يحتاج كل مراهق إلى تحقيق ذاته من خلال محاولة الاستقلال ولو جزئيا عن والديه ومحيطه الأسري، وأصبحت غرفة النوم الخاصة من بين المطالب التي يحرص المراهق على المطالبة بها، للحفاظ على خصوصيته وحميميته في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة. في الحوار التالي يحاول أستاذ علم النفس الاجتماعي عبد الرحيم عمران تقديم الأسباب التي تدفع المراهقين للمطالبة بالتوفر على غرفة خاصة. لماذا يصر بعض المراهقين على امتلاك غرفة خاصة بهم بالرغم من محدودية إمكانيات عائلاتهم؟ هناك بعض المواصفات التي تميز المراهق، على مستوى شخصيته، حيث تصبح النزعة إلى الاستقلال الذاتي في فضاء شخصي وحميمي أقوى لديه، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال امتلاك فضاء شخصي خاص به، يستطيع من خلاله المراهق استثمار مجالاته الشخصية الحميمية واستقلاله الذاتي، دون أن يكون لباقي أفراد الأسرة اطلاع أو تدخل مباشر في ذلك، وهذه النزعة تكون مرافقة لشخصية المراهق أو المراهقة. لا يكون هناك مشكل في حالة توفر الإمكانيات المادية ووجود مساحات شاغرة داخل البيت، لكن الإشكال هو أن الإفراط في نزعة الفردانية وامتلاك فضاء خاص وتدبيره بطريقة شخصية ومستقلة عن الآخرين من طرف المراهق، يصطدم مع حدود المجال الأسري، وتزايد عدد أفراد الأسرة ومحدودية الغرف التي لا تسمح للأسرة بمنح كل واحد من أفرادها غرفة خاصة به. وهذا يخلق نوعا من الصراع والمواجهة إما المباشرة أو غير المباشرة بين المراهق ووالديه. كما نجد نوعا من الإلحاح والمطالبة بتوفير هذا الطلب ولو على حساب أفراد الأسرة الآخرين، وهو ما ينتج عنه علاقة متوترة بين المراهق ووالديه، هذه العلاقة تشوبها ردود أفعال حادة في حالة عدم القدرة على الاستجابة لطلبه، وعدم توفر إمكانية منحه غرفة خاصة به. ما هو الدور الإيجابي لتحمل المراهق مسؤولية فضاء خاص به وتدبيره؟ عندما تكون الظروف والإمكانيات المادية ملائمة ومتوفرة، يبقى من الأهمية بما كان توفير غرفة خاصة للمراهق، لانعكاساتها الإيجابية على اندماجه داخل الحياة الأسرية، وعلى مستوى الأسلوب التربوي الملائم، لأنها تحسس المراهقين بطريقة أو بأخرى بنوع من الحميمية الشخصية على مستوى الفضاء الذاتي، الذي يقوم المراهق بتدبيره والذي يهيؤه لنزعة استقلال ذاتي، ويعطيه إمكانية الشعور بالذات القادرة على التسيير والتدبير وامتلاك فضاء حميمي داخل الفضاء الأسري. وهذا يكون من بين الأساليب والاستراتيجيات التي تهيء المراهق أو المراهقة إلى تقوية هذه النزعة والرغبة في الاستقلال الذاتي بنوع من التدبير والتنظيم المعقلن، وليس بمعادلة «افعل أو افعلي ما تشائين»، وإنما بآليات هادفة تمكن المراهق من امتلاك هذه الخصائص والاستراتيجيات التنظيمية، لفضاء حميمي داخل فضاء كبير متمثل في الأسرة بتواصلها وانفتاحها، حيث يصبح للمراهق القدرة على التسيير والتدبير الذاتي لحياته الخاصة من الناحية الدراسية التربوية وكذلك الترفيهية، فتصبح المرجعية هي القدرة على تحقيق الحميمية وسط الانفتاح والتعايش مع الآخرين، والتفاوض معهم بأسلوب حواري حضاري وتعاقدي، وهنا تكمن أهمية تخصيص فضاء خاص وحميمي للمراهق. ما هي الانعكاسات السلبية لحرمان المراهق من غرفة خاصة به؟ وكيف يجب أن يتعامل الآباء مع أبنائهم في حالة عدم قدرتهم عل توفير هذا المطلب؟ بالرغم من أهمية هذا الأمر ووجود نزعة سيكولوجية قوية لدى كل مراهق لامتلاك فضاء خاص به، يحقق فيه استقلاليته ويستطيع تدبيره حسب احتياجاته مهما كان صغيرا من حيث المساحة، إلا أن هذا الأمر ليس متاحا أمام الكثير من الأسر المحدودة الدخل والتي تقطن بشقق صغيرة، لا تمكنها من توفير غرفة خاصة لكل واحد من أطفالها. وهذه الوضعية تنتج لنا نوعا من الشعور بالإحباط والحرمان وعدم القدرة على امتلاك فضاء خاص، حيث يشعر المراهق بأن حميميته مخترقة من طرف جميع أفراد الأسرة، فيما يتعلق بحياة المراهق الشخصية وعلاقته مع أقرانه، والأحداث التي يعيشها، والتي لها أهمية خاصة في هذه المرحلة. وبالتالي فهذا الحرمان يولد مشاعر سيكولوجية سلبية لدى المراهق، لأنه يحس بالحصار والاختناق ويشعر بأنه مراقب من طرف الآخرين، مما ينتج عنه رغبة المراهق في مغادرة البيت وعدم الحضور داخله باستمرار، لأنه يفضل أن يكون حاضرا مع أقرانه في فضاءات عمومية بدل البيت. وهذا الابتعاد تكون له انعكاسات سلبية على شخصية المراهق وعلى علاقاته الأسرية. لذلك يبقى أسلوب الحوار والنقاش والتفاهم هو أنجح أسلوب لإقناع المراهق بالتعايش مع إمكانيات الأسرة، ومحاولة توفير فضاء ولو محدود مجاليا للمراهق يعيش فيه حميميته، واستقلاليته بعيدا عن تدخل الآخرين. حاورته مجيدة أبوالخيرات *أستاذ في علم النفس الاجتماعي