"لقد اجتمع المنتظم الدولي في القرن التاسع عشر ليعلن أن الرق يشكل إهانة لإنسانيتنا المشتركة. واليوم، يجب أن تقف الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص صفا واحدا للقضاء على جميع أشكال الرق المعاصرة، بما فيها السخرة (...) لنبذل معا قصارى جهودنا من أجل ملايين الضحايا في جميع أنحاء العالم الرازحين تحت نير العبودية والممنوعين من التمتع بحقوق الإنسان المكفولة لهم ومن العيش بكرامة"، بهذه الكلمات دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون، في إحدى رسائله الموجهة للمنتظم الدولي، إلى العمل على التصدي لأبشع جريمة ترتكب في حق الإنسانية. وبالرغم من النداء الاممي، لا يزال الاستعباد ممارسة شائعة في بعض المناطق من العالم، مع استمرار بعض مظاهر الرق كالقنانة والسخرة والاتجار بالبشر والاتجار لغرض نزع الأعضاء والاستغلال الجنسي، وأسوأ أشكال عمل الأطفال، والزواج القسري، وبيع الزوجات، ووراثة الأرامل، والتجنيد القسري للأطفال لاستخدامهم في النزاع المسلح، وكلها جرائم وانتهاكات صارخة لأبسط حقوق الإنسان. ولئن كانت تمت محاصرة ممارسة ظاهرة الاسترقاق في شكلها التقليدي حيث يبيع الإنسان أخاه الإنسان في أسواق النخاسة، فإن الأشكال المعاصرة لهذه الظاهرة التي تقع فريسة لها الفئات الأكثر فقرا وتهميشا مثل المهاجرين والنساء والجماعات العرقية والأقليات والشعوب الأصلية وغيرها، تسائل الضمير الإنساني وتدعوه إلى التحرك العاجل من أجل القضاء على هذه الجرائم التي ستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية، في وقت تتباهى فيه بالتطور المتسارع الذي تم تحقيقه وترقيها في مدارج التحضر والتمدن. وفي هذا الاطار، يولى المجتمع الدولي عبر منظمة الأممالمتحدة أهمية كبيرة لمحاربة هذه الظاهرة عبر التنبيه لها والدعوة الى سن التشريعات الوطنية والإقليمية والعالمية بهذا الخصوص، وما اليوم العالمي لإلغاء العبودية، الذي يتم تخليده في الثاني من دجنبر من كل سنة، إلا مناسبة لتعميق النقاش حول أسباب بعض مظاهر الاستعباد وانعكاساتها المأساوية على البشرية، وهو أيضا فرصة للاحتفال بذكرى الملايين من الرجال والنساء والأطفال الذين حرموا من أبسط حقوقهم، وكذا بأولئك الذين ناضلوا من أجل وضع حد لهذه الممارسة اللاإنساينة. ويتوخى الاحتفال باليوم العالمي ترسيخ مأساة الرق في ذاكرة جميع الشعوب، والتي برهن التاريخ على أن إلغاءها تطلب ردحا طويلا من الزمن، بسبب تضارب المصالح لاسيما الاقتصادية منها، والتي عرقلت صدور القوانين الأولى بهذه الخصوص، أو حالت دون تطبيقها دون أدنى محاسبة، مما تطلب حوالي ستة قرون للتوصل الى قانون ملزم وفعلي. كما تجمع العديد من المناسبات المنتظم الدولي حول قضية الرق، حيث يتم الاحتفاء يوم 25 مارس باليوم العالمي لذكرى مرور مائتي عام على القضاء على تجارة الرقيق عبر الأطلسي، وكانت الأممالمتحدة قد اعتبرت قبل ذلك سنة 2004 سنة دولية للاحتفال بمناهضة العبودية وإلغائها. وخصصت الأممالمتحدة ايضا جزء من آلياتها لمحاربة الرق المعاصر ومن بينها "الفريق العامل المعني بأشكال الرق المعاصرة: أسبابه وعواقبه، ثم استبدلت هذه الآلية سنة 2007 ب"المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالأشكال المعاصرة للعبودية". وفي هذا الصدد، تبنت الجمعية العامة تعريفا للإتجار بالبشر يظهر من خلاله اتساع دائرة مفهوم التجارة بالبشر أو الرق لتشمل ممارسات كثيرة معاصرة، محددة إياه في "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة، أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص، له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء". وقد اعترف المنتظم الدولي، من خلال إعلان المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، والذي انعقد سنة 2001 بدوربان في جنوب إفريقيا، بهذه المأساة، معتبرا إياها جريمة في حق الإنسانية. وأطلقت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو في شتنبر من سنة 1994 بويداح ( بدولة البنين) مشروعا ثقافيا بعنوان "مشروع طريق الرقيق"، الذي يتوخى محاربة الأحكام العنصرية المسبقة، وفهم العبودية والآثار الناجمة عنها والتحسيس بالمساهمة الإفريقية في جهات العالم الأربع. إلى جانب ذلك تم التوقيع على اتفاقية الأممالمتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود القومية والتي تروم محاربة تجارة البشر خاصة في صفوف النساء والأطفال، كشكل جديد من أشكال العبودية في العديد من مناطق العالم. إن مختلف هذه الجهود والمبادرات تجسد بالرغم من محدودية نتائجها، انشغال المجتمع الدولي بالمظاهر الحديثة لظاهرة العبودية وذلك في أفق التخلص بلا رجعة من هذه الممارسات التي تحط من قدر الإنسان وتنزع عنه إنسانيته. وتظل ترسانة القوانين الدولية آلية أساسية لمحاربة كل الأشكال المقنعة للعبودية، لكن استمرار استغلال البشر والسخرة في حق الآلاف من الأشخاص عبر العالم، يستدعي بالأساس العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان على أوسع نطاق، على أمل أن يتم الاحتفاء بهذا اليوم وقد تخلص العالم من ربقة هذه الظواهر البشعة.