لقد أمست قضية «تنمية الممارسة البيداغوجية» تتصدر القضايا الساخنة ضمن ملفات المنظومة التربوية في كثير من الدول ، خصوصا المتقدمة منها صناعيا، اقتصاديا، تكنولوجيا، وتربويا.. وأضحت الجودة خلال الظرفية الراهنة هدفا و وسيلة في الوقت نفسه) في حين يشكو فيه الحاضر التربوي في دول العالم الثالث من عدة نواقص و قصور وفي مقدمتها الإطناب المعرفي الممل والحشو المعلوماتي الرهيب الذي يميز المحتويات والبرامج على حساب الإبداع والابتكار .. لكن حقل التعليم و التعلم خلال السنوات الأخيرة شهد تطورات هامة لامست جل مكونات الفعل التعليمي التعلمي وكذا تمفصلاته وميكانيزماته وآلياته.. وتوجهت الأنظار بشكل مهم صوب الثروة البشرية حيث إن البلدان التي تعتبر اليوم قوى صاعدة هي التي استثمرت في الرأسمال البشري و حسمت باكرا إصلاح وملاءمة أنظمتها التربوية ، وبالتالي عرفت أدوار الممارس البيداغوجي الحديث تغييرات جذرية سواء على مستوى التكوين الأكاديمي أو على مستوى الممارسة الفعلية للعملية التعليمية التعلمية، حيث بات لزاما عليه مواكبة المستجدات التي تحدث على صعيد تطبيق المناهج و المقررات التربوية من جهة، و كذا على صعيد استراتيجيات تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية التكوين، ورسم الخطط البيداغوجية/الديداكتيكية المبرمجة من جهة أخرى، قصد تحقيق منتوج معرفي عالي الجودة ونسبة مهمة من الكفايات أثناء مزاولة مهمة التدريس داخل أسوار المؤسسة التربوية/التعليمية، من أجل ضمان التقدم المرغوب فيه، فضلا عن تفاديه (أي الممارس البيداغوجي) السقوط في فخ النمطية و التلقين الببغائي والوحدة و التسلط، أو في جميع الحالات السقوط في الأمية المعرفية التي تعيق، بشكل واضح، أداءه الديداكتيكي وتكبح استمرارية اشتغاله في ظل الظروف المتدبدبة وغير المستقرة التي تعرفها الممارسة البيداغوجية الحالية، و تساهم في إغراق الوضعية التربوية في دوامة السلبية والدونية واللاتوازن بين الكفايات المسطرة (الصناعة المدرسية) والواقع المعيشي وسوق الشغل (المنتوج المدرسي). الحال أن مسألة «تنمية الممارسة البيداغوجية» تعتبر مكونا غير قابل للإختزال، و بنية متكاملة يحكمها نسق محدد، كما تعتبر ذاتا لا تعرف الاستقرار؛ حيث تتشكل من جملة من الوظائف والتي تنهل بدورها من مجموعة من الفروع العلمية، وبالتالي فهي تعتبر مشروعا بيداغوجيا بخصوصيات مميزة، ومطلبا أساسيا للنهوض بأوضاع الحياة المدرسية بشكل عام. وكنتيجة حتمية لإبدال النظرة الماضوية التي كانت ولاتزال تحكم الفعل التعليمي التعلمي داخل المؤسسات التعليمية، ظهر ما يسمى ب “ التعليم الاستراتيجي “ على ساحة الممارسة البيداغوجية كبديل للتعليم التلقيني الذي يساهم في تقوقع أداء الممارس البيداغوجي من جهة، و إجهاض كل ممارسة تربوية تروم تجديد الفعل التعليمي التعلمي نحو الأفضل من جهة أخرى. لقد فرض «التعليم الاستراتيجي» نفسه كنمط حديث و فعل بيداغوجي (4) جديد يرنو إلى الرقي بمردودية عمليات التدريس وبأداءات الممارس البيداغوجي، وتحسين جودة نشاطاته التدريسية و تأهيل ظروف اشتغاله أثناء معالجة وضعية تعليمية تعلمية ما، وبالتالي من شأن هذا النوع من التعليم أن يحقق قفزة نوعية كبيرة في مجال التدريس خصوصا بالكفايات، وسيرفع بلا شك وتيرة التحصيل الدراسي، كما سيحقق النتاجات المعرفية الثقافية/الوجدانية القيمية/الحس حركية المهارية ذات الجودة العالية والتي تصبو إليها مختلف النظريات السيكوبيداغوجية وتنادي بها مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين، وتسعى إليها بشدة جل الإصلاحات التربوية على اختلاف تصوراتها الموضوعة وشعاراتها المرفوعة. إذن، لا مناص من تسليط الأضواء من جديد على أداء الممارس البيداغوجي، باعتباره حجر الزاوية في كل تجديد وإصلاح وباعتباره أيضا المنفذ الأول لجل الخطط الاستراتيجية المرسومة من أجل إخرج وضعية الممارسة البيداغوجية من إبدال الفعل التلقيني إلى إبدال الفعل الاستراتيجي؛ و في هذا المنظور يعد المدرس وسيطا Médiateur و موجها Catalyseur ومشخصا Diagnosticien ، حيث أصبحت أدوار الممارس البيداغوجي الحديث تعرف دينامية و حركية كبيرة جعلته يتقلد المهام الصعبة داخل الفضاء المدرسي بكل مكوناته، رغم أن العديد من المهتمين بالشأن التربوي يعتقدون أنه بمجيء ما يسمى بموجة الكفايات سيضمحل دوره و يتقلص نتيجة لظروف الاشتغال التي تغييرت، لكن الواقع يبرز أن أدوار الممارس البيداغوجي، على النقيض من ذلك، ازدادت حدة و أضحت مساحتها أكثر امتدادا و شساعة. إذن فالسؤال الجوهري الذي صار طرحه يكتسي صبغة الإلحاحية بامتياز داخل نسيقية المنظومة التربوية هو : ما هي الأدوار الجديدة للمدرس ضمن ما يسمى حاليا بحقل التعليم الاستراتيجي؟ في الواقع هناك ثلاث مراحل رئيسية يمكن التعريف من خلالها على أهم أدوار الممارس البيداغوجي الحديث، في هذا الحقل التعليمي الجديد الذي يدعى ( التعليم الاستراتيجي ) أو ( السيناريو البيداغوجي الاستراتيجي): أولا / مرحلة التخطيط البيداغوجي: إن التخطيط من أهم الأمور التي تسهم في تحقيق جميع أنواع المشاريع التي يضعها الفرد/الإنسان في حياته اليومية، والتخطيط مصدر خطة، وهي جملة الأساليب و التدابير التي يمكن القيام بها لأجل تحقيق هدف معين ، والتخطيط البيداغوجي لا يخرج عن هذه الدائرة؛ إذ يتضمن بدوره مجموعة من الإجراءات و الخطوات، وهو مرحلة من المراحل الحاسمة والتي من شأنها إعطاء الدفعة الإيجابية الضرورية للممارسة البيداغوجية نحو تحقيق نسبة عالية من المردودية المطلوبة، لذا وجب على الممارس البيداغوجي التحلي بالصبر والمسؤولية من جهة، و استحضار مهاراته الخاصة و إبداعاته الشخصية من جهة أخرى. ويؤكد، في هذا الباب، زيدان أن من بين السمات التي يتحلى بها المعلم الفعال؛ مستوى تأهيله الأكاديمي والمهني و قدرته على التخطيط الجيد للتدريس، و تنفيذه للخطة المرسومة بفعالية و نجاح، و إدارته للصف بشكل ناجح ، يضمن سيرورة فعالة لميكانيزمات الفعل التعليمي التعلمي، و هذه إحدى الخطوات البارزة التي يعتمدها الممارس البيداغوجي قبل مواجهة الجماعة الصفية بشكل مباشر: * يحدد الكفاية المطلوب اكتسابها من خلال الوضعية التعليمية-التعلمية المطروحة، * يحدد الهدف التعلمي-العقبة وفق الأهداف الوطنية ومكتسبات و قدرات التلاميذ (8)، * يدرس القدرات و المهارات و الاستعدادات الخاصة لتحقيق المبتغى و الغرض الوجداني/القيمي من الوضعية المدروسة، * يحدد بعض الصعوبات التي يمكن أن يصادفها المتعلم، خاصة تلك التي ترتبط بالتصورات أو بضعف التحكم اللغوي(9)، * يحلل المعارف النظرية و الإجرائية و الإشتراطية التي تكون الحمولة الديدكتيكية للوضعية المختارة، * ينتقي أنسب المشكلات حسب MINDER ( تلقائية Spontanés كانت أو محدثة Suscités أو مبنية Construites ) والتي من شأنها استفزاز الذات المتعلمة وإعمال الفكر وتحقيق التواصل المفضي إلى سرمدية الحوار التعليمي التعلمي بين أقطاب المثلث البيداغوجي. * يختار اللعبة/النشاط الملائم للكفاية و الهدف المسطر من قبل, * يتساءل عما إذا كان الهدف أو الكفاية و اللعبة/النشاط المقدمان يتوفران على التحدي المعقول وفق الفئة العمرية للمتعلمين و تساوقا مع تصوراتهم و تمثلاتهم و معارفهم السابقة كقيمة بيداغوجية إضافية. * يحدد الحمولة المعرفية التي يستلزمها الهدف/الكفاية المراد تحقيقه أثناء توظيف «المكتسب»، مع ضرورة استحضار المخزون المعرفي السابق للمتعلم, * يتصور العوائق الابستيمولوجية ( على اختلافها معرفية موضوعية كانت أو لغوية لفظية أو معرفية توحيدية أو منفعية براغماتية أو جوهرية أو إحيائية.. ) الممكن حدوثها أثناء تشفير رموز الفعل التعليمي التعلمي من لدن المتعلم، * يفكر في الإستراتيجية الناجعة لدعم المتعلمين الخارجين عن دائرة الاكتساب الايجابي للمكون التربوي_التعليمي, مرتكزا على أدبيات البيداغوجية الفارقية و التي تروم تعلم الاستقلال الذاتيكأساس لتحقيق النجاح النافع. ثانيا / مرحلة مواجهة الجماعة الصفية: تكتسي هذه المرحلة صبغة خاصة باعتبار الخصوصية التي تعرفها ثنائية التعلم_الإنتباه موازاة مع المواقف السيكولوجية التي تحكم علاقة المدرس بالمتعلم (ة) إذ من المعروف أن هناك عامل يؤثر في انتباه و تعلم التلميذ، يتحدد – كما أشار إليه الدكتور أحمد أوزي- في طبيعة العلاقة التفاعلية بين المدرس والتلميذ، ذلك أن العمل الجماعي داخل الفصل يتيح للمراهق (على وجه الخصوص) فرص تكوين شخصيته وإعدادها من خلال التعامل مع غيره من الأقران وفق علاقة و مبادئ محددة ، فضلا عن العطف و الحنان اللذان يسهمان في إقباله على عملية التعلم، مما يساعده على التخلص مما يضايقه و يعرقل دراسته. الحال أن هذه مرحلة تستلزم من الممارس البيداغوجي الكثير من المرونة في الأداء و الضبط الايجابي للصف أثناء التدريس (14) و الروح العملية و النفس الطويل، و الرغبة في التعليم و الحرص الشديد على الالتزام بمواعيد الدروس و الأمانة في تنفيذ ذلك (15)حيث يعتبر المدرس فعالا عندما يستطيع أن يجابه المواقف الطارئة ويتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب و بالتالي يسهم في تطوير آليات الممارسة البيداغوجية نحو الأفضل. و في ما يلي بعض الخطوات الرئيسية التي يتبعها الممارس البيداغوجي خلال هذه المرحلة: 1.2 أثناء التحضير: غني عن البيان أن التحضير الجيد للدروس يشكل العمود الفقري لأية ممارسة بيداغوجية ناجحة، و من المعلوم أن كلما كانت الممارسة البيداغوجية ناحجة إلا و كان فعل التعلم ناحجا، و يعتبر التعلم الناجح ذاك الذي ينشئ جسورا مع عناصر المعرفة الأخرى المكتسبة. و هذه بعض الخطوات الهامة، في سبيل تحضير موفق سيكوديداكتيكي من لدن الممارس البيداغوجي: * ينظم مجال الفصل و يدبر الزمن المدرسي وفق الأنشطة المسطرة، مع تحسس إيقاعات تعلم التلاميذ، * يستحضر ملابسات و ظروف الاشتغال المتضمنة للهدف التعليمي و الغرض البيداغوجي التربوي و الكفاية النوعية المستهدفة، زيادة على المعينات الديداكتيكية اللازمة ثم وسائل التقويم و أنشطة التقييم الملائمة للوضعيات التعليمية التعلمية المقترحة، * يثير المعارف المكتسبة السابقة على اختلافها؛ تصريحية، إجرائية، إشتراطية. * يقوم بتنظيم هذه المعارف وفق ما تستلزمه ظروف الممارسة البيداغوجية ( القسم المشترك مثلا) على شكل شبكة أو (خريطة الطريق) Feuille de route* * يدبر الأساليب البيداغوجية المختلفة وفق تعدد المهام و أشكال العمر)، * يبحث عن العلاقات التي تربط التعلمات المنجزة بعضها ببعض، * يأخذ بعين الاعتبار الفجوات الحاصلة على صعيد المعرفة الحقيقية و المعرفة المجهولة لدى المتعلم رغبة في استحداث أزمة معرفي تعليمية، * يتذكر ردود أفعال المتعلمين السابقة و على ضوئها يحضر كيفية توجيه المسار التعليمي التعلمي للوضعية البيداغوجية القادمة، * يعتمد تقنيات التنشيط المؤدية إلى رفع وثيرة التحصيل و التواصل المفضيان إلى تعاقد بيداغوجي صريح و إيجابي، * يفكر في تنويع وضعيات التعلم ( إلقاء، مفردن، متفاعل) (بغرض تحقيق الهدف المرسوم. 2.2 أثناءالإنجاز: إن فعل الإنجاز يقتضي، ضمن سيرورة الممارسة البيداغوجية الفعلية، جعل المتعلم (...) في قلب الاهتمام و التفكير خلال العملية التربوية، فضلا عن اتباع نهج تربوي نشيط, يجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي, والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي (20) ، كما يستلزم هذا الفعل توفر المتعلم على مجموعة من القدرات والمهارات والأدوات والتقنيات البيداغوجية التي تسهم في استنفاره لمجموعة مهمة من الموارد...وتوقظ ملكاته و استعداداته و تثير رغبته في الاشتغال و تمزج بين تمثلاته و دافعيته لجل المشكلات التي تصادفه، لأن الإنسان _ على حد تعبير جون ديوي john dewey _ يتعلم عن طريق حل المشكلات التي تواجهه، بالإضافة إلى أن المتعلم يتعلم ليس لأن الواقع موجود و يجب البحث عن فهمه، لكن لأن الفرد/الإنسان في بحثه عن فهم الواقع يحدث هذا الواقع. والإنجاز كفعل بيداغوجي قائم بذاته يعتبر مجالا واقعيا بالنسبة للمتعلم، و يشكل نواة اشتغاله، و بالتالي فهو في بحث مستمر عن هذا الواقع رغبة في فهم ميكانيزماته و تمفصلاته، فلا ينفك المتعلم يوظف لهذا الغرض كل ما يملك لتحقيق المبتغى ( الإستقرار الوجداني ..)، و في غياب تشغيل معقلن لآليات التفكير و ضبط محكم لفعل الإنجاز، تتعطل عجلة البحث ويفشل المتعلم في تجاوز العائق بمظهره السلبي ثم يتقوقع و يغدو إذ ذاك تعلمه آليا بلا جدوى داخل الحجرة الدراسية. إذن فالإنجاز محطة بارزة ضمن سيرورة الممارسة البيداغوجية بقوة الفعل، حيث يأخذ عدة وضعيات و صيغ تجعل منه لحظة حاسمة من اللحظات البيداغوجية؛ صيغة إنجازات شفوية: كالإجابة عن أسئلة شفوية يطرحها الإستاذ أو قراءة نص... صيغة إنجازات كتابية: كإنجاز تمارين كتابية على الألواح والدفاتر و الأوراق..(24) هذه إحدى الخطوات ذات الأهمية الكبرى والتي تسهم كثيرا في تحقيق إنجاز بيداغوديداكتيكي إيجابي من لدن الجماعة الصفية بقيادة الممارس البيداغوجي المحنك؛ * يحرص على أن تكون المشكلة التعليمية المقترحة حقيقية، وفي متناول الجماعة الصفية؛ لأنه من بين الصعوبات التي تعرقل التعلم هي إبعاد التلميذ عن أي نوع من الشكلات الحقيقية. * يضع المتعلم في وضعية مشكلة، و يساعده على اكتساب و تنمية المعارف التقريرية و الإجرائية و الشرطية. * يوضح المشكلة التعليمية التعلمية المقترحة بلغة سلسة قريبة جدا من المتعلم، و ذلك قصد جعله يشعر بالمتعة والحماس وهو منخرط في إيجاد الحل). * يحيل إلى تنظيم الفعل التعليمي التعلمي بتبيان استراتيجيات معرفية و ما بعد معرفية ( أدائية/سلوكية ) و ذلك من خلال: عملية التشكيل؛ الممارسة الموجهة؛ الممارسة الذاتية المستقلة. * يصل بالمتعلمين إلى إعادة تنظيم معارفهم المكتسبة، و تغيير شبكتهم الدلالية تدريجيا. * يساعد المتعلم على ربط معارفه ومكتسباته السابقة بتلك التي يتوصل إليها مما يجعله يبني معارفه وينمي كفاياته . * يتعهد بتثمين الجهود مع تشجيع فعل الإرادة التي يعرب عنها بعض المتعلمين. * يحرص دوما على وضع المتعلم موضع التقدم الذي يحرزه بأمانة، مع ضرورة تسجيل المؤشرات الدالة على هذا التقدم في بطاقة “ السير و المتابعة” الخاصة بكل متعلم. * يضع مؤشرات النجاح بطريقة تيسر نمط الاشتغال المعمول به ( المجموعات ...) * يحلل أخطاء المتعلمين – أثناء عملية الدعم البيداغوجي -، حيث من واجبه فهم العوامل التي أدت إلى ارتكاب الخطأ، و التفكير جديا في أسبابه بمعية المتعلمين، إذ يحدد في هذا الصدد J.M Zakhartchouk أنواعا عدة؛ البعض يعود إلى المتعلمين أنفسهم، و البعض الآخر يرجع بالأساس إلى المعرفة، و بعضها إلى التعلمات .. * يدعم التعلمات و يعمل على تتبيث التوقعات الصائبة و الاشتغال وفقها. * يضع نصب عينيه تعدد الذكاءات لدى المتعلمين ( فضائي، طبيعي، جسمي حركي، موسيقي، منطقي-رياضي، لغوي..). * يعيد الاستقرار،لدى الجماعة الصفية، على المستوى الوجداني و المعرفي. ثالثا/ مرحلة الإدماج: تكتسي بدورها هذه المرحلة صبغة خاصة باعتبارها المرحلة النهائية لمسار الممارسة البيداغوجية، و تشكل بالتالي الملامح الحقيقية للأداء الديداكتيكي الفعال و الناجح على جميع الأصعدة، و أي خلل يصيبها تفشل الممارسة البيداغوجية برمتها. عرف مصطلح “الإدماج” على عدة مستويات لغوية كانت أو نفسية أو بيداغوجية، و لكن يبقى التعريف الذي صاغه كزافيي روجيرس من أبسط و أنجع التعارف؛ إذ عرفه على أنه عملية نربط بواسطتها بين العناصر التي كانت منفصلة في البداية من أجل تشغيلها وفق هدف معطى. كما أنه نشاط ديداكتيكي من أجل استدراج المتعلم إلى تحريك المكتسبات التي هي موضوع تعلمات منفصلة (32). إذن يتضح أن مسؤولية جسيمة ستلقى على ظهر الممارس البيداغوجي، قبل المتعلم، قصد تحقيق نوع من الإدماج بين هذه المكونات التربوية كلها، إذ خلال هذه المرحلة سيصل بالمتعلمين إلى ملاحظة و معاينة إنجازاتهم بداية من خطة الانطلاق: · ما ذا تعلم؛ · كيف تعلم؛ · طريقة التعلم؛ · صعوبات التعلم؛ · استراتيجيات التعلم؛ · مايجب تحسينه. هذه باختصار شديد الأسئلة الستة التي من شأنها ضبط عملية الإدماج من طرف الممارس البيداغوجي بالشكل المناسب الذي يضمن مسارا جيدا لمراحل الفعل التعليمي التعلمي. ومجمل القول ليس بالغريب أن تتطور منظومة التربية و التكوين خلال الظرفية الراهنة برمتها، مع إعطاء الأولوية للعنصر البشري بوجه خاص، نظرا للتطور المذهل الذي بات يعرفه العالم في جميع الميادين؛ و كنتيجة حتمية لذلك فالممارسة البيداغوجية بالتحديد سيطالها التغيير و التجديد باعتبارها قطبا موجبا، يسهم بقوة في تأهيل المتعلم لمواجهة أزمات المستقبل. لكن تجديد المدرسة رهين بجودة عمل المدرسين، و إخلاصهم و التزاهم (33) ، فنجاح أي إصلاح و أي برنامج تعليمي يتوقف، في المقام الأول، على حد تعبير د لحسن مادي، على كفايات و قدرات المدرس” ة” (34)، لذا كان لزاما على كل الفاعلين التربويين بدون إستثناء إعطاء أكثر ما لديهم في سبيل تحقيق أفضل النتائج و بالتالي تبديد الصورة الهشة و الكاريكاتورية التي لازمت شريحة التعليم سنوات طوال. و ليقولوا للجميع أن المعلم فعلا كاد أن يكون رسولا، و بالتالي المساهمة الفعلية في قاطرة تنمية البلاد تنمية شمولية.. و تأكيدا للشعار القائل “ المدرسة داخل المجتمع و المجتمع في قلب المدرسة”. * باحث في علوم الديداكتيك و التربية بإمن تانوت