لقد ملكوا وحكموا وخاضوا حروبا وسجلوا أسماءهم في التاريخ. رجال السلطة القدامى أو الحاليون مازالوا يلهمون الكتاب. وحتى أولائك الأكثر عنفا مثل القدافي وصدام حسين أصبحوا اليوم شخصيات روائية.. ************ بوتين في بلاد الأرواح الميتة من في فرنسا يستطيع أن يقول إنه يجد نقاطا مشتركة بينه وبين بوتين؟ برنارد شامباز لم يكتبها بشكل واضح لكننا نستشف ذلك ونحن نقرأ الرواية التي خصصها لرئيس روسيا. لا أحد ينكر أن الكاتب أضفى من شخصيته الكثير على شخصية الراوي وهو شخصية روسية تخييلية تتميز بحملها اسم فلاديمير فالديميروفيتش بوتين والذي ولد هو الآخر في 1952. هذا البوتين هو استاذ آداب سابقا تقاعد حديثا، وشرع في كتابة سيرة عن الشخص الشهير الذي يحمل الاسم نفسه وذلك لتحرير نفسه من السحر الأخاذ الذي يفرضه عليه. الكتاب « نوع من السيرة»، كما يؤكد المؤلف تتكون من ستة فصول تروي طفولة ودراسة بوتين والفترة التي كان بطله عنصرا ضمن الأمن السوفياتي ثم رجل ظل ثم أخيرا ولاياته الرئاسية. الراوي يراقب بوتين عبر الشاشة ووسائل الإعلام، مثلما فعل برنارد شامباز، مع مسافة ورغبة في أن يكون عادلا. وعندما تسأله صديقته عن الدافع الذي يجعله يكتب عن الرئيس بوتين، يجيب بأنه « لا يشعر لا بالتعاطف ولا العداء تجاه بوتين رغم أن عينيه اللتان تشبهان عيني الثعلب أثرت فيه وبعض أفعاله تصيبه بالصدمة». هل يشعر برنارد شامباز المولود في 1949 وهو ابن قائد الحزب الشيوعي الفرنسي بالتعاطف الوجداني مع بوتين؟ لقد ترعرع في بولوني- بيلانكور ولم يعش في بناية يحتلها الفئران مثل فلاديمير فلاديميروفيتش الذي عاش في موسكو تحت حكم ستالين. لكن هو أيضا عاش الأساطير السوفياتية: « الفكرة الشيوعية وتاريخها كان لها مكان هام في حياتي»، يقول المؤلف في تصريح سابق . ومثل بوتين يعشق شامباز الرياضة. يبدأ الحكي في فبراير 2014 خلال الألعاب الأولمبية الشتوية يوم هزيمة الفريق الروسي للهوكي في ربع النهاية ضد فلندا. يراقب الراوي وجه بوتين عبر التلفاز، عيناه الحزينتان نومتاه مغناطيسيا. لكنه لا يسمح لنفسه بتفسير ذلك التعبير ولا تخيل ما يدور في رأس بوتين. فبراير 2014 هو أيضا التاريخ الذي اشتعلت فيه كييف. الكتاب يلامس جميع المواضيع ولكن في النهاية نعرف ألف فعل وحركة من أفعال وتصرفات بوتين دون أن نفهم الرجل فعلا. لقد حكى أيضا عن علاقته مع جارته، وتجوله على خريطة روسيا عبر الأنترنت واكتشافه تصريحات تخص لينين تسيء بجدية لمكانة النبي التي تم إعطاؤها للرجل. يقلق الرواي بسبب الصحافة الغربية التي تقارن بوتين بهتلر ويستغرب من وضع أوباما لروسيا ضمن محو الشر سنة 2014 إلى جانب فيروس إيبولا وتنظيم داعش. لقد وجد شامباز نقطة جديدة مشتركة مع بوتين حيث يحب هو الآخر المسرحي الروسي نيكولاي جوجل. هذه الرواية وشخصياتها تسبح في كابوس غير مؤلم مليء بالتضارب والتعارض كل شيء مغلف نوعا ما بالعبثية والغرابة. *********** القدافي: ليلية الريس الأخيرة لو كان فرانسوا رابلي عرف الديكتاتور الليبي، لكان كتب ثلاثية، جارجانتوا، بانتاغرويل والقذافي! هذا ما قالته ياسمينة خضرا بضعة أسابيع بعد تسليمها مخطوطة الرواية «ليلة الريس الأخيرة». الريس هو القذافي الذي يحكم ليبيا منذ اثنين وأربعين عاما بعد انقلاب نفذه وهو في سن ال 27 عاما. «إنه شخص غير عادي». الرجل، وأطواره الغريبة، وأوهامه، جنون العظمة لديه ألهمت العديد من الكتاب. وفي كتابها وصفت خضرا كائنا نرجسيا وبحثت في أعماق طفلوته لتفسير منبع كل ذلك. روايتها تضم حوارات وحوارات داخلية كانت مصدر سعادة هذا الحاكم الشيكسبيري. « يتيم أو ابن غير شرعي لقد أصبحت أنا هو شرعية هذه الأمة وهويتها. ومن أجل خلق واقع جديد ليس هناك ما أحسد عليه آلهة الآساطير ولا أبطال التاريخ. أنا أستحق أن أكون أنا فقط»، يؤكد القدافي. مشددا على كلمة أنا، «ما أقوله كلام ملائكي، وما أعتقده هو البشرى. من لا يسمعني فهو أصم ومن يشك في فهو ملعون. غضبي علاج لمن يتعرض له وصمتي زهد لمن يتأمله». التقنية التي استخدمتها الكاتبة تم تحويلها كلها نحو فاعلية هذه العملية. «أنا» هو ذلك الطاغية وهذا هو ما تقشعر له الأبدان. المؤلفة استعارت من المسرح الكلاسيكي قاعدة الثلاثة وحدات الزمن والمكان والفعل: الأحداث تدور في سرت ليلة 19-20 أكتوبر 2011 حيث يعيش القارئ الساعات الأخيرة للديكتاتور. صراعات عنيفة بين المتمردين إطلاق النيران هروب وتسريبات وخوف وتراجعات في أنحاء سرت إلى حين اللحظة التي وجد فيها الديكتاتور مختبأ مثل أرنب داخل قناة للري. والنهاية يعرفها الجميع. وقد ساهمت تقنية الفلاش باك في السماح للمؤلفة بإعطاء عمق أكثر ل«بطلها». هناك لحظة حيث يحصل ذلك الذي كان يظن نفسه مثل إله على بعض الإنسانية: «غريبة هي تقلبات الزمن مرة تكون إلها معبودا وأخرى تصير منبوذا وملفوظا. في يوم تكون صيادا وفي يوم أخر تصير فريسة». أليس هذا مصير من يعتقدون أنهم سيظلون أقوياء إلى ما لا نهاية؟ دائما يأتي ذلك اليوم الذي « يطيحون بتماثيلكم ويمزقون صوركم ويقتحمون قصوركم إنها النهاية«. رواية «الليلة الأخيرة للريس» تمتلك هذه الميزة التي تظل إحدى مفاتيح الأدب: إنها توضح لنا الوجه الخفي للرجل الذي سعى جاهدا لخلق أسطورته الخاصة. *********** صدام حسين قبل الفوضى «ظل صدام» هي، في آن واحد، غوص مثير للدوار في التاريخ المعاصر وقصة جيوسياسية مثيرة. هذه الرواية تصور صدام حسين قبل تمكنه الحقيقي من السلطة وتوضح مصير البلد الذي كان «مهد الإنسانية». الباحثة في المعهد الوطني للبحث العلمي، جوزيت إيلاي هي باحثة متخصصة في العصور القديمة، لكن هذه المرة، قررت الانكباب على مصير شخص معاصر مستعملة التخييل. تدور الأحداث أساسا بين سنوات 1975 و 1980 والتي تعرفها الكاتبة جيدا بحكم اشتغالها بالتعليم في العراق في تلك الفترة. أصبح صدام رئيس الدولة سنة 1979 لكن وباعتباره كان نائب الرئيس سابقا فقد كان يمسك بزمام الأمور في البلد قبل حتى أن يصبح رئيس الدولة. بعد ديباجة في باريس سنة 1974 حيث نعلم بحادث تحطم طائرة تربط بين بغدادوباريس، ينطلق النص الروائي في بغداد سنة 1975. حل فرانك دوران بالعراق فقد كانت خطيبته ضمن ضحايا الطائرة. التقى القائد العراقي ثم رولف ثم مروان وابراهيم. الأول هو نصف جاسوس ونصف مهرب ويرمز إلى الغرب والثاني هو الموالي الوفي لطاغية تكريت، والثالث هو الشخص الذي يفهم أن جنون العظمة الذي يعاني منه صدام سيقود العراق إلى الهلاك. اكتشف فرانك السجن الشهير أبو غريب والذي تصفه المؤلفة بدقة مرعبة. لا شيء مما يعارض إرادة الديكتاتور يستمر طويلا. لقد أنجزت جوزيت إيلايي أيضا عمل كاتب مذكرات وهي تصف عددا لا يحصى من العادات والتقاليد التي لم يهتم أحد بالحفاظ عليها. صدام قبل الفوضى كان يجسد مصير دولة شرق أوسطية كانت محط إعجاب قبل أن تصبح مكروهة. ليس بالضرورة أن الرجل هو من تغير لقد كان دوما مرعبا لكن العالم من حوله هو من تغير.. هدى الأندلسي عن «لوفيغارو»