إن جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال ليست وليدة اليوم، وليست محصورة في مجال جغرافي محدد، بل هي قديمة تضرب بجذورها عبر التاريخ، وهي واسعة النطاق اعتبارا لكونها عالمية ودولية، لكنها عرفت في نهاية القرن العشرين وبداية هذا القرن انتشارا واسعا، خاصة في الدول، التي يتفشى فيها الثالوث الخطير (الفقر والأمية والجهل)، وضعف الحصانة الدينية والخلقية. وأصبحت آفة الاستغلال الجنسي في بلدنا، حتى لا أقول ظاهرة، تنتشر وتتفاقم وتقض مضجع الأسرة المغربية، وتثير القلق والفزع في قلوب الآباء والأمهات، لأنها جريمة تدنس غضاضة وبراءة الطفولة، وتعتدي عليها جنسيا، ما يترك جروحا وندوبا في نفس وعقل وجسم الطفل ويكون لها تأثير سلبي على حاضر ومستقبل حياة المجني عليه. إن الاستغلال الجنسي ضد الأطفال يتخذ عدة أشكال ابتداء من التحرش الجنسي إلى هتك العرض بعنف أو دونه انتهاء بالاغتصاب. وللإشارة فإن الاعتداء والاستغلال الجنسي على الأطفال يعتبر من الجرائم، التي يجري التستر والسكوت عنها لأنها تدخل في إطار الطابوهات وثقافة العيب، فالأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية يخضعون لضغوط الترهيب والتهديد، وكذلك أسرهم فلا يستطيعون التبليغ عن هذه الأفعال الشنيعة والمقرفة والمخزية إلى السلطات المعنية لفضح المجرمين وكسر جدار الصمت لمتابعة ومقاضاة المجرمين، خاصة أن الضحايا وأسرهم تخيفهم حتى فكرة ولوج المحكمة، لأنها ستزيد من حدة الاضطرابات النفسية، التي يعانيها الأطفال المعتدى عليهم جنسيا، وتؤجج معاناة أسر ضحايا هذه الاعتداءات البشعة. إن آفة الاستغلال الجنسي على الأطفال تزداد انتشارا وتفاقما يوما بعد يوم لكن يصعب تحديد عدد ضحايا الاستغلال الجنسي لشح الأرقام والإحصائيات، فحسب ما وصل لعلمي من خلال بعض المجلات المغربية، التي صرحت من خلالها وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن أنها لا تتوفر على إحصائيات حول جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال، وتعتمد وزارتها فقط على عدد الشكايات الواردة من أسر الضحايا، التي بلغ في مجموعها 7848 حالة اعتداء على الأطفال من ضمنها 2305 حالات متعلقة بالعنف الجنسي. غير أن العديد من التقارير الصحفية والتحقيقات الميدانية كشفت عن كثير من صور الاستغلال الجنسي للأطفال، ودقت ناقوس الخطر على ارتفاع نسبة ارتكاب هذه الجريمة ومن المؤسف بل ومن المحزن أن المرصد الوطني لحقوق الطفل أبان من خلال دراسة أنجزها في الموضوع أن 55 في المائة من حالات العنف والاعتداء والاستغلال الجنسي يكون الجاني فيها أحد الأقارب كالأب أو الأخ أو الجار وكل من يملك سلطة مادية أو معنوية أو رمزية على الطفل. وأفادت بعض التحقيقات أن جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال أصبحت تزحف حول المؤسسات التعليمية بكل درجاتها بما فيها الجامعات والمعاهد. وجاء في بعض التقارير الدولية أن المغرب يتصدر قائمة الدول العربية في الدعارة والتجارة الجنسية، وصنف المغرب سنة 2003 من بين الدول المتقدمة في تصدير الدعارة للخارج بكل أنواعها وشخوصها. بل إن جريمة الاستغلال الجنسي أصبحت تدخل في إطار الجريمة المنظمة تشرف عليها عصابات وشبكات متخصصة في الاتجار بالبشر والتغرير بهم للدفع بهم لبيع أجسادهم، خاصة الفئة العمرية الصغيرة السن، التي لا تملك ما يكفي من الحصانة الاجتماعية والفكرية والثقافية . وفي هذا الإطار، وقبل أن أتحدث عن موقف القانون الجنائي المغربي من أفعال الاعتداء والاستغلال الجنسي، لابد أن أسطر بالأحمر على مسألة خطيرة أصبح يرزح تحت وطأتها، ويتحمل وزرها أطفال وطفلات هذا الوطن، والأمر يتعلق باستغلالهن في الترويج وإنعاش السياحة المغربية، وفق ما جاء في تقرير أعدته منظمة السياحة الدولية wato، التي أوضحت أن المغرب ذو شهرة كبيرة في مجال الاستغلال الجنسي للأطفال، ويشكل السبب الرئيسي الذي يجلب عددا كبيرا من سياح الجنس المنظمين في إطار شبكات مافيوية . ويذهب بعض الباحثين والحقوقيين إلى أنه من بين أسباب استفحال جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال في المغرب كساد سوق الجنس الآسيوية بعد إعصار تسونامي، الذي ضرب سنة 2004 جنوب شرق آسيا، إضافة إلى طموح المغرب مع بداية الألفية الثالثة في تطوير مجاله السياحي وتحقيق عشرة ملايين سائح سنة 2010. وساعد على استفحال آفة استغلال الأطفال في السياحة تساهل القضاء المغربي في معاقبة الجناة، مع ملاحظة أن حجم جريمة الاستغلال الجنسي في السياحة المغربية لم يبلغ حجم الظاهرة التي عليها بعض الدول منها التايلاند، وجزر الكرايب، ومدغشقر، والفتنام، والبرازيل، التي تعتبر مخافر لكل أنواع التجارة الجنسية للسياح الأجانب ذوي الجيوب المليئة بالعملة الصعبة، ذوي القلوب الفارغة القاسية المقدسة للجنس والعابثة بالقيم والأخلاق. إن جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال تستدعي على المستوى العاجل والآني تحرك السلطات في مكافحة هذا الزحف الخطير للسياحة الجنسية في بلدنا، وعدم التساهل مع المجرمين، لأننا لا نريد لبلدنا الذي فتح أوراش الإصلاح الجذري في جميع المجالات أن يصبح مزبلة ومستودعا لقاذورات هواة الجنس والرذيلة. خاصة أن المغرب في المجال السياحي يتوفر على مؤهلات سياحية هائلة يمكن أن تجعل منه قوة تنافسية على الصعيد الإقليمي والجهوي والدولي، وأن يكون الوجهة المفضلة لكل سياح العالم بفضل ما يتوفر عليه من تراث وتاريخ غني، وثقافة متنوعة، وطبيعة خلابة وجذابة، والطقس المعتدل، وأيضا، بأخلاق المغاربة المعروفين في الذاكرة الجماعية الوطنية والدولية بحسن الضيافة والكرم والجود والأخلاق العالية في التعامل والتعايش مع الأجنبي كيفما كان جنسه، ودينه، وموطنه، وبالتالي فكل الخيرات التي نتوفر عليها في بلدنا، وكذا الشبكة الكبيرة من الفنادق ودور الضيافة كفيلة بأن تجذب الزائرين والزوار لبلدنا دون أن يكون ازدهار وانتعاش السياحة على حساب أخلاقنا ومبادئنا وديننا وبيع فلذات أكبادنا لتأثيث وتجميل المجال السياحي، وعرضهم للإغراء وللاستغلال الجنسي، ولن نقبل أبدا بأن نضحي بأطفالنا وحياتهم ونجعلهم وسيلة من أجل غاية مادية متمثلة أساسا في جلب العملة الصعبة، مستغلين من أجل هذه الغاية براءة الأطفال وفقر وعوز أسرهم. وقبل أن أختم موضوعي هذا لا بد أن أشير إلى أن القانون الجنائي المغربي لم يتحدث عن السياحة الجنسية ولم يشر للاستغلال الجنسي للأطفال في المجال السياحي ولكن المشرع جرم في الفرع السادس المتعلق بانتهاك الآداب، وعاقب على أفعال هتك عرض أو محاولة هتكه على كل طفل أو طفلة يقل سنه عن 18 سنة بعقوبة حبسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات. وإذا كان هتك عرض بالعنف على شخص بالغ يعاقب عليه من 5 إلى 10 سنوات سجنا وتتضاعف العقوبة من 10 إلى 20 سنة إذا ارتكب على طفل أو طفلة يقل سنه عن 18 سنة وفقا للفصل 485 من القانون الجنائي. كما تتضاعف العقوبة الحبسية استنادا إلى الفصل 486 من القانون الجنائي في جناية الاغتصاب الواقع على طفل أو طفلة لم تصل إلى 18 سنة من 10 إلى 20 سنة. أما إذا كان الفاعل وحسب الفصل 487 من ق ج من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها وكذلك إذا استعان الجاني بشخص أو عدة أشخاص، فإن العقوبة قد تصل من 20 إلى 30 سنة. فضلا عن أن الاغتصاب الناتج عنه افتضاض بكارة طفلة قد تتراوح العقوبة الحبسية عنه ما بين 20 إلى 30 سنة، بالإضافة إلى أن القانون الجنائي المغربي في الفرع السابع منه المتعلق بإفساد الشباب والبغاء، نص في الفصل 497 على أنه يعاقب بالحبس من 2 إلى 10 سنوات وبغرامة من عشرين ألفا إلى مائتي ألف درهم كل من حرض القاصرين دون 18 سنة على الدعارة أو البغاء أو شجعهم عليها أو سهلها لهم. علاوة على أن الفصل 498 من ق ج يعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وبغرامة من 5000 درهم إلى مليون درهم ما لم يكن فعله جريمة أشد كل من ارتكب عمدا أحد الأفعال الآتية: من قدم إعانة لممارسة البغاء أو لجلب الأشخاص للبغاء بأي وسيلة كانت، أو أخذ نصيبا مما يحصل عليه الغير عن طريق البغاء أو الدعارة. وتطبق العقوبة نفسها على كل من أخذ معونات بالنسبة للشخص الذي اعتاد تعاطي البغاء أو الدعارة وهو يعلم بذلك، وتطبق العقوبة نفسها على من عاش مع شخص يتعاطى البغاء وهو يعلم ذلك، وعلى كل من مارس الوساطة بأي صفة كانت إلى غير ذلك من الأفعال المنصوص عليها في الفصل المذكور. أما في الفصل 499 من ق ج، فإنه يرفع العقوبات المنصوص عليها في الفصل 498 من ق ج من الحبس من سنتين إلى 10 سنوات وغرامة من 10 آلاف إلى مليونين درهم، إذا ارتكب الجريمة تجاه قاصر أو قاصرة دون الثامنة عشرة. وإذا كان القانون الجنائي نص على عقوبات حبسية ومالية زجرية ردعية، إلا أن القضاء يتساهل مع مرتكبي هذا النوع من الجرائم. من باب التنويه بالقضاء النزيه والجريء، لا بد أن نحيي القضاء المغربي الذي حكم في المرحلة الابتدائية على الأستاذ الإسباني بجامعة موريسيا بإسبانيا ب 30 سنة سجنا، لكن أتمنى أن يجري تأييد الحكم الابتدائي إذا جرى الطعن فيه بالاستئناف، من أجل إنزال العقاب على مرتكبي جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال لتحقيق الردع والزجر للحد من إعادة ارتكاب الأفعال نفسها، ولمكافحة آفة الاستغلال الجنسي للأطفال حتى لا يصبح ظاهرة يصعب التحكم فيها وتطويقها. وفي الأخير وبناء على المعطيات المفصلة أعلاه أخلص إلى ما يلي: - لا يكفي معالجة جريمة الاستغلال الجنسي بتطبيق العقوبات الزجرية بل ينبغي الوقاية منها باعتماد مقاربة شمولية لمواجهتها، خاصة تحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المغربي عن طريق محاربة الفقر والأمية والجهل، وتقديم الدعم المادي والمعنوي للأسرة ليتسنى لها الحفاظ على تماسكها واستقرارها لرعاية أطفالها، مع وضع ميكانيزمات لحماية ضحايا الاستغلال الجنسي، وضرورة استحضار البعد الديني والقيمي والأخلاقي والإنساني في التعاطي مع هذه الآفة. - يتعين دق ناقوس الخطر وكسر جدار الصمت وتنبيه جميع الجهات المعنية من حكومة ومؤسسات تمثيلية ومجتمع مدني ووسائل الإعلام العمومي والصحافة الحرة وغير ذلك من الفاعلين إلى ضرورة العمل من أجل إطلاق نقاش وطني حول هذه الظاهرة والتفكير في مقاربة استباقية تستند إلى التحصين الديني والتربوي. - على وسائل الإعلام خاصة المرئية منها القيام بحملة إعلامية واسعة للتحسيس والتوعية بخطورة جريمة الاستغلال الجنسي وسبل حماية الأطفال منها ومكافحتها مع بيان أسبابها والتفكير في معالجتها، وفضح مرتكبيها وعدم التستر عليهم. - كما ينبغي على بلادنا أن تنظم وتشارك في حملات تحسيسية إعلامية وطنية ودولية مثل تلك التي تنظمها espace international، والوكالة الدولية لمحاربة استغلال الأطفال وهي الحملة المنظمة بمساهمة 83 دولة تقوم بالبث السمعي والبصري لفائدة الأوساط الأكثر تعرضا للخطر، وتكون التوعية بلهجة مفهومة وشعار بسيط مثل الذي تعتمده الوكالة المذكورة، والذي يقول "كل شخص متورط في اعتداء جنسي على طفل سوف يتعرض للمتابعة في مكان الجريمة أو في بلده الأصلي". - وينبغي لمكافحة جريمة الاستغلال الجنسي على الأطفال تكوين جبهة وطنية لمناهضة هذه الآفة تتكون من أسر وضحايا جرائم الاستغلال الجنسي ومن الجمعيات المهتمة بشؤون الأسرة، والجمعيات النسائية والحقوقية، وجميع الفاعلين والمهتمين بحقوق الطفل والأسرة. - على المدرسة أن تقوم بدورها التربوي وتوعية التلاميذ بجريمة الاستغلال الجنسي للأطفال وسبل اجتنابه والتحرز منه. - يجب اتخاذ تدابير عاجلة لوقف هذا المد الكاسح من الاعتداءات الجنسية على أطفالنا بتكثيف جهود كل المعنيين ابتداء من السلطات الأمنية، التي عليها أن تتعاون مع الجمعيات غير الحكومية والحكومية والهيئات الدولية لمحاربة السياحة الجنسية بإحصاء وجدولة وإيقاف المذنبين على المستوى الوطني والدولي، وإحالتهم على القضاء لنيل العقاب دون تساهل أو محاباة جزاء لأفعالهم الإجرامية المشينة حتى يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الاعتداء واستغلال براءة أطفالنا. محامية بهيئة الدارالبيضاء ورئيسة جمعية أسرة الألفية الثالثة