انطلقت اليوم الحملة الانتخابية لأول استحقاقات تشريعية في ظل الدستور الجديد. ترسانة قانونية جديدة،وانتظارات كبيرة من كل الفاعلين السياسيين، وترقب من الجميع. ورهان على أن تكون المشاركة مهمة وأن تمر العملية بشكل يفتح الأفق على المستقبل. ذاك هو التحدي الذي يواجهه المغرب في هذه الأثناء. لكن الواقعية تحتم الاعتراف بأن الأمر لا يتجاوز مستوى الأمل في التأسيس لمرحلة جديدة ، وبناء معبر لعملية انتخابية سليمة كما في الديمقراطيات المؤسساتية. فكل المؤشرات تبين أن الجسم السياسي بالبلاد عليل. ولا مفر أيضا، من الإقرار بأن بلادنا تمر من أزمة سياسية ومجتمعية،لم تكن طبعا وليدة اليوم، بل تعود في جذورها الى مرحلة عملت فيها الإدارة بشكل كبير على إضعاف الأحزاب السياسية الجادة، وتمييع العمل السياسي، بل وتحذير المواطنين من الانخراط فيه، ومعاقبة مناضلين في أحزاب المعارضة في تلك المرحلة بالاعتقالات والتعذيب والاختطاف والتضييق وغيرها. لقد حملت الأحزاب السياسية في المدة الأخيرة، وزر التمييع السياسي، بوهنها وانتهازية بعض قادتها وبعض المنخرطين فيها،لكن الأمانة التاريخية تقتضي الاعتراف بأن الأحزاب السياسية،على ما وصلت إليه، هي الأخرى ضحية مناخ سياسي أسس للميوعة والعبث والإنتهازية والمصلحية،ضدا على التدافع المجتمعي السليم الذي يفرزه تصارع الأفكار. لايعني هذا الكلام أن الأحزاب السياسية لا تتحمل المسؤولية في تشوش العملية التواصلية مع المجتمع،هذا المجتمع الذي يطلب منه اليوم فرز الجهة التي تسير البلاد.لكن المسؤولية تتقاسمها هذه الأحزاب مع الجهاز الذي رعى الممارسة السياسية بالبلاد في مرحلة سابقة. وإذا كان من الصعب التنبؤ،بشكل علمي، بمستوى المشاركة الحقيقية للمواطنين في اقتراع 25 نونبر، ولا بالخريطة التي ستفرزها هذه الانتخابات، إلا أن المأمول من كل ما يجري في بلادنا، وبعيدا عن كل عدمية أو تملق، هو التأسيس لممارسة سياسية جديدة في القادم من الاستحقاقات.وهذا يتطلب طبعا التأسيس لبيداغوجية جديدة تقوم على الإرادة الحقيقية لجميع الفاعلين، وتحقق قطيعة مع ثقافة الانتخابات كما سطرتها الأجهزة في مرحلة البصري وكديرة، وكما مارسها الناس في المغرب في العقود الأربعة السابقة.