استأنفت مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، الجمعة الماضية، سلسلة لقاءاتها الأسبوعية “كتاب ومؤلف”. إذ احتضنت المؤسسة قراءة في كتاب “العرب” للكاتب البريطاني “يوجين روغان”، الذي قدم لمحة عامة على كتابه الضخم الصادر سنة 2009، والذي ترجم إلى العربية في مطلع السنة الماضية. وقام بالتعليق على الكتاب أستاذ التاريخ المغربي لطفي بوشنتوف.استهل “يوجين روغان” محاضرته حول كتابه بمدخل عام اعترف من خلاله أن كتاب “العرب” موجه إلى القراء الغربيين، وهو يهتم بما يريده العرب، مشيرا إلى أنه يشكل عصارة فكرية وتاريخية استخلصها من تجربة شخصية امتدت على ثماني سنوات، قادته إلى لبنان ومصر والأردن. كما أكد أن الغاية من مؤلفه تروم تجاوز سوء الفهم القائم بين عالمين مختلفين ثقافيا وحضاريا ودينيا، حيث تقوم مهمته على جسر الهوة بينهما من خلال التعريف بالعرب وبتاريخهم وثقافتهم ودينهم، الخ. وبالرغم أن الكتاب صادر قبل “الربيع العربي”، فإن “روغان” يعترف أن الصورة، التي قدمها العرب عبر الحراك الثوري ضد المستبدين الحاكمين، جعلتهم يحظون باحترام العالم كله. لا غرابة أن نكتشف أن نبوءة ترد في كتاب “يوجين روغان”، المتخصص في التاريخ المعاصر للشرق الأوسط، مفادها أن الإسلاميين سيفوزون بأية انتخابات حرة ونزيهة تجري في العالم العربي اليوم. وهي نبودة أوردها العديد من الدارسين الأمريكيين، لعل أبرزهم “كارل براون”، الذي أكد في كتابه “الدين والدولة” الصادر باللغة الإنجليزية سنة 2004، حيث توقع هذا الكاتب آنذاك أن الإسلاميين سيصلون، يوما ما، إلى سدة الحكم، وهو ما حصل، حتى الآن، في كل من فلسطين ومصر والكويت وتونس والمغرب. إذ يكرر “روغان”، في خاتمة كتابه، أن الحقيقة “المزعجة” حول العرب اليوم تكمن في أن الأحزاب الإسلامية، تلك التي تعادي الولاياتالمتحدةالأمريكية، ستفوز حتما بالانتخابات إذا توفرت النزاهة والشفافية في عملية الاقتراع. لكن ما الذي يجعل “يوجين روغان” يطرح مثل هذه النبوءة، التي جاءت في وقت مبكر، نوعا ما، عن ثورات المجتمعات العربية؟ يجيب الكاتب أنه لم يكن ممكنا أن تتواصل العمليات الإرهابية ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية، باعتبار أن الإرهابيين لن يتمكنوا من إلحاق الأذى بها بعدما أحكمت سيطرتها على “المناطق الساخنة”، وهو ما سيدفع حركات الإسلام السياسي إلى تجاوز خيبات الآمال بتغذية الشعور بالانتماء الإسلامي كحائط صد ضد مظاهر “الغربنة” الجامحة. في هذا السياق، يرصد الكاتب هذه الخيبات بالعودة إلى تاريخ العرب منذ القرن السادس عشر، عندما احتل العثمانيون العالم العربي، باستثناء المغرب. غير أن “روغان” يؤكد أنه بالرغم من أن العرب كانوا يخضون لحكم مستبد يقوم عليه حكام محليون جائرون، إلا أن سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى كانت صدمة كبرى للوعي العربي، بحيث شكل هذا التاريخ بداية انتكاسة شاملة أمام الغرب سبقها إخضاع الجزائر بالقوة للهيمنة الفرنسية سنة 1830. وسيتعمق الشعور هذه الخيبة في النفس العربية عندما ستتحطم وعود الساسة البريطانيين على صخرة عصابة “الهاجانا” الصهيونية في أربعينيات القرن الماضي وقيام دولة إسرائيل على أنقاض الانتداب البريطاني في فلسطين. بعد هذه الحقبة المأساوية في تاريخ العرب، سيظهر بين العرب، كما يقول “روغان”، شعور قومي بالانتماء العروبي، كان من أبرز منظريه المفكر السوري ميشيل عفلق، الذي أسس حزب البعث. غير أن انتصار الحركات الوطنية في كل من مصر وتونس ولبنان يعني، في نظر الكاتب، التخلي عن الحلم القومي. إلا أن السياسات الاشتراكية، التي نهجتها الحركات الوطنية، خاصة في مصر والجزائر، فشلت في وضع العالم العربي على سكة التقدم. كما أدت المناهج القمعية، التي استخدمتها الأنظمة الوطنية العلمانية، بالكثيرين إلى تعليق آمالهم كاملة على الإخوان المسلمين وبقية الحركات الإسلامية. يقوم كتاب “العرب”، في سرده لهذه الأحداث التاريخية- وربما هنا تكمن ميزته- على اللجوء المتكرر إلى اقتباسات من أقوال شهود عايشوا أحداث معينة. فعلى سبيل المثال، يعود “يوجين روغان”، وهو طالب المفكر اللبناني المعروف ألبير حوراني صاحب كتاب “تاريخ الشعوب العربية”، إلى عبد الرحمان الجبرتي للحديث عن وصول جيوش “نابليون بونابرت” إلى القاهرة سنة 1798، أو إلى رفاعة الطهطاوي للحديث عن انطباع المصريين حول تقاليد الفرنسيين وعاداتهم في بداية القرن التاسع عشر. كما يعود إلى الملك فيصل، الذي فرضه البريطانيون ملكا على العراق سنة 1921 ، في كتابته عن رعاياه “البشعين”، مثلما يستشهد بكتابات سيد قطب عن الأصولية الإسلامية. ولا يعتمد الكاتب الكتابات الرسمية المعروفة، لكنه يعتمد، إلى جانبها، ما تردده الألسن عن أحداث شهيرة. فعلى سبيل المثال، يتوقف الكاتب عند حادثة شهيرة وقعت سنة 1906 خلال حفلة صيد، حيث قتل بريطانيون حماما في ملكية فلاح مصري من قرية دنشواي الواقعة في دلتا النيل. إذ جرح ضابط بريطاني خلال أحداث الشغب، التي تلت حفلة الصيد، والتي انتهت بمأساة إعدام أربعة مصريين والحكم على آخرين بالأعمال الشاقة أو بالجلد. فهذا الحادث أدى، حسب اعتقاد الكاتب، إلى ظهور مقاومة وطنية في مصر خلال العقود الموالية. كما يعود إلى أحداث مماثلة لتبرير ظهور المقاومة في كل من المغرب والجزائر وسوريا ضد القمع والعجرفة الاستعمارية الفرنسية خلال الفترة ذاتها. من جانب آخر، يعتبر الكاتب أن الإرهاب قد يؤدي أغراضه أحيانا، حيث يرى أن “ميناحيم بيغين” و”إسحاق شامير” قادا حملة إرهابية، خلال الأربعينيات، ضد البريطانيين في فلسطين، كان من أبرز تجلياتها تفجير فندق الملك داود في القدسالمحتلة (هنا لا بد من القول إن هناك من يرى هذا الحديث عن إرهاب البريطانيين مجانب للحقيقة التاريخية). إذ لعبت هذه الحملة الإرهابية الصهيونية ضد رعايا بريطانيا إلى الانسحاب من فلسطين، ليتركوا الفلسطينيين يواجهون مصيرهم أمام عصابات اليهود المنظمة، وينتهي الأمر بقيام دولة يهودية على أراضي عربية. محمد جليد