شبكة إجرامية متعددة الجنسيات، تهريب دولي للمخدرات، وشبكة من الصيارفة مهمتهم تبييض أموال قذرة عبر مراكز مالية عالمية ومشهورة، معطيات كشف عنها بلاغ الفرقة الوطنية للشرطة القضائية الذي تحدث عن تفكيك الشبكة المذكورة، وهو البلاغ الذي طرح العديد من التساؤلات حول بوادر ومؤشرات تظهر أن المافيا الدولية وتنظيمات الجريمة المنظمة بالمغرب أصبحت واقعا وهاجسا يؤرق القائمين على تدبير الشأن الأمني في ظل تطور السلوكات الإجرامية التي تتلاءم مع النمط المجتمعي المتقدم والمتطور الذي أصبح يعرفه المغرب منذ سنوات. المسار .. من «الريصاني» إلى «ترازبو» بالجنوب الليبي !فرقة مكونة من ثلاثين فردا من الدرك، معززة بأعوان السلطة المحلية. يتجهون مدججين بأسلحة نارية وكلاب مدربة في فيافي صحراء «الريصاني» ! وحديث عن حجز أزيد من سبعة أطنان من مخدر الشيرا، تم العثور عليها مخبأة بإحكام داخل حفرة ضخمة بمنطقة “ركون تابغريست” بالطاوس، أياما فقط بعد العثور على طنين من الشيرا في نفس الظروف بنواحي الريصاني. أخبار سرت كالنار في الهشيم قبل بضعة أسابيع بين أبناء قصور المنطقة بعد أن التقطت أعينهم مشاهد فرق الدرك، وهي تتنقل لأكثر من المرة بالمناطق المذكورة، قبل أن يضع بلاغ الفرقة الوطنية للشرطة القضائية حدا لتكهناتهم المتنامية. هل يتعلق الأمر بعصابة وطنية أم بشبكة تهريب دولية ؟ سؤال أرق المحققين رغم تكثيف الحملات لفك لغز القضية، بعدما تمكنت مصالح الدرك الملكي والسلطات المحلية من مصادرة كميات ضخمة من مخدر »الشيرا» على ثلاث مراحل متفرقة، بمنطقتي «الريش» و صحراء «الريصاني» شرق المملكة، حيث انتصبت ألغاز كبيرة أمامهم بشأن ظروف حجز هذه الكميات الهامة بمناطق لا تعتبر مسالك تقليدية ومعتادة لتهريب الحشيش. لتبدأ بعدها أبحاث معمقة وحملات تمشيط مكثف، مكنت من الاهتداء إلى بعض أفراد الشبكة المتورطة في حيازة هذا الكم الهائل من المخدرات وإخفائه في تلك المنطقة النائية البعيدة عن الرقابة الأمنية، حيث بلغ عددهم ثلاثة أشخاص مشتبه فيهم، إضافة إلى أصحاب الحقول التي تم العثور بداخلها على »الحشيش» مخفيا تحت جريد النخل. غير أن دخول الفرقة الوطنية على الخط عجل بتجميع خيوط القضية الشائكة، لينهي بلاغ الفرقة الوطنية ظهيرة أول أمس اللغط المتنامي، بالحديث عن «جزء من المافيا الدولية وشبكة يتكلف كل عنصر فيها بمهمة محددة يسهر من خلالها على نجاح تهريب المخدرات، وذلك بالإشراف على تأمين نقلها وتهريبها بعيدا عن المراقبة الأمنية بالمناطق الشرقية (عين بين مطهر، الرشيدية، الطاوس)، في اتجاه الحدود الجزائرية، ثم تتكلف شبكات أخرى على تأمين مرورها بالمسالك التي تنطلق من صحراء الريصاني في اتجاه الحدود الجزائرية المالية والحدود الجزائرية مع النيجر، إلى أن تصل إلى منطقة “تزاربو” بالجنوب الليبي ومنها إلى مصر» يتحدث بيان الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. شبكة متعددة الجنسيات برأس «ليبي» ! عدد المعتقلين لحد الساعة أربعة مواطنين ليبيين وخمسة مغاربة. أما المبحوث عنهم «فعددهم يفوق المقبوض عليهم، وصدرت مذكرات بحث دولية في حق العديد منهم في إطار تنسيق مع جهاز الأنتربول وأجهزة أمنية دولية»، يتحدث مصدر أمني. يحملون جنسيات مغربية وليبية وجزائرية و مصرية، ويتزعم الشبكة مواطن ليبي يدعى «عبدالرحيم . م» وينسق خطوطها أباطرة مخدرات وصيارفة من جنسيات عربية مختلفة. يتكلف كل عنصر فيها بمهام محددة، ومنها توفير وثائق تعريفية مزورة .. «لتسهيل حركتهم دون الوقوع في أيدي المصالح الأمنية، فيما يتكلف أشخاص آخرون بعملية صرف الأموال المتحصلة من هاته التجارة، ويودعونها بالخارج ليتم تحويلها عن بعد»، يقول نص البلاغ الأمني. مصدر مطلع يضيف «أن الأمر يتعلق بمجموعتين، الأولى تم إيقاف عناصرها الأسبوع الماضي بمدينة بضواحي البيضاء، وتضم أربعة عناصر من بينهم ليبيون، وتمت إحالتهم على الوكيل العام للملك باستئنافية البيضاء خلال الأسبوع الماضي». المصدر ذاته، أوضح أنه جرى التكييف القانوني للتهم المتابعين بموجبها على أساس أن الأمر يتعلق بتكوين عصابة إجرامية متخصصة في التهريب الدولي للمخدرات ومخالفة قانون الصرف والأحكام المتعلقة بالتصريح بالعملات الأجنبية، وكذلك الضوابط القانونية الخاصة بإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، والتزوير واستعماله والإقامة غير الشرعية والمشاركة. المجموعة الثانية والتي تهم كذلك مغاربة وليبيون، جرى اعتقالهم بمدن مختلفة، من بينهم شخص ليبي جرى اعتقاله مؤخرا بالدارالبيضاء، يواجهون نفس التهم مع «حيازة المخدرات والتعاطي لها وإخفاء أشياء متحصل عليها من جناية»، ومن المنتظر أن يتم إحالتهم على الوكيل العام الجمعة القادمة. وكشفت التحقيقات مع أحد المتورطين أن عضوا بالشبكة المذكورة كان يتكلف بتهريب مبالغ مالية نحو دولة خليجية ونجح في مرات عديدة في تهريب مبالغ بالعملة الصعبة عبر مطار محمد الخامس الدولي بالبيضاء، فيما أفاد زعيم الشبكة المفككة بالقيام بعشرات عمليات التهريب من سنة 2007 إلى تاريخ اعتقاله في مستهل مارس الجاري، مكنته من جني حوالي عشرات الملايير من السنتيمات، بتعاون مع شبكة من الصيارفة أحدهم مغربي يزاول المهنة بدون رخصة. ربطتهم علاقات مع بارون مخدرات مغربي و قبلتهم لغسيل الأموال .. «دبي» ! حلقة معقدة ومسلسل متشعب من التعاملات المالية المشبوهة التي أساسها الأموال المتحصلة من تهريب وترويج المخدرات على الصعيد الدولي، التي كانوا يتزودون بها من تاجر مخدرات بشمال المغرب، قبل أن يتم تهريبها برا عبر صحراء الجزائر إلى كل من ليبيا ومصر. وفي كل مرحلة يوجد شركاء ووسطاء، ينشطون باستعمال وسائل تكنولوجية متطورة للاتصال والتسويق. حركية دؤوبة و سيولة مالية هائلة عبر مراكز مالية بجنوب شرق آسيا و الصين، ثم تركيا ومصر ومدينة دبي الإماراتية، التي كانت المحطة الأساس في عالم تبييض أموال الشبكة، بمساعدة صيارفة اتضح أن غالبيتهم يمارسون المهنة بدون ترخيص. »حققت هذه الشبكة الإجرامية العديد من عمليات التهريب لكميات هائلة من مخدر الشيرا، وجنت من ورائها أموالا طائلة. وفي إطار سياسة المهام المحددة التي ميزت عمل هذه الشبكة كان يتكلف أشخاص آخرون بإيداعها بالخارح، ليتم تحويلها بعد ذلك إلى المغرب، وبالضبط إلى صيارفة غير قانونيين مخالفين في ذلك الضوابط القانونية في هذا المجال»، يوضح المصدر الأمني. بعد تعاظم الأموال المتحصلة لم يكن هناك من حل أمام زعيم الشبكة إلا اقتفاء تجارب المافيا الدولية في تبييض الأموال، وهو ما كشف عنه أحد المتهمين خلال التحقيق معه بخصوص الطريقة التي كانت تصل بها الأموال إلى المغرب، إذ أكد أن بعض المتعاطين لصرف العملات المختلفة بالمغرب، كانوا يسلمون المبالغ المالية إلى بعض المشاركين في أنشطة الشبكة، وذلك بتنسيق مع صرافين بكل من ليبيا ومصر، على أن يعمل هؤلاء على تحويلها إلى الأورو والدولار، وتحويلها إلى مدينة دبي الإماراتية، ثم يبعث جزء منها إلى المغرب بالدرهم، ويبقى الجزء الأكبر بدبي في شكل أرصدة بنكية بالعملة الصعبة. واعترف الصراف المغربي المعتقل، الذي تبين أنه لايتوفر على رخصة، خلال التحقيق معه بتنفيذه عشرات العمليات التي همت صرف العملات بتنسيق مع أحد أفراد الشبكة خلال سنة 2010، بلغت حدود أربعة ملايير سنتيم، إضافة إلى ثمان عمليات خلال سنة 2011، بمجموع أربعة ملاييرسنتيم كذلك، بالإضافة إلى ثمان عمليات أخرى سنة 2012 بمجموع مليار سنتيم، كما اعترف بتنفيذ مجموعة من العمليات مابين 2011 و 2012 مع شخص آخر ينتمي إلى الشبكة نفسها بمجموع مبلغ مالي بلغ سبعة ملايير سنتيم، بالإضافة إلى عمليات وتحويلات بنكية أخرى، ليصل مجموع المبالغ التي اعترف بالتصرف فيها حوالي 20 مليار سنتيم. المحجوزات .. سيارات فاخرة وأزيد من مليار سنتيم ! المكان ؟ حي النجد(1) بسيدي يحيى بمدينة وجدة، والزمان ؟ صباح يوم الأحد 12 مارس الجاري. ضباط من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يتوجهون نحو منزل بالحي المذكور. بعد لحظات يتم العثور على صندوق حديدي ضخم به أزيد من مليار سنتيم على شكل رزم مالية لأوراق نقدية من فئة 200 درهم. بينما صاحب المنزل لم يكن غير أحد أفراد الشبكة الإجرامية التي بدأ أفرادها في السقوط كأوراق الخريف في يد عناصر الفرقة الوطنية بمختلف المدن. المبلغ المذكور كان من بين أول المحجوزات التي كشف النقاب عنها، والتي تتعلق ب 16 سيارة فاخرة من نوع «الرانج روفر» و «بورش» و«مرسيدس» و «BMW»، وشاحنة، وهواتف نقالة، وبطائق ائتمان بنكية، وعينات من مخدر «الشيرا»، ومبلغ مالي بالعملة الصعبة قدره 7770 أورو، بينما المبالغ المالية المحجوزة بمدينة وجدة، والتي كانت مخبأة بإحكام في خزنة حديدية، بلغت أكثر من مليار وأربعمائة مليون سنتيم (14.379.650مليون درهم). آخر الأخبار : توقيف عنصر بالشبكة ب «مكناس» مسلسل اعتقال أفراد الشبكة الدولية مازال متواصلا. مساء أول أمس فرقة تابعة للمركز الترابي للدرك الملكي بمدينة مكناس، تعتقل أحد المشتبه فيهم في شبكة المخدرات الدولية. الشخص المذكور ألقي القبض عليه مساء أول أمس في منزله، وحسب معطيات دقيقة من مصادر عليمة، فالبحث مازال جاريا عن أشخاص آخرين يوجدون في حالة فرار، وعمليات البحث جارية بشكل دقيق بخصوص ارتباط بعض الأشخاص بنشاط الشبكة المذكورة، وأن الأيام المقبلة ستكشف مفاجآت مثيرة. وحسب المصادر ذاتها، فإن المشتبه فيه يعتبر من أثرياء المدينة، ومن المنعشين العقاريين الكبار، يملك عقارات وضيعات فلاحية كبيرة.