في غمرة موجة من الهجوم على فيلم"الزين الّلي فيك"وحملات التشنيع بمخرجه نبيل عيوش، نزل قرار"السلطات المغربية المختصة"، كما أعلنت عن ذلك وزارة الاتصال، يقضي بعدم السماح بالترخيص لعرض الفيلم بالمغرب، وذلك "نظرا لما تضمنه من إساءة أخلاقية جسيمة للقيم وللمرأة المغربية، ومس صريح بصورة المغرب". لن نجاري هنا لعبة البعض، حيث الكل تحول إلى ناقد يفهم في السينما والإخراج والتصوير، وصار هو أيضا يفتي، ونسي أنه أولا لم يشاهد الفيلم حتى يتحدث عنه، والحرب كلها تدور اليوم انطلاقا من لقطات جرى تسريبها من الفيلم عبر اليوتوب، وتضمنت كلمات نابية كثيرا ما نسمعها في الواقع، وبضع مشاهد لا تخلو من إيحاءات جنسية، فهل هذه اللقطات المسربة كافية للهجوم على الفيلم ومن ثم منع عرضه؟؟؟؟ إن الحكم على فيلم وتقييم مستواه يقتضي التوفر على أدوات من داخل الحقل السينمائي وتقنياته، وأول شرط للشروع في ذلك هو مشاهدة الفيلم كاملا، وربما أكثر من مرة، ثم امتلاك هذه الأدوات الفنية والمعرفية، ولكن قطعا لا يجوز الحكم على فيلم اعتمادا على لقطات مجزأة ومبتورة منه، تماما كما لا يمكن الحكم على كتاب من عنوانه ومن دون قراءته... التريث إلى حين مشاهدة الفيلم كاملا كان سيمنحنا فرصة لمناقشة أكثر جدية وعمقا حول سينمانا، وحول تطرقها لقضايانا المجتمعية المختلفة، وحول ما إذا كان دور السينما هو فقط"تعرية" الواقع أو تصويره كما هو بشكل "طبيعي" مفتقر لأي تخييل فني أو تناول ذكي محبوك، وربما كان هذا النقاش الجدي سيقودنا إلى انتقاد جماعي للفيلم ولأسلوب مخرجه بدل كل هذا الاستنفار الأهوج الذي حول الكثيرين إلى نقاد لا يخجلون من الإدلاء برأي في الفيلم وفي السينما. قد نختلف مع المخرج نبيل عيوش حول نوع السينما التي يعمل عليها، وأيضا حول بعض تصريحاته التبسيطية البليدة التي وزعها في الأيام الأخيرة على وسائل الإعلام الفرنسية، ولكن كل هذا لا يسمح لنا بمنعه من ممارسة الفن الذي يريد، فهذا حقه كمبدع لا ينصت إلا لذاته، وبعد أن يصدر عمله ونشاهده كاملا لنا نحن حق الإعجاب به أو رفضه. ومن جهة أخرى، لا يمكن لمن يفهم بضع أحرف في السينما أن ينكر أن نبيل عيوش الذي أخرج"مكتوب" و"علي زاوا" وغيرهما هو مخرج حقيقي، وحتى عندما قد لا نعجب بمضامين أفلامه، فلا يمكننا إلا أن ننوه بقدراته التقنية والحرفية في صناعة أفلامه، وكل هذا يجب أن يدفعنا إلى محاورة المنتوج الفني لهذا المخرج والتفاعل النقدي معه، ولكن دون السعي إلى "قتله" أو التهجم عليه وعلى أسرته والتلصص على حياته الخاصة... السينما المغربية تمتلك أسماء مهمة، ولو أنها قليلة على كل حال، وفي السنوات الأخيرة خرجت للوجود أفلام مغربية لا تخلو من جودة، لكن هي أيضا لم توفر لها فرص المشاهدة من لدن الجمهور حتى يستمتع بها ويتفاعل معها، وهذا هو الورش الكبير الذي يجب أن يتم الاشتغال عليه اليوم، أي أن تتوفر لسينمائيينا فرص العمل والعرض، وأن يتم إيجاد الحلول لمختلف الاختلالات وتجليات الضعف والهشاشة التي تعاني منها السينما المغربية، بدل أن نشهر ألسنة الشتائم واللعنات و... المنع على أفلام قد لا تناسب أذواق بعضنا أو خلفياتنا الثقافية والجمالية، إن وجدت أصلا... في فيلم نبيل عيوش سمعنا كثير ضجيج حوله من دون أن نشاهده، وأضعنا فرصة لخلق نقاش فكري ومجتمعي أعمق. مع الأسف هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته ...