أحال وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بخنيفرة، مؤخرا، كُلّا من رئيس و أمين مال المكتب المسير لودادية سكنية و أحد المضاربين العقارين على قاضي التحقيق من أجل تعميق البحث معهم فيما ورد بشكاية تتهم الثلاثة ب"النصب و الاحتيال و خيانة الأمانة". قرار ممثل النيابة العامة تحريك المتابعة في حق المتهمين الثلاثة، نتجت عنه هزات ارتدادية ضربت عددا من الوداديات و التعاونيات السكنية التي سارع منخرطوها إلى المطالبة بعقد جموع عامة من أجل توضيح الوضع المالي لهاته الوداديات، خاصة أن أغلبية المكاتب المسيرة تعرف ضعفا في الحكامة و لا تولي احتراما لقانونها الداخلي بل و لم يسبق لغالبيتها أن عقدت جموعها العامة السنوية حسب ما تنص عليه قوانينها الأساسية، كما لم تقم أبدا بتجديد مكاتبها المسيرة بالرغم من انتهاء فترة ولايتها… ويعود تاريخ تأسيس أول ودادية سكنية بخنيفرة إلى سنة 1991، و منذ ذلك التاريخ عرف المجال العمراني للمدينة، حسب أرقام رسمية، تأسيس ما يقارب 150 ودادية منها من حققت أهدافها و منها التي في طور التنفيذ فيما بعضها الآخر يتخبط في مشاكل تتراوح بين ما هو مالي و ما هو عقاري، و بين هاته و تلك قدرت مصادر "الأحداث المغربية" رقم معاملات الوداديات و التعاونيات السكنية بخنيفرة بما يفوق الخمسين مليار سنتيم تتوزع بين اقتناء الأراضي و تجهيزها… لكن و في ظل الركود الاقتصادي الذي يجثم على المدينة و إحجام المنعشين العقاريين عن الاستثمار في تجزئات سكنية، تمكن لوبي الفساد من التحكم في قطاع العقار بخنيفرة و استغلال ضعف الترسانة القانونية المنظمة للقطاع لتأسيس عدد من الوداديات السكنية المعفاة من الضرائب التي مكنت عددا من المضاربين و محترفي تأسيس الوداديات من تحقيق ثروات طائلة على حساب المنخرطين و المداخيل الجبائية للمجلس البلدي و الدولة… حيث أنه إذا كانت غالبية الوداديات قد توفقت فعلا في احترام البُعد الاجتماعي و التضامني الذي تأسست من أجله، و استطاعت، من خلال الالتزام بقانونها الأساسي و الداخلي، أن توفر لمنخرطيها سكنا لائقا و بأسعار معقولة، فإن نسبة مهمة منها قد جرى إفراغها من محتواها الاجتماعي و تحولت إلى "بزنس" استفادت منه زمرة من المضاربين العقاريين و محترفي تأسيس الوداديات الذين وجدوا في هذا النوع من النشاط العقاري وسيلة للاسترزاق و الاغتناء غير المشروع، وسيلتهم في ذلك ما يتحصلون عليه ك"نوار" عند اقتناء أرض الودادية عبر كتابة عقدين للبيع مع البائع، أحدهما يحمل ثمن منخفض مصرح به لمصلحة الضرائب و باقي الجهات المعنية، و الثاني وهمي بسعر مرتفع بعشرات الملايين عن ذاك المصرَّح به للمصالح المختصة والمنخرطين، فيما يذهب الفارق بين الثمن الحقيقي و الوهمي إلى الحسابات البنكية لأعضاء مكتب الودادية… و فضلا عن "الكاش" يتحصل محترفو الوداديات أيضا على مقابل عيني عبارة عن بقع أرضية، حيث يحرصون على التنصيص بالقانون الداخلي للوداديات على استفادة أعضاء المكتب المسير مجانا من بقع أرضية في ضرب لمبدأ مجانية العمل الجمعوي الذي تتأسس عليه الوداديات طبقا لمقتضيات ظهير 1958، فضلا عن استفادة هاته الفئة من محترفي الوداديات من اكثر من بقعة في اكثر من ودادية سواء باسمائهم الحقيقية أو بأسماء أقاربهم . و لا يقف جشع محترفي الوداديات عند هذا الحد، بل منهم من يعمد إلى استغلال حسن نية المنخرطين للقيام بتحويل الرصيد المالي المتحَصَّل عليه من دفعات المنخرطين في "مشاريع استثمارية" لا علاقة لها بأهداف المشروع السكني الذي من أجله كان الاتفاق على جمع هذه الأموال، فيما لا يتردد البعض الآخر في الدخول في مفاوضات "تحت الطابلة" مع المقاول الفائز بصفقة تجهيز الأرض التي تقيم عليها الودادية مشروعها السكني.. و عن ذلك قال محمد المسكاوي،رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، في تصريح ل"الأحداث المغربية"،أن نظام الوداديات والتعاونيات السكنية و بعدما ظهر بالمغرب كشكل من اشكال التضامن الجماعي لإقامة السكن الرئيسي لمنخرطيها مستفيدا في ذلك من الإعفاءات الضريبية المقدمة في هذا المجال كنوع من التحفيز، غير أنه لوحظ خلال السنوات الأخيرة أن التدخل القوي للدولة عبر منتوجات سكنية متنوعة فتح عدة مناطق للتعمير والبناء و أنتج معه ذلك لوبيات جديدة تنشط تحت يافطة الوداديات السكنية مستغلين الفراغ القانوني في هذا المجال وهو ما اصبح يتطلب وضع نظام قانوني خاص بالتعاونيات والوداديات السكنية حماية للمستفيدين ومحاربة لوبيات قطاع العقار وحتى تبقى ضمن أهدافها النبيلة أي توفير السكن الرئيسي بأثمنة في المتناول. و لوضع حد لتلاعبات المضاربين و محترفي الوداديات، يدعو محمد المسكاوي إلى الإسراع بوضع تشريع قانوني جديد للوداديات السكنية يأخذ بعين الاعتبار التراكمات الحالية ويضبط نشاط المؤسسين والمستفيدين مع الحفاظ على شرط السكن الرئيسي للمستفيد عكس ما نراه اليوم حيث بعض المستفيدين تحولوا الى سماسرة للعقار من خلال الاستفادة من التحفيزات الضريبية وإعادة بيع الشقق أو البقع الارضية بأثمنة تفوق كلفة الانتاج بفارق كبير، كما يجب التنصيص على العقوبات الحبسية في حالة مخالفة الضوابط القانونية لردع السماسرة… و "عموما فإنني أعتبر ان الحكومة اليوم مطلوب منها إعادة النظر في مجمل السياسات العقارية ببلادنا فرغم تنوع المنتوجات السكنية مازلنا نعاني من الخصاص في السكن للفئات المتوسطة ومحدودة الدخل ومزال المغرب يتوفر على أحياء كبيرة من دور الصفيح، وعلى الدولة أن تضع برنامجا حقيقيا لمحاربة كل التشوهات العمرانية وتوفير السكن اللائق والكريم للمواطنين وكفى من تسمين بعض الشركات العقارية المحظوظة التي استغلت النفوذ وأراضي الجموع وراكمت ملايين الدراهم مقابل منتوج سكني اجتماعي سيشكل قنبلة موقوتة للمغرب خلال السنوات القادمة منتوج يفتقد للشروط الاخلاقية والصحية وللنسيج الأسري المغربي"، يؤكد رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام. محمد فكراوي