الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغرب يستضيف أول خلوة لمجلس حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الإقليمي بالناظور    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    الجيش الملكي يسيطر على قائمة المرشحات لجوائز "الكاف"        رفع عقوبة الحبس النافذ لرئيس المجلس الجماعي لمدينة ورزازات إلى سنة ونصف    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار        الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يستطيع الغرب الاستغناء عن النفط ؟
عودة تدريجية إلى الطاقة النووية
نشر في العلم يوم 21 - 02 - 2010

قبل ثلاثة عقود تقريبا تخلت الولايات المتحدة أكبر مستهلك للطاقة في العالم جزئيا عن السعي لجعل الطاقة النووية أحد مواردها الرئيسية من الطاقة وتوقفت عن بناء مفاعلات جديدة، وفي وقت متقارب قررت ألمانيا عدم بناء مفاعلات نووية إضافية وإغلاق المحطات الموجودة في أجل أقصاه سنة 2020 والتخلي عن الطاقة النووية كمورد للطاقة.
دول عديدة قلدت التوجه الأمريكي الألماني على أساس أن المحطات النووية غير آمنة كما بينت كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبيل يوم السبت 26 أبريل من عام 1986 بجمهورية أوكرانيا، كما أنه ليست هناك إمكانية في الوقت الحاضر على مستوى العالم للتخلص من النفايات المشعة لهذه المفاعلات بشكل آمن، إضافة إلى المخاطر التي ينطوي عليها تعرض هذه المفاعلات النووية للطاقة لأي عملية إرهابية أو كارثة طبيعية كالزلازل.
دول أخرى قررت متابعة بناء المحطات النووية مؤكدة أن التقنيات الحديثة تجعل المحطات الجديدة أكثر أمنا.
الابتعاد عن تكريس الجهود على زيادة الاعتماد على الطاقة النووية، كان مؤشرا لتراجع الولايات المتحدة والعديد من حلفائها عن مبادرة الرئيس السابق نيكسون من أجل تخفيف اعتمادها على النفط المستورد وخاصة العربي بعد حظر تصدير النفط بسبب حرب أكتوبر 1973.
ارتفاع أسعار النفط بعد فترة غير قصيرة سادت فيها الأسعار الزهيدة، وتعثر جهود الولايات المتحدة للسيطرة بشكل مطلق على نفط المنطقة العربية، والجدل حول الاحتباس الحراري، ثم الأزمة الاقتصادية العالمية أثارت اهتماما جديدا بالطاقة النووية المدنية، التي هي في صلب صفقات مغرية ماضية وآتية، خاصة مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
عودة قوية إلى النووي
يوم الثلاثاء 16 فبراير 2010 عدلت الولايات المتحدة سياستها حيث أعلن الرئيس الامريكي باراك اوباما تخصيص ثمانية مليارات دولار لبناء محطة نووية لتوليد الكهرباء. وقال اوباما خلال زيارة مركز «لانهم» في «مريلاند» في ضاحية واشنطن، «نعلن عن حوالي ثمانية مليارات دولار كضمانات قروض للبدء ببناء أول محطة نووية في بلادنا منذ قرابة 30 عاما». وأضاف لدى زيارته مركز التدريب المخصص للطاقة النظيفة التي تعتمد التكنولوجيا الأقل انتاجا للكربون الملوث «يتعين علينا بناء جيل جديد من المحطات النووية الآمنة والنظيفة لتوليد الكهرباء في أمريكا».
وستخصص ضمانات القروض لبناء مفاعلين نووين جديدين في منشأة نووية تعمل بمفاعلين في بوركي في ولاية جورجيا، كما علم لدى البيت الابيض.
ويستند القرار إلى قانون صادر في 2005 في عهد جورج بوش ويجيز لوزارة الطاقة تقديم ضمانات قروض لتنفيذ مشاريع خاصة بهدف تقليل اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد وخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ومع اعترافه بوجود معارضين للطاقة النووية، ومخاوف تتعلق بالسلامة بين أنصار الدفاع عن البيئة وخصوصا لجهة إنتاج نفايات نووية، أكد اوباما أن الطاقة النووية لا بد أن تحتل مركزا في سياسة الطاقة الرامية الى خفض انبعاثات الغازات الملوثة وخفض اعتماد الولايات المتحدة على استيراد النفط من مناطق غير مستقرة.
وقال «عندما يتعلق الأمر بمسالة تؤثر على اقتصادنا وأمننا وعلى مستقبل كوكبنا، لا يمكننا أن نبقى عالقين في النقاش القديم نفسه بين اليسار واليمين، بين انصار البيئة والمقاولين».
وفي ظل الأزمة الاقتصادية ومع سعي الادارة الأمريكية إلى ايجاد وظائف في مجالات الطاقة النظيفة، قال اوباما ان الاستثمار في الطاقة النووية سيوفر فرصا للتوظيف. وقال «انها محطة ستؤمن الاف الوظائف في مجال البناء في السنوات القليلة المقبلة ونحو 800 وظيفة دائمة، وظائف تؤمن دخلا جيدا، في السنوات المقبلة. وهذه ليست سوى البداية».
ولفت اوباما إلى أن منافسي الولايات المتحدة يتقدمون عليها في مجال الطاقة النووية وذكر خصوصا اليابان وفرنسا.
وذكر أنه من بين 56 مفاعلا يجري حاليا بناؤها في العالم، هناك 21 في الصين و6 في كوريا الجنوبية، و5 في الهند.
وقال «بهدف تأمين حاجاتنا المتزايدة للطاقة ودرء التبعات الاسوأ للتغير المناخي، يتعين علينا ان نزيد مصادرنا من الطاقة النووية. الامر بهذه البساطة».
وتعارض المجموعات المدافعة عن حقوق المكلفين الامريكيين إنفاق المال على المفاعلات النووية، كما يعارض انصار البيئة فكرة توسيع الاعتماد على الطاقة النووية لاسباب تتعلق بالسلامة ويؤكدون أنه ينبغي صرف الاموال على مصادر الطاقة البديلة.
ولم تبن الولايات المتحدة محطات نووية لتوليد الكهرباء منذ حادث مفاعل «ثري مايل ايلاند» في ولاية بنسلفانيا، شمال شرق البلاد في سنة 1979.
وينتظر ان تخفض المحطة الجديدة انبعاثات الكربون بمعدل 16 مليون طن كل سنة مقارنة مع محطة تعمل بالفحم الحجري، ويعادل ذلك الملوثات التي تنتجها ثلاثة ملايين ونصف مليون سيارة.
وينص مشروع قانون الميزانية الذي قدمه اوباما إلى الكونغرس مطلع فبراير للعام 2011 على تخصيص 54 مليار دولار كضمانات قروض لبناء محطات نووية.
وتحصل الولايات المتحدة حاليا على 20 في المائة من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية. وتوجد فيها 104 محطات نووية أحدثها في سيبروك في نيو هامشر وقد شرع في تشييدها سنة 1977 وبدأ تشغيلها في 1990.
تحذير
قرار أوبام جاء في جزء منه استجابة لتحذير موجه إلى البيت الأبيض. فيوم 19 مايو 2009 حذر قادة عسكريون متقاعدون أمريكيون في تقرير لهم من أن استمرار اعتماد الولايات المتحدة على الوقود الأحفوري وعلى شبكة كهربائية هشة يشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي.
واعتبرت الدراسة التي أصدرتها منظمة «سي ان ايه» غير الربحية أن هذا الخطر يتطلب تحركا عاجلا، داعية وزارة الدفاع الأمريكية الى المبادرة بتغيير طريقة استخدام الطاقة في الولايات المتحدة من خلال اتخاذ إجراءات فاعلة واعتماد مصادر الطاقة المتجددة.
وشددت الدراسة على أن «اعتمادنا على النفط القادم من الخارج يحد من هامش تحركنا في العالم ويعرض قواتنا للخطر ويمول الدول والأفراد الذين يضمرون لنا الشر ويضعف اقتصادنا».
وأضاف التقرير»ان سوق المحروقات الأحفورية سيتميز بعرض محدود وطلب متنام، ان الاستمرار في الاعتماد بقوة على هذه المحروقات يطرح خطرا كبيرا على الصعيد الأمني».
كما لاحظ واضعو التقرير وهم ضباط متقاعدون برتب عالية في البحرية وسلاح الجو وقوات المارينز، أن الشبكة الكهربائية الوطنية يمكن أن تعرض القواعد العسكرية الأمريكية للخطر.
وكتبوا «ان نظامنا الكهربائي الوطني أيضا يطرح حاليا خطرا كبيرا على أمننا القومي: فالعديد من منشآتنا العسكرية الكبرى تعتمد على التيار المستمد من بنية تحتية كهربائية هشة عرضة لهجمات أو لانقطاع نتيجة كوارث طبيعية».
وحذرت الوثيقة من أن على إدارة الرئيس باراك اوباما أن تباشر اعتبار التغييرات على صعيد الطاقة والمناخ عنصرا أساسيا من عناصر الأمن القومي والبرامج العسكرية، داعية وزارة الدفاع الى ابتكار أنظمة أكثر جدوى لمساعدة القوات في الخارج، كاعتماد آليات كهربائية وتعميم مصادر الطاقة المتجددة او الوقود الذي يحتوي على نسبة ضئيلة من الكربون في القواعد العسكرية.
لبنة في بنية الطاقة
الطاقة النووية تزود دول العالم بأكثر من 16 في المائة من الطاقة الكهربائية، فهي تلبي ما يقرب من 35 في المائة من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي. ليتوانيا تحصل على 77 في المائة من طاقتها الكهربائية من المفاعلات النووية. أما اليابان فتحصل على 30 في المائة من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية، بينما بلجيكا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وسلوفينيا وأوكرانيا فتعتمد على الطاقة النووية لتلبية ثلث احتياجاتها من الطاقة على الأقل.
وحاليا يوجد أكثر من 440 مفاعل نووي سلمي على مستوى العالم و 36 آخر قيد الإنشاء، وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان يتضاعف عدد المفاعلات في العالم في العقود الثلاثة المقبلة الى ما بين 850 و 900 مفاعل، ولكن نسبة تغطيتها للحاجة العالمية من الطاقة مقارنة بغيرها من مصادر الطاقة ستبقى ثابتة عند مستواها الحالي أي ما بين 14 و 16 في المائة.
في المانيا ثاني أكبر مصدر في العالم تسير الأمور نحو التحول كذلك والعودة الى الإختيار النووي خاصة في ظل تزايد حدة مطالب سياسيين ألمان بعدم التخلي عن الطاقة النووية في ضوء تزايد أسعار الطاقة، وهو ما دفع مسئولين بارزين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن استعدادهم لقبول تمديد فترة عمل المفاعلات النووية في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من قيادات الحزب كانت قد رفضت حتى أشهر قريبة بشكل قاطع التراجع عن الاتفاق الذي أبرمته الحكومة الائتلافية من الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر وحزب الخضر مع الشركات المسئولة عن تشغيل المفاعلات النووية للطاقة في ألمانيا والذي يقضي بوقف جميع المفاعلات النووية للطاقة في موعد أقصاه نهاية عام 2020.
التحول انعكس كذلك عندما بدأ سياسيون ورجال اقتصاد آخرون يطرحون فكرة بناء مفاعلات جديدة لضمان نوع من الاستقلال عن المصادر الخارجية مستشهدين بتجارب فرنسا الناجحة في هذا المجال. الشركات الألمانية تريد كذلك فتح امكانية مساهمتها في الأسواق الجديدة للمفاعلات النووية خاصة في المنطقة العربية.
تجربة فرنسا
لدى فرنسا 58 مفاعلا نوويا موزعة على كل أنحاء البلاد تستمد منها نسبة 80 في المائة من احتياجها من التيار الكهربائي وذلك بواسطة مجموعتي «اليكتريك دو فرانس» و «غاز دو فرانس»، وتعتبر الأولى أكبر مزود بواسطة الطاقة النووية في العالم وتبلغ طاقتها الانتاجية 66 غيغا واط.
ورغم حملة أنصار البيئة في فرنسا وأوروبا قررت باريس خاصة في ظل رئاسة ساركوزي التوسع في بناء المفاعلات ببناء مركب جديد يحمل اسم «مفاعل الضغط الاوروبي» وينتمي الى الجيل الجديد من المفاعلات وسوف يتخذ من قرية «دييب» في شمال غرب فرنسا مقرا له وسيستمر العمل فيه في الفترة من العام 2012 وحتى 2017.
ترتكز أهمية محطات توليد الكهرباء بواسطة الطاقة النووية على عدة معطيات. فكمية الوقود النووي المطلوبة لتوليد وحدات من الطاقة الكهربائية هي أقل بكثير من كمية الفحم أو البترول اللازمة لتوليد نفس الكمية، فعلى سبيل المثال يطلق كلغم واحد من اليورانيوم من الطاقة ما ينتج من احتراق 2.22 مليون طن متري من الفحم الحجري أو حوالي 1.12 مليون طن من النفط. وحسب التقنيات المتوفرة حاليا فإنه لو تم الاعتماد على الطاقة الشمسية لتوليد معظم حاجة العالم من الطاقة لكانت كلفتها أكبر بكثير من كلفة الطاقة النووية.
وتنتج محطات الطاقة النووية جيدة التشغيل كمية أقل من النفايات بالمقارنة مع أي طريقة أخرى لتوليد الطاقة، فهي لا تطلق غازات ضارة في الهواء مثل غاز ثاني أكسيد الكربون أو أكسيد النتروجين أو ثاني أكسيد الكبريت التي تسبب الاحترار العالمي والمطر الحمضي والضباب الدخاني. غير أن ما يتخلف من المحطات من وقود نووي مستنفد يشكل خطرا كبيرا تتفاوت التقديرات حول امكانية التخلص منه وخزنه.
كما تشغل المحطات النووية لتوليد الطاقة مساحات صغيرة نسبيا من الأرض بالمقارنة مع محطات التوليد التي تعتمد على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. فقد أكدت اللجنة التنظيمية للمفاعلات النووية على أننا بحاجة إلى حقل شمسي بمساحة تزيد عن 14.6 ألف هكتار لإنشاء محطة تدار بالطاقة الشمسية لتوليد طاقة تعادل ما تولده المحطة نووية بمقدار 1000 ميغاوات، كما أن مساحة الحقل المعرض للرياح اللازم لمحطة توليد تدار بالرياح لإنتاج نفس الكمية حوالي 61.9 ألف هكتار أو أكثر. في حين أن محطات التوليد النووية «ميلستون 2 و3» المقامة في ولاية كونيتيكت الأمريكية والتي تستطيع انتاج أكبر من 1900 ميغاوات تشغل مساحة 206 هكتار ومصممة لتستوعب ثلاث وحدات توليد أخرى».
النفايات المشعة
إن استخدام الطاقة النووية يؤدي إلى إنتاج النفايات ذات الفعالية الإشعاعية العالية، فبعد أن يتم انشطار معظم اليورانيوم -الوقود المستهلك- يزال من المفاعل ويخزن في بحيرات تبريد، وتقوم هذه البحيرات بامتصاص حرارة الوقود المستهلَك وتخفيض درجة إشعاعيته، ثم تتم إعادة معالجته من أجل استرجاع اليورانيوم والبلوتونيوم غير المنشطرين واستخدامهما من جديد كوقود للمفاعل، وتنتج عن هذه العملية نفايات ذات فعالية إشعاعية عالية المستوى.
وتتم إعادة معالجة الوقود المستهلَك بشكل روتيني في مفاعلات برامج الدفاع لاستخدامه في إنتاج الأسلحة النووية، ووفق ما ذكرته وكالة حماية البيئة فإن النفايات عالية الإشعاعية الناجمة عن برامج الدفاع تشكل أكثر من 99 في المائة من إجمالي حجم النفايات عالية الاشعاع في الولايات المتحدة الأمريكية. وتملك كل من فرنسا وبلجيكا وروسيا والمملكة المتحدة وحدات خاصة بها لإعادة معالجة الوقود المستهلَك. وتقوم اليابان باستخدام الوقود المعاد معالجته في أوروبا.
ووفق ما ذكرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن تقديرات نهاية عام 1997 تشير إلى أن كمية الوقود المستهلَك الناجم عن مفاعلات الطاقة التي يتم تخزينها عالميا والتي تزيد على 130 ألف طن، تحتوي قرابة ألف طن من البلوتونيوم، كما أن بعض العناصر الموجودة في الوقود المستهلك وفي النفايات، هي ذات فعالية إشعاعية عالية وتبقى كذلك لمدة آلاف السنين. ولا يوجد حاليا نظام آمن للتخلص من هذه النفايات.
هدف بعيد المنال
«لنضع هدفا قوميا لنا بحيث نكون قد طورنا مع نهاية العقد الحالي الإمكانات من أجل تلبية احتياجاتنا من الطاقة بدون الاعتماد على أي مصدر خارجي للطاقة».
هذه ليست كلمات الرئيس الأمريكي جورج بوش. إنها كلمات الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون ضمن مشروعه الذي أعلن عنه في نوفمبر 1973 تحت اسم «مشروع الاستقلال» عن نفط الخارج.
في يناير 2006، عاد الرئيس الأمريكي بوش الابن وكرر نفس الفكرة والمضمون ولكن بكلمات أخرى وتحت مسميات جديدة، هي «مبادرة الطاقة المتقدمة».
يقول العلماء أنه في غيبة تحقيق قفزة تقنية وعلمية عملاقة لن يتمكن العالم من الاستغناء عن النفط أو الغاز وما تبقى مما يسمى بالوقود الأحفوري، وأن الطاقات المتجددة ستلعب دورا لا بأس به في تلبية طلب العالم المتزايد من الطاقة ذلك الطلب الذي لن تتمكن زيادة إنتاج النفط من تلبيته. ويضيف العلماء أن الذين يفكرون في العديد من الدول الغربية في إلغاء اعتمادهم على نفط الشرق الأوسط، لا يدركون أن جزء هاما من الطاقات المتجددة - وخاصة الشمسية - التي يخططون لاستغلالها ستأتي في المنطقة الشرق أوسطية وخاصة في شمال أفريقيا ومنطقة الصحراء الكبرى الممتدة من البحر الأحمر حتى سواحل المحيط الأطلسي.
يدرك العاملون في مجال الطاقة أن الأراضي العربية هي من أغنى مناطق العالم بالطاقة الشمسية ويتبين ذلك بالمقارنة مع بعض دول العالم الأخرى ولو أخذنا متوسط ما يصل الأرض العربية من طاقة شمسية وهو 5 كيلو واط – ساعة / متر مربع / اليوم و افترضنا أن الخلايا الشمسية بمعامل تحويل 5 في المائة وقمنا بوضع هذه الخلايا الشمسية على مساحة 16000 كيلو متر مربع في صحراء العراق الغربية وأصبح بإمكاننا توليد طاقة كهربائية تساوي 10 4 × 400 ميغا واط – ساعة في اليوم.
تحويل الصحاري العربية إلى مورد هام للطاقة بدأ فعلا ففي يونيو 2009 كشف كونسرتيوم ألماني يضم شركات من بينها «دويتشة بانك» و»سيمنز» و»آر.. دبليو.اي»، عن خطط لبناء أكبر محطة لإنتاج الطاقة من الشمس في شمال أفريقيا بقيمة 400 مليار يورو لتزويد أفريقيا بالماء وأوروبا بالطاقة البديلة. المشروع يحمل اسم «ديزرت تيك»، ويؤمل أن يشرع في تشييده خلال سنتين في بلد في شمال أفريقيا ويبدأ إنتاج الطاقة في فترة تتراوح بين 8 و10 سنوات.
ولا يعتمد المشروع على الخلايا الضوئية التي تحول ضوء الشمس مباشرة إلى طاقة كهربائية، وإنما، وعلى غرار مشاريع أخرى في اسبانيا والولايات المتحدة، ستبنى مرايا هائلة من مرايا القطع المكافئ لاستقبال الشمس وعكسها على حاوية للزيت الخاص توفر حرارة كافية لتبخير الماء واستخدامه في تحريك التربينات الضخمة. والفرق الآخر عن الخلايا الضوئية هو أن محطة «ديزرت تيك» قادرة أيضا على إنتاج الطاقة في الليل، لأنها تخزن الطاقة الشمسية نهارا في ملح خاص وتستخدمها لتحريك التربينات بعد غياب الشمس.
من غير المتوقع أن تستطيع جميع مصادر الطاقة المتجددة أن تسد حاجة العالم من الطاقة بعد وصول إنتاج البترول إلى ذروته بالشكل الذي يحافظ على شكل الحياة التي إعتدناها، إن مجمل ما تشارك به مصادر الطاقة المتجددة في إمداد العالم لا يتجاوز 13.33 في المائة وهي مقسمة كالآتي: الوقود الحيوي 10.62 في المائة ثم الكهرباء المائية 2.2 في المائة ثم الطاقة الجيوحرارية 0.417 في المائة ثم الرياح 0.051 في المائة ثم الطاقة الشمسية 0.039 في المائة ثم طاقة المد و الجذر 0.0005 في المائة، وتشترك جميع تلك المصادر في أنها في الأساس تولد كهرباء (بإستثناء الطاقة الشمسية والطاقة الجيوحرارية والتي يمكن إستخدامها أيضا مباشرة في التسخين) و بالتالي لا يمكن أن تحل مشكلة المواصلات بدون إستخدام البطاريات أو خلايا الهيدروجين.
إن النصيب المتواضع جدا لكل تلك المصادر رغم الجهود العلمية الكبيرة على مدار عشرات السنين خلال القرن العشرين لمحاولة الإستفادة من تلك المصادر بأقصى كفاءة ممكنة يضع آلاف علامات الإستفهام أمام إمكانية أي منها أو كلها في سد أي عجز رئيسي سينشأ نتيجة تناقص إنتاج البترول، أو لسد نهم أمريكا الشمالية للغاز الطبيعي الذي بدء إنتاجها منه يتضاءل.
أحلام الاستغناء عن النفط
كتب رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية والإدارية:
ربما يود مروجو أحلام الاستغناء عن النفط، الاستيقاظ على سماع همس بآذانهم، يخبر باكتشاف نفط رخيص في بقعة ما على وجه الأرض، غير بقاع الشرق الأوسط، التي تمتلك نحو 60 في المائة من الاحتياطى العالمي النفطي. وربما تتسارع أضغاث أحلامهم في الانغماس في شهوات البحث عن بدائل طاقة للنفط. ففي خضم هذه الإرهاصات النفطية، نجد أن هناك الرابح المؤيد لاستمرار النفط كمصدر رئيسي للطاقة، وهناك الخاسر الكاره رائحة هذا الذهب الأسود، الذي يدر طائل الأموال على دول الشرق الأوسط. ففي عام 2006 بلغت أرباح شركة إكسان موبل النفطية 40 مليار دولار و25 مليار دولار لشركة شل و22 مليار دولار لشركة برتش بتروليوم.
من الرابحين أيضا الدول الإفريقية مثل السودان ونيجيريا وأنغولا التي تتمتع حاليا بتدفقات مالية وقروض ميسرة للتنقيب على النفط بأراضيها بواسطة الصين وأمريكا وبعض الدول الأوروبية. هذا ويمارس الروس نوعا خاصا من المكاسب بالتهديد بإيقاف ضخ النفط لشرق ووسط أوروبا عبر أنابيبها النفطية التي تضخ أكثر من مليون برميل في اليوم، إذا لم يتم رفع رسوم عبور. من ناحية أخرى فإن أكثر الدول عراكا بخصوص الإلحاح بإبدال النفط بغيره من مصادر الطاقة هي أمريكا، التي ترى أنها خاسرة في هذه المعادلة النفطية، لأنها فشلت في خفض استهلاكها المتزايد من النفط منذ أزمة النفط الحادة خلال حرب أكتوبر 1973. فتستهلك أمريكا يوميا نحو 22 مليون برميل تستورد منها 14 مليون برميل منها 10 ملايين برميل من البنزين.
بدعم من واشنطن اتفقت 27 دولة بالاتحاد الأوروبي على زيادة استهلاك الوقود المتجدد بنسبة 20 في المائة في 2020 ولكن هناك شكوكا جدية في التمكن من الوصول الى هذا الهدف.
هنا نتساءل عن نسبة انخفاض الطلب العالمي على النفط منذ إنشاء وكالة الطاقة العالمية في 1973 التي يتكون أعضاؤها من الدول الصناعية الكبرى وأسند إليها مسؤولية سحب البساط النفطي، من دول الشرق الأوسط سواء بالتنقيب على النفط خارجها أو باستخدام التقنية المتقدمة لإيجاد بديل للبترول؟.
الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، حيث قفز الطلب العالمي على النفط من 56 مليون برميل باليوم في 1973 إلى 85 مليون برميل باليوم في 2007 بنسبة زيادة تبلغ 52 في المائة، على الرغم من ارتفاع متوسط أسعار النفط من 3 دولارات للبرميل إلى 60 دولارا للبرميل خلال نفس الفترة.
إضافة إلى ذلك، أن أسواق النفط العالمية اتسعت رقعتها بدخول العملاق الصيني، الذي يستهلك نحو 7 ملايين برميل باليوم، ويريد التهام المزيد كما وتستهلك الهند 3 ملايين برميل باليوم، وترغب في المزيد أما اليابان فتستهلك 6 ملايين برميل باليوم واستهلاكها في تصاعد مستمر.
الشركات النفطية العملاقة لم تشارك يوما في هذا الوهم ولا أدل على ذلك من طموحاتها التوسعية من تنقيب مكثف عن النفط وتخصيص عشرات مليارات الدولارات لذلك سنويا وبناء مصافي تكرير وناقلات بترول ضخمة، وإقامة آلاف الكيلومترات من أنابيب النفط في مشارق الأرض ومغاربها.
بعد إنفاق ملايين الدولارات على أبحاث انتاج الإثانول المستخرج من الذرة في الولايات المتحدة لم يزد الاستهلاك في سنة 2009 عن 350 ألف برميل باليوم بأمريكا، بينما بلغت كمية استهلاك البنزين بها نحو 10 ملايين برميل باليوم. والشركات العملاقة تدرك أن الترسانة العسكرية من حاملات طائرات وطائرات وآليات عسكرية بالداخل والخارج بالأرض وبالبحر لا تستقبل سوى النفط لتشغيلها. فالنفط والنفط فقط، سيظل المصدر الرئيسي للطاقة العالمية خلال الجزء الأكبر من القرن الحالي.
يقول لورانس ميراج، نائب الرئيس للاتصالات والعلاقات العامة في شركة اوكسيدينتيال للنفط، إن الشركة «تنظر إلى الشرق الأوسط على أنه فرصة عظيمة من أجل استمرار نموها». ويضيف ميراج من صالة الاجتماعات في مقر الشركة الرئيسي في لوس أنجلوس «لسنا ضد الإدارة الأمريكية في مسألة تخفيض الاعتماد على نفط الشرق الأوسط ولكننا نحن ننظر إلى الشرق الأوسط كفرصة عظيمة لنا من أجل الاستمرار في النمو ولدينا علاقات ممتازة مع الحكومات هناك».
ويضيف قائلا «شخصيا هذه المبادرة لا تأخذ في الاعتبار الاحتياطيات الكبيرة من النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وهذا أمر مستحيل كلما نظرنا إلى الأمام».
أهداف دعائية
في 22 فبراير 2006 استبعد الدكتور جمس زغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي أن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط حسب الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي بوش، مرجعا هذا الإعلان إلى أهداف دعائية، إذ أن الخطة غير قابلة التطبيق.
هناك أمران لا يختلف عليهما المواطن الأمريكي: السيارة الكبيرة والتجوال عبر الولايات والمدن من خلال الطرق السريعة والطويلة في بلد تبلغ مساحته أكثر من تسعة ملايين كيلو متر مربع وكثافة سكانية تزيد على 300 مليون نسمة، وأطوال طرق تبلغ 6.4 مليون كيلو متر منها 74.950 ألف طرق سريعة و4.164.964 مليون كيلو متر من الطرق غير المعبدة بحسب إحصائيات عام 2004.
وقال زغبي في مؤتمر صحافي عقده بمجلس الغرف السعودية بالرياض ان النفط سلعة عالمية تسوق في أي جزء من العالم وإذا ما رفضت أمريكا شراءها فإنها سوف تباع إلى دول لها تعاملات تجارية واقتصادية معها وبالتالي فإن انعكاساتها الايجابية اوالسلبية سوف تنالها.
المستحيل
في 15 ديسمبر 2009 استبعد ريتشارد نيويل رئيس إدارة معلومات الطاقة أن يعود الطلب الأمريكي على النفط حتى عام 2035 إلى الذروة التي بلغها قبل تراجع الاستهلاك نتيجة ارتفاع أسعار البنزين والركود. وقال نيويل ان تقديرات الإدارة تفيد انه من المتوقع أن يرتفع استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة 14 في المائة بحلول 2035 ولكن رغم ذلك سيتراجع نصيب الوقود الاحفوري من الطلب الأمريكي على الطاقة في الخمسة والعشرين عاما القادمة فقط من 84 بالمائة حاليا إلى 78 بالمائة.
سيظل نفط الشرق الأوسط أحد أهم شرايين الاقتصاد الدولي خاصة وأنه سيكون الأطول عمرا حسب التقديرات الحالية.
التاريخ سيثبت فشل الذين تصوروا أنهم يستطيعون استعباد مقدرات أمة يمتد تاريخها آلاف السنين، كما سيثبت أن هؤلاء الذين يمتلكون في باطن وعلى سطح أرضهم وقود الماضي والحاضر والمستقبل سيستخلصون حقوقهم بشكل أو بآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.