرسية. لقد أوصى الميثاق الوطني للتربية والتكوين بتنويع لغات تدريس العلوم والتكنولوجيا، وتحقيق الانسجام في لغة التدريس بين التعليم الثانوي التأهيلي والتعليم العالي، وذلك "»ضمانا لأوفر حظوظ النجاح الأكاديمي المهني للمتعلمين»". كما اقترح" »تدريس الوحدات والمجزوءات العلمية والتقنية ا لأكثر تخصصا من سلك البكالوريا باللغة المستعملة في الشعب والتخصصات المتاحة لتوجيه التلاميذ إليها في التعليم العالي« (المادة 114) ولتحقيق هذا الانسجام، دعا الميثاق إلى العمل تدرييا خلال العشرية الوطنية للتربية والتكوين على »فتح شعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني والبيداغوجي على مستوى الجامعات باللغة العربية، موازاة مع توافر المرجعيات البيداغوجية الجيدة والمكونين الكفاءة« (المادة 114)، وهي توصيات لم تجد بعد طريقها للتطبيق. يلاحظ أن الخيارات اللغوية غير محددة بدقة، علاوة على عدم وضوح التخطيط اللغوي الذي من شأنه أن يمنح لكل لغة (العربية والأمازيغية كلغتين وطنيتين، اللغات الأجنبية، ولاسيما الفرنسية والإنجليزية) موقعا جليا داخل منظومة التربية والتكوين باعتبارها لغة تدريس ولغة مدرسة. هكذا، تتميز منظومة التربية والتكوين بعدم انسجام وعدم تماسك التخطيط اللغوي، مما يستدعى إعادة التفكير في السياسة اللغوية ببلادنا، في أفق تقيق التوازن الدائم بين مبدأ العدالة اللغوية، وبين مطلب التحكم في اللغات الأجنبية. تحولات مهمة التدريس عرفت مهنة التدريس، وماتزال، تحولات عدة علي مستوى العالم، بالتعليم الابتدائي والثانوي. لقد أصبح لازما اليوم الأخذ في الحسبان مجموعة من العوامل التي أضحت تحدد مواصفات مهنة التدريس، من قبيل: التحولات التي تشهدا الأجيال الحالية للمتعلمين (ات)، تغيرات ثقافة الشباب، التطور الحاصل في طرائق التعلم وتكنولوجيات الإعلام والاتصال والمضامين التربوية الرقمية... هكذا، انتقل دور المدرس من كونه مجرد ناقل للمعارف أو »معلم«، الى كونه منشطا وميسرا للتعلم، ومحفز للمتعلمين (ات)، مولدا لفضولهم المعرفي، بحيث يمكنهم من وسائل البحث عن الحلول للمشاكل المطروحة أمامهم. لذا، يلزم أن يتوفر المدرس على الكفايات التي تمكنه من الاجتهاد في تجديد طرق التعلم والتحفيز على الانخراط فيه بفعالية، وتنشيط الجماعة الفصلية، والإشراف على المتعلمين )ات) وتوجيههم في استعمال تكتولوجيات الإعلام والاتصال. ينبغي أن يتسبق النظام التربوي التحولات التي تعرفها، و ستعرفها مستقبلا، مهنة التدريس. ومن المعلوم أن التعليم عن بعد يغير طبيعة التأطير التبروي والتكوين المستمر للمدرسين (ات)، ويحقق التملك الدائم للمهارات العملية في مجال بيداغوجيا التدريس،وتقاسمها. انطلاقا من ذلك، تفرض التحولات الجارية في مهنة التدريس ضرورة اعتماد نمط جديد للتكوين الأساس والمستمر للمدرسين (ات)، حتى يتمكن التعليم من الاستجابة لمستلزمات الجودة، تثمين مهنة التدريس. أما على مستوى الجامعة، فإنه مهنة التدريس تعرف انتقالا سريعا من مستوى نقل المعارف، التي أصبحت متوافرة بكثرة ومتسرة للجميع، إلى مستوى التنشيط والإشراف على التعليم عبر الشبكة الإلكترونية (الإنترنيت)، وتأطير الطلبة وإعدادهم لممارسة البحث. لقد أصبحت التعليم عن بعد يغير وضيعات التعلم المألوفة، طالما أن العلاقة بالطالب (ة) تتم عبر وساطة تكنولوجيات الإعلام والاتصال، وذلك لمواجهة ومواكبة التوسع الهائل لإعداد الطلبة في بعض المسالك الجامعية. يتعين على المدرس في التعليم العالي، أن يستجيب لما تتطلبة مهنة التدريس في العالم الحديث، ولانتظارات الطلبة والمجتمع. وهي انتظارات تتركز على الحصول على شهادة عليا تتيح فرصة الحصول على شغل. وهذا يستدعي أن يتوفر الأستاذ بالتعليم العالي على قدرات ومؤهلات جديدة تسمح له بتحقيق التوازن بين التفكير النظري، والمعرفة، والثقافة، والمهارات العلمية التي تتطلبها مهنة التدريس بالمستويات العليا للتربية والتكوين. ينبغي على المدرس أن يتوفر على المؤهلات اللازمة لتجديد مهاراته البيداغوجية في عالم متميز بتسارع إنتاج المعارف وتحول الطرق البيداغوجية. يعكس خطاب المدرسين (ات) بشكل عام، سواء بالتعليم الابتدائي أو الثانوي أو العاليم، نوعا من الاستياء وعدم الرضى. ومع ذلك، فإن تعبئتهم، بوصفهم الفاعلين الأساسيين في منظومة التربية والتكوين، واستثمارات قدراتهم في الممارسات البيداغوجية، وانخراطهم في الحياة المدرسية والجامعية، كلها تشكل دعامات في غاية الأهمية لتحسين جودة التعلمات داخل الفصول الدراسية، ومكتسبات المتعليمن (ات) عبر ذلك. الجامعة في مواجهة التنافس الدولي يضع تدويل التعليم العالي الجامعات داخل شبكة من العلاقات التنافسية القائمة على الترابط والتفاعل. وتتحمل الجامعة المغربية مسؤولية مزدوجة تجاه المجتمع: الأولى تهم التنمية الاجتماعية، والثانية ذات طبيعة عالمية. وتفرض هذه المسؤولية الثانية أن تكون الجامعة فضاء لتوثيق العلاقات بالمجال الدولي، بغاية التحيين المستمر للمعارف، ونقل التكنولوجيا والمهارات العلمية البيداغوجية.. لقد أصبح انفتاح الجامعة المغربية على المجال الدولي أمرا ضروريا، خاصة بسبب التطور الحاصل في المعايير والأطر المرجعية المنظمة لحكامة ا لجامعات، وتدبير الموارد البشرية، والتنظيم البيداغوجي الذي ييسر حركية المنظمة لحكامة الجامعات، وتدبير الموارد البشرية، والتنظيم البيداغوجي الذي ييسر حركية الطلبة وانتقالهم من جامعة إلى أخرى، وأنماط نقل المعارف، وتنويع برامج التكوين، في ارتاط بتنويع المهن، علاوة على تقدم الإنتاج العلمي. في هذا الصدد، سيكون من المفيد استلهام التجارب والممارسات الناجحة على مستوى الجامعات، ولاسيما تلك التي حققت تقدما ملموسا في مجالات تحديث الحكامة الجامعية، وتحسين العرض التكويني، وتوفير الخدمات للطلبة، وتطور المعارف. إن تصنيف الجامعات، والمعايير المرجعية للجودة لدى أنظمة الاعتماد والتقييم الدولية، ومقايسة الإنتاج العلمي، تبرز جميعها التفاوتات القائمة بين الجامعات ذات الأداء العالي وبين غيرها بمختلف دول العالم. هكذا، تخضع مختلف جامعات العالم اليوم لتقييم واعتماد وتصنيف دولي. من شأن هذه الوضعية، تعريض الجامعة المغربية لاختبار التصنيف الدولي. وهو ما يدفع الي التفكير في بلورة استراجية وطنية لتطوير إمكانات هذه الجامعة على المستوى الدولي، دون تحويل ذلك إلى انشغال أولي مهيمن. وسيكون العمل على الرفع من مستوى بعض الجامعات المغربية لتستجيب للمعايير الدولية ، مناسبة للارتقاء بالنظام الجامعي والدفع الى المنافسة الإيجابية ومضاعفة آثارها على الجامعات المغربية، وخصوصا أن جامعات الغد، ينتظر منها أن تستقبل أعدادا متزايدة من الطلبة، وأن تنتفح أكثر على المجال الدولي. تحدي مهننة التكوينات وقابلية التشغيل تتزايد مسؤولية المدرسة في الاستجابة لمتطلبات القطاع الاقتصاد ولانتظارات المجتمع في آن واحد. وهذا ما يقتضي التنسيق والانسجام في ما بين قطاعات المنظومة الوطنية للتربية والتكوين أولا، وبينها وبين الفاعلين الاقتصاديين، والمقاولات، وسوق الشغل، بغاية الاستجابة للطلب الاجتماعي المتعلق بالإدماج المهني ثانيا. يقتضي رفع تحدي المهننة وقابلية التشغيل وجود تماسك وتقاسم للأدوار بين منظومة التربية والتكوين، وبين الوسط الاقتصادي، وعالم المقاولة وسوق الشغل الذي يحدد بوضوح حاجاته، عبر مرصد مختص في الشغل. خطر الفجوة الرقمية لقد تم نشر عدة معلوماتية كبيرة، في إطار برنامج "»جيني«" (GENIE)، الذي انطلق من تصور وطني منتهيا الى مستويات محلية تخص المدارس الابتدائية والموسسات الإعدادية والتأهيلية، بغرض تمكينها من الارتباط بشبكة الانترنيت، وتوفري البنية التحتية المعلوماتية، وتجيهزها بالقاعات الخاصة بالمعلوميات والحقائب متعددة الوسائط، وذلك رغم الإكراهات التي واجهها هذا البرنامج. وقد كان الهدف العام من هذه العملية ا لوطنية هو استباق خطر الفجوة الرقمية بين مدارس الوسط القروي ونظيرتها بالوسط الحضري، ورفع تحدي الدمقرطة الرقمية. إذا استثنينا الاختلالات التي ارتبطت بتطبيق هذا البرنامج الوطني، فإن إعداد الأجيال لاكتساب الثقافة الرقمية التمكن منها لا ينغبي أن ينحصر فقط في ولوج التكنولوجيا، بل يجب أن يمتد أيضا إلى إعداد النشء وتربيته للانخراط في "»الثورة 2.0«" والمرور من المضامين التي تولدها وسائل الرعلام، الى المضامين التي يخلقها الفرد، أي إلى انترنيت جماعي تشكل أساسا من الشبكات الإجماعية. في هذا السياق، ينبغي تربية حس اليقظة لدى المتعلمين (ات)، وتنمية قدراتهم على التمييز الإيجابي والاختيار بين العروض التي توفرها الشبكة الإلكترونية، وذلك لأجل تفادي السلوكيات اللامدنية التي يتضمنها العالم الافتراضي، والتحول إلى مواطني الشبكة الإلكترونية. ولهذا يتسعدي العمل في اتجاه تغيير النموذج المرجعي التربوي على مستوى طرق التعليم. تحدي مجتمع المعرفة عرف الإنتاج تقدما خلال عشرية تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، غير أنه ظل غير محلوظ على مستؤى المنظور الدولي ومعاييره. وهناك تحد كبير يتعين كسبه لأجل إرساء أسس تطوير البحث والإنتاج العلميين، يتعلق بغياب المجموعة العلمية، وتناقص الإمكان البشري المختص في البحث، بفعل تقلص عدد الأساتذة الباحثين الشباب الذين سيخلفون جيل الباحثين المتمرسين، إضافة إل ضعف مردودية سلك الدكتوراه. وإذا تمكنت الإنتاجات في مجال العلم الحقة، المنشورة باللغة الإنجليزية، من الظهور من جديد داخل قاعد المعطيات بالمجلات الدولية، فإن المنشورات في مجال العلوم الإنسانية، والمنشورة في الغالب باللغة العربية وغير الخاضعة لقواعد التصديق العلمي، لا تجد، في المقابل، طريقها إلى الاعتراف الدولي. وهذا ما يضع البحث العلمي، في المستقبل القريب، أمام تحد كبير يخص قدرته على أن يجد مكانه في مجتمع المعرفة. كسب تحدي الجودة تسهم قضايا كثيرة في بلورة إشكالية بمنظومة التربية والتكوين، لعل أهمها: تقييم الإصلاح البيداغوجي، وتكوين المدرسين، والحكامة، تحصيل المكتسبات الدراسية لدى المتعلمين (ات)، والمردودية الداخلية والخارجية للجامعات. انطلاقا من ذلك، فإن تحسين الجودة والتعلمات سيحتل في المستقبل مكانة مركزية على المستوى الوطني. وقد سبق للميثاق الوطني للتربية والتكوين أن رسم توجها حيويا في هذا الاتجاه لمنح فرص أفضل للتربية، عبر توسيع الولوج الى المدرسة، مع ضمان مزيد من الحظوظ للتمكين من استكمال التدمرس، وتحقيق الإنصاف وجودة التعلمات. يعرف ضمان الجودة في التربية تطورا ملحوظا عبر مختلف دول العالم. ويتم العمل على تحقيق تدابير الجودة عبر الدراسات والاختبارات الدولية، والافتحاص، والتقييمات، واعتماد البرام والمؤسسات، كما تتم بلورة معايير موحدة ملائمة لذلك. مما فتح المجال لظهور تنافس حول البحثعن علامات الجودة التي تمنحها هيئات التقييم والاعتماد. لذا، فإن منظومة التربية والتكوين ببلادنا، مدعوة إلى الاستجابة لمعايير الجودة المعتمدة دوليا.