شكل حدث اكتشاف كتاب مجهول للكاتب العربي الراحل سنة 1914، جرجي زيدان، حدثا ثقافيا لافتا في فلسطين وبلاد الشام والقاهرة. وذلك بسبب موضوعه الذي يكتسب آنية هائلة، المتمثل في ما آلت إليه القضية الفلسطينية في مواجهتها للصهيونية. وقوة الكتاب آتية ليس فقط من كاتبه، الأديب والمفكر العربي الكبير جرجي زيدان، الذي تربت عي نصوصه أجيال كاملة من العرب، بل أيضا من التحذيرات التي تضمنها حول الحركة الصهيونية، واتساع الأراضي التي تمتلكها في فلسطين بدون تدخل من التاج العثماني لحماية بلاد الشام. الكتاب الذي حققه وأصدره كاتب مصري غير معروف، هو حلمي النمنم، صدر تحت عنوان: «الصهيونية.. تاريخها وأعمالها». ولقد كتبه جرجي زيدان بعد زيارته إلى فلسطين في بدايات القرن العشرين. ومن خلال مشاهداته رصد هذا الكاتب العربي المتألق ضمن كوكبة من كبار مفكري عصر النهضة العربي (ولد سنة1861، وتوفي سنة 1914) في كتابه هذا الذي يقع في 192 صفحة من القطع الصغير، كيف يتم تهويد المدن الفلسطينية، وفي مقدمتها مدينة «يافا» التي رأى فيها «أكثر مدائن فلسطين صبغة يهودية» في الاسواق والفنادق والمتاجر. وحذر أيضا من أن تصير فلسطين التي كان يصفها ب «بلادنا» باعتبارها جزءا من بلاد الشام، كلها للصهاينة، بسبب إهمال الحكومة العثمانية للفلسطينيين وتركهم بلا رعاية ولا تعليم ولا حماية. وشدد على أن روح الصهيوينة تتمكن من اليهود فيزدادون « تمسكا بالعنصرية... فكثرت الجمعيات التي تألفت لهذه الغاية» في الاراضي الفلسطينية وتأسست الجمعية الاولى لهم بأرض فلسطين عام 1879. علما أن الكاتب العربي جرجي زيدان، هو مؤرخ عربي مسيحي، ولد في بيروت وهاجر الى مصر وأصدر بالقاهرة في شتنبر 1892 مجلة «الهلال» الشهيرة، التي تعد الان أقدم مجلة عربية واصلت الصدور على الإطلاق. وله كتب قيمة كثيرة منها «تاريخ التمدن الاسلامي» و«تاريخ آداب اللغة العربية» و«تراجم مشاهير الشرق» اضافة الى روايات تاريخية شهيرة سمحت بنقل أحداث وشخوص تاريخية إلى مجال الأدب، والتي ساهمت في التربية المعرفية العامة بمختلف أسلاك التعليم بالعالم العربي ( وضمنها المغرب )، خلال أربعينيات وخمسينيات وسينيات وسبعينيات القرن العشرين. وفي مقدمة تلك الروايات، رواية «أبو مسلم الخرساني» و رواية «العباسة أخت الرشيد» ورواية «الامين والمأمون» ورواية «أحمد بن طولون» ورواية «فتاة القيروان» و «شجرة الدر» وأخيرا رواية «المملوك الشارد». وفي مقدمة كتابه الجديد الذي صدر بالقاهرة ضمن سلسلة «كتاب الهلال»، يؤكد محقق الكتاب، الذي هو في الآن نفسه، نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن كتابا عربا كانوا يحذرون منذ القرن التاسع « ويصرخون بأن ما يجري في فلسطين ليس هجرات عادية بل تهويدا كاملا، لا يهدف الى اقامة دولة على أرضها لليهود فقط بل يسعى الى طرد العرب الفلسطينيين منها. وكانت الاحداث تتحرك في فلسطين بصورة تنذر بكارثة». موضحا أن المهاجرين اليهود أولئك، منذ عام 1882، لم يكونوا هاربين من اضطهاد وانما كانوا يعتنقون الايديولوجية الصهيونية. ولقد نشر زيدان في مجلة «الهلال» عام 1913 مشاهداته عن رحلته الى فلسطين وهي رحلة لم يشر اليها أحد من الدارسين والمؤرخين لجرجي زيدان، ونسيها الجميع ولم تصدر في كتاب في ما بعد، مثل رحلاته الاوروبية. ومما يؤكده محقق الكتاب، أنه في شهر أكتوبر من سنة 1913 نشر جرجي زيدان في مجلته دراسة عنوانها «الصهيونية.. تاريخها وأعمالها» وظل يواصل النشر حتى توفي يوم 23 يونيو من سنة 1914، قبل أشهر من اندلاع الحرب العالمية الاولى التي شهدت نهايتها صدور «وعد بلفور» في الثاني من نونبر من سنة 1917 وتعهدت فيه بريطانيا لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين. علما أن جرجي زيدان، في مشاهداته تلك، كان حريصا على أن يمايز بين اليهود وبين الصهيونية. وقام برصد دقيق للكيفية التي « بلغت بها الجمعيات الصهيوينة أعدادا كبيرة، وأن مخططها هو تنشيط الاستعمار الاسرائيلي في فلسطين وسوريا. بما صاحب ذلك من إصدار صحف والسعي لإنشاء جامعة لتعليم العلوم باللغة العبرية، اضافة الى انشاء مدارس ومصارف ومعامل طبية وانشاء مستوطنات.