مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين تسير المبادرة الوطنية بعد انطلاق النصف الثاني من عقدها؟

احتجاجات وشكايات تحولت إلى جرعات غضب اختلطت فيها الحقائق بالإشاعات إزاء مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المنجزة والعالقة بتراب مجموعة من الأقاليم، مدافعون مستميتون عن نجاح مشاريعهم ومحبطون متشائمون من طرق وأساليب تعامل المشرفين محليا وإقليميا في عمليات انتقاء المشاريع ودراستها وتنفيذها على أرض، هكذا تكون المبادرة الوطنية قد طوت نصف عقدها، وتستعد لإكماله بنفس جديد. هل كان نصف العقد ناجحا في تنزيل روح المبادرة على أرض الواقع المستهدف؟. هل نجحت الآليات المعتمدة في الحد من التسيب في التعامل مع المال العام؟ وكيف ستواجه المبادرة أعطابها في عقدها الثاني؟
«سجلوني فالمبادرة ...» «ضحكوا علينا فلمبادرة» عبارات اقتحمت تواصل وسجال مستفيدين محظوظين من برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومستفيدين غير محظوظين لعنوا اليوم الذي ربطهم بمن سوق لهم تباشير المبادرة التي قيل لهم إنها ستخرجهم من عوزهم. تجربة عدد من النسوة مع القروض الصغرى التي أفلستهم جعلت ثقتهم تهتز بكل مبادرة «فيها لفلوس» على حد تعبير إحداهن، والأمر لم يتوقف عند مستفيدات ومستفيدين، بل إن جمعيات وطيلة المرحلة الأولى من برنامج المبادرة (2010/2005)، دبجت آلاف الرسائل تشتكي وتفضح التعامل مع أهداف وبرامج المبادرة الوطنية، وتعطي وقائع عاشتها في اجتماعاتها المحلية والإقليمية، راسلت كل الجهات المعنية مطالبة بإنصافها والاهتمام بمشاريعها، ودعمها ماديا ومعنويا من أجل إنجاح مخطط المبادرة وتغيير وجه المناطق العبوسة التي أرادت المبادرة أن تبصمها بلمسة أمل .
حديث عن مشاريع فاشلة وأخرى عالقة وثالثة بلا هوية يصعب تصنيفها داخل مجالات وأهداف المبادرة وجمعيات محظوظة تلقت مشاريع قيمتها المالية فاقت ما رصد لجماعتين فقيرتين، وأخرى وهمية شكلت أساسا لفشل مشاريع اللجن الإقليمية. من وجدة والرشدية إلى العيون وبوجدور، كان التشكي حاضرا باستمرار طيلة نصف عقد المبادرة، شكايات عديدة تسربت إلى العموم فيها فضائح عن تصرفات غريبة في تنزيل أهداف المبادرة وتوزيع غلافها.
لا يكاد يمر يوم دون أن يكشف عن تلاعبات وتجاوزات وإقصاء ممنهج، فرضته لوبيات تحكمت طيلة مسار المبادرة في خريطة المشاريع ونوعيتها. شكايات قال المتضررون إنهم وضعوها بمصالح كتابات الضبط بالعمالات والولايات لتختفي مع مرور الزمن دون أن يظهر لها أثر، حديث عن مشاريع وهمية وأخرى منسوخة ومتكررة، وبعضها يصعب ضبط مصاريفه ولا أثر له في الواقع إلا في حين تنفيذه وعن جمعيات محظوظة تلقت مشاريع قيمتها المالية تتجاوز مجموع ميزانية جماعات بالمغرب،
من مدينة جرادة أعطى الملك انطلاقة العقد الثاني من المبادرة، وبها قدم وزير الداخلية حصيلة لنصف العقد الأول من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2011-2005)، مشيرا في هذا الصدد إلى أنها تميزت خلال هذه الفترة بإنجاز أزيد من 22 ألف مشروع ومبادرة للتنمية، منها 3700 نشاط مدر للدخل لفائدة أزيد من 5٫2 مليون مستفيد، وبلغ الحجم الإجمالي للاستثمارات 14٫1 مليار درهم، بمساهمة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بلغت 8٫4 مليار درهم.
نصف العقد الثاني من المبادرة، رصد له مبلغ يصل إلى 17 مليار درهم لتمويل البرامج الخمسة للمرحلة الثانية من المبادرة، كما تم توسيع مجال عمل المبادرة ليشمل 701 جماعة قروية و530 حيا حضريا مهمشا، وفي أرقام نصفي العقد، تكمن تفاصيل يستحيل أن تستقيم روح المبادرة دون مواجهاتها والانتباه إليها.
طرائف وغرائب مشاريع المبادرة
مهما كان تقييم المسؤولين بالإدارة المركزية لمشاريع المبادرة، فإنه سيظل يعتمد على خلاصة تقارير ترفع بعناية نظرية، يصعب الوقوف على ثغراتها إلا من خلال المعاينة الدقيقة لما تم تنفيذه من برامج والمستفيدون المعنيون بها، لكن بالوقوف على عينات من الأقاليم التي استهدفتها المبادرة لتوفرها على كل المعايير المطلوبة ستتضح كثير من المعيقات والأعطاب.
بين القطبين الحضريين، الرباط والدار البيضاء تقع جماعاتان قرويتان هما بئر النصر والزيايدية بإقليم بن سليمان، المصنفتان من بين أفقر الجماعات وطنيا والمستهدفتان من طرف المبادرة، طيلة فترة تنفيذ برنامج المرحلة الأولى من المبادرة بح مسؤولو الجمعيات من التشكي، وتحدثوا عن مشاريع فاشلة وأخرى وهمية، وتحدثوا عن الإقصاء الممنهج لجمعيات نشيطة بالإقليم، وعن مشاريع كان حريا إنجازها من طرف قطاعات أخرى في التعليم والتجهيز والسكن والصحة، وهي مشاريع لم تنجز بالدقة والمواصفات اللازمة. بعضها كشفت عيوبه بعد أشهر من بداية استغلاله، وبعضها أنجز وظل بدون أهمية بسبب موقعه أو لغياب الوسائل البشرية والمادية لتدبيره.
وكانت العديد من الجمعيات بالإقليم قد طالبت بضرورة فتح عامل عمالة ابن سليمان الجديد لملف مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المنجزة والعالقة بتراب الإقليم، والوقوف على التشكيلات المعتمدة في اللجان المحلية والإقليمية التي أقصت النسيج الجمعوي، ومنحت مشاريع جاهزة لجمعيات محظوظة، ولأخرى أسست خصيصا لتبني بعض المشاريع.
نفس الجمعيات طالبت بتشكيل لجنة للتدقيق في نوعية بعض المشاريع التي لا تدخل في إطار أهداف المبادرة، وفحص وثائق وفاتورات تلك المشاريع لدى حامليها ومراقبيها، والوقوف على مستوى إنجازها، خصوصا أن هناك مشاريع وهمية حسب ممثلي الجمعيات، أنجزت وأخرى عشوائية بدون تصاميم ودراسات قبلية دقيقة، وثالثة ما زالت عالقة بسبب صعوبة التنفيذ أو نقص في السيولة المالية.
الرسائل المفتوحة التي وجهتها جمعيات المجتمع المدني إلى عامل عمالة ابن سليمان، كانت جريئة وأخبرت المسؤول الأول بالإقليم أن متدخلين على مستوى العمالة ومصالحها الخارجية لم ينخرطوا بالمستوى المطلوب في المبادرة الملكية، وأن بعضهم أساء لها، موضحين أن اللجنة الإقليمية لم تتعامل مع كل الجمعيات النشيطة بالإقليم، بل تم انتقاء مجموعة منهما لأسباب سياسية أو لولاءات ممثليها، كما تم تأسيس مجموعة من الجمعيات فقط من أجل منحها مشاريع جاهزة للتنفيذ.
الرسائل التي صاغها أشخاص ملتصقون بالمعيش اليومي للسكان، يقضون ساعات طويلة بدور الشباب، ويعرفون تفاصيل ما يجري بمناطقهم بمداومة كلية وبعيون مفتوحة، وصلوا إلى عمق فشل تطبيق بعض مشاريع المبادرة، وتتمثل في زبونية الإشراف وغموض الخصم والحكم في آليات المبادرة، ولذلك كان التشكي من أن جمعيات تم تمكينها من مشاريع غامضة رصدت لها ميزانيات فاقت الميزانيات المرصودة للجماعتين الزيايدة وبئر النصر المعنيتين بالمبادرة .
التقارير الوطنية تقول إن هاتين الجماعتين توجدان في ذيل لائحة الجماعات الفقيرة بالمغرب. وأنهما لم تستفيدا من أي مشاريع صريحة مدرة للدخل، ولكن حين جاءت المبادرة لم يتم الانتباه إلى منسوب الشفافية الذي كان مطلوبا لتمكين السكان والجمعيات من حقائق هذا الغيث، ولذلك كان طبيعيا أن يتم انتقاد تشكيلة اللجنة التقنية التي عهد إليها اختيار مشاريع الجمعيات.
الرسائل تقول إن أعضاء هذه اللجن تم انتقاؤهم من داخل العمالة في غياب ممثلي الجمعيات الرائدة وفعاليات المجتمع المدني، وظلوا خاضعين لاختيارات رئيس قسم العمل الاجتماعي بالعمالة، الذي انتقدوا طريقة تدبيره لملف المبادرة والذي جر عليه شكايات من طرف ممثلي عدة جمعيات.
العديد من الجمعيات التي احترفت مراقبة كل شاردة وواردة بالإقليم، تساءلت عن نصيب عمالة ابن سليمان من (الهبة الصينية) للدولة المغربية، والتي هي عبارة عن (حواسيب محمولة وثابتة وأجهزة إلكترونية ومولدات كهربائية وآلات طباعة...) تم توزيعها بطرق عشوائية داخل وخارج أقسام العمالة، واستفاد منها أشخاص ذاتيون لا علاقة لهم بالعمالة.
وتساءل الفاعلون الجمعيون عن مصير التشخيص التشاركي الذي أنجز سنة 2008 بجماعة بئر النصر من طرف موظف كان ملحقا بالعمالة وعاد إلى مزاولة عمله بقطاع التعاون الوطني بالدار البيضاء. كما تساءلوا عن سبب عدم تشكيل لجنة تفتيش وتقييم ومراقبة لتتبع وفحص ملفات المشاريع المنجزة والعالقة. وهو مطلبهم الموجه حاليا إلى العامل الجديد، خصوصا وأن مجموعة من المشاريع تبخرت، وأنجزت بخصوصها تقارير وهمية للتغطية عليها، كما أن هناك مشاريع برمجت بدون أرصدة مالية كافية بسبب عشوائية الدراسات ومحاولة الإسراع بالاستفادة من أموال المبادرة.
مشاكل عرقلت أهداف المبادرة
البرامج الخمسة التي تم اعتمادها في المرحلة الثانية من تطبيق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية اعتمد فيها على غلاف مالي بقيمة 3٫1 مليار درهم لتمويل مشاريع برنامج مكافحة الفقر بالوسط القروي، تستفيد منه 701 جماعة قروية مستهدفة، ويروم الحفاظ على دينامية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتحسين ظروف عيش سكان الوسط القروي، وتعزيز الولوج إلى التجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية الأساسية. هذا الكلام الجميل والمسؤول لوزير الداخلية قبل شهرين، لم يقنع العديد ممن اكتووا بمسار تطبيق هذا المحور.
الملتصقون بالمبادرة يقسمون المناطق والفئات المستهدفة إلى فئتين، الأولى توجد داخل مدارات حضرية بمناطق فقيرة. والثانية توجد بالمناطق النائية التي تعاني العزلة، وتتنوع أشكال التلاعب بين اعتماد المسؤولين بالجمعيات مظلات المنتخبين، حيث تتشكل غالبية الجمعيات من تابعين لمنتخبين، يتداخل فيها العامل الجمعوي المدني بالسياسي، وتتحول مشاريع المبادرة في هذه المناطق إلى مجال للاستقطاب الانتخابي، ويكفي أن نشير إلى الصراعات التي عاشها النسيج الجمعوي بكل مقاطعات الدار البيضاء كمركز حضري كبير، لفهم الفوضى التي طبعت بعض المشاريع.
مقاطعة الفداء تقدم نموذجا صارخا على هذا النمط من التدبير، فالعديد من المشاريع التي تمت إجازتها، تتسم بالسطحية ومنسوخة بلا أهداف واضحة سوى الحصول على أموال المبادرة، فحين تقف على مشروعين أحدهما يروم تنظيم مدخل مدرسة، وآخر يريد كنسها من الداخل، يتضح حجم استسهال مبادئ المبادرة، فأغلب المشاريع لم تذهب إلى مراكز الهشاشة بالإقليم، بل ركزت على أوراش كانت تنفذ بالتطوع غالبا، قبل أن تتحول إلى مشاريع تنفذ بميزانيات.
وثائق الملفات التي تهم العديد من المشاريع، تبين العديد من التناقضات، ففي الوقت الذي تجيز فيه اللجنة مشروعا بمواصفات مالية وأهدافا تتشابه مع ملف آخر يتم رفضه، تجد خلف المبررات علاقات تترجمها شكايات هذه الجمعيات نفسها، ويكون الواقف خلف كل ذلك منتخبون لم يفهموا من المبادرة، سوى أنها منجم ذهب لتمويل حملاتهم الانتخابية طيلة سنوات.
بابن مسيك تحول نسيج عريض من الجمعيات، إلى تكتل يريد فضح ما جرى في المبادرة، ومع اشتداد الصراع، تتحول المعركة إلى تصفية حسابات، ففي عريضة موقعة من طرف النسيج الجمعوي، نجد اتهامات لرئيس الجماعة بتوقيف مجموعة من مشاريع المبادرة، كما حصل مع مشروع المركب الرياضي بحي جوادي.
ما حدث بالنسبة لهذا المشروع دليل واضح على المشاريع التي ضاع فيها المال العام، بسبب الصراع السياسي، ففي الوقت الذي يعتبر رئيس الجمعية، صاحبة المشروع، أن رئيس الجماعة، حارب العمل الجمعوي، وعمل على إيقاف مشروع كان في آخر مراحله، يعتبر رئيس الجماعة أن رئيس الجمعية، تصرف بطريقة غير قانونية مع المشروع، فالأرض التي أقيم عليها المشروع، سبق وأن تضمن التصميم إنشاء مؤسسة للتكوين المهني، ويدعم رأيه بمطالب السكان ووثائق للمشروع.
لا يقف السجال هنا، بل يصل منسوب الاتهامات إلى فضح ما يجري بأموال المبادرة، فرئيس الجمعية يتهم الرئيس بمحاولة تحويل كل مشاريع المبادرة لفائدة جمعيات مقربة منه، في أفق الانتخابات، في حين يتهم رئيس الجماعة رئيس الجمعية المعنية بمدرسة كرة القدم بأنه المسؤول عن كل هذا التوتر، فالهم الذي يحرك رئيس الجمعية هو فتح الملعب للحصول على مقهى تخصه، وأن سوابقه في البحث عن مكاسب شخصية معروفة.
الورقة الانتخابية لعبت دورا في وأد حركية مجموعة من الجمعيات النشيطة، وتبين أن محاولة الجمعيات التي خرجت للاحتجاج، لم تنجح في كشف المستور، لكن ما ظهر جليا من هذه الاحتجاجات سواء بالدار البيضاء أو وجدة والرشيدية وغيرها من المدن أن المصيبة التي ابتليت بها المبادرة، هي المنتخبون الذين ركبوا عليها، خصوصا في مدن لم يعد لرؤساء المقاطعات من اختصاصات كبيرة، فتحول مسؤولوها إلى احتراف العمل الجمعوي لضبط زبناء الانتخابات.
الفئة الثانية ترتبط بالجماعات الفقيرة والنائية حيث اتساع رقعة الهشاشة والفقر، وهنا تكفي الإشارة إلى الفوضى والغموض اللذين يلفان ملف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بجماعة بئر النصر، أفقر جماعة بجهة الشاوية ورديغة لتحقيق الإشباع. فرؤساء جمعيات يؤكدون في رسائل مفتوحة إلى العامل أن مشاريع برنامج محاربة الفقر برسم 2009 والتي تدخل في إطار المشاريع المدرة للدخل، تم توقيفها من طرف اللجنة المحلية، بعدما تم التوقيع على اتفاقية الشراكة ومساهمة الجمعيات المعنية ب 10 في المائة من كلفة المشروع بعد تكبد منخرطيها عناء اقتراض تلك المبالغ.
عمليات تفويت سرية تجري حاليا من أجل دعم جمعيات بديلة ومنحها تلك المشاريع، فرئيس قسم العمل الاجتماعي بالعمالة في آخر اجتماع للجنة المحلية، أكد أن مشاريع برنامج محاربة الفقر لسنة 2009 مازالت عالقة، وأنهم وجدوا صعوبة في تدبير الزمن المخصص له، وبررت اللجنة المحلية سحبها للمشاريع، باعتبار أن الجمعيات يجب أن تساهم ب 30 في المائة من كلفة المشروع، رغم أن مكتب للدراسات أجرى دراسة بالجماعة الفقيرة، وأكد أن تلك الجمعيات ليس باستطاعتها المساهمة بنسبة 30 في المائة من كلفة المشروع بسب الفقر المدقع بالمنطقة.
ولعل أغرب ما أثار جدلا كبيرا بالمنطقة والإقليم تلك المبالغ الكبيرة التي رصدت لتهيئة البنية التحتية لمركز بئر النصر، إذ تم رصد حوالي 200 مليون سنتيم لتجهيز المركز بالأزقة والترصيف والصرف الصحي لتجمع سكاني، جدران وأسقف مساكنه مبنية بالطوب والتبن والقصدير، تجرف السيول والأمطار أجزاء كبيرة منها سنويا. وهي مساكن متداخلة وعشوائية لا تصاميم لها. ويطالب السكان وهم فقراء بالكاد يتدبرون قوت يومهم، بالعمل أو البيع والشراء في أشياء زهيدة أو التسول بالسوق الأسبوعي السبت، بتوفير سكن لائق لهم يحفظ لهم حقوقهم في الأراضي التي يملكونها ويقيهم معاناتهم السنوية مع التغيرات المناخية. كما تبين بأن المشروعين الخاصين بالمركز متوقفان بسبب صعوبة التنفيذ والنقص في المبالغ المرصودة، اجتماع اللجنة المحلية بالجماعة خلال شهر غشت الماضي، يؤكد أن المبلغ المرصود لمشروع الصرف الصحي غير كاف، وأن عليهم الاعتماد على شركاء آخرين، ويقترح تكليف الجماعة بحفر (البئر المخفي) المستقبل للمياه المستعملة وتحميل المواطنين الفقراء مصاريف الربط الفردي لمنازلهم، وذلك بتأسيس جمعية للسكان تهتم بالعملية.
وجاء في رسالة جمعية التعاون لدوار أولاد خليفة بجماعة الزيايدة، ثاني جماعة قروية معنية ببرامج المبادرة، أن السكان القرويين الفقراء بالجماعة لم يستفيدوا من أي دعم من المبادرة، وأن جمعيات نشيطة تم إقصاؤها طيلة سنوات المبادرة الخمس، وأن اللجنة المحلية (لجنة تكافؤ الفرص) شكلت بدون استدعاء أية جمعية محلية، واعتبرت الجمعية أنه تم تغييب تمثيلية المجتمع المدني داخل اللجنة المحلية، وطالبت بالتحقيق في الأموال التي ترصد سنويا للجماعة عن طريق اللجنة المحلية، والوقوف على التهميش الذي طال العمل الجمعوي من طرف الجماعة وقسم العمل الاجتماعي بالعمالة، كما أن مشاريع أنجزت لا تدخل في إطار دعم الفقراء بالمنطقة.
لماذا لا ينجح الافتحاص
في كشف التلاعبات
حين اشتد الحديث عن وجود اختلاسات في مالية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، خرجت المنسقة الوطنية للمبادرة لتقول: «إن مهام التتبع والافتحاص والتقييم التي قام بها مختلف الفاعلون لم تكشف عن أي حالة اختلاس»، مشيرة إلى أن «الافتحاصات المؤسساتية تقوم بها سنويا وبشكل مشترك كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية, والمفتشية العامة للمالية, طبقا للمعايير المعمول بها في مجال الافتحاص».
الافتحاص الذي تتحدث عنه المنسقة العامة، لا يمكنه بالمعايير، حسب فاعلين في المبادرة، من الوصول إلى الحقيقة، لأن الاعتماد في البحث وإن استند إلى الوثائق، فسيخرج خالي الوفاض، لأن محترفي الانتخابات والمتحكمين في الشأن المحلي، الذين استفردوا بالعمل الجمعوي الموجه، تمكنوا من ضبط اللعبة المحاسباتية، ويبرعون في ذلك حتى قبل الحصول على دعم المشروع، فهم يلجؤون لتوزيع المبلغ المخصص للمبادرة، على فصول يصعب مراقبتها، لأن استهلاكها، يتم في محله، نظير اللقاءات والندوات والأدوات المكتبية، والتظاهرات الرياضية المزعومة.
من بين ملفات كبيرة بعمالة الفداء مثلا، نقف على تسع ملفات، كلها تضع هدف المشروع هو الحفاظ على البيئة، ومباشرة بعده يأتي هدف صرف المال، ليوجه إما إلى التحسيس، أو التأهيل، الملاحظة الأساسية هو أن الكلفة المالية للمشاريع، رغم تباعد مجالات اشتغالها تخصص في مبلغ 180 مليون درهم، وفي التركيبة المالية للمشروع يتم تفتيت المبلغ على أوجه صرف يصعب ضبطها، منها مثلا عدد الأوراش التي تنظمها جمعية عائلية لا رقابة ولا محاسبة عليها، تشابه عدد الأطفال والنساء المستفيدين من نشاطات مزعومة، بين 100 و300، والهدف موحد هو تبرير صرف المال العام.
العديد من الفاعلين الجمعويين بالفداء، يؤكدون أن الحصول على فواتير وهمية، هو من الأمور السهلة جدا، وبناء عليه يتم تهييء الملف المالي، بشكل يصعب ضبط مخالفاته، الأثر الوحيد للهف المال العام يعرفه رؤساء الجماعات، الذين يزودون رؤساء الجمعيات بآليات الجماعة لتنظيم الأوراش، وتزودهم المستشفيات بالأدوية للقوافل الطبية.
ولأن المتحكمين في العديد من الجمعيات يتقنون مسارات «التدبار»، تتحول ميزانية المشروع إلى الجيوب بعد إنجاز جل مراحله بالفهولة والتطوع.
صحيح أن العديد من المشاريع التي دشنت، وتحولت إلى مفخرة لمعاني المبادرة الوطنية لا يمكن إنكارها، ولا يعني هذا التشريح للمبادرة هو أن المال فاسد، لكن بالنسبة للفاعلين الجمعويين حين تستفيد عائلات لاعلاقة لها بالفئة المستهدفة في المبادرة، وحين تخرج للعلن مشاريع صرفت فيها أموال وبقيت كالأطلال كما هو حال مشاريع بابن سليمان، أو صرفت فيها أموال ثم تعرضت للهدم مباشرة بعد إتمامها نموذج مشاريع مبادرة بمنطقة درب الخير بعين الشق بالدار البيضاء، أو حين يكشف المتلاعبون بالمبادرة بعضهم البعض، مباشرة بعد شهور من تصريح المنسقة الوطنية، ويصل الأمر إلى اعتقال متورط في نهب مالية المبادرة، كما حدث بمنطقة بن مسيك بالدار البيضاء، تكون مطالبة الفاعلين الصادقين في المبادرة، بضرورة البحث عن آليات لمنع المفسدين من تشويه روح وفلسفة المبادرة مطلبا مشروعا.
في انتظار الرد
اتصالاتنا المتكررة بالمنسقية الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، سواء عبر الهاتف لمدة طويلة، انتهت بالاتفاق على إرسال الأسئلة عبر الفاكس، وبعد عدة أيام تم الاتصال لعدة مرات، قبل أن تخبرنا المسؤولة عن الاتصال بأن الرد في طريقه للإنجاز.
وبعد طول انتظار، لم نتمكن من رد المنسقية عن أسئلة تتعلق بالإجراءات التي اتخذتها لتكون برامج المبادرة أكثر استهدافا لمناطق الهشاشة، وتجاوز بعض الأخطاء التي وقعت فيها اللجن المحلية، والتي كان من نتائجها، هدم مشاريع بعد بنائها، وعن الإجراءات التي تم اتخاذها لتجاوز الاحتجاجات التي رافقت الجزء الأول من المبادرة، وتهم تركيبة اللجن المحلية، التي عرفت صراعات بين الجمعيات التي أسسها منتخبون، أو يقفون وراءها. كما بقي سؤال نجاعة الافتحاص التي قامت به المنسقية لاكتشاف التلاعبات التي تحصل في بعض مشاريع المبادرة، حيث تظل المعاينة الميدانية، والمرافقة غائبتين.
صحيح إن بعضا من المجتمع المدني يساهم بوطنية في مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما أن إحداث 667 لجنة محلية للتنمية البشرية على مستوى الجماعات القروية والأحياء الحضرية المستهدفة، و70 لجنة إقليمية وولائية للتنمية البشرية، و16 لجنة جهوية للتنمية البشرية، مكن كافة الفاعلين في مجال التنمية، خصوصا الجمعيات، من ولوج دوائر قرار خاصة بتدبير الشؤون العمومية، لكن بالرغم من كل ذلك، فإن المتربصين بالمال العام، موجودون ومبثوثون في كل زوايا المسارات التي تريد تشكيل طريق النجاة والنجاح، مهمتهم الوحيدة، كيفية الاستفادة الشخصية، بعد أن تموت فيه نبتة الوطن والوطنية. فهل سيستمر المشهد في النصف الثاني من عقد المبادرة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.