يشكل اليوم العالمي لإلغاء العبودية، الذي يحتفل به المجتمع الدولي في 23 من غشت من كل سنة، وقفة تأمل بالنسبة للذاكرة الإنسانية في حقبة مظلمة من تاريخ الإنسانية، ومناسبة للاعتراف بضحايا مأساة إنسانية عمرت نحو أربعة قرون. كما يشكل هذا الحدث مناسبة لتعميق النقاش حول أسباب هذه المأساة، والنتائج التي خلفتها وتأثيرها وتحليل التقاطعات التي أفرزتها بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا وجزر الكاريبي، وهو أيضا فرصة للاحتفال بذكرى الملايين من الرجال والنساء والأطفال الذين حرموا من أبسط حقوقهم، وكذا بذكرى كل أولئك الذين ناضلوا من أجل وضع حد لهذا الطغيان. وقد تم اختيار 23 غشت لتخليد ذكرى ليلة 22 إلى 23 غشت من سنة 1791 التي انطلقت فيها من سان دومينغي (هايتي وجمهورية الدومينيك حاليا) ثورة العبيد، التي قامت بدور حاسم في إنهاء تلك التجارة العابرة للمحيط الأطلسي، كما أن الاحتفال بهذا اليوم العام الماضي، صادف مرور 200 عام على إلغاء العبودية بالولايات المتحدة سنة 1808 . وطيلة السنة الجارية جمعت العديد من المناسبات، المجتمع الدولي حول قضية الرق، لا سيما من خلال الاحتفال يوم 25 مارس باليوم العالمي لذكرى مرور مائتي عام على القضاء على تجارة الرقيق عبر الأطلسي، ويوم 2 دجنبر باليوم الدولي لإلغاء الرق. وكانت الأممالمتحدة قد اعتبرت قبل ذلك سنة 2004 سنة دولية للاحتفال بمناهضة العبودية وإلغائها. ويروم الاحتفال باليوم العالمي لإحياء ذكرى إلغاء العبودية، ترسيخ مأساة الرق في ذاكرة جميع الشعوب، هذا الإلغاء الذي برهن التاريخ على أن تحقيقه تطلب ردحا طويلا من الزمن، بسبب تضارب المصالح ولاسيما المصالح الاقتصادية التي عرقلت صدور القوانين الأولى بهذه الخصوص، التي سنت قبل أن يتم سحبها، ووضعت دون أن يتم تطبيقها دون أدنى محاسبة، وتطلبت هذه الفكرة حوالي ستة قرون لتصبح قانونا ملزما وفعليا. وقد اعترف المجتمع الدولي، من خلال إعلان المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، الذي انعقد بدوربان في جنوب إفريقيا، بهذه المأساة، معتبرا إياها جريمة في حق الإنسانية. وأطلقت منظمة الأممالمتحدة للترية والعلوم والثقافة «اليونسكو» في شتنبر1994 بويداح ( بدولة البنين) مشروعا ثقافيا بعنوان: مشروع «طريق الرقيق»، ويروم محاربة الأحكام العنصرية المسبقة، والارتقاء بفهم العبودية والآثار الناجمة عنها والتحسيس بالمساهمة الإفريقية في جهات العالم الأربع. وقد ظهرت حاليا أشكال جديدة للعبودية في العديد من مناطق العالم. وصار الحديث اليوم رائجا عن «الاتجار في البشر»، الذي يشكل موضوعا لاتفاقية الأممالمتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود القومية. وتهدف هذه الاتفاقية إلى محاربة تجارة البشر خاصة النساء والأطفال. وتعرف الاتفاقية الاتجار بالبشر ب «تجنيد أو نقل أو تحويل أو استلام الأشخاص عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو أي نوع من أنواع الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استخدام القوة أو استغلال موقف ضعف أو إعطاء أو تلقي دفعات أو فوائد للحصول على موافقة شخص يتمتع بالسيطرة على شخص آخر قصد الاستغلال». وبالرغم من ترسانة القوانين الدولية لمحاربة كل الأشكال المقنعة للعبودية, فإن استغلال البشر والسخرة، مازالا يمارسان إلى اليوم من الآلاف من الأشخاص عبر العالم.