المواقف الأخيرة لفرنسا في كل من إفريقيا والشرق الأوسط تبدو مرتبكة. فهناك نقص في التجانس يقطع مع العادات الفرنسية. في المغرب أصدقاء فرنسا أصيبوا بالفزع. فحادث ديبلوماسي جديد جاء ليشهد على عدم احترافية السلطات الفرنسية التي انتهت بتلغيم العلاقات بين البلدين. الجنرال بناني هو الرقم الثاني سابقا في الجيش المغربي. وهو اليوم يخضع للاستشفاء في مستشفى «فال دو غراس». يوم الأربعاء، ذهل وهو يرى الطاقم العسكري يحمل إليه رسالة من الشتائم مرفوقة بباقة ورد ذابلة، بعثها إليه ضابط مغربي سابق، والذي كان قد طرد من القوات الملكية المسلحة ويعيش حاليا في فرنسا. إن هذا الحادث الجديد يغذي نقاشا أكثر عمقا. إنه يتعلق بمكانة فرنسا في العالم. إن الكلمة التي تتردد غالبا في النقاشات هي عدم الاحتراف. في المغرب كما هو الشأن في النطاق العربي تحظى الديبلوماسية الفرنسية بحكم مسبق إيجابي. ويعترف لها بمعرفة جيدة للعالم العربي الاسلامي، وثقافته وطبيعة مشاكله. إنه الحمض النووي لسياستها الخارجية والتي سمحت لها بالتميز بين الدول الغربية مهما كانت الأغلبية الحاكمة في فرنسا. قبل عشر سنوات رفضت فرنسا المشاركة في غزو العراق، الذي انتهى بفشل ذريع مازال العالم يدفع ثمن تبعاته كما نلاحظ منذ بداية الشهر. إن السلطة الفرنسية وتأثيرها يجب أن تعزز. لكن العكس هو ما يحدث. ففي المغرب هذه الصورة تتداعى منذ سنتين. فالمراقبون يلاحظون أنه ليس فقط ما كنا نطلق عليه «السياسة العربية لفرنسا» اختفت، بل أن فرنسا تطبعت بتوافقها مع المواقف الأنغلوسكسونية. والأسوأ أن ديبلوماسيتها تركت مجالا للإثارة والنرفزة والهفوات بشكل متكرر، وذلك منذ صعود الحزب الاشتراكي إلى السلطة التنفيذية. ليست الحوادث المتعلقة بالمغرب وممثليها والتي ينظر إليها كاعتداءات، هي ما يؤسس هذه الملاحظة لكن كل العمل الفرنسي. ويكفي أن نحلل تحركات باريس فيما يخص الملفات الساخنة. في سوريا مثلا، وضعت فرنسا نفسها في موقف محرج، ففي عجلة منها أعلنت عن هجمات جوية عقابية ضد نظام بشار الأسد بعد استعماله لأسلحة كيماوية. لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا تخليا عنها في عز الحملة، بعد الفيتو الذي أصدره برلماني الدوليتن، لتتراجع فرنسا وقد وجدت نفسها مهمشة. أما المفاوضات حول نزع السلاح الكيماوي السوري فقد تمت بين أمريكا وروسيا في حين أن فرنسا كانت تحتضن اجتماع أصدقاء سوريا، وهي القوة الاستعمارية السابقة التي ترتبط تاريخيا بهذا البلد وتأثيرها هناك حقيقي.. نفس الأمر تكرر في الملف الإيراني. فالأزمة العراقية يتم إدارتها بين واشطن وطهران هذه الأيام. والكي دورساي وجد نفسه عالقا لوحده من جديد. فالأمريكيون والبريطانيون رتبوا تحولا استراتيجيا ويراهنون على القوى المحلية لضمان استقرار الشرق الأوسط. إن الأمور تسير في اتجاه الاعتراف بطهران كراع للخليج. والأنغلوساكسونين باعتبارهم براغماتين يفاوضون حول الموضوع. فلندن أعادت فتح سفارتها في طهران. والأمريكيون عبروا عن أن الملف النووي يمكن حله. ومرة أخرى، وبسبب العمى أو عدم الاحتراف، تجد الديبلوماسية الفرنسية نفسها مهمشة. الأسوأ، أن فرنسا غارقة حتى في غرب أفريقيا. فالتدخل العسكري في إفريقيا الوسطى تحول إلى كارثة. فبتدخلها المتأخر جدا وبإمكانيات محدودة للغاية أحيت الانقسامات بين المسلمين والمسيحين. وأهداف تأمين البلد ونزع سلاح المليشيات انتهت بإخفاق حقيقي خصوصا بسبب غياب التنسيق مع دول المنطقة. ولا يبدو أن هناك أي أفق سياسي يتم رسمه. فالأحداث الأخيرة في كيدال، تؤكد أن الهشاشة تستمر في مالي. وفي كلا الحالتين سيستمر التدخل العسكري الفرنسي المكلف أكثر بكثير مما كان متوقعا. إن هذا الوضع يدفع المراقبين المغاربة إلى نسبية الإساءات الديبلوماسية الفرنسية تجاه بلدهم، ويقولون إن عدم احترافيتها عالمية ولا تستهدف فقط المسؤولين المغاربة. إنه عدم الاحتراف الذي يسود الإليزي هو سبب كل هذا.