عدما كان خيار الطاقة النووية اختفى من اهتمامات الرأي العام عقب كارثة تشيرنوبيل في العام 1986، ها هو اليوم يعود بقوة الى الواجهة، ليتصدر جداول اعمال المفاوضات. كثيرة هي الحكومات التي بدأت تعيد النظر بأهمية الطاقة النووية، باعتبارها طاقة بديلة قابلة للاستمرار، عن الوقود الاحفورية، خصوصاً في مجال توليد الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحار. ولا تشكل منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا استثناء في هذا الامر. "" من المغرب الى طهران، تبدو الحكومات مهتمة في تطوير الطاقة النووية للاستخدام المدني، كما ان معظم هذه الحكومات عقدت اتفاقيات للبحث او التعاون، مع الدول النووية الرائدة، بما فيها فرنساوروسياوالولاياتالمتحدة. ولا يدور النقاش اليوم حول مبدأ انشاء اول مفاعل نووي في المنطقة، بل حول موعد انشائه. ويبدو ان الامارات العربية المتحدة والكويت ستكونان في رأس اللائحة لإقامة اول مفاعل نووي في المنطقة، خارج اسرائيل. وفي 20 ايار (مايو) الماضي وافق الرئيس الاميركي باراك اوباما على اول اتفاقية مع الامارات العربية المتحدة، التي لا تزال تنتظر إقرارها من جانب الكونغرس الاميركي. وفي 8 ايلول (سبتمبر) الماضي ذكرت وكالة «رويترز» ان توقيع العقد النووي الاول في المنطقة اصبح قاب قوسين من التوقيع عليه، رغم انتظارها موافقة الكونغرس. وفي غضون ذلك اعلنت وزيرة الاقتصاد الفرنسي كريستين لاغارد، في 12 حزيران (يونيو) ان فرنسا او الكويت تتفاوضان حول إقامة شراكة نووية استراتيجية. وعقب الزيارة الاولى للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى الكويت، في آذار (مارس) الماضي ألمح رئيس وزراء الكويت الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح، الى ان بلاده قد تشتري حصة في شركة «ارينا» الفرنسية العملاقة للطاقة النووية، التي تمتلكها الدولة الفرنسية. وليست الامارات والكويت وحدهما الراغبتين في اضافة العنصر النووي الى قدراتهما الطاقوية، إذ ان الاردن ومصر ايضاً يسعيان الى دخول مجال امتلاك الطاقة النووية في المنطقة. اما في شمال افريقيا، فالجزائر معروفة بطموحاتها النووية، منذ زمن بعيد، وبأنها وقّعت اتفاقيات تعاون مع فرنساوالولاياتالمتحدة. كما ان المغرب وتونس، مقتنعتان باتفاقيات مماثلة مع فرنسا ايضاً. غير ان الشروع في اعمال البناء ليس متوقعاً هناك، في المستقبل القريب، بسبب الارهاب واعتبارات الغرب التي تريد الابقاء على تفوق اسرائيل الاستراتيجي. والطموحات الاقليمية النووية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ليست حالة استثنائية، بل هي جزء من الاهتمام الكوني المتزايد بالطاقة الذرية. وهناك اليوم 34 مفاعلاً نووياً قيد الانشاء في العالم، معظمها في قارة آسيا. كما ان المملكة المتحدة تعهدت ببناء 15 مفاعلاً نووياً جديداً لتلبية الطلب المستقبلي على الطاقة الكهربائية، في الوقت الذي لا يزال هذا الخيار يشكل موضوعاً ساخنا للنقاش في باقي دول اوروبا. الامر نفسه ينطبق على الولاياتالمتحدة حيث كان الرئيس السابق جورج دبليو بوش تعهد بتوسيع «الاسطول النووي القومي»، لكن خليفته اوباما يبدو انه لا يزال متردداً في تنفيذ ذلك. هذا الانتعاش النووي لا يمكن النظر اليه بمعزل عن الواقع الكوني المتمثل بالنقص في المخزون الدولي للوقود الهيدروكربونية، وارتفاع اسعار الوقود الاحفورية، والرغبة في خفض انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكربون، ووقف ارتفاع حرارة الارض. ويزعم مؤيدو صناعة الطاقة النووية انها لا تولد ثاني اوكسيد الكربون، بالاضافة الى ان كلفتها اقل، وتشغيلها اسهل. لكن معارضيها، ومن يساندهم من مؤسسات المجتمع المدني يشككون في ذلك، ويقولون ان الطاقة المولدة نووياً قد تكون رخيصة، لكن بناء المفاعل النووي عملية مكلفة جداً. كما ان المزاعم بأن الطاقة النووية هي طاقة نظيفة، ليست صحيحة، لأن النفايات النووية تبقى سامة لآلاف السنين. في عددها الاخير وفي تقرير نشرته مجلة «اكريكوتيف» اللبنانية، جاء ان الصفقة النووية بين الامارات العربية المتحدة واميركا سيبلغ حجمها حوالى 24 مليار دولار، لأن اميركا ستزود الامارات بالوقود النووية، وتساعدها في عملية تطوير بناها التحتية. وليس من المتوقع بدء هذا المفاعل بالعمل قبل العام 2020 وتشير الاحصائيات الرسمية في الامارات الى ان الطلب على الكهرباء يتوقع ان يرتفع من 15.5 جيغا واط حالياً الى 40 جيغا واط في العام 2020. اما بالنسبة الى الاردن المتوقع ان تحصل على الطاقة النووية في المستقبل القريب فإن المساعي لذلك بدأت منذ منتصف العام 2007 وقد كشف النقاب عن الخطة المرسومة، من قبل وزير التعليم العالي آنذاك خالد طوقان المهندس النووي الذي يرأس حالياً المجلس الاردني للطاقة الذرية. وينوي الاردن توليد 30% من حاجاته للطاقة، بواسطة المفاعلات النووية، قبل حلول العام 2030. واذا لم يكن الاردن من بين الدول الغنية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، إلا انه يمتلك عنصراً مهماً يتفوق من خلاله على معظم الدول الاخرى، وهو انه ينتج حوالى 140 الف طن من اليورانيوم، الامر الذي يدر على خزينة الدولة حوالى 1.5 مليار دولار سنوياً. هذا بالاضافة الى ان جزءاً من الموارد الضخمة من الفوسفات، يمكن استخدامها للحصول على اليورانيوم. ويقول كمال العراج، منسق التعاون الخارجي في المجلس الاردني للطاقة الذرية: لقد وقعنا اتفاقاً مع شركة اريفا الفرنسية، التي بدأت بالتنقيب، وبإعداد دراسة جدوى. ومن المتوقع ان تبدأ اعمال التعدين في العام 2012. تجدر الاشارة الى انه في ما يتعلق بأكلاف مفاعل قادر على انتاج 100 ميغاواط (اي ما يكفي من الطاقة لتغذية 250 الف منزل، هناك حاجة لتوظيف حوالى 400 شخص، وحتى اذا ارتفع سعر الكيلوغرام الواحد من اليورانيوم من 100 دولار، حتى 1000 دولار، فان سعر الكيلوواط الواحد من الكهرباء لن يرتفع إلا بنسبة ضئيلة جداً، لأن كميات قليلة من اليورانيوم تستخدم لانتاج الكهرباء. وهذا يعني ان كلفة الطاقة الكهربائية بالنسبة الى المستهلك لا ترتبط إلا بالكلفة المرتفعة لبناء المفاعل النووي. الى ذلك، تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان 438 مفاعلاً نووياً كانت تعمل عند نهاية العام 2008، في العام كله. وكانت هذه المفاعلات توفر 15% من الطلب الكوني للطاقة، وفرنساوالولاياتالمتحدة هما الدولتان الرائدتان في هذا المجال. ويصل معدل العمر التشغيلي للمفاعل النووي الى حوالى 40 سنة، ويمكن اليوم تمديد هذا المعدل الى 60 سنة. وهناك 75% من المفاعلات النووية في العالم اليوم، تفوق اعمارها العشرين سنة. وفرنسا التي تمتلك 59 مفاعلاً نووياً، تنتج حوالى 70% من الطاقة الكهربائية المستهلك هناك. اما المفاعلات النووية المئة، التي تمتلكها الولاياتالمتحدة، فتولّد 20% فقط من الكهرباء المستهلك سنوياً هناك. وخلال النصف الاول من العام 2007، ارتفع سعر اليورانيوم الى مستوى قياسي، وصل الى 120 دولاراً للرطل الواحد، الامر الذي أحدث طفرة قوية في اعمال التنقيب والتعدين الخاصة باليورانيوم. لكن هذا السعر تراجع اخيراً ووصل الى 45 دولاراً للرطل الواحد (نصف كيلوغرام تقريباً). وبقي الانتاج السنوي الكوني ثابتاً خلال السنين الاخيرة، في حدود 40 الف طن، فيما الطلب الكوني عليه يصل الى حوالى 67 الف طن. وتتم تغطية الفرق بين العرض والطلب، من اليورانيوم الموجود في المستودعات العسكرية، ومن عمليات إعادة تكرير الوقود النووية، التي يصل وزنها سنوياً الى حوالى 10 آلاف طن. اما اهم الدول المنتجة لليورانيوم فهي استراليا وكازاخستان وروسيا وجنوب افريقيا وكندا والولاياتالمتحدة والبرازيل وناميبيا والنيجر واوكرانيا والاردن واوزباكستان والهند والصين ومنغوليا. ومن خلال القاء نظرة سريعة على المعلومات النووية الخاصة بالدول العربية نجد ما يلي: المغرب: وقّع اتفاقية تعاون نووية مع فرنسا، وينوي تشغيل اول مفاعل نووي في العام 2020. كما ان احتياط المغرب من اليورانيوم يصل الى 6 ملايين طن. الجزائر: تريد تشغيل اول مفاعل نووي في العام 2020، يتبعه مفاعل آخر، كل خمس سنوات. وقد وقعت اتفاقيات للبحث النووي مع فرنسا والصين والارجنتين والولاياتالمتحدة. ليبيا: وافقت على وقف برنامجها النووي في العام 2003. وبعد ذلك وقعت اتفاقيات للتعاون النووي مع روسيا وكندا. تونس: وقعت اتفاقية للتعاون النووي مع فرنسا وتنوي انشاء مفاعل نووي بقوة 600 ميغاواط في العام 2023. مصر: وقعت اتفاقيات للبحث والتعاون النووي مع روسيا والصين وكازاخستان وكوريا الجنوبية. وتخطط لتشغيل اول مفاعل نووي في العام 2020. الاردن: يمتلك حوالى 180 الف طن من اليورانيوم، ويخطط لتشغيل اول مفاعل نووي في العام 2020، لتوليد 30% من حاجته للطاقة الكهربائية. ووقع عقداً للتنقيب عن اليورانيوم مع شركة «آريتا» الفرنسية. لبنان: لم يعرب بعد عن رغبته في تطوير الخيار النووي. سوريا: تمتلك عدداً من منشآت البحث النووي في دمشق. وقد وقعت اتفاقية للتعاون النووي مع روسيا في العام 2003. المملكة العربية السعودية: وقعت اتفاقية للتعاون مع الولاياتالمتحدة في العام 2008. وتخطط لتطوير الخيار النووي لانتاج الكهرباء، ولتحلية المياه. اليمن: انشأ اللجنة الوطنية للطاقة الذرية في العام 1999، ووقع صفقة مع الولاياتالمتحدة بقيمة 15مليار دولار لبناء خمسة مفاعلات نووية على مدى عشر سنين، لكن هذه الصفقة الغيت فيما بعد بسبب اتهامات بالفساد. الامارات العربية المتحدة: وقعت اتفاقيات للتعاون النووي مع الولاياتالمتحدة، ولا تزال تنتظر إقرار الاتفاقية في الكونغرس الاميركي. البحرين: وقعت على مذكرة تفاهم للتعاون النووي مع الولاياتالمتحدة في العام 2008. قطر: وقعت اتفاقية نووية مع شركة كهرباء فرنسا، وليس لديها خطة ملموسة لبناء مفاعل نووي. عُمان: وقعت على اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي الخاصة بالتكنولوجيا النووية. الكويت: لها طموحات نووية منذ السبعينيات من القرن الماضي، وتقوم شركة فرنسية اليوم بدراسة لانشاء مفاعل نووية في الكويت. العراق: كانت له طموحات نووية منذ العام 1956. وكان بدأ ببناء مفاعل نووي في العام 1976 بمساعدة فرنسية لكن اسرائيل دمرته في العام 1981. اما الحوادث النووية التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية فلا يزيد عددها عن اثنين، كان اولهما في العام 1979 في مفاعل جزيرة «ثري مايل» ثم العام 1989 في كارثة مفاعل تشيرنوبيل. وقد اسفر حادث مفاعل «جزيرة ثري مايل» في بنسلفانيا عن حصول صدمة في الصناعة النووية الاميركية. ونجم عن الحادث تكوين طبقة من الغازات المنشقة فوق مناطق الشواطئ الشرقية الاميركية المكتظة بالسكان. وجاءت كارثة تشيرنوبيل بعد ذلك بسبع سنين وتوقف أحد المفاعلات في اوكرانيا، الامر الذي اسفر عن تكوّن غيمة الاسوأ في التاريخ، دفعت بالحكومات الاوروبية الى تجميد مخططاتها لبناء المزيد من المفاعلات النووية. وليس معروفاً بعد العدد الصحيح للقتلى بسبب هذه الكارثة، غير ان معلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تتحدث عن مصرع 56 شخصاً، مباشرة في موقع الحادث، وعن موت حوالى 4 آلاف آخرين من اصل 600 الف شخص تعرضوا لاصابات بالسرطان. *مجلة الكفاح العربي