أصبح الاتجار بالأشخاص ظاهرة عالمية تمس جميع المجتمعات الحديثة، وشكلا من أشكال الجريمة المنظمة الدولية التي تضخ موارد خيالية في خزائن العصابات الإجرامية، و أصبح العديد من النساء والأطفال وحتى الرجال يقعون ضحايا تجارة الرقيق في العصر الحالي. ويعتبر هذا النوع ثالث أكبر تجارة إجرامية بعد تجارتي المخدرات والسلاح، ويتم استدراج العديد من الضحايا إما بالإكراه و الخداع، فتنتفي حريتهم، وتسلب إرادتهم في التجول والاختيار، ويتعرضون لأقصى أشكال الإساءة الجسدية والنفسية الحاطة للكرامة الإنسانية والمهينة للحقوق المتفق على حمايتها دوليا. ومن العوامل التي تجعل الضحايا يقعون في شباك التجار: رغبة الأشخاص في تحسين أوضاعهم المعيشية، مساعدة الأقارب والأصدقاء في عملية الاتجار كسبا للمال ، حيث يصبح الإنسان عبارة عن سلعة تنتقل من وطنها إلى بلاد مستوردة ،يتم التغرير به طوعا عن طريق تقديم وعود كاذبة بتوفير فرص عمل بمرتبات مغرية ، ويتم ذلك عبر الاتصال المباشر ،أو عن طريق الإعلان في الجرائد و الصحف أو على مواقع الإنترنت، بعد ذلك يزود التجار ضحاياهم بوثائق و تأشيرات غالبا ما تكون مزورة، و ذلك مقابل سندات مديونية تضمن خضوع الضحية. وللتحسيس بخطورة هاته الظاهرة، التي أصبحت تنتشر يوما بعد يوم ، كان لزاما إصدار قانون زجري لردع مرتكبي هاته الجريمة وحماية الضحايا . فيلزم تعريف هذا النوع من الاتجار ( المبحث الأول)،و تعداد أنواعه(المبحث الثاني)، و ضرورة حماية الدولة-التي وقعت الجريمة داخل مجالها الوطني- للضحايا وإيواءهم و عودتهم إلى أوطانهم. (المبحث الرابع)و الدور الذي تلعبه الهيئة الوطنية و التعاون القضائي الدولي في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر(المبحث الخامس)،على أن نقترح العقوبات المتناسبة مع كل فعل جرمي ناجم عن هذا الإتجار )المبحث السادس.( المبحث الأول : تعريف الاتجار بالبشر: عرف بعض الفقه الاتجار بأنه : " كافة التصرفات المشروعة وغير المشروعة ، التي تحيل الإنسان إلى مجرد سلعة أو ضحية يتم التصرف فيها بواسطة وسطاء ومحترفين عبر الحدود الوطنية بقصد استغلاله في أعمال ذات أجر متدن أو في أعمال جنسية أو ما شابه ذلك، وسواء تم هذا التصرف بإرادة الضحية أو قسرا عنه أو بأي صورة أخرى من صور العبودية " . ونصت المادة السابعة من الاتفاقية التكميلية لإلغاء الرق، والاتجار بالرقيق والأنظمة والممارسات المشابهة للرق الصادرة سنة 1936، على أن المقصود بالاتجار بالرقيق : " - كل فعل بالقبض على أو اكتساب أو التنازل عن شخص من أجل جعله رقيقا، كل فعل اكتساب عبد لبيع أو لمبادلته. - كل تنازل بالبيع أو التبادل لشخص في حوز شخص من أجل بيعه أو تبادله ، وكذلك – بصفة عادة – كل عمل تجارة أو نقل للعبيد مهما كانت وسيلة النقل المستخدمة " وورد تعريف الاتجار بالبشر بالمادة الثالثة (أ) من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في سنة 2000، والمعبر عنه اختصارا ب "بروتوكول باليرمو".حيث يعد مرتكبا لجريمة الاتجار بالبشر "كل من استخدم بأي صورة شخصا طبيعيا أو ينقله أو يسلمه أو يأويه أو يستقبله أو يستلمه، سواء في داخل الدولة أو عبر حدودها الوطنية، إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة ، أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على اتجار بشخص آخر له سيطرة عليه، وذلك كله إذا كانت هذه الأفعال بقصد الاستغلال أيا كانت صورة بما في ذلك الاستغلال في أعمال الدعارة أو غيرها من أشكال الاستغلال الجنسي واستغلال الأطفال في ذلك وفي المواد الإباحية أو التسول، والسخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو استئصال الأعضاء، أو الأنسجة البشرية، أو جزء منها". من خلال هذا التعريف يمكن استخلاص ثلاثة عناصر جوهرية لهاته الجريمة : أولا : فعل الاتجار : مثل أفعال تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم. ثانيا : مقرون بوسائل معينة : مثل التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الإختطاف أو الخداع أو الاحتيال أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على الضحية . ثالثا: :بنية الاستغلال : أي استغلال دعارة الغير ، أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء . المبحث الثاني: أنواع الاتجار بالبشر وفقا للعناصر السالفة الذكر، يمكن تحديد أنواع الاتجار في البشر عن طريق الاستغلال في خمس أنواع : أولا : الاستغلال الجنسي ثانيا : السخرة أو الخدمة القسرية ثالثا : الرق والممارسات الشبيهة بالرق والاستعباد. رابعا : استئصال الأعضاء البشرية خامسا : التسول. إذن، يلزم لتحقق إثبات جريمة الاتجار تضافر العناصر الثلاثة، وفي حالة انتفاء أحدها، تخضع الجريمة غير المستوفية للعناصر الأنفة الذكر للأحكام المضمنة في قوانين جنائية أخرى، ويلزم التفريق بين الجرائم المشابهة لجريمة الاتجار. أولا : الاستغلال الجنسي : استخدم بروتوكول باليرمو العديد من المصطلحات الغير الدقيقة في القانون الدولي حول "أعمال الدعارة والاستغلال الجنسي " . وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المجرمين يمنحون عقود عمل لفتيات قاصرات، لكنهن يجبرن فيما بعد على ممارسة الدعارة، وغالبا ما تسحب منهن جوازات سفرهن، ويوقعن تحت الإكراه والتهديد، لإجبارهن على البقاء، ويتعرضن لشتى أنواع العنف اللفظي والجسدي، في إطار ما يطلق عليه بتجارة "الرقيق الأبيض" وهو عار هذا العصر على جبين الإنسانية . فالاستغلال الجنسي يشمل أيضا دعارة "الأطفال" وإجبار شخص ما على تقديم خدمات جنسية، أو على إنتاج مواد إباحية، وتجدر الإشارة هذا إلى أنه يجب تعريف" دعارة الأطفال" كما وردت في البروتوكول الاختياري الخاصة بأنها "بيع الأطفال مقابل مكافأة مادية، أو أي مقابل آخر". والجدير بالذكر أيضا أن النشاط الجنسي بين شخصي راشدين يخرج عن دائرة الاستغلال الجنسي. والمقصود بالاستغلال الجنسي: الأعمال الإباحية للأطفال، والبغاء، والاستغلال الجنسي للأطفال لأغراض تجارية. فيعرف استخدام الأطفال في الأعمال الإباحية باعتباره أي تمثيل بأي وسيلة بالطفل في نشاط جنسي واضح، سواء حقيقي أو ملفق، أو أي تصوير للأعضاء الجنسية لطفل لأغراض جنسية قصد إشباع رغبة البالغين، وقد يتم ذلك بواسطة كتب أو مجلات أو عبر شاشة تلفاز أو انترنيت. (حسب مفهوم التعريف الوارد في البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل). كما نص البند (ج) من المادة الثالثة من بروتوكول باليرمو كما سبق لنا الإشارة إليه بأنه "يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه، أو استقباله لغرض الاستغلال اتجارا بالبشر "و" كل مساس بحق الطفل في الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي ، يعاقب بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات ...) وكل من باع طفلا أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك من سلمه أو تسليمه أو نقلا باعتباره رقيقا ، أو استغله جنسيا أو تجاريا أو استخدمه في العمل القسري، أو في غير ذلك من الأغراض غير المشروعة " .هذا عن الأطفال، أما عن النساء، فالمرأة تستغل جنسيا عندما تنتفي إرادتها الحرة ، ويقع عليها الوطء والإيلاج في كل فتحات جسدها دون رضاها، وقد يتم استخدام مفاتنها الجنسية من خلال صور شمسية أو رقمية أو أشرطة فيديو تتضمن مشاهد خادشة للحياء العام . ثانيا : السخرة والخدمة القسرية : عرفت اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بالسخرة رقم تسعة وعشرين باعتبارها "كل عمل أو خدمة تؤخذ عنوة من أي شخص تحت التهديد بأي عقوبة ، والتي لم يتطوع هذا الشخص بأدائها بمحض إرادته لهذا يتم عادة استخدام الرجال والنساء اللذين تنقصهم المهارات في الأعمال الشاقة". لقد أخرجت هذه الاتفاقية بعض الأعمال من نطاقها ، حيث تضمنت الفقرة الثانية منها أنه" إلا انه فيما يتعلق بأغراض هذه الاتفاقية فان اصطلاح (السخرة أو العمل الإجباري) لا يتضمن: – أ – أي عمل أو خدمة تطلب بموجب قوانين الخدمة العسكرية الإجبارية بخصوص العمل ذي الصبغة العسكرية البحتة. ب – أي عمل أو خدمة تكون جزءا من الالتزامات المدنية الطبيعية للمواطنين في الدولة المتمتعة بالحكم الذاتي الكامل . ج – أي عمل أو خدمة تحتم على أي شخص بناء على حكم قضائي بشرط أن ينفذ هذا العمل أو الخدمة تحت إشراف سلطة عامة وعلى ألا يؤجر هذا الشخص لأفراد أو شركات أو أشخاص معنوية خاصة أو يوضع تحت تصرفها . د – أي عمل أو خدمة تفرضها حالات الطوارئ كحالة الحرب أو النكبات أو ما يهدد بوقوعها مثل الحرائق أو الفيضان أو المجاعات أو الزلازل أو الأوبئة العنيفة أو الأمراض الوبائية التي تتفشى في الحيوانات أو غزوات الحيوانات أو الحشرات أو آفات الخضراوات وبصفة عامة أية حالة تهدد بقاء أو رخاء السكان كلهم أو بعضهم . ه – يمكن اعتبار الخدمات العامة المحلية البسيطة التي من ذلك النوع الذي يقوم به أفراد المجتمع المحلي لصالحه المباشر بمثابة التزامات مدينة طبيعية تفرض على أعضاء هذا المجتمع بشرط أن يكون لأعضاء المجتمع أو لممثليهم المباشرين الحق في أن يستشاروا فيما يتعلق بمشروعية هذه الخدمات ". ثالثا : الرق والممارسات الشبيهة بالرق والاستعباد عرفت اتفاقية الأممالمتحدة الرق بأنه "حالة أو وضع أي شخص تمارس عليه السلطات الناجمة عن حق الملكية، كلها أو بعضها"، كما أن اتفاقية الأممالمتحدة التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والمؤسسات والممارسات الشبيهة بالرق، التي عرفته كما يلي .." 1- رابطة المديونية : استغلال الدائن للدين وإجباره على القيام أو تابعيه ضمانا للدين. 2- العبودية : إجبار شخص بمقتضى اتفاق أو عقد أو قانون على العمل وتقديم الخدمات لشخص آخر مقابل أو بدون أن يكون له حرية تغيير عمله. 3- أي مؤسسة أو ممارسة : - تعد أو تهب المرأة ضدا عن حقها في الرفض، قصد الزواج بمقابل مادي أو عيني لأهلها أو أسرتها أو الوصي عليها أو أي شخص آخر أو جماعة أخرى . - تورث المرأة لشخص أو عدة أشخاص عقب وفاة زوجها. - تسليم طفل أو فتى قاصر بواسطة والديه الطبيعيين، أو الأوصياء عليه إلى شخص آخر، سواء كان ذلك بمقابل أو بدون مقابل بهدف استغلال عمل الطفل أو القاصر، سواء كان ذلك بمقابل أو بدون مقابل بهدف استغلال عمل الطفل أو القاضي . للإشارة، فالقانون الدولي لا يعرف السخرة لكنه من المتفق عليه فقها وتشريعا أن الرق والممارسات الشبيهة بالرق ، تعتبر من أعمال السخرة . رابعا : استئصال الأعضاء البشرية يقصد بتجارة الأعضاء البشرية، أعمال البيع والشراء في الأعضاء البشرية مثل الكلي والأنسجة وقرنية العين ... بحيث تتحول تلك الأعضاء المستخلصة إلى سلع تباع وتشترى وبالتالي فهي تشكل اعتداءا سافرا على صحة البشر وسلامتهم الجسدية، خصوصا أن مروجي هاته السلع شبكات إجرامية منظمة دوليا تقوم عادة بغواية وخداع الأشخاص بقصد خطفهم فيما بعد من الدول النامية (أي الدول المصدرة للضحايا من دول شمال إفريقيا ودول الاتحاد السوفيتي، نحو الدول المتقدمة (أي الدول المستوردة المتمركزة في فضاء دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة ودول الخليج) فتستأصل أعضائهم – سواء كرها أو بالخداع – وتودع في أبناك الأعضاء البشرية . خامسا : التسول يعتبر الاستغلال في التسول أحد أشكال العمل القسري وهذا ما ما نص عليه بروتوكول باليرمو، وتضمنته إرشادات منظمة حماية الطفولة يونيسيف التي صنفت الاتجار بالتسول ضمن الأشكال المتعددة للاستغلال، حيث يتم إجبار الضحية على التسول، تحت التهديد لغرض الإيذاء الجسدي أو النفسي، لهذا يلزم على أجهزة الشرطة، باعتبارها المدافعة عن أمن واستقرار المجتمعات أن تتعامل مع الطفل المتسول برفق ورقة، وعليها واجب إعلام النيابة العامة للبدء بانجاز الإجراءات الخاصة بالضحية القاصر. المبحث الثالث:حماية و إيواء و عودة الضحايا إلى أوطانهم يقع على عاتق الدولة مسؤولية حماية ضحية الجريمة التي وقعت داخل حدودها الإقليمية )المطلب الأول( و حسن استضافته و إيوائه )المطلب الثاني( و ضمان عودته إلى وطنه في إطار التنسيق الإداري القانوني مع السلطات الأجنبية) المطلب الثالث ( المطلب الأول:مسؤولية الدولة في حماية ضحايا الاتجار في الأشخاص : يجبر العديد من الضحايا على ارتكاب جرائم ولا يعدون مسؤولين جنائيا أو مدنيا عنها، وطبقا لذلك لا يجوز محاكمتهم. ويلقي على عاتق الدولة مسؤولية حمايتهم ومراعاة إدماجهم في المجتمع في إطار الحرية والكرامة الإنسانية، حتى يتسنى لهم نسيان الجراح والبدء من جديد في خلق إنسان فاعل، يتمتع بحقوقه المكفولة دوليا، مثل حقه في السلامة الجسدية والنفسية والمعنوية، وحقه في صيانة حرمانه الشخصية وهويته، حقه في الاستماع إليه، وأخذ آرائه ومراعاة مصالحه بعين الاعتبار، في كافة مراحل الاتهام، وحقه في الاستفادة من المساعدة القضائية. ومن واجب المحكمة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الضحايا والشهود، وعدم الكشف عن هوياتهم، ورصد الجزاء الجنائي لكل من يعرض حياتهم للخطر، أو يكتشف هوياتهم أو يسهل اتصال الجناة بهم، أو بإعطائهم بيانات غير صحيحة تضر بحقوقهم، ويجب على مصالح الشرطة إخطار الضحايا بحقوقهم، بلغة يفهمونها، وينطبق نفس الوضع خلال مراحل التحقيق والمحاكمة ،كما يلزم إخطار الضحايا بحقهم في المطالبة بالتعويض المدني، مقابل الضرر الذي لحقهم. المطلب الثاني:احتجاز وإيواء ضحايا الاتجار : يكفل القانون الدولي استفادة الضحايا من خدمات الدعم والمساندة، والحق في شمولهم بالحماية القانونية شريطة موافقتهم الصريحة ، ويلزم على الدولة التي حدثت الجريمة داخل نطاقها الإقليمي، أن توفر أماكن استضافة الضحايا وتدبير اعتقالهم وشروط الاحتجاز والبقاء في أماكن منفردة عن تلك المخصصة لباقي الجناة لضمان عدم تعرضهم لأذى جديد. كما لا يجوز اعتقال الضحايا تعسفيا لأن في ذلك تقييد لحرية التنقل والتجول، ويحق للمحتجزين الطعن في قانونية احتجازهم ويلزم انجاز محاضر موقعة من لدنهم للموافقة على المكوث في أماكن الإيواء، كما يجب إعلامهم دوريا لحقوقهم وتنبيههم إلى أنه من حقهم تغيير رأيهم، ومغادرة مكان الاحتجاز في أي وقت يشاءون. المطلب الثالث:العودة إلى الوطن : يتوجب على الدولة إعادة الضحايا إلى بلدانهم في حالة إذا كانوا أجانب، أو كانوا لا يملكون أوراق إقامة دائمة، وربط الاتصال بوزارة خارجية بلده من خلال البعثات الدبلوماسية والقنصلية. تماشيا مع هذا الاتجاه نصت المادة الثالثة والثلاثون من اتفاقية الأممالمتحدة الخاصة بوضع اللاجئين : "لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا، أو ترده بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه، إلى فئة اجتماعية معينة، أو بسبب آرائه السياسية، فيحق له طلب اللجوء أو ترحيله إلى بلد ثالث، أو إصدار تصريح إقامة طويل المدى". لذلك يتوجب على الدولة، إجراء بحث معمق لكل فرد على حدة حتى تستنتج حجم المخاطر التي تنتظر الضحية في وطنه ولتجنب أذى محتمل طبقا لما نصت عليه المفوضية السامية للاجئين الخاصة بالحماية الدولية واتفاقية المفوضين الأوربية في شأن مناهضة الاتجار بالبشر . المبحث الرابع : دور الهيئة الوطنية و التعاون القضائي الدولي في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر: للهيئة الوطنية دور محوري في القضاء على جريمة الاتجار في الأشخاص )المطلب الأول ( كما تطمح المصالح القضائية إلى التعاون للقضاء على انتشار الجريمة)المطلب الثاني( المطلب الأول :الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص : يلزم إحداث هيئة وطنية مكونة من مصالح وزارة الداخلية والخارجية والعدل وكتابة الدولة المكلفة بالتضامن والأسرة، و أن يرأس هاته الهيئة قاض متمرس بالمجلس الأعلى، وتختص هاته الهيئة بمهمة وضع خطة عمل بالتنسيق مع المصالح المعنية ومع كافة الهيئات والمنظمات الدولية، وإعداد قاعدة بيانات للحد من هاته الجرائم وتعزيز دور الإعلام لفضح وتوعية الضحايا المحتملين، وضبط الرقابة على وسائل النقل بالحدود الوطنية وإعداد إحصائيات وتقارير حول المجني عليهم، ورفعها إلى أنظار رئاسة الحكومة للقيام بالإجراءات اللازمة لمكافحة الجريمة. المطلب الثاني :التعاون القضائي الدولي و مكافحة جريمة الاتجار بالبشر تتعاون السلطة القضائية مع السلطات الأجنبية المماثلة لها بعدة وسائل منها انشاء قنوات مباشرة للاتصال، قصد ملاحقة التجار الجناة، من خلال تبادل المعلومات والقيام بالتحريات والمساعدات القانونية والانابات القضائية وتسليم الأشياء والمحجوزات واسترداد الأموال وغيرها من صور التعاون، وذلك في إطار قواعد المسطرة الجنائية والاتفاقيات الثنائية الموقع عليها، أو وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل، ما لم يتعارض مع المبادئ الأساسية للنظام القانوني للدولة. ويحق للجهات القضائية أن تأمر بتنفيذ الأحكام الجنائية النهائية الصادرة عن المحاكم الأجنبية بحجز ومصادرة واسترداد الأموال المتحصلة من جرائم الاتجار بالبشر. و نص بروتوكول باليرمو في إطار التعاون الدولي على أن المصالح الأمنية لكل دولة ملزمة بالتحقق من وثائق السفر أو الهوية، وأن تكون من نوعية يصعب إساءة استعمالها أو تحريفها أو تقليدها أو إصدارها بصورة غير مشروعة . ونصت في المادة الثانية على سلامة وأمن وثائق السفر أو الهوية التي تصدرها الدولة الطرف نيابة عنها، ومنع إعدادها، وإصدارها واستعمالها بصورة غير مشروعة. وتبادر الدولة بناء على طلب دولة أخرى إلى البث في شرعية الوثائق، ومدى صلاحيتها إذا اشتبه في أنها ستستعمل في الاتجار بالأشخاص. وتعتمد كل دولة التدابير التشريعية، لكي تمنع استخدام وسائل النقل التي يشغلها الناقلون التجاريون في ارتكاب الأفعال المجرمة، وتشمل تلك التدابير إرساء التزام الناقلتين التجاريين، بما في ذلك أي شركة نقل أو مالك أو مشغل أو وسيلة نقل، بالتأكد من أن كل الركاب يحملون وثائق السفر الضرورية لدخول الدولة المستقبلة، وتتخذ الدولة التدابير اللازمة بعدم الموافقة على دخول الأشخاص المتورطين في ارتكاب أفعال مجرمة، أو بإلغاء تأشيرات سفرهم. المبحث الخامس :الجزاء الجنائي لجرائم الاتجار بالبشر : بالنسبة للعقوبة عن ارتكاب جرائم الاتجار بالبشر، وبمناسبة طرح مقترح قانون حول الاتجار بالبشر بالمغرب أمام أنظار البرلمان لمناقشته والتصويت عليه، كان لزاما أن نطرح بعض الاقتراحات الجزائية كموجهات لإثراء المناقشة والحوار وإبداء الرأي كالآتي : الفصل (1) : مع عدم الإخلال بالعقوبات الفرعية أو الإضافية أو بأية عقوبة أشد ينص عليها القانون الجنائي، وأي قانون آخر يعاقب على جرائم الاتجار بالبشر . الفصل (2) : يعاقب على جريمة الاتجار بالسجن من سبع سنوات إلى عشرين سنة وبغرامة من مائة ألف إلى خمسمائة ألف درهم. الفصل (3) : يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات كل من استعمل القوة أو التهديد أو عرض عطية أو مزية من أي نوع أو وعد بمنفعة لمنع شخص من الإدلاء بشهادته أو تقديم أدلة أو لتحريضه على كتمان شهادته أو عدم تقديم الأدلة أو الإدلاء بشهادة زور أو أقوال غير صحيحة تتعلق بجريمة الاتجار بالبشر أمام أي جهة مختصة، في أي مرحلة من مراحل البحث التمهيدي أو التحقيق الإعدادي أو المحاكمة. الفصل (4) : يعاقب على الشروع في جريمة الاتجار بالبشر بعقوبة الجريمة التامة. الفصل (5) : يعاقب ما بين ثلاث إلى سبع سنوات وغرامة من ألف إلى خمس آلاف درهم كل من أخفى أحد الجناة أو الأشياء أو الأموال المتحصلة من أي من الجرائم، أو أخفى أي من معالم الجريمة أو أدواتها. الفصل (6) : يعاقب بالسجن من سنة إلى سنتين وغرامة من ألف إلى خمسة ألاف درهم كل من أخفى أحد الجناة أو أكثر ممن اشترك في جريمة الاتجار بالبشر لقصد معاونته على الفرار من قبضة العدالة أو حاز أو أخفى كل أو بعض عائدات الجريمة، من أشياء أو أموال أو ساهم في إخفاء معالمهما أو أدواتها مع علمه بذلك. الفصل (7) : يعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من عشرة آلاف إلى مائة ألف درهم كل من حرض بأي وسيلة على ارتكاب جريمة من جرائم تجارة البشر، ولو لم يترتب على التحريض أثر. الفصل (8) : إذا ارتكبت جريمة الاتجار بالبشر بواسطة شخص معنوي، فيعاقب بالعقوبة المقررة للجريمة الشخص المسئول عن إدارة الشخص المعنوي إذا تبث علمه بالجريمة. ويكون الشخص المعنوي مسئول عن الجريمة إذا وقعت باسمه ولصالحه ويعاقب بغرامة من مائتين ألف درهم إلى خمسمائة ألف درهم. الفصل (9) : يعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة ما بين عشرة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم كل من علم بارتكاب جريمة الاتجار بالبشر، ولو كان مسئولا عن السر المهني، ولم يبلغ السلطات المختصة بذلك، ويجوز الإعفاء من العقوبة، إذا كان من امتنع عن الإبلاغ زوجا للجاني أو من أصوله أو فروعه. الفصل (10) : يعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من ألف إلى خمسة آلاف درهم كل من كشف عن هوية المجني عليه أو الشاهد بما يعرضه للخطر، أو يصيبه بالضرر، أو سهل اتصال الجناة به أو أمده بمعلومات غير صحيحة عن حقوقه القانونية يقصد به الإضرار به أو الإخلال بسلامته البدنية أو النفسية أو العقلية. الفصل (12) : يعفى من العقوبات المقررة لجريمة الاتجار بالبشر كل من بادر من الجناة بإبلاغ السلطات المختصة قبل الشروع في ارتكاب الجريمة وكان من شأن ذلك اكتشاف الجريمة قبل وقوعها أو ضبط مرتكبها أو الحيلولة دون تمامها، فإذا حصل الإبلاغ بعد الكشف عن الجريمة جاز إعفاؤه من العقوبة أو تخفيفها إذا مكن الجاني السلطات المختصة أثناء التحقيق من القبض على باقي الجناة والأموال المتحصلة من هذه الجريمة. الفصل (11) : يعاقب على جريمة الاتجار بالبشر بالسجن سبع سنوات إلى خمسة عشر سنة وغرامة من مائة ألف درهم إلى خمسمائة ألف درهم في أي من الحالات الآتية : 1- إذا كان المجني عليه حدثا أو أنثى أو من ذوي الاحتياجات الخاصة أو عديم الأهلية. 2- إذا أصيب المجني عليه بسبب اشتغاله في الجريمة بالجنون أو بأي مرض نفسي أو عضوي لا يرجى برؤه، أو إذا نتج عن الجريمة عاهة مستديمة أو وفاة المجني عليه. 3- إذا كان الجاني زوجا للمجني عليه أو أحد أصوله أو فروعه أو وليه، أو وصيه، أو كانت له سلطة أدبية أو دينية عليه. 4- إذا كان الجاني يحمل سلاحا، أو إذا ارتكب الفعل عن طريق التهديد بالقتل أو الإيذاء الجسيم، أو التعذيب البدني أو النفسي. 5- إذا كان الجاني موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة استغل صفته الوظيفية لارتكاب الجريمة. 6- إذا ارتكب الجريمة جماعة إجرامية منظمة أو كان الجاني أحد أعضائها. 7- إذا كانت الجريمة ذات طابع غير وطني. 8- إذا ارتكبت الجريمة من أكثر من شخص. الفصل (13) : يعفى المجني عليه في جريمة الاتجار بالبشر من رسوم رفع الدعوى التي يرفعها للمطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عن استغلاله في جريمة الاتجار بالبشر. الفصل (14) : لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة الصادرة على المحكوم عليه في جريمة الاتجار بالبشر، كما لا يجوز النزول عن الحد الأدنى المقرر للعقوبة. كخلاصة عامة، تطورت هاته الجريمة وأصبحت أخطبوطا متعدد الأذرع، مع انتشار التقنية السبرانتية حيث سهلت للعديد من العصابات الإجرامية اصطياد الضحايا في وقت وجيز...فليزم تضافر الجهود من طرف الدوائر الرسمية وفعاليات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام والمواطنين للقضاء على هاته الجريمة المهينة للكرامة الإنسانية. هشام النخلي [email protected]