قبيل الأحداث الدامية، كانت بعض المدن المغربية، تشهد وقوع حوادث قتل وتنكيل تحمل توقيع وتتم تحت غطاء «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». كانت تلك الجرائم محصلة لشحن العقول بأدبيات ثقافة القتل والتكفير، التي سٌخرت لها إمكانيات مالية ضخمة، صرفت في إغراق سوق المطبوعات الدينية، بكتب وشرائط تحض على التشدد وتغيير المنكر، كما اسٌتغلت المنابر في تمرير رسائل دينية خطيرة، إضافة إلى غض الطرف عن مئات المساجد الخارجة عن رقابة الدولة. شبح الإرهاب يطل على المملكة مسلسل تلك الجرائم انطلق في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، وحملت أولى الجرائم توقيع محمد داوود الخملي، الذي توبع بتهمة المشاركة في قتل شرطي بسيدي البرنوصي بالبيضاء في 1998، كانت هناك أيضا خلية مصطفى التاقي بفاس، والذي مارست جماعته اعتداءاتها في حق عشرات المواطنين في سنوات بداية الألفية، حيث كان أعضاء الجماعة ينشطون بعدة أحياء هامشية بفاس، ويقومون بدوريات لمحاربة «المنكر». بسط أفراد الجماعة نفوذهم على عدة وداديات سكنية، وقاموا بالاعتداء على مروجي المخدرات وعاملات الجنس والنساء المتبرجات، واللواتي يرافقهن غرباء، وكانت جل عملياتهم التعزيرية تجري تحت غطاء محاربة الفجور والنصح والدعوة إلى الله. تعددت الجرائم المرتكبة باسم الدين، عشية 16 ماي 2003، لتشمل كل من يخالف الضوابط الإسلامية على طريقة التكفيريين، فمثلا وقف الرباع خلال جلسات محاكمته، معترفا أمام القاضي بتفاصيل جريمة قتل شخص برىء، لمجرد اختلاف في الرأي حول مفهوم التطرف، كما سجلت الأجهزة الأمنية وقوع جريمة قتل بشعة، ارتكبت من طرف سلفيين جهاديين آخرين في حق رجل الأمن، خنقوه حتى الموت، قبل أن يقطعوا جثته ويلقوا بأشلائه في واد بضواحي الناظور. توالت بعد ذلك، عمليات الجماعات المتطرفة عبر سلسلة من جرائم القتل البشعة، كما حدث في 1998، حينما قام أمير الدم يوسف فكري، باقتحام منزل عمه الذي كان في جلسة حميمية رفقة عشيقته، فكبله ووجه إليه طعنات قاتلة بالسكين، وأجبر المشيعين على عدم الصلاة على الجنازة باعتبار أن عمه كان فاسقا وكافرا. واصل التكفريون غزواتهم، بالتخطيط لتصفية شخص اتهموه بالشذوذ الجنسي، وهو عامل بالمكتب الشريف للفوسفاط، كما قاموا في آواخر سنة 2001، باستهداف الموثق عبد العزيز أسدي، الذي أمروه باصطحابهم لكنه رفض، فاختطفوه رفقة شابتين، وأجبروهم على الركوب بالسيارة المسروقة وقادوهم إلى ساحة فارغة، فأشبعوا الشابتين ضربا قبل إخلاء سبيلهما، ليقرر يوسف فكري قتل الضحية، بذبحه من الوريد إلى الوريد ورمى الجثة ببئر مهجور. حسب محمد دمير، المساعد الأيمن ليوسف فكري، فهذه العمليات تُشكل «دورات ربانية» للنهي عن المنكر، اعتدوا خلالها على العديد من الاشخاص إما بسبب السكر أو بسبب علاقات جنسية غير شرعية، كما استولوا على سيارات العديد من الضحايا. كان من بين المعتدين ربيع آيت أوزو، الذي توفي لاحقا بسبب إصابته برصاص الشرطة خلال مداهمة بيت دمير. شعار«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، شكل عند توفيق الحنويشي منفذا شرعيا، للتحرش بالمواطنين في الشارع بدعوى أنه داعية وأن له الحق في إرشاد الناس إلى الدين. اعتدى الحنويشي على مواطنين ضمنهم ضابط شرطة باغته بطعنة سكين رفقة سلفيين جهاديين آخرين، بدعوى أنه يشجع على الرذيلة، إذ كان يتحدث إلى مواطنة، ما اعتبره المتطرفون أمرا غير مقبول، وأنهما يستحقان عقابا. استمرت «ميليشيات الحدود» في تطبيق تعاليمها إلى أن استيقظ المغاربة على صدمة «الخميس الأسود». 16 ماي 2003.. تفاصيل القصة الحزينة في 12 ماي 2003، نشرت وكالات الأنباء الدولية، خبرا عاجلا عن سماع دوي انفجارات قوية داخل ثلاث مركبات سكنية شرق العاصمة السعودية. في تلك الليلة المغربية الهادئة، اجتمع 14 شابا مغربيا، بإحدى البراريك بمنطقة سيدي مومن بالبيضاء. كان ذلك الاجتماع الأخير بينهم، وبين شخص يدعى بعبدالحق بنتاصر، كنيته «مول الصباط»، وذلك لوضع اللمسات الأخيرة على مخطط تفجيرات الرعب الدموي. منذ العاشر إلى الرابع عشر من شهر ماي حرص أحد منسقي الخلية الإرهابية المسمى بالطاوسي على عدم مغادرة منزله إلا لتأدية الصلاة بمسجد دوار السكويلة وذلك بناء على تعليمات من العمري. وبتاريخ الخامس عشر من ماي، ذهب الطاوسي رفقة بوليقضان إلى منزل العمري ومكثا عنده هناك حيث كانوا يستمعون للأشرطة التي تدعو في مجملها إلى الجهاد باستعمال العنف ،منها شريط «الرحلة إلى الديار الآخرة» ، وبقيا بمنزله إلى حدود صلاة العصر حين أخبرهم العمري أنه سيخرج لشراء الأدوات والمعدات اللازمة لتحضير تصنيع القنابل المتفجرة اليدوية، فخرج تاركا الإثنين بمنزله بعد أن أحكم الإغلاق عليهما بالمفتاح وبعد حوالي ساعة عاد العمري وهو يحمل المواد المتفجرة، بينما تكلف الطاوسي بوزنها بواسطة الميزان، قاما كل من العمري وبوليقضان بصنع المتفجرات، ليلتحق بهما في نفس اليوم بعد صلاة العشاء كل من العروسي والنائب وكوثري وبلقايد فتناولوا جميعا وجبة العشاء ليخبرهم بعدها بوليقضان أن سعيد عابد قام بتحديد المواقع التي سيتم استهدافها. وبتاريخ الجمعة 16ماي اجتمع الانتحاريون الخمسة عشر في منزل العمري حيث صلوا الظهر جماعة وأدوا القسم فقاموا بالاغتسال الواحد تلو الآخر و هم يهيئون أنفسهم لصلاة الجمعة ، وبعدها تمت مشاهدة شريط فيديو أحضره الطاوسي من منزله والذي تتمحور صوره حول الموت وأهوال القبور. وحوالي الساعة الثانية عشرة والنصف خرج العمري لأداء صلاة الجمعة بالمسجد بمفرده بعد أن أحكم إغلاق الباب على الجماعة. ولِبَثِّ الحماس في قلوبهم شاهدوا شريطين بصريين حول الجهاد من بينهما «عشاق الشهادة».. و«جحيم الروس».. ليحضر لهم العمري التمر والحليب وبتناول كل واحد منهم حصته ، وحوالي الساعة السادسة والنصف، أخذ خالد بن موسى يحلق لحية كل واحد من الانتحاريين الأربعة عشر، و هموا بخلع اللباس الأفغاني الذي اعتادوا على ارتدائه، واستبداله باللباس العادي للابتعاد عن الشبهات مباشرة بعد أداء صلاة المغرب والعشاء جمعا، قام عبد الفتاح بتقسيم الانتحاريين إلى أربع مجموعات وعلى رأسها نصب أميرا حيث وضع عادل الطايع أميرا في المجموعة الأولى ومحمد المهني في المجموعة الثانية وسعيد عابيد في المجموعة الثالثة، ونصب بوليقضان نفسه أميرا على المجموعة الرابعة، كما قام بتسليمهم حقائب للظهر تحتوي على المتفجرات وكذا سلمهم ساعات يدوية لضبط الوقت أثناء العمليات الانتحارية. كما أعطاهم ولاعات لإشعال فتائل المتفجرات احتياطيا وسكاكين، وحثهم على استعمال السلاح الأبيض في حق أي حارس حاول منعهم من الوصول للهدف. خمس مجموعات لضرب الأهداف الخمسة مساء يوم الجمعة 16 مايو 2003 استقلت كل مجموعة سيارة أجرة بعد انقسام المنفذين إلى أربعة مجموعات. نزلت مجموعة عبد الفتاح بوليقضان بالقرب من فندق فرح. توجه كل من عبد الفتاح بوليقضان و محمد العمري و محمد الأسمر راجلين نحو مدخل الفندق. الانتحاري الرابع في هده المجموعة حسن الطاوسي، انسحب من المجموعة قبل ركوب سيارة الأجرة و فر هاربا. واصل الثلاثة مسيرهم نحو باب الفندق, و عند اقترابهم إليه أمر عبد الفتاح بوليقضان محمد العمري بالولوج أولا، و بعد مراوغة الحارس تمكن العمري من الدخول بعد انسلاله جريا إلا أنه تخلص من حقيبة المتفجرات حين سمع انفجارا مدويا وراءه. و تمكن كل من عبد الفتاح بوليقضان و محمد الأسمر من تفجير نفسيهما عندما منعهما الحارس من الولوج اد ارتمى عليهما فاضطرا إلى الضغط على الزر قبل الأوان المقرر. بعد الانفجار اضطر محمد العمري، الذي كان ينوي تفجير نفسه إلى ترك حقيبة المتفجرات على الأرض تحت جثث سقطت بالقرب منه و فر في اتجاه الرصيف المقابل لمدخل الفندق إلى أن حاصره الحاضرون بالمكان. مجموعة رشيد خليل التي ضمت محمد مهني و خالد تائب، وتوجهت إلى مقر الرابطة اليهودية. أسرعا محمد و خالد نحو المدخل و اقتحما الباب و توارى رشيد الذي عاين انفجارهما فتراجع و وضع حقيبته بين سيارتين قابعتين على حافة الطريق و انصرف دون أن يلاحظه أحد. فجر محمد مهني و خالد تائب نفسيهما على مرأى من رشيد وتطايرت أشلاء جثتهما بالقرب من مقر الرابطة اليهودية الذي كان خاليا بالكامل. و اتجهت مجموعة خالد بنموسى، التي ضمت لعروسي محمد و محمد الغرباوي و محمد حسونة، إلى نادي كازا اسبانيا الذي كان غاصا بالزوار. و هناك تفوق الانتحار يون في تنفيذ الخطة المرسومة بحذافيرها. اذ قاموا بذبح الحارس و ولجوا مقر النادي ثم فجروا أنفسهم دفعة واحدة، و هدا ما يفسر ارتفاع حصيلة الضحايا بهذا الموقع. تطايرت أشلاء الجثث في كل مكان و وصل بعضها إلى طوابق العمارات المجاورة. و توجهت المجموعة الثالثة إلى مطعم «بوزيطانو» الايطالي و كانت تضم ثلاثة شبان استوقفهم الحارس قبل الوصول إلى المدخل على بعد مترين تقريبا. و أمام إصراره على منعهم من الدخول قاموا بتفجير أنفسهم خارج المطعم الذي كان غاصا الزبناء آنذاك. الظلامية تسود هوامش الفقر سلطت الأحداث الإرهابية ل 16 مالي، الضوء على هوامش حضرية، يسودها الفقر والجهل والبطالة ، شكلت أنذاك مناخا مناسبا لشيوخ الظلامية من أجل استقطاب أتباع لهم، غالبيتهم شباب في مقتبل العمر، تتراوح أعمارهم بين19 و 27 عاما، ينتمون إلى عائلات فقيرة، كان بعضهم عاطل عن العمل. أما الآخرون، فيزاولون أعمالا هامشية أو مهنا بسيطة. يجمع بينهم تركهم لمقاعد الدراسة مبكرا، لم يتعدى تكوين الغالبية منهم السنوات الأولى من التعليم الإعدادي. استهدفت أولى عمليات الاستقطاب، الشرائح الاجتماعية من قاطني الأحياء المهمشة، وخاصة من الشباب محدودي الثقافة والتكوين والتجربة في الحياة. توالت تلك العمليات، دون إيلاءها الاهتمام الأمني المناسب. هكذا نجحت الرؤوس المنظمة في التمكين لخلايا الإرهاب الأعمى عبر استقطاب المؤهلين من الأحياء المعروفة باستفحال البطالة وانتشار الأمية وانعدام الأمن، قبل أن يتم شحنهم إيديولوجيا، ليتحولوا مستقبلا إلى قنابل بشرية. كانت عمليات الشحن النفسي بأفكار القتل والتكفير والعنف الديني، تؤطر عبر استدعاء شيوخ تيار السلفية الجهادية لتأطير الأتباع في إطار حفلات زفاف وعقيقة أو مناسبات مختلقة ووهمية، إضافة إلى الاجتماعات الدورية التي تقام بالمنازل أو الدكاكين والمساجد الخارجة عن سلطة وزارة الأوقاف. عمليات التأطير صاحبها، تمكين الأتباع من فرص عمل، لذلك كان غالبيتهم، يعملون باعة جائلين مختصين في بيع الكتب والأشرطة الدينية، والأعشاب، و«الريب البلدي»، وغيرها من المهن البسيطة، وذلك بعد الاستفادة من مساعدات وتمويلات وقروض صغيرة، يتم صرفها في إطار الجمعيات الإحسانية والخيرية. رغم وجود تقارير أمنية في تلك الفترة، تشير إلى علاقة بين الباعة السلفيين الضالعين في حوادث قتل معزولة، وجهات منظمة تُوظف إمكانيات مالية لهم، فإنها لم تشير إلى وجود مخططات ومشاريع تخريبية منظمة، تستهدف المس بالسلامة الداخلية للدولة. التقارير الأمنية ذاتها، أشارت إلى حقيقة تورط الجهات المنظمة في إنشاء أحياء للبناء العشوائي بمناطق مختلفة. لكن التحركات الأمنية الواسعة لاحتواء بؤر التشدد الديني، لم تنطلق إلا بعد الأحداث الأليمة. ماذا تغير بعد عشر سنوات بعد 16 ماي؟ الجواب يُلخصه فاعل جمعوي بقوله «بدل دور صفيحية أفقية.. أصبحنا نتحدث عن كاريان عمودي». قبل شهور تسببت حرب «البراريك» في اندلاع مواجهات بعدة مدن، من بينها مدينة طنجة، التي شهدت مناوشات بين سلفيين من جهة، والأمن والقوات العمومية من جهة أخرى. انطلقت شرارة المواجهات بعد تدخل السلطة، لإزالة بنايات عشوائية. انتهت العمليات بهدم جميع البنايات العشوائية، لكنها كشف عن وجود جهة منظمة تستغل السلفيين من جديد. وهو ما أكده تقرير لإدارة مراقبة التراب الوطني، حذرت فيه من معاودة إفراز النسق التنظيمي ذاته الذي اعتمدته الجماعات المتطرفة في تسعينيات القرن الماضي.