AHDATH.INFO – خاص في البداية، ننتقد فيلما لم يشاهده أحد؛ ومنذ بضعة أيام، صرنا ننتقد فيلما ليس هو الفيلم. لقد تم تسريب نسخة أولية من الفيلم مدتها تتجاوز الثلاث ساعات فيها مشاهد تم تصويرها فعلا من طرف المخرج، لكن أكثر من نصفها لا يوجد في النسخة النهائية من الفيلم. وبالتالي، فالنسخة الموجودة على الأنترنيت لا تمثل الفيلم في نسخته النهائية. مع كل الشروحات الممكنة، بقي البعض مصرا على أن ما نراه على الأنترنيت هو الفيلم، أو أنه على الأقل يعطي فكرة عن الفيلم. وهذه مغالطة حقيقية يقوم بها البعض عن قصد أو عن غير قصد، فكل عمل إبداعي (فيلم، نص أدبي، إلخ) يمر من مراحل كثيرة من نسخته الأولية إلى غاية النسخة الأخيرة. لذلك، فلا يمكننا أن نحاسب المخرج إلا على نسخته النهائية. ولأننا نتعامل بمبدأ «طارت معزة»، فقد انتقلنا الآن إلى نظريات أخرى من قبيل: ولماذا صور نبيل عيوش أصلا تلك المشاهد مادام لن يدرجها في النسخة الأخيرة؟ ومن سرب النسخة غير المكتملة التوضيب؟ لابد أنه فعل ذلك من أجل البوز (رغم أن البوز والماركوتينغ في حد ذاتهما ليس عيبا). الآن، علينا أن نتساءل بجدية: هل ما يزعجنا هو صورة المغربيات؟ هل هو سوق الدعارة والسياحة الجنسية في مراكش؟ هل هو رداءة الفيلم؟ (وهنا يجب أن ننتظر قليلا قبل أن نحكم). أم هو صاحب الفيلم نفسه؟ دعونا نرتب بعض الأفكار. أولا، نقاش الفيلم وجودته يمكن أن يأتي لاحقا. بعض من شاهدوا الفيلم اعتبروه أقل قوة من أفلام نبيل عيوش السابقة. هذا حق من حقوق كل المشاهدين. لكن المنع مرفوض بتاتا مهما كان مضمون الفيلم. مرفوض أولا لأنه غير قانوني؛ ومرفوض ثانيا لأنه لا يمكننا اليوم ممارسة الوصاية على المشاهدين. من حق أي كان أن يشاهد الفيلم أو يمانع، ومن حق أي شخص أن يعبر عن إعجابه أو عدم إعجابه، لكن بدون وصاية من مؤسسات الدولة. ثانيا، إشكالية هذا المنع أنها ترسخ فكرة مفادها أن الجمهور موحد وعلى كل الأفلام أن تنال رضى الجميع. في حين أن هناك جماهير مختلفة، وبالتالي فهذا يتطلب سينمات مختلفة. جمهور محمد مفتكر ليس هو جمهور سعيد الناصري. جمهور نور الدين الخماري ليس هو جمهور لطيف الحلو. ولكل من هؤلاء حق الوجود. ولكل منا حق المشاهدة والاختيار والانتقاد. من حق كل مبدع أن يقدم السينما التي تناسبه، وله حتى حق الخطأ فيها. ومن حق الجمهور أن يشاهده، أن يقاطعه، أن ينتقده، أن يشجعه. لكن، يجب أن نعي أن هذا الجمهور متعدد وأنه لا يمكننا المطالبة بسينما ترضي الجميع. ثالثا، لمن يعتبرون بأن بعض المخرجين المغاربة يضعون مشاهد جنسية وكلاما ساقطا لكي يروجوا لأفلامهم، أقول: الفيلم الضعيف يبقى ضعيفا مهما حشوناه بالمشاهد الجنسية؛ والفيلم الجميل لا يحتاج لمشاهد ساخنة لكي ينجح. بالمقابل، فليس هناك فيلم يحترم الأخلاق وآخر لا يحترم الأخلاق. هناك فيلم جيد أو فيلم ضعيف. رابعا، لقد تم منع الفيلم على أساس أنه مسيء لسمعة المغرب والمغربيات في الخارج. لكننا منعناه في الداخل (لأننا لا نملك سلطة منعه في الخارج). في الحقيقة، ما قدمناه لصورة المغرب هو فقط سمعة سيئة جديدة: المنع ومصادرة حرية التعبير. فهنيئا لنا بحرصنا على سمعة المغرب. خامسا، الحرية لا تتجزأ. لا يمكننا أن ندافع عن حرية التعبير حين يكون المضمون مناسبا لقناعاتنا أو لذائقتنا الفنية، ونحاول إيجاد تبريرات لدعوات العنف أو للمنع، لأن «الفيلم رديء». الحكم على الرداءة والجودة هو حقنا كجمهور، لكنه يأتي بعد حقنا في المشاهدة أوَّلا. سادسا، نحن نلخص الشرف والأخلاق في الجنس. بإمكانك أن تكون مرتشيا، منافقا، غشاشا، سارقا… يكفيك أن تكره نبيل عيوش ولبنى أبيضار لكي تصبح حاميا للأخلاق. سابعا، لا يمكننا، في كل مرة ننتقد فيها الفيلم، أن نتذكر أن نبيل عيوش أمه يهودية وبأن أباه هو نور الدين عيوش صاحب نظرية الدارجة. لنتحلى ببعض العقل وببعض الموضوعية لكي نفصل الفيلم عن صاحبه وعن أصول صاحبه. ثامنا، رجاء، أنقذوا السينما… شاهدوا الأفلام التي لا تكون فيها قُبل ولا كلام مزعج لآذانكم النظيفة… شاهدوها مع عائلاتكم. ودعوا عنكم تلك التي تزعجكم. لكن رجاء، اذهبوا إلى السينما قليلا. ملحوظة لها علاقة بما سبق (مع الاحتفاظ بالملكية الفكرية للزميل المختار لغزيوي): كنت قد صرحت في الأسبوع المنصرم بأن المنتج هو من سرب المقاطع الأولى. للأمانة الفكرية، تأكد لي لاحقا أن التسريب لم يتم بفعل المنتج.
سناء العاجي شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)